الأربعاء، 29 يوليو 2015

آداب السلوك على الانترنت nétiquette



طريقة ولادة الكلمات لا تخلو من طرافة، وأشكال الكلمات كأشكال الناس. لا أحد يمكنه أن يحدّد مصائر الكلمات. ولكلّ لغة طريقة في توليد الكلمات. كلمة " المولّد " كلمة تنتمي الى العصر العبّاسي وتعني في علم اللغة مجموع المفردات العربية التي كان لها معنى من المعاني ولكن شاءت الأقدار أنْ تمنحها معنى جديداً. ولا يمكن لأحد أن يغلق الباب على معاني الكلمات المستجدّة، أو يصدّ معنى وافداً بحجّة أنه يخالف القياس، أو يخالف العادات اللغوية لهذه اللغة أو تلك. أنا أريد، وأنت تريد، ولكن اللغة تفعل ما تريد. لا معنى نهائياً لكلمة. الجذر في العربية بمثابة رحم، وتعجبني الفرنسية التي أعطت معادلاً لغوياً شديد الدلالة للجذر العربي وهو " matrice "، وتعني هذه المفردة " الرحم".  اللغة أنثى، هذا ما نعترف به وإن كنّا لا ننتبه الى مفاعيل هذا الاعتراف. فنحن نقول عن اللغة التي يكتسبها الطفل بدءا من تشكلّه في رحم أمّه إنّها اللغة "الأمّ"، ومن الطبيعي أن يكون للأمّ رحم. والرحم اللغويّ مخصاب ومنجاب. وثمة فارق جرهري بين رحم اللغة ورحم المرأة وهو ان رحم اللغة لا يعرف " سنّ اليأس"، ولا يتوقّف عن الانجاب إلى ما شاء الله.

وأنتقل الى ناحية لغوية تدخل في حيّر آداب السلوك. اختارت الفرنسية لآداب السلوك كلمة " étiquette"، ولكن جاء الانترنت فزعزع كيانها ولعب بها. واللغة لا تزعل ممّن يلعب بها لعبا بنّاء، ويمدّها بقدرات جديدة، ويؤمّن لها مستقبلا واعداً!

لكلّ شيء في الحياة آداب سلوك حتّى ما يسمّى بـ"بيت الأدب"! له آداب سلوك.

والانترنت الوافد الجديد له آداب سلوك، وأرادت اللغة الفرنسية أن تضع كلمة لهذا المعنى الطارىء، فجاءت إلى كلمة internet التي تقلّص حجمها لفرط الاستعمال فصارت " net" كما حال السينماتوغرافيا التي صارت سينما ثم استمرّ تقليص الحجم الى ان صار سينيه ciné. أخذت اللغة الفرنسيةّ من الانترنت المقطع الاخير net، وسبحان مغيّر أحوال ومراتب المقاطع! لقد تحوّل بسحر ساحر الى المقطع الاوّل في الكلمة الفرنسية الجديدة وهي nétiquette.

ولكن من يتأمّل الكلمة الجديدة يعرف انها لم تأخذ من " net" الا حرف n فاللغة دبّارة لا تحبّ التبذير الاّ حين يكون التبذير ضرباً من التوفير! ووضعت هذه ال n في أوّل étiquette. وشهدت الفرنسية ولادة مفردة جديدة استعانت بحرف انكليزيّ لتتم الولادة على خير. فالحرف الاوّل فرنسيّ أبا عن جدّ ولكن، في العمق، هو حرف انكليزي ابا عن جدّ.
وصار لكلمة
nétiquette حياة جديدة لا أحد يعرف ما كتب الله لها من العمر! وهناك مجموعة من الأبحاث الطريفة حول آداب سلوك الناس على الإنترنت.

البعض لا تعجبه هذه الكلمات وشبيهات لها من حيث التركيب والتاريخ، ويعتبرها دخيلة، وهجينة ويرفض تزويدها بهوية ويأبى اعطاءها جنسيّة تخوّلها الدخول الى ربوع المعجم، فليس هناك من معجم الى أي لغة كان الاّ ويمارس نوعا من العنصريّة، ويقسم الكلمات الى بنات ستّ وبنات جارية. ولكن من يقرأ التاريخ يعرف ان الانتصار يكون أحيانا لبنت الجارية أو ابنها، فالمأمون ابن الجارية انتصر على الأمين ابن الستّ!

ثمّ انّ كثرة الحرّاس على باب اللغة ككثرة الطبّاخين تفسد الطبخة اللغوية.

ومسألة الخطأ والصواب، في اللغات، مسألة اعتباطية إلى حدّ بعيد. هذا ما يقوله مسار أيّ لغة ومن جملتها اللغة العربية.

ما هو عدد الكلمات الخطأ التي يحضنها بمحبّة " لسان العرب" ولكن على أساس أنّها صواب، ويعاملها معاملة الصواب.

أخطاء كثيرة لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة لأسباب عاطفية. كم أمّاً مثلاً بإمكانها التخلّي عن ولد " جاء بالغلط"؟ واللغة أمّ رحوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق