الأحد، 8 مايو 2016

الليالي الصينية .... الإقتراب من التنين

كتب إميل أمين 


عن دار افاق  للنشر والتوزيع في القاهرة صدر هذا العمل المثير والقيم  للكاتب والمفكر المصري الدكتور " جمال العربي " عن الصين ، ويعد الكتاب مرجعا هاما لفهم هذه الاسطورة التي تقترب من سماوات العالمية بخطى واثقة ،  ويهدي المؤلف كتابه الى القارئ العربي المحب للصين ، حتى يزداد حبه لها ، والى القارئ العربي الذي لا  يعرف الصين حتى يعرفها  ويحبها  .
يقول ابو القاسم حامد الاندلسي  في كتاب " طبقات الامم "  :"وان الصين اكثر الامم عددا  وافخمها  مملكة واوسعها دارا  وحظمهم من المعرفة   التي برزوا فيها  عن سائر الامم هو اتقان  الصنائع  العملية  واحكام المهن  التصورية  ، فهم اصبر الناس  على مغالبة  التجديد في الاعمال وتحسين الصنائع ".
ويقول فولتير عن الصين  " دامت  هذه الامبراطورية  الرائعة  اربعة الاف  سنة دون ان يطرا  عليها  تغيير يذكر في القوانين والعادات واللغة  والازياء وطبائع وحكمة الناس ".
فيما يذهب المفكر  الجغرافي المصري الكبير الراحل د. جمال حمدان الى ان " ضخامة  الصين  وحجمها  الساحق بسكانها  الكثير وعمقها الجغرافي  كالمحيط الذي تذوب فيه كل العناصر  الدخيلة وتبيد كل الضربات الخارجية ، ومن هنا  امتازت الصين بقوة امتصاص  نادرة وهضمت  كل دخيل  عليها  ومثلتها  في جسمها  الضخم  في صبغة  صينية مثيرة ".
لماذا يكتب المؤلف عن الصين ؟
  لانها اعطت  دائما الكثير الى  العالم ولم تاخذ منهالا القليل :" هي الحكمة والفلسفة والصنعة والاسطورة  ، التي عاشت  في عزلتها  الطويلة " تصنع الحضارة  بعيدا عن البرابرة  ولا يتباهى  الصينيون بثقافتهم  فهم يرون ان الثقافة  ليست مطلبا  لذاته بل مطلب من اجل صنع حياة افضل .
كونفوشيوس واعادة المجتمع الى  السلام
ما من اسم ارتبط بتاريخ الصين وعرف العالم الصين من خلاله مثل اسم " كونفوشيوس " حتى ان الناس اعتقدوا انه ليس اسم شخص بل ديانة   صينية ، وهو الاسم الشائع  خارج الصين لفيلسوف  الصين الكبير " كونج فوتسي " 551 ق.م 479ق.م ، ولد في دولة  لو " مقاطعة شاندونغ "  ابان عصر  الربيع والخريف " 770 – 476 ق.م " ، وهو عصر سادت   فيه الفوضى   وتهاوت   القيم الاخلاقية  في المجتمع  الصيني كان اجداده  من نبلاء دويلة  سونغ ، ولكن اسرته عانت من الفقر  ابان طفولته ومات ابوه  وهو في سن الثالثة  من عمره ، وماتت امه وهو في السابعة عشر من عمره .
هذه الخلفية  الاسرية جعلته يسعى منذ طفولته الى طبائع  الملك والوظائف الرئيسية  بالدولة .
 درس " كونغ فوتسي " وعمره 20  عاما المهارات الست الاساسية  في الصين القديمة   وهي " الثقافة  والتواصل الاجتماعي والووشو والشؤون العسكرية  والكتابة والحساب ، وهي  المهارات التي يجب  توافرها  في الطامعين  الى مناصب سياسية  او دائرة  السلطة السياسية .
كان الهدف الاسمى  لكونفوشيوس  هو اعادة  المجتمع الى  السلام والنزاهة  وعودة نظام الدرجات الاجتماعية  الهيراركي الهرمي .
 انشا  كونفوشيوس  معهدا تعليميا  خاصا في بيته  كان الاول من نوعه في الصين  من اجل نشر الثقافة التقليدية  لاسرة  تشو الغربية ، ونشر ما يؤمن  به  لصلاح المجتمع  ، وقد شغل منصب المسؤول عن دائرة الشؤون القانونية  في حكومة  دويلة " لو " وعمره 50 عاما ، ولكنه ترك العمل بالحكومة  بعد مكيدة   سياسية دبرت له ، بعدها   تجول مع تلاميذه  في الدويلات  لمدة 14 سنة  سعيا لاصلاح المجتمع  وتحقيق مثله  ، ولكنه لم يجد المجتمع  مهيا لذلك ، فعاد الى  دويلة – لو -  ومات بعد 3 سنوات من عودته .
 تعد كتب كونفوشيوس  التي وضعها تلاميذه  وسجلوا فيها  تعاليمه  ومبادرته ، وسميت  في الثقافة الصينية  " بالكلاسيكيات " واشهرها  كتاب " المحاورات " الشهير  الذي ينقسم الى  20 بابا ، ويحتوي 499 فصلا .
منذ ذلك الوقت اتخذت  الحكوة الصينية " كونفوشيوس " رمزا لثقافة الصين  بالذات  بالنسبة  الى صورتها  الخارجية ، وتبنت  انشاء ما  يسمى  بمعاهد كونفوشيوس  حول العالم لتعليم اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية والتعريف  بها عالميا .
الصين .. دولة تقوم على  فكر الفلاسفة
كانت الصين قديا وحديثا  تطلق على فلاسفتها  القدماء لقب  القديسين لا بالمعنى  المسيحي ولكن  بمعنى دعاة  الخلق القويم ، واحيانا اخرى  لا سيما في الطاوية " اقدم الفلسفات الصينية "  بمعنى  الزدهاد والمتنسكين في الكهوف ، التماسا  لفضائل اسمى  واكثر  اخلاصا  واذعانا  للوجود الطبيعي ، فكثيرا  ما جنحت  الصين الى  مجتمع  البر الزراعي اكثر منها  الى موانئ البحر التجاري ، وبالتالي  لم تكن تمنح قيمة   كبرى للذكاء  والعبقرية  التي تجيز  مسالة  المعاني ، البسيطة المعطاة  لمواهب البشر في حدود معاملاتهم المباشرة  وعلاقاتهم الدائمة داخل تجمعات العشائر التقليدية  ، وعلي المعاني التي اتخذت  من قواعد الاخلاق  قدس اقداس ، وعاشت   به حياتها  الطويلة تحت  السماء ،   لكنها ابدا   لم تكن تابه  للذكاء  المفرط او التامل في سديم  الميتافيزيقا ، او التوسل لفهم  الحياة بنظريات  في المعرفه  ، هنا نجد ان تاخر الصين لسنوات في العالم ، كانت له اسباب كامنة  في فلسفتها ، ولكن هذا لا ينفي ان الصين  اول من ابتكر وسائل للمعيشة  مثلا المحراث الزراعي والساقية  والورق  واخيرا البارود .
في الحصون الحقيقية للدولة الصينية
 كانت  اعراف  الصين  ومبادئ  معاملاتها  ومواريثها  القديمة  هي كل ما تملك  من قواعد لها  كحصون من الافكار  جاهدت " الكونفوشية " كثيرا  لتدعيمها والحفاظ عليها ، الكونفوشية  لم تخترع جديدا  فقط احصنت  الارث الصيني  من الاندثار  او ضد الاندثار ، ثم جاءت  الطاوية  لتثور  على سذاجة  تلك الحصون لتلفت  الانتباه الى الحصن الاعظم  - ذلك هو الوجود الطبيعي – الذي يسئ الىه الناس  باتخاذهم مبادئ ومنهاجا   يحيد بهم  عن الطريق  التي رسمتها  الطبيعة  ، ثم ظهر المذهب القانوني ، ثالث  الاتجاهات الفلسفية  الكبرى في الحضارة الصينية – لينتزع  الفضائل  من يد المواريث ويصوغ  تشريعات  واجبة الالزام  تضع الامور في نصابها   - حيث الدولة  لا الحكماء  ، هي المنوطة  بتقنين المبادئ وتلقينها  ،  وكانت  تلك اكبر نقلة انقلابية   ابتدعت  ضروريا  من البدع  لم يعرفها  الكونفوشيسيون الاوائل   وجاء حين من الدهر  ذهب فيه احد  رؤساء  الوزراء الى الامبراطور " تشين شيهوشيهوانغ – اول امبراطور  للصين الموحدة "  ليقول له ان السبب في انتشار الفوضى  على مر العصور  ومعها الفساد  واستعصاء  تنفيذ  مشروع  وحدة الصين  الكبير ، والقضاء  على التنابذ  والفرقة بين الدويلات  الصينية  المتنازعة  ، يرجع الى ان الناس  كانوا يخرجون على  الملوك بنظريات هدامة   تحبط كل مسعى لانشاء  قواعد الوحدة  ، وقد آن الاوان ، بعد ان تحققت  " وحدة شين "  ان يتم القضاء على  تلك النظريات التي تعمل  اثرها في الخفاء  وان تشطب افكارها  من سجلات التاريخ  " عدا  سجلات  دولة  تشيني ، وكل افكار المدارس المائة  ، والمنجزات العلمية ، فقد كانت  دولة تشين ، والحق يقال  تحترم الابداع  العلمي ".
 وليس افضل من حرق  كل تلك البؤر الفاسدة  حسب رايه ، لتنضبط  الامور  ويعم الاستقرار ، وفعلا تحقق الهدوء  والاستقرار  لكنه اقرب لهدوء الموتى  واستقرت الاحداث لمدة  ثلاثة عشر عاما فقط ووسط الانقاض  والخرائب  التي خلفتها  دولة تشيني الكبرى  .
 ظهر ملوك " دولة هان "  وحاولوا انقاذ  ما يمكن انقاذه واقتنعوا  بعدم جدوى  فرض القوانين الاخلاقية بالقوة  الغاشمة  ، وان الحل يكمن في التوصل الى  القواني الاخلاقية  - للناس بالطريقة  الطاوية -  حسبما عرفها الناس  في الممالك القديمة   وعلى الاسس التي  صاغها  " هوانلاو "  وهو المذهب  الذي جمع  بين " القوة  الطيبة والفكر  الطاوي ".
 وعلى ذلك سارت روح الصين بين الطاوية  والعمل على الاخلاق الطيبة  والولاء للامبراطور او الرئيس  وتقديسه .
طريق الحرير .. طريق انتشار الحضارة
انتقلت الثقافة  والعلوم الصينية  الى الغرب  مثل فنون التعدين   وحفر الابار  وتربية دودة  القز ، والموسيقى   والعمارة والطب  واثر الفن الصيني  على فنون  اسيا الوسطى  وغرب اسيا .
 عندما شن المغول حملة على الغرب  انتشرت الفنون الصينية   والمخترعات الصينية  الاربعة  " صناعة الورق  والطباعة والبوصلة  والبارود " ، وعن طريق  الحرير دخلت  البوذية  الى الصين ،  وفنون السحر والموسيقى  والرقص ،  خاصة مع قوميات اسيا الوسطى  ، كما دخل  الصين التقويم العربي والطب العربي .
ودخل الاسلام الصين في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، وزاد انتشاره  مع قدوم العرب  والفرس المسلمين الى الصين للتجارة ، وكونوا  اسلاف قومية ذات هوية مسلمة ،  خاصة في نينغشيا  في متشينجيانغ .
 ان طريق الحرير هي ممر الاديان والقوميات  الى الصين ، ففي  عهد اسرة  سونغ ازداد عدد التجار من فارس  وبلاد العرب  واسيا الوسطى ، واستطونوا  في فوانغتشو  وبانغتشو وهانغتشي ، كما هاجر  من الصين جزء  من شعب توجو  " الترك "  الذين كانوا يعيشون في منطقة  شنغا الكبرى  ، جزء خضع  لاسرة تانغ  والجزء  الاخر الغربي  هاجر الى  غربي جبال البامير ، وبعضهم هاجر الى  الاناضول في تركيا  الحالية .
نظرة على الفكر الديني القديم في الصين
استقى الانسان الصيني  نظرته للطبيعة  من بيئته الجغرافية  الممتدة والحافلة  بالانهار  والجبال والوديان والغابات والطير والحيوان ، ومن  خلال تلك البيئات المتنوعة  على المساحة الجغرافية  نجد ان فكر الانسان الصيني  تشكل بطريقة   خاصة به ، وبيئته  هذا بالاضافة  الى الظواهر الطبيعية  حوله   من رياح ومطر ، والتي تؤثر  على حياته  ، ومراقبة الظواهر الفلكية  في السماء ، فبحث عن اجابة  عن هذه  الظواهر  والكون حوله ، والانسان الصيني  هنا لا يختلف  عن الانسان في كل مكان ، خاصة  في الحضارات القديمة  على ضفاف الانهار   فظهرت عنده  عبادة الطوطم  لاعتقاده بان الحيوانات المفترسة  وغيرها لها روح قوية   يمكن ان تؤذيه ، فصنع لها  طوطما " صنما  " فكان يحاول ارضاء تلك الارواح حتى  لا تؤذيه .
اعتقد الانسان  القديم في الصين  ان " الشين " ارواح القوى الطبيعية  ، وان ارواح الاسلاف " كوي " يجعلان السماء متحركة  من خلال ارادتها  المنفردة  من خلال قوانين خاصة بها  ،  واطلق على  هذا القانون اسم " طي " ، وهو الذي  يدبر امور  الحياة  وبالعودة الى  ثنائية " اليانج " الايجابي – الحركة – الخير ، واللين السلبي – الساكن – الشرير ، فاعتبروا  انهما يكملان  بعضهم البعض ، وهذا يوفر للكون انسجامه  ، ويسبب تغير الفصول  ، حيث ان اليانج ، والين يكملان بعضهما  البعض ،  وهذا يوفر للكون انسجامه  ، وبسبب تغير الفصول ، حيث ان اليانج  والين  متكاملان  متضادان  يتحول احدهم الى   الاخر ، وبالتالي فلا معنى  للاختلاف  بين الاشياء  الموجودات ،  وذلك لترابط الذي يحدث  بينهما  ، فهو " متلازم  متكامل متحول "، وما  الانسان الا جزء صغير من الكون الكبير ، يخضع لنفس  القوانين " طي " وثنائية " اليانج " و " الين ".
الطاوية  الرمز الاصدق تمثيلا لروح الصين
الطاوية كلمة نسمعها كثيرا مرتبطة بكافة الاحاديث التي تدور من حول الصين ، والسؤال ما هي الطاوية ؟
بحسب صفحات الكتاب  الطاوية تعني الطريق او المنهج باللغة الصينية ، وهي كلمة  مهمة في الوجدان الصيني ، فهي فلسفة  واسلوب حياة يكاد يرقى الى منزلة  الديانة في الصين  ، وكما ذكر احد المفكرين الغربيين  الكبار " جوزيف نيدهام " عالم الصينيات  الشهير  في مؤلفه  عن تاريخ  العلم في الصين " انه  لو لم يكن للطاوية  في الفلسفة الصينية  وجود لصارت  كشجرة  بدون جذور " .
 ويتفق  معه الاديب الصيني الكبير " لونشون " في ان الطاوية  وليست الكونفوشية  هي الرمز الاصدق تمثيلا لروح الصين . وتعد الكتب  الاربعة المهمة  في الفلسفة  الطاوية هي " كتاب لاوتس " و كتاب  شوانغ تس ، وكتاب اونزو ، وكتاب ليتزو ،  او كتاب الاسرار .
ان الفكر الطاوي الاصيل  يعبر عن فكرة جوهرية  مفادها  ان " الحركة  الطبيعية للكون  قادرة على  انتاج دورة حياتها بنفسها " فكل الاشياء  تولد وتتحول  وتفنى وفق الية طبيعية  وتجدد عوامل بقائها  على نمط مستمر ازلي  ، فمثلا  دورة الحياة والموت  تخلق الحياة والموت  معها  دائما  ابدا ،  فما ان تبدا  حتى تنتهي ، وهكذا دواليك .
وتؤمن الطاوية  بان الجسد  الانساني هو اثمن  ما جادت به  الطبيعة  على البشر ، فلذا  يجب تكريس صحته وقوته وبقائه  دون كبت اي نوازع  فطرية  طبيعية  فيه ،  وتدعو الطاوية   الى الحفاظ على  نقاء الطبيعة   والبيئة  الحياتية ، كما تدعو الطاوية  الى الاعتناء بشروط الحياة الصحية  ، والاعتداد بكل  ما يجلب دوام العافية  وطاقات البقاء والاجتهاد  في طلب  العافية الذهنية .
 ان فلسفة  الحياة في الطاوية تقود الى  حالة من يقظة  الوعي ، وتنبه  طاقات الادراك الذهني  وتدعو الطاوية  الى انفتاح الوعي على افاق الطبيعية  ، واستلهام  طاقات الخلق والابداع الموجودة  في بواطن  الوجود الفطري والطبيعي .
يعتبر الجنس  والموسيقى  والثراء والجمال  والصحة البدنية  والذهنية تطلعات طبيعية  ومشروعة في  الحياة البشرية   يتطلع لها  كل انسان طاو ليسعد في حياته ،   ان الطاوي  هو اكبر حقيقة في الدنيا ، فالطاوي ذا  وجود مادي  ، فهو التجسيد المادي للطاقة  ، او تشي   فكل الموجودات في الارض  والسماء ما هي الا  تجسيد  لركام هائل  من الطاقة ،  ويعد " تشوانغ تسي " من ابرز  شيوخ الطاوية  التقليدية  بنظرية  " الطاوتشي – الطاو – الطاقة " . ان هذه  الفكرة  هي ما يعرف  بفكرة  التشكيل المادي ، والتي اسهب  في ترجمتها  كتاب " التغيرات " الطاوي .
يقول "ليتزو" فيلسوف الطاوية  :" لم تبلغ  طاقات الارض والسماء  غاية الكمال ، ولا بلغت  مقدرة القديسين العلماء والفلاسفة  الغاية القصوى  ، ولا نفذت   وسيلة  الاشياء  ( الناس والموجودات )  الى تمام حدها ، فمن  ثم احاطت  غايات السماء بحيوان الارض ،   ونثرت  فوقها   من قباب  الافق الاعلى  حدبا  وعناية .
الصين وعمان ورحلات السندباد البحري
السندباد البحار العربي الشاب  صاحب المنظار البحري الطويل ، الذي جاب  البحار  الشرقية  العاصفة  الهادرة محملا بالبضائع العربية  الجميلة  ، والذي كان يعود الى  بلاد العرب بالحكايات والقوافل الاسطورية  من بحار الشرق  وجزرها   ومدنها  وسكانها     وعاداتهم وغرائبهم ، وكان للصين  وبحارها  وبلادها  نصيب الاسد  فيها .
يقول " تيم سيفردين"  في  كتابه " رحلة السندباد  وهو صاحب فكرة " رحلة  صحار " عمان " ، كانتون " الصين "  البحرية انه قرا  في كتاب الف ليلة وليلة  قصص رحلات  السندباد البحري ، التي تذكر المراجع  التاريخية انها  وقعت  في عهد الخليفة  هارون الرشيد  ايام الخلافة العباسية ، وعاصمته " بغداد " ، وجد ان ما  كتبه " الجغرافيون العرب " ، خلال  هذه الفترة ،  هو ذاته المكتوب  في رحلات السندباد البحري ، في قصص الف ليلة وليلة  ، ولذلك  ومن اجل القيام برحلته البحرية  التراثية  كان عليه ان يفتش عن سواحل وسفن  عربية  قديمة ، لا يمكن  ان تتوافر الا في  سواحل بحر العرب ، وبناء على  ذلك  ذهب الى سلطنة   عمان بلد بن ماجه امير البحار البحري ، ويبين " تيم سيفردين "  اسباب اختياره ، فيقول ،  ان عمان تقع على  ملتقى  طرق العالم العربي البحرية ، حيث  يجب على البواخر ان تمر بها ،  اذا  كانت في طريقها الى  الهند  او الصين او افريقيا  والخليج العربي ، كما ان  التجار والبحارة العمانيين مشهورون بخبرتهم وشجاعتهم ، حيث طردت السفن العمانية من السواحل العربية والمحيط الهندي القراصنة  والسفن البرتغاليين الغزاة  ، وانشات  امبراطورية عمانية امتدت على  البحار من سواحل فارس " ايران " الىى جزيرة زنجبار في افريقيا ، والاهم من هذا  ان عمان مازالت تحتفظ بتراث  حي للبحرية العربية  ، ثم يتحدث " سيفردين "  عن مشاهداته  على سواحل  عمان ، وبعدما قدم وصفا  لزوارقها  وسفنها بطرازها  التراثي البدوي  العريق ، وعن ميناء صحار ، الذي  تصورها  على انها  مدينة السندباد البحري  ، وقد يكون محقا ، رغم ما  تذكره المصادر  عن ان بغداد هي موطنه  الاصلي ،  " قد تكون بغداد  موطن " السندباد  البحري ، او كونها  عاصمة للخلافة   انذاك  نسبت  السندباد لها .
الاسلام والصين قصة  ضاربة القدم
تذكر السجلات  التاريخية الصينية  ان اول مبعوث عربي وصل  الى الصين كان  موفدا من الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، والتقى هذا  المبعوث امبراطور الصين  في اغسطس عام 651 بالعاصمة  " شيان "  ونقل الى  الامبراطور  تعاليم الدين الجديد ، الذي يدعو الى  التوحيد ، فارسل امبراطور الصين بعثة  من اتباعه الى خليفة المسلمين  لمعرفة حقيقة  القوة الصاعدة في الجزيرة العربية  .
 بعد ذلك نشات علاقة  وثيقة  بين الصين والدولة الاسلامية  ، حتى ان امبراطور  الصين حين اراد  اخماد  حركة تمرد واسعة   استعان بالخليفة  العباسي " ابو جعفر المنصور " الذي  ارسل 4 الاف  رجل من جيش المسلمين  استطاعوا مساندة   الامبراطور في استعادة عرشه ، وبقي هولاء  الجنود في الصين وتزوجوا من صينيات ، وانشاوا سلالة  صبنبة عربية مسلمة ، ويقال ان مسلمي جنوب ووسط الصين  هم احفاد  قتيبة  بن مسلم  القائد المسلم .
 ويذكر ابن بطوطة   الرحالة الشهير الذي زار  الصين  في عهد اسرة يوان   " انه وجد  في ميناء كانتون  المسجد الجامع  ووجد قاضيا مسلما  وشيخا مسلما  ، ويذكر ابن بطوطة   انه وجد المسلمين الصينيين  يعيشون في تجمعات خاصة بهم ومنهم  الفقهاء  ويتركز وجودهم في السواحل  وهم خليط من الصينيين والعرب والفرس والاتراك .
وفي الصين نحو 60 مسجدا قديما  يرجع تاريخها  الى بدايات الاسلام في القرن السابع  الميلادي ، ومن هذه  المساجد اربعة  هي الاقدم  والاهم في الساحل  الجنوبي الشرقي . وتجمع  المساجد القديمة في الصن بين مميزات  العمارة الصينية فهي من الخشب  والقرميد والاسقف الجمالية  ، وبلا ماذن  واضحة  انما ابراج قصيرة  ، وهي بحالة  جيدة  وتستخدم  في تادية الصلاة  ، ويوجد متحف ثقافي  اسلامي كبير  في شوانتشو  على الساحل الجنوبي الشرقي للصين . وكانت  مشهورة في العصور الوسطى  كجسر تواصل بحري مع  العالم الاسلامي ، وسماها  ابن بطوطة  ب مدينة الزيتون  كما اقيم مجمع ثقافات عربي- اسلامي – صيني ضخم ، في نينغشيا  على طريق الحرير القديم  بمقاطعة  شينجيانغ .
الصين اقتصاديا  الاولى عما قريب
 بدات الصين  سياسة الانفتاح وتطبيق الاقتصاد الحر الاشتراكي  عام 1979 فقط والان ماذا اصبحت الصين بالارقام ؟
 خذ اليك منطقة   " شن تشين " الاقتصادية على سبيل المثال ، وكيف  انها تعد مثالا على  نموذج الاقتصاد الصيني ، وهي منطقة   تجارية فيها مراكز  تجارية على  مستوى المراكز  الكبرى في اوربا ،  ومنطقة للمؤسسات المالية والاقتصادية  ، وفيها   مباني البنوك العالمية  الكبرى ، وفيها بورصة  شنجن  ، للاوراق المالية  ومنطقة صناعية  تتركز بها  الشركات العملاقة  ، ووصل عدد الشركات الاستثمارية  في هذه المدينة  الى اكثر من  25 الف شركة معظمها   يعمل في التكنولوجيا  الحديثة  لانتاج الكمبيوتر  واجهزة   الاتصالات الارضية ، وشبكات الانترنت ، والتلفزيون  ومستلزمات الديكور  والادوات الطبية  والملابس والساعات .
 في تلك المنطقة   نجد مصانع لشركات كومباك  والات التصوير  السينمائي  وشركات هيتاشي  وسامسونج اليابانية  . في المدينة  " قرية الثقافة والفلكلور  الصيني " كحديقة كبيرة  ، وفيها مساحات  لكل قومية صينية ، وتقدم  عروض الفنون الشعبية  والقصص والاساطير  في شكل  تمثيلي  غنائي  ورقصات تعبيرية  ، وبها حديقة   حيوانات وحمامات سباحة  وشواطئ ، .
 في هذه المدينة   حوالي 150 فندقا   وبلغ عدد الليالي السياحية  فيها سنة  2020  حوالي 14 مليون  ليلة ، منها  4 ملايين  سائح  من خارج الصين ، وفيها  مكتبة   عامة ضخمة   ومتاحف  واندية  علوم ،  و770 مستشفى  ، وفيها معابد وكنائس .
 تحقق منطقة  شنجن ،  الاقتصادية  معدل نمو  بلغ 10.6 % سنويا   ، تمثل منتجات التكنولوجيا الفائقة  35%  من اجمالي الانتاج في هذه المدينة  شركة  متحققة  للاستثمار  في العلوم والتكنولوجيا  براس مال  مشترك 66% للحوكمة  والباقي للمستثمر الاجنبي  على مستوى  العالم في انتاج  الراس المغناطيسي للكمبيوتر ، وبلغ قيمة   انتاج المدينة  " شنجن "  من تكنولوجيا  المعلومات حوالي 9 مليارت دولار سنويا
عن احياء العلاقات العربية الصينية
في بداية القرن الواحد والعشرين ، تبنت حكومة  الصين فكرة  احياء طريق الحرير  الاقتصادي والثقافي  والانساني ، وعززت  تعاونها  مع كل الدول  الواقعة  على طريق الحرير ، وكان مؤتمر  طريق الحرير  الاول في الكويت  في مارس 2014  بداية  نشاطه  للوعي بكنوز  طريق الحرير بعد نجاح رحلة صحار  كانوني  البحرية قامت  اليونسكو  بالاشتراك مع سلطنة عمان  بالاعداد لرحلة بحرية  بحثية تسلك  نفس الطريق  على السفينة  " فلك السلامة "  شاركت  فيها 21 دولة ،  بالباحثين   وعمان بطاقم السفينة واربعة عشر  مشاركا ،  وكانت محطة الوصول  مسقط ،  عاصمة عمان ، حيث يوجد في ميناء مسقط ، الذي تشكل الجبال السوداء  حوله شكلا هلاليا  ، وتقع  على رايه  فلعة  الجلالي  وقلعة الميراني ، مما يجعله  حصنا منيعا   مع  وجود السور ،   الذي يطوق  مدينة مسقط ،  والذي يمتد على  الجانبين في اعالي  الجبال . وله  ثلاثة ابواب  نائية  تغلق عند غروب الشمس ،  اضافة الى  الخندق المائي  المحيط بالسور والذي مازال قائما .
 في المتحف العماني  ، في  مدينة  الاعلام بالقرم ، يوجد جناح  خاص لنماذج السفن لاتي استخدمت  عبر لاتاريخ  على طريق الحرير البحري ، وشخصياته التاريخية ،  امتد طريق الحرير البحري ،  تاريخيا الى  شواطئ شرق  افريقيا   حتى موبماي  في كينيا ، وهناك اقاويل  بان الصينيين  البحارة  في عهد شانج خه تجاوزوا  هذه  النقطة   حتى خليج عدن  وباب المندب  وميناء جدة  في السعودية  وموانئ اخرى .
 وهناك دور كبير لمصر فهي نقطة النهاية  لطريق الحرير البحري ، حيث كان ميناء  " عيذاب " لامصري  الاسلامي في منطقة حلايب  من انشطة موانئ  البحر  الاحمر ،  ووجدت فيه  الاف القطع  من الخزف الصيني  الازرق القديم ، وكان مرفا  لتجارة الحرير والعاج ،  ايضا من  الصين وافريقيا ، وتجارة الشاي القديمة  ، وكانت  تنقل  البضائع  اليه ثم تدخل  بر مصر  الى اسوان  وقنا واسنا  ، واسيوط وغيرها  ، وتنقل بريا الى  الاسكندرية العظيمة  ،  حيث توجد تجارة   عالمية بين الاوربيين  واليونان والمصريين  واليهود  وغيرهم ،  وتوزع الى  انحاء اوربا  خاصة مدينة البندقية ،  ومدينة اسطنبول  التركية ناهيك عن ميناء القلزم  " السويس "  الذي كان  محط تجارة البن ،  ونقله برا  الى  داخل القاهرة  ومصر ،  ثم اوربا  واتركيا  قبل انشاء  قناة السويس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق