السبت، 25 يوليو 2015

رابعة العدويّة في جهنّم؟


رابعة العربية في جهنّم؟

كنت قد قرأت ذات يوم قصة عن شهيدة العشق الإلهيّ رابعة العدوية، فتخيّلت ان رابعة العدوية هي السيّد المسيح أو الفادي. تقول الحكاية ان رابعة العدوية طلبت من ربّ العالمين طلبا غريبا. طلبت منه يوم الحساب ان يضخّم جسدها حتّى يصير بحجم جهنّم ثمّ طلبت من ذي العزّة ان يضعها في جهنّم بحيث لا يبقى مكان لوضع اي شخص آخر في جهنّم. ارادت ان تفتدي كل الناس، وتحترق نيابة عن كل الناس وتتعذّب عن كلّ الناس.

أليس هذا ما قام به السيّد المسيح الذي افتدى بعذابه على الصليب، بحسب المعتقد المسيحيّ، خطايا الناس.

رابعة العدوية، في هذه الحكاية، تمثّل الوجه الآخر للمسيح في حكايات أهل الكرامات.


صندوق الصور

فتح الصندوق الذي يحتفظ فيه بصوره، وصار يمزّقها واحدة واحدة ويطيّر نتفها في الهواء. وحين نظر الى مزق الصور المتطايرة  في الجوّ لم ير صورا بل رأى فراشات ملّونة ترفرف بأجنحتها الشفافة وترسم أحلامه على صفحة السماء الزرقاء.

فتوّة الرغاب

حين تتفّتح عيوننا على الدنيا تتفتّح معها رغاب كثيرة، يمرّ العمر، يشيخ الجسد، تذبل القدرات، يشيب الشعر أو يسقط، وتبقى رغابنا فتيّة لا تعرف الشيخوخة، أو العجز، أو الاستسلام. يصير المرء ينظر إلى رغابه الفتيّة من وراء نظارات طبّية، ولسان حاله: أيّ سرّ تحمله " جينات" الرغاب؟

الرغاب لا تحبّ أن تفشي سرّها لأحد.

لم يرد أن يرى ما فعل ففقأ عينيه. كان يظنّ أنّه يرى بعينيه. لم تفارقه الصور، لم يخطر بباله أن يفقأ عيني باله.

أسرار مطبخ

في المطبخ تتعايش الأضداد: الملح والسكّر، الغاز والبرّاد، ومن الحنفية الواحدة تنزل المياه الباردة والساخنة والفاترة، الزيت والسمن، البرغل والأرزّ بعد أن بلغ البرغل سنّ الرشد وتراجع عن قراره بشنق نفسه.

لماذا لا نتعلم من المطبخ كيف نتعايش مع أضدادنا؟ ليس هناك طبخة طيّبة من مكوّن واحد، ليس صعباً أن نتعلّم من فنّ الطبخ فنّ الحياة!


نسيان

ما معنى ان تنسى؟ النسيان ظاهرة جميلة ومريعة. ظاهرة فاتنة ومرعبة. حين يفكر المرء بالنسيان يجد انّه نعمة في حالات، ونقمة في حالات. النسيان، أحيانا، كارثة. سمعت عن رجل عجوز انّه نسي كيف يغلق شفتيه فتراه فاغر الفم باستمرار ولا يستطيع مضغ الطعام بسهولة.
ولكن له مظاهره الصحيّة، فليتخيّل الواحد انه لا ينسى. وانّه يعيش لحظة حزن وكأنّها بنت اللحظة ساعتئذ لن تتوقف عيناه عن ذرف الدمع.

العلم، في نظري، لا يزال في بداياته. كلّ ما نراه هو عبارة عن علم يحبو على قدميه ورجليه. الانسان يحلم، والعلم طفل يجاريه في حلمه. بعض الناس لا حدود لأحلامهم، وبعض الناس احلامهم مكبّلة بالخوف، يخافون من الحلم  ومتطلباته الشاقّة.

الأحلام تتطلّب الجرأة، والدخول الى الأماكن المحرّمة، لا تؤمن بالأبواب المرصودة والغرف المغلقة.

من جملة الأمور التي ستتحقّق علميا مع الوقت تسجيل مخزون الذاكرة ، تصوير ما تختزنه الذاكره من مرئيات ومسموعات ومشمومات ومحسوسات ومذوقات؟ كل ما تراه عينك يبقى في ذاكرتك.الذاكرة خؤون، ولكن العلم لا يؤمن بالخيانة. الذاكرة ضعيفة ولكن العلم لا يؤمن بأنّ الضعفف قدر. لن يترك العلم الذاكرة في مهبّ الضياع.سوف يأتي وقت، تفلفش فيه ذاكرتك كما تفلفش البوم صور.قد لا يكون ما أقول على أيّامي.ولكنه آت لا ريب فيه.لن يعود هناك لا وعي.سيتغلّب الوعي على اللاوعي.ستعي لا وعيك.الدماغ مكمن أسرار، ومكمن عجائب ولذائذ.

سوف يصل المرء في يوم ما الى معرفة مكان سلّة دماغ المهملات، وبنقرة رزّ سحريّ تنفتح ابواب الذاكرة وتتدفّق منها حياتك التي ما كنت تظنّ يوما انها اجزاء من حياتك.


اللعب بالكلام ظاهرة طبيعية

اللعب بالكلام طبيعيّ، ليس الاّ الساذج من لا يلعب بالكلام، حتّى الغبيّ يلعب بالكلام. وليس هدف الكلام دائما تبيان الحقائق، ولو كان الامر كذلك لكانت الدنيا هي الجنّة، أو لكانت هي الجحيم! ولكن الكلام، في وظائفه الأغلب، يقوم على ستر الحقيقة، وإخفاء الأفكار. "الانسان يتكلّم ليعبّر عن أفكاره) مقولة ليست صادقة تماماً، مقولة لعوب. الكلام ضباب يغريك ليعرّيك. يلعب على الأضداد. نطناط، بهلوان متمرّس ومتمكّن، يمشي على الحبال، ويركض على حدّ السيف. كان العالم الاجتماعيّ بيار بورديو يتوقف كثيرا عند سلطان الكلام، وعند اللعب بالكلام، والصورة. كتابه عن" آليات التلفزيون والتلاعب بالعقول" فيّاض بالمعلومات التي " تفصفص" الخداع المقنّع. وكذلك الأمر في كتابه عن " سلطان البيان" حيث يدخل إلى كواليس القول.

لماذا نحكي؟ هل لنقول ما نريد قوله، ام لنخفي ما لا نريد قوله؟ يكفي ان نتوّقف عند عبارات تخرج من فم فتاة من قبيل :" خدعني"، " ضحك عليّ"، "غشني"، "كذّب عليّ" ، " ما كان مبيّن عليه انّو كذّاب".... ماذا تقول كلّ هذه التعابير؟

وتعبير آخر من فيض الأقوال المأثورة:" يتمسكن حتّى يتمكّن". يتظاهر، يدّعي، يوحي اليك، ولكنّه ليس مسكيناً، أذنك المسكينة، حواسك كلّها هي المسكينة، وليس فمه المراوغ أو سلوكه المرائيّ. تحت لفّة الكلام قرون ملتفّة كثيرة، قرون متشابكة كقرون بعض الأيائل، ولكنها قرون متوارية تحت لبدة الأسد.

ولقد صدق فيلسوف المعنى النمساويّ فتغنشتاين حين قال :" ليس للكلمة معنى وانّما لها استخدامات".

الكلام ساحر، جذّاب، والسحر لعب على العيون والأسماع، والجذب هنا جذب بحبال من "لايزر" قد لا تراها العين، والحبال ليست مجازية كثيرا هنا، ألا يقال:" جرجرني بالحديث؟"، والجرير من لحم الجرّ وهو يعني " الحبل"؟ وهذا يعني ان كلامه لم يكن كلاماً وانّما كان حبالاً وأسلاكاً فـ" أسرني" بكلامه.

أذكر في الختام أنّ ثمّة طائفة دينية في الهند لا تتكلم لا بما هو ضروريّ ومع الوقت تكاد الى ان تتحول الى فرقة خرساء، تصوم عن الكلام كما نصوم عن الطعام.

الإيمان بحسب هذه الفرقة لا يحبّ الثرثرة.

بلال عبد الهادي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق