ترجم حسانين فهمي حسين (مواليد 1979) أستاذ اللغة الصينية المساعد في كلية الألسن - جامعة عين شمس، بعض كنوز الأدب الصيني إلى العربية وبين ترجماته رواية مو يان؛ الرواية الفائزة بجائزة نوبل عام 2012 «الذرة الحمراء الرفيعة»، ورائعة ليوجين يوين «الموبايل». يأسف حسين للوجود المحدود للأدب العربي في الساحة الثقافية الصينية، مقارنةً بنظيره الأميركي اللاتيني. وترجمات حسين تسهم في التواصل الثقافي والفكري بين العالم العربي والصين التي تعد قارة متعددة القوميات والإثنيات والأعراق. هنا حوار معه:
> لماذا اخترت التخصص في الأدب الصيني؟
- بعد تعييني معيداً، كنت أخطط للالتحاق بديبلوم الترجمة التي تمنحها كلية الألسن والمعادِلة للماجستير، ولكن فوجئت بأن الكلية وجهت عدداً من المعيدين في تخصصات مختلفة للتسجيل في تمهيدي الماجستير رغبة منها في تشجيع البحث في مجال الدراسات اللغوية والأدبية. فقررت حينها اختيار تخصص الدراسات الأدبية لأتعمق في دراسة الأدب الصيني.
> كنت أول من ترجم رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» إلى اللغة العربية نقلاً عن الصينية، كيف تنظر إلى هذه التجربة؟
- هذه التجربة تعد نقطة تحول مهمة في مسيرتي العلمية، وذلك لأسباب مختلفة، أهمها أنها كانت أول ترجمة لرواية صينية للكتاب الصينيين المعاصرين من الجيل الذي ولد في مطلع تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والذين استفادوا في شكل كبير من التراث الأدبي الصيني الغني بحكمة الصين واطلعوا على التيارات الأدبية العالمية على العكس سابقيهم. كما كانت أول تجربة لي في مجال ترجمة الرواية الطويلة، وكنت قد وجدت كل التشجيع من السيد مويان الذي رجعت إليه كثيراً خلال الترجمة. بل وأذكر أنني بعد قراءة الرواية أكثر من مرة، وقبل البدء في الترجمة، جلست معه في بكين (20 نوفمبر 2007) وتناقشنا لأكثر من ساعتين حول هذه الرواية. وأهداني نسخة الرواية بتوقيع منه، وموافقة خطية لترجمة عدد من أعماله إلى العربية.
> ترجمتك لرواية مويان صدرت في القاهرة عن المركز القومي المصري للترجمة بعد أيام قليلة من فوزها بجائزة نوبل، فهل حدث ذلك مصادفة؟
- نعم صدرت الترجمة بعد فترة وجيزة جداً من حصول مويان على الجائزة، ولكن ذلك لم يكن من قبيل المصادفة، لأني كنت انتهيت من الترجمة وسلمت نسختها الأخيرة إلى المركز القومي للترجمة قبل أكثر من عام على حصول مويان على الجائزة، وقد ساعد إعلان فوزه بالجائزة على دفع إصدار الترجمة العربية للرواية.
> ما فلسفة اختيار ترجماتك؟
- بدايةً أشير إلى أن المترجم لا يترجم لنفسه، وإنما يترجم لغيره. وهنا تأتي أهمية الاختيار والتدقيق في النص المراد ترجمته. فأنا أميل في معظم الأحيان لاختيار الموضوعات التي تندرج تحت ما هو إنساني، الأعمال التي تهتم بالقضايا التي تمس الإنسان في كل مكان، والتي تتشابه ظروفها مع الواقع الذي يعيشه القارئ العربي، خصوصاً أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين الصين ومصر سواء في الجوانب الثقافية أو الظروف التي عاشها الشعبان على مدار التاريخ الحديث، ونأخذ بعين الاعتبار أهمية العمل على المستوى المحلي والعالمي. ومثال على ذلك رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» التي وفقني الله لاختيارها قبل خمسة أعوام من حصول صاحبها على نوبل، لما تتمتع به من تصوير دقيق للنفس البشرية، بالإضافة إلى أهمية الرواية على المستوى المحلي داخل الصين وخارجها أيضاً، فقد تُرجمت هذه الرواية قبل فوز مويان بالجائزة إلى 15 لغة، وحازت جوائز محلية وعالمية عدة. وكذلك الأعمال التي تهتم بالقضايا الحياتية التي تعبر عن واقع الإنسان المعاصر وهمومه مثل رواية «الموبايل» وما تضمنته مجموعة «مختارات قصصية لكاتبات صينيات معاصرات». ومعاناة الإنسان وتضحياته من أجل البقاء على قيد الحياة؛ كما في رواية «مذكرات بائع الدماء».
> ما أفضل نص ترجمته؟
- أعتقد أن «الذرة الرفيعة الحمراء» كانت أفضل نص ترجمته حتى الآن، على رغم أنها كانت؛ كما ذكرت؛ أول تجربة لي في مجال ترجمة الرواية.
> هل حاولت الاتصال بأدباء ترجمتَ لهم؟
-أرتبط بعلاقة صداقة جيدة مع معظم الكتاب الذين ترجمت لهم، مثل مويان وليوجين يوين، وتييه نينغ؛ رئيسة اتحاد كتاب الصين، وتشه تزه جيان، وجانغ كانغ كانغ. وكنت قد تعرفت إلى بعضهم قبل ممارستي للترجمة خلال إقامتي في بكين لدراسة الدكتوراه في تخصص الأدب المقارن والعالمي. وأحافظ على التواصل مع عدد من الكتاب والنقاد المعاصرين من خلال مشاركتي في المؤتمرات واللقاءات التي تعقد حول الأدب الصيني ودراساته وترجماته، خصوصاً من خلال عضويتي في الجمعية الدولية لدراسات الأديب لوشون (مؤسس الأدب الصيني الحديث) والتي تضم في عضويتها نخبة من كبار النقاد والباحثين الصينيين والأجانب. وكذلك عضويتي في جمعية دراسات مويان. وأحرص على حضور مؤتمر «ترجمات الأدب الصيني إلى اللغات العالمية» الذي ينظمه اتحاد كتاب الصين مرة كل عامين.
> كيف تنظر إلى حضور الأدب العربي في الصين؟
- يمكن القول بأن الأدب العربي له حضور محدود في الصين، فعلى رغم أنه يوجد الآن 26 قسماً للغة العربية وآدابها في مختلف الجامعات الصينية، بالإضافة إلى 5 مراكز بحثية، وجمعية خاصة بالدراسات الأدبية العربية، إلا أن انتشار الأدب العربي لا يزال محدوداً جداً مقارنة بغيره من الآداب العالمية، وأدب أميركا اللاتينية خصوصاً، وعلى رأسه أعمال ماركيز ورائعته «مئة عام من العزلة». للأسف الشديد لا توجد جهات داعمة لترجمة الأدب العربي إلى الصينية ونشرها في الصين، إلا من خلال مشروعات محدودة.
أما عن أهم الكتاب الذين صدرت لأعمالهم ترجمات إلى الصينية، فهناك من مصر طه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، يوسف السباعي، يحيى حقي، عبدالرحمن الشرقاوي، إحسان عبدالقدوس وآخرين، وصدرت هذه الترجمات في الثمانينات من القرن الماضي والتي تعد حتى الآن أفضل الفترات التي شهدت ازدهار الترجمة والتعريف بالأدب والثقافة العربية في الصين.
وهناك أعمال أخرى للراحل جمال الغيطاني الذي ترجمت له حتى الآن ثلاثة أعمال روائية، لا سيما أنه كان قريباً جداً من الباحثين الصينيين في مجال الدراسات الأدبية العربية، وقد جمعنا به أكثر من لقاء في بكين وسط محبيه من الباحثين والقراء الصينيين. ومن الدول العربية صدرت ترجمات للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهناك ترجمات صدرت لأدونيس، ولكتّاب آخرين من لبنان والمغرب العربي. وتتم حالياً ترجمة روايات «قرية ظالمة» لمحمد كامل حسين، و»فساد الأمكنة» لصبري موسى، و»الزيني بركات» لجمال الغيطاني. خلاصة القول إن نشر الأدب العربي في الصين لا يزال في حاجة إلى جهات عربية داعمة. وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي ما تمت ترجمته من الأعمال الأدبية والثقافية من العربية إلى الصينية حتى عام 2011 بلغ 154 عملاً، ويوجد الآن أكثر من 20 عملاً قيد الترجمة والنشر.
> هل هناك كلمات عربية تسربت إلى اللغة الصينية؟
- يعود تاريخ التبادل الثقافي بين الصين وبلاد العرب إلى ما يزيد على 13 قرناً. كانت البداية في عصر أسرة تانغ التي حكمت من 618 إلى 907 ميلادية، وشهدت تلك الفترة دخول الإسلام إلى الصين. وبالتالي بدأ منذ ذلك الحين ظهور تأثير واضح للثقافة العربية والإسلامية في الصين. وتسربت مفردات عربية إلى الصينية لا تزال تستخدم حتى اليوم بخاصة بين أبناء الأقليات الصينية المسلمة. ومنها مفردات الحلبة، الزمرد، الإمام، الدعاء، الإيمان، الجمعة، الخطبة، التسمية، السلام.
> بماذا تنصح من يفكر في تعلم اللغة الصينية؟
-لا شك في أن اللغة الصينية باتت اليوم واحدة من أهم اللغات التي تشهد إقبالاً كبيراً من الدارسين حول العالم، وتشير الإحصائيات الصينية الرسمية إلى أن عدد دارسي اللغة الصينية حول العالم حتى عام 2014 تخطى حاجز 100 مليون دارس، مع الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة الصينية لتشجيع دراسة اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية حول العالم، من خلال معاهد وفصول كونفوشيوس التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 2004. وعليه فإننا ننصح من يفكر في دراسة هذه اللغة المهمة بأن يبدأ الدراسة في أحد الأقسام العلمية المتخصصة بقدر الإمكان، أو في معاهد وفصول كونفوشيوس، وأن يتحلى بالصبر في بداية علاقته بالصينية، نظراً لخصوصيتها واختلافها عن غيرها من اللغات ومنها العربية، سواء في الصوتيات أو الكتابة، وكذلك عدم الاستعجال في تحقيق تقدم في المستوى يأتي على حساب الإتقان الجيد لأساسيات اللغة.
> كيف ينظر الصينيون إلى الثقافة العربية؟
- حال الثقافة العربية في الصين لا تختلف كثيراً عن حال الأدب العربي هناك، فالكثير من الصينيين لا يعرفون من الثقافة العربية إلا القليل. فعلى رغم التبادلات الثقافية الوثيقة التي ربطت بين العالم العربي والصين منذ القدم، ووصول الكثير من أمهات الكتب والفنون العربية والعلوم العربية إلى الصين منذ عصر أسرة تانغ، إلا أن الوضع الحالي للثقافة العربية في الصين لا يمثل حجم العلاقات الصينية العربية والتقارب الكبير بين الجانبين، وهذا يتطلب المزيد من الجهد في نشر الثقافة العربية في الصين، ونتمنى أن يكون للمكاتب الثقافية العربية هناك دورها في ذلك.
> ما هو تقييمك لواقع الترجمة من الصينية إلى العربية في مصر؟
- لا شك في أن الترجمة من الصينية إلى العربية في مصر تعاني ندرة شديدة في المترجمين المتخصصين (في الترجمة عن الصينية عموماً والترجمة الأدبية خصوصاً)، وما تم إنجازه في هذا المجال يعد كماً ضئيلاً جداً بالنسبة إلى أهمية الكتاب الصيني. ويعد محسن فرجاني؛ الذي أعتز به أستاذاً وقدوة، وعبدالعزيز حمدي، رائدي الترجمة من الصينية إلى العربية في مصر والعالم العربي، بالإضافة إلى جيل الشباب الذي بدأ يخطو خطوات واثقة في هذا الطريق. ونشير هنا إلى أن المختصين في الترجمة عن الصينية حتى الآن تخرجوا في قسم اللغة الصينية في كلية الألسن جامعة عين شمس؛ قلعة اللغة الصينية في مصر والعالم العربي.
أما عن أهم جهات الترجمة المهتمة والداعمة لنشر الترجمات الصينية في مصر، فنجد المركز القومي للترجمة الذي يولي الترجمة عن الصينية وعن اللغات الشرقية والنادرة اهتماماً كبيراً، وهناك أيضاً سلسلة «الجوائز» في الهيئة المصرية العامة للكتاب. ولكن يبقى هذا المجال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام بمشكلات المترجمين والتنسيق بين الجهات المعنية بنشر الترجمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق