إن اكتشاف آداب الأمم الأخرى هو جزء حيوي من الثقافة التي تتوسل اكتشاف الآخر، واكتشاف الذات أيضا، بمقارنتها مع الآخر ومنجزه. مع مطلع القرن العشرين أصبح الاهتمام بالأدب الصيني أكثر جدية في الوطن العربي. فقد اكتشف الكاتب الكبير نجيب محفوظ مثلا الأدب الصيني من خلال ترجمة كتاب المحاورات الكنفوشيوسية ورواية «الجمل شيانغ تسي» للكاتب الصيني لاو شه. ورأى فيه قرابة كبيرة بين ما تحكيه الرواية كقصة ولكن أيضا طريقة حكي، والمجتمع العربي نظرا لتشابه البنى الإقطاعية في الكثير من الصفات، إذ تكاد تكون واحدة في شكلها وفي عمقها الفكري أيضا.
يحظى الأديب الصيني لو شيون بمكانة مرموقة لدى أهل الفكر والأدب و الثقافة في عدة بلدان عربية إذ يعتبرونه من أهم رواد الفكر والثقافة في الأدب الصيني الحديث، وتتربع أعمال لو شيون على عرش الأعمال الأدبية الصينية التي ترجمت إلى اللغة العربية في خمسينيات القرن الماضي وتركت انطباعات جيدة لدى القراء العرب. ومن ضمن هذه الأعمال المترجمة: قصص لوشيون المختارة، ومذكرات مجنون والدواء، و ضحية العام الجديد، والبيت القديم والأسرة السعيدة وغيرها من الأعمال الروائية والقصصية المعروفة.
كاتب آخر حظي بالاهتمام الترجمي نفسه، هو الأديب با جين المعروف صينيا وعالميا. من أعماله التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية ثلاثيته الشهيرة الوابل و التي تضم روايات: الأسرة والربيع والخريف كما ترجمت لبا جين رواية حلم البحر. ويقول الناقد الصيني الكبير ليو تساي فو في مقال له: ان هناك تقاربا كبيرا بين واقع أعمال الأديب المصري نجيب محفوظ وواقع الأعمال الروائية لباجين. فإذا كان نجيب محفوظ هو عميد الرواية العربية، فإن باجين هو أحد أهم رموز الرواية الصينية.
في السنوات الأخيرة، خرجت ترجمة الأدب الصيني من الهواية الفردية والإعجاب، إلى الجهد المنظم والمتخصص. فقد أبدت الكثير من المؤسسات العربية اهتمامها في السنوات الأخيرة بالأدب الصيني بغية ترجمته ووضعه في متناول القارئ العربي.
وهي جهود على الرغم من قلتها، إلا أنها تستحق كل الاهتمام والتنويه لأنها هي الوحيدة التي يمكنها أن تجعل من الترجمة فعلا منظما ومفيدا ولا تحسب المسألة من موقع الربح المادي لأن العلاقات بين الشعوب هي أكبر الرهانات الحالية والمقبلة. من ذلك نجد ما قام المركز القومي للترجمة من ترجمات مهمة للأدب الصيني. وضمن إصداراته المتميزة: موسوعة «الأدب الصيني في القرن العشرين» تأليف فو شينج هاو التي ترجمها الدكتور عبد العزيز حمدي.
إن الترجمة في هذا السياق هي طبيعية وتدخل في نظام الأشياء نظرا للقيمة الأدبية ونظرا للروابط التاريخية العربية الصينية. فالتيار المنخرط في هذا المشروع الآسيوي العربي هو تيار مستقبلي لأنه مدرك للقيمة الاستراتيجية للعالم العربي وللصين أيضا. التوجه شرقا مسألة طبيعية والخروج من العلاقات القديمة المحكومة استعماريا ضرورية. يرى الكثير من المختصين أنه يجب إحياء جهود ما قام به عبد الله بن المقفع من التوجه شرقا أي بلاد الهند وفارس عندما ترجم كليلة ودمنة والأدب الكبير والأدب الصغير. وإحياء تقليد دار الحكمة العظيمة التي شعرت بالحاجة الثقافية للآخر في وقت مبكر. على الرغم من الكثير الذي نعرفه عن دار الحكمة في بغداد، إلا أن بعضنا لا يعرف أن قسم الترجمة فيها كان مؤلفا من أقسام أصغر حسب اللغات الأجنبية السائدة آنذاك، وهي اليونانية والفارسية والسريانية والهندية، وهو ما يعني أن ثلاثة أرباع هذه اللغات المعتمدة في الدار كانت لغات شرقية.
ومن ضمن الجهود الترجمية المؤسساتية ما قام به أيضا مشروع «كلمة» للترجمة. فقد لعب دورا بارزا في الترجمة والحوار بين الحضارتين العربية والصينية إذ قام بنقل مجموعة من الكتب والمؤلفات الصينية إلى العربية البعض منها تمت ترجمته عبر لغة وسيطة مثل الفرنسية والإنكليزية والبعض الآخر تمت ترجمته عبر اللغة الصينية مباشرة. ومن إصدارات «كلمة» المتعلقة بالصين نجد رواية «زنبقة الماء .. حكايات شعبية من الصين» جمعها ريف. جيه ماكجوان، وهي مجموعة من الحكايات الشعبية التي تصور قيم العدل والتسامح والاحترام لدى الشعب الصيني. و»مملكة الزهرة السوداء» .. التي نتعرف من خلالها على أحد أبرز الأدوار التي اضطلعت بها الحكايات على مر التاريخ وهو الدور التعليمي التربوي والثقافي. قامت بنقلها إلى العربية المترجمة: خلود الخطيب.
كما تضمنت إصدارات مشروع كلمة الترجمي نصين هما.. «مدينة حدودية» و»الطفلة العروس» للكاتب الصيني شين تسونج، وهو من مواليد مقاطعة خونان بجمهورية الصين الشعبية في عام 1902. وقد نقلها إلى العربية الدكتور عبدالعزيز حمدي. وتجري أحداث رواية «مدينة حدودية» التي نشرت أول مرة في عام 1934 وعمرها الزمني يقع بين حقبتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الفائت. في المدينة الحدودية «تشاتونج» التي تقع على ضفة نهر عند ملتقى حدود ثلاث مقاطعات صينية هي سيتشوان وخونان وقويتشو . وتحمل روائع الأدب الصيني بين طياتها دعوة إلى رؤية جديدة، وقراءة جديدة، ونظرة موضوعية إلى أكثر التحديات الاجتماعية التي واجهت وتواجه المجتمع الصيني، خاصة رائعة «الطفلة العروس» حيث التقط فيها قلمه المرهف أحداث قصته من واقع الحياة الاجتماعية في قرية جبلية معزولة مغلقة على عاداتها وتقاليدها. أما «معجم الأدب الصيني» الذي نقله إلى العربية الدكتور محمد حمود، فيقدم معرفة موجزة ودقيقة وشاملة عن كل ما يتعلق بالأدب الصيني منذ أقدم عصوره وحتى نهاية القرن العشرين تعريفا بالأدباء ونتاجهم والمدارس الأدبية والمذاهب الأدبية التي انخرطوا فيها.
هذا الاهتمام العربي المؤسساتي بالأدب الصيني يجعلنا نتأكد مرة أخرى من أن العلاقات الثقافية العربية الصينية في ظل المعطيات الجيوسياسية الراهنة تجعل من هذه العلاقة مسالة حيوية وضرورية وتقلل من المركزية الأوروبية الأمريكية تحديدا، وتفتح أفقا ثقافيا جديدا نحو فاعل سياسي وحضاري مهم. العلاقات الثقافية والأدبية مع الصين ليست مهربا نحو تجربة أخرى تقع في آسيا أو في غيرها ولكنها التوازن عينه. الوطن العربي أصبح اليوم في حاجة ماسة إلى الدخول في خضم هذه التبدلات السياسية والعسكرية ولكن أيضا الثقافية والأدبية القادمة من جهة كان يعرفها العرب جيدا قبل أن تغلق الاستعمارات الحديثة التركية والغربية بدءا من القرن السابع عشر، مسالك طريق الحرير والطريق البحري اللذين كانا شريانا التبادلات التي توقفت بشكل فجائي، واضعة حدا قاسيا لكل التعاملات الثقافية والحضارية. ربما كان طريق الأدب هو طريق النور القادم الذي يجب التركيز عليه في ظل سقوط كل القيم التي تمت المراهنة عليها عربيا، ربما رمم الفعل الثقافي والترجمة تحديدا، بعضا من هذا النقص أو جزءا من هذا الخراب المعمم.
يحظى الأديب الصيني لو شيون بمكانة مرموقة لدى أهل الفكر والأدب و الثقافة في عدة بلدان عربية إذ يعتبرونه من أهم رواد الفكر والثقافة في الأدب الصيني الحديث، وتتربع أعمال لو شيون على عرش الأعمال الأدبية الصينية التي ترجمت إلى اللغة العربية في خمسينيات القرن الماضي وتركت انطباعات جيدة لدى القراء العرب. ومن ضمن هذه الأعمال المترجمة: قصص لوشيون المختارة، ومذكرات مجنون والدواء، و ضحية العام الجديد، والبيت القديم والأسرة السعيدة وغيرها من الأعمال الروائية والقصصية المعروفة.
كاتب آخر حظي بالاهتمام الترجمي نفسه، هو الأديب با جين المعروف صينيا وعالميا. من أعماله التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية ثلاثيته الشهيرة الوابل و التي تضم روايات: الأسرة والربيع والخريف كما ترجمت لبا جين رواية حلم البحر. ويقول الناقد الصيني الكبير ليو تساي فو في مقال له: ان هناك تقاربا كبيرا بين واقع أعمال الأديب المصري نجيب محفوظ وواقع الأعمال الروائية لباجين. فإذا كان نجيب محفوظ هو عميد الرواية العربية، فإن باجين هو أحد أهم رموز الرواية الصينية.
في السنوات الأخيرة، خرجت ترجمة الأدب الصيني من الهواية الفردية والإعجاب، إلى الجهد المنظم والمتخصص. فقد أبدت الكثير من المؤسسات العربية اهتمامها في السنوات الأخيرة بالأدب الصيني بغية ترجمته ووضعه في متناول القارئ العربي.
وهي جهود على الرغم من قلتها، إلا أنها تستحق كل الاهتمام والتنويه لأنها هي الوحيدة التي يمكنها أن تجعل من الترجمة فعلا منظما ومفيدا ولا تحسب المسألة من موقع الربح المادي لأن العلاقات بين الشعوب هي أكبر الرهانات الحالية والمقبلة. من ذلك نجد ما قام المركز القومي للترجمة من ترجمات مهمة للأدب الصيني. وضمن إصداراته المتميزة: موسوعة «الأدب الصيني في القرن العشرين» تأليف فو شينج هاو التي ترجمها الدكتور عبد العزيز حمدي.
إن الترجمة في هذا السياق هي طبيعية وتدخل في نظام الأشياء نظرا للقيمة الأدبية ونظرا للروابط التاريخية العربية الصينية. فالتيار المنخرط في هذا المشروع الآسيوي العربي هو تيار مستقبلي لأنه مدرك للقيمة الاستراتيجية للعالم العربي وللصين أيضا. التوجه شرقا مسألة طبيعية والخروج من العلاقات القديمة المحكومة استعماريا ضرورية. يرى الكثير من المختصين أنه يجب إحياء جهود ما قام به عبد الله بن المقفع من التوجه شرقا أي بلاد الهند وفارس عندما ترجم كليلة ودمنة والأدب الكبير والأدب الصغير. وإحياء تقليد دار الحكمة العظيمة التي شعرت بالحاجة الثقافية للآخر في وقت مبكر. على الرغم من الكثير الذي نعرفه عن دار الحكمة في بغداد، إلا أن بعضنا لا يعرف أن قسم الترجمة فيها كان مؤلفا من أقسام أصغر حسب اللغات الأجنبية السائدة آنذاك، وهي اليونانية والفارسية والسريانية والهندية، وهو ما يعني أن ثلاثة أرباع هذه اللغات المعتمدة في الدار كانت لغات شرقية.
ومن ضمن الجهود الترجمية المؤسساتية ما قام به أيضا مشروع «كلمة» للترجمة. فقد لعب دورا بارزا في الترجمة والحوار بين الحضارتين العربية والصينية إذ قام بنقل مجموعة من الكتب والمؤلفات الصينية إلى العربية البعض منها تمت ترجمته عبر لغة وسيطة مثل الفرنسية والإنكليزية والبعض الآخر تمت ترجمته عبر اللغة الصينية مباشرة. ومن إصدارات «كلمة» المتعلقة بالصين نجد رواية «زنبقة الماء .. حكايات شعبية من الصين» جمعها ريف. جيه ماكجوان، وهي مجموعة من الحكايات الشعبية التي تصور قيم العدل والتسامح والاحترام لدى الشعب الصيني. و»مملكة الزهرة السوداء» .. التي نتعرف من خلالها على أحد أبرز الأدوار التي اضطلعت بها الحكايات على مر التاريخ وهو الدور التعليمي التربوي والثقافي. قامت بنقلها إلى العربية المترجمة: خلود الخطيب.
كما تضمنت إصدارات مشروع كلمة الترجمي نصين هما.. «مدينة حدودية» و»الطفلة العروس» للكاتب الصيني شين تسونج، وهو من مواليد مقاطعة خونان بجمهورية الصين الشعبية في عام 1902. وقد نقلها إلى العربية الدكتور عبدالعزيز حمدي. وتجري أحداث رواية «مدينة حدودية» التي نشرت أول مرة في عام 1934 وعمرها الزمني يقع بين حقبتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الفائت. في المدينة الحدودية «تشاتونج» التي تقع على ضفة نهر عند ملتقى حدود ثلاث مقاطعات صينية هي سيتشوان وخونان وقويتشو . وتحمل روائع الأدب الصيني بين طياتها دعوة إلى رؤية جديدة، وقراءة جديدة، ونظرة موضوعية إلى أكثر التحديات الاجتماعية التي واجهت وتواجه المجتمع الصيني، خاصة رائعة «الطفلة العروس» حيث التقط فيها قلمه المرهف أحداث قصته من واقع الحياة الاجتماعية في قرية جبلية معزولة مغلقة على عاداتها وتقاليدها. أما «معجم الأدب الصيني» الذي نقله إلى العربية الدكتور محمد حمود، فيقدم معرفة موجزة ودقيقة وشاملة عن كل ما يتعلق بالأدب الصيني منذ أقدم عصوره وحتى نهاية القرن العشرين تعريفا بالأدباء ونتاجهم والمدارس الأدبية والمذاهب الأدبية التي انخرطوا فيها.
هذا الاهتمام العربي المؤسساتي بالأدب الصيني يجعلنا نتأكد مرة أخرى من أن العلاقات الثقافية العربية الصينية في ظل المعطيات الجيوسياسية الراهنة تجعل من هذه العلاقة مسالة حيوية وضرورية وتقلل من المركزية الأوروبية الأمريكية تحديدا، وتفتح أفقا ثقافيا جديدا نحو فاعل سياسي وحضاري مهم. العلاقات الثقافية والأدبية مع الصين ليست مهربا نحو تجربة أخرى تقع في آسيا أو في غيرها ولكنها التوازن عينه. الوطن العربي أصبح اليوم في حاجة ماسة إلى الدخول في خضم هذه التبدلات السياسية والعسكرية ولكن أيضا الثقافية والأدبية القادمة من جهة كان يعرفها العرب جيدا قبل أن تغلق الاستعمارات الحديثة التركية والغربية بدءا من القرن السابع عشر، مسالك طريق الحرير والطريق البحري اللذين كانا شريانا التبادلات التي توقفت بشكل فجائي، واضعة حدا قاسيا لكل التعاملات الثقافية والحضارية. ربما كان طريق الأدب هو طريق النور القادم الذي يجب التركيز عليه في ظل سقوط كل القيم التي تمت المراهنة عليها عربيا، ربما رمم الفعل الثقافي والترجمة تحديدا، بعضا من هذا النقص أو جزءا من هذا الخراب المعمم.
واسيني الأعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق