الاثنين، 11 أبريل 2016

طريقتي في القراءة

منذ مدّة وأنا راغب في كتابة تجربتي الشخصية في القراءة.
تجربة بسيطة، لا أنكر ذلك، ولكنها طريقة شخصية صاغتها ظروفي الشخصية.
لولا ظروفي لكنت أقرأ بطريقة مختلفة.
ولكني راض عن طريقتي في القراءة.
ولو عدت الى الوراء لما كنت استغنيت عنها كرمى لعيني نمط آخر في القراءة.
تعلمت القراءة من تحويش الزيتون، ومن فرطه، ومن تعفيره، وتعلمت القراءة من بستان جدّي في المرجة، ومن طريقة أبي في الطبخ، وتعلمت القراءة من مطعم والدي.
وتعلمت القراءة من الفقراء الذين ينبشون في مستوعبات القمامة.
وتعلمت القراءة من الذين لا يحسنون القراءة.
وتعلمت القراءة من عملي الصحافيّ في باريس، حين قال ليس مدير تحرير مجلّة الفرسان جورج ساسين: اكتب الطريف، ورحت ابحث عن الطريف في بطون الكتب وفي عادات الناس، وتقاليد الشعوب، مستلهما في كتابتي طريقة ابي تمام في اصطياد الاستعارات البعيدة، أحبّ أن اكتب ما يُشعر القارىء انه عليه أن يفرفك عينيه، أن تندهش عيناه من المعلومة التي اقولها له تماما كما فعلت بي المعلومة نفسها. فما لا يهزني لا اكتبه، أكتب ما يعنيني، اكتب عن الاشياء التي تفتنني، كتبت مرة عن تنكة ببيسبي فتنني من يحولها الى تحفة فنية، يفتنني ما لا طعم له، ولكن مع الوقت تكتشف طعم ما لا طعم له.
طريقتي في القراءة هي، في العمق، خوفي من الألزهايمر.
تعلمت القراءة من ولعي بحبّة الحمّص وحبّة الفول.
اكتشفت ان بناء علاقة حواسية مع الكتاب هي علاقة تغنيك.
سألني اليوم زبون كان يأكل في مطعم والدي: إسّاتك عم تقرا؟
سؤال يزعجني وكأنّه يقول لي: ألا تزال على قيد الحياة؟
بنيت منذ زمن بعيد علاقتي مع القراءة على أسس لا علاقة لها ظاهرة مع القراءة. ورغم عشقي للكتب، وهو عشق بلغ حدّ الهوس والإدمان، الاّ اني افضل القراءة على الكتب!
القراءة خير من الكتاب!
ورغم اني اعيش في مكتبي بين آلاف الكتب، الاّ اني لا احبّ ان انحبس بين دفوف الكتب ورفوف الكتب.
احبّ القراءة الابجدية وغير الابجدية.
يتحوّل صحن التبولة في نظري الى نصّ يُقرأ بالفم، وتحلل عناصرة في الفم.
افتت المذاق الى مكوناته، تماما كما افتت مكونات النصّ حروفا وكلمات وجملاً.
اقرأ الاعلانات، والنعوات، واليافطات، وما يكتب على زجاج السيارات، والحيطان او ما يعرف بالغرافيتي، وعلى بدن الشاحنات، والشعارات، والصور، والمنحوتات، كلّ العالم أبجدية.
يضحكني من يضحك على كتب الطبخ، وكتب التنجيم، واقوال الأفلاك.
كل شيء يُقرأ، كلّ شيء يَقرأ ( القارىء مقروء، والمقروء قارىء) حبة الرمل، حصاة على قارعة ضفاف، صدفة بحرية، تموجات الماء في النهر او البحر.
احب قراءة الاشياء الصغيرة، التافهة، البسيطة، تماما كما احب تأمّل الاشياء الصغيرة، الصغيرة التي لا تراها عيني، ومنى عيني عدسة كاميرا تريك ما لا تراه، كأن تتجوّل في عيني نملة، أو أنبوب النحلة الذي تسحب به الرحيق.
مناي شراء عدسة ماكرو، أن أرى الدنيا من وراء عدسة ماكرو ماكرة.
الى الآن لم أقل كيف أقرأ، لا أزال في " ماذا أقرأ" .
حين أكون في عالم القراءة أعيش تحولات روحية ونفسية وجسدية ، وحالات لا اذوقها في غير مطارح القراءة.
لا أشبع من القراءة، أنام في كل يوم حالماً بمتابعة القراءة في اليوم التالي.
أقرأ وأقرا وأقرأ وأشعر في ختام الوقت أني لم أقرأ.
اني لا ازال في الحرف الأوّل من نصّ مديد لا ينتهي.
أدهشني بورخيس حين قال: انه لا يتصوّر الجنّة غير مكتبة.
وان الكون مكتبة حلزونية.
وادهشتني فرجينا وولف حين قالت: إن الله ، في الآخرة، لن يعتذر الاّ من القرّاء، لأنّه لا يستطيع ان يكافئهم بشيء، لأن الجنة مكتبة، اي ذهابهم الى الجنة لن يغيّر من أمر حياتهم الفردوسية التي كانوا فيها.
القارىء ينتقل من جنّة إلى جنّة
القراءة وجع لأنّها شوق دائم الى ما لم يقرأ.
والشوق لاهب!
والشوق حارق!
والشوق رغم كلّ شيء هو أجمل ما تشعر به روح في جسد!
(هذه مجرد خواطر ومقتطعات، اعرف اني لم اقل بعد كيف أقرأ، ولا كيف اكتشفت طريقي في القراءة. اترك الأمر لتدوينة لاحقة)
أنا بكلّ مكوناتي السلبية والايجابية ابن طريقتي في القراءة.
وكتابي #لعنة_ بابل هو قطعة من بازل طريقتي في القراءة.

ولا أظنّ أن هناك شخصين يقرآن الكتاب الواحد بطريقة واحدة.
لا أحد يعيش في جسد شخص آخر، ولا احد يرتشف دلالات الأشياء بطريقة واحدة.
لكل شخص طريقته في رؤية الأشياء، واستقبال الأشياء.
لكل شخص فتنته الشخصية بالأشياء.
ربّما كانت أفضل طريقة لشرح طريقتي في القراءة، هو ما قالت لي ذات يوم ابنتي أسيل:
يا بابا يللي بفوت ع مكتبتك ما بيعرف شو دارس.
اكتشفت ان من يدخل عالم اللغة يدخل عالم الأشياء كلّها، فالدنيا نصّ مديد، وارف الأغصان، نصّ نظلّ في بداياته.
القراءة متاهة ، متاهة جميلة، متاهة لا تقتلك، فإذا ما عطشت يناديك نبع ، أو جعت ينده لك طبق، وإذا أردت أن تغفو يتهيّا لك سرير من الأبجديات المغزولة بخيطان من حرير، متاهة جدرانها ملونة ، وشاشات فيديو وافلام.
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق