الثلاثاء، 1 مارس 2016

الصليبيون في اللغة الصينية


لكلّ لغة من اللغات طريقة في تصوّر العالم، وهناك من يعتبر أنّ كلّ لغة هي وجهة نظر، وهذا ما تدعو إليه النظرية النسبية في اللغة والتي تعرف بنظرية " وورف وسابير" وهما عالمان لغويّان جليلان لهما نظرات حصيفة حول المسائل اللغويّة. ولا تخلو لغة من اللغات من طرائف وجماليات مخصوصة بها. واللغات ليست كلّها على مستوى واحد، فهناك عوامل كثيرة تلعب أدوارا متعدّدة في إعطاء هذه اللغة أو تلك قيمة مضافة. فلا يمكن لأيّ إنسان اليوم مثلا أن ينكر الدور الثقافي والفكريّ الذي تلعبه اللغة الإنكليزية. ولكن ثمّة قيمة ذاتية عالية لكلّ اللغات بغضّ النظر عن عدد الناطقين بكلّ لغة من هذه اللغات. وكلّ لغة هي كنز إنسانيّ بكل معنى الكلمة، وموت لغة من اللغات هو بمثابة موت تجربة إنسانيّة فريدة، وخسارة مخزون روحيّ وفكريّ وصحّيّ. وهذا ما انتبهت له اليونسكو، فراحت تحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه من اللغات المعرّضة للانقراض.
وفي مقالي هذا سأتوقّف عند بعض الأمور اللغوية  التي عبرت عينيّ خلال القراءة في بعض النصوص الصينيّة، وهي نصوص بعضها ذو صلة بالعالم العربيّ لأنّها ستتكلّم على اسم الصليبيين. ونحن نعرف ان كلمة الصليبيين ليست من نجار عربيّ، فالعرب لم يلتفتوا الى الصليب المطرّز على لباس المحاربين الآتين من أوروبا لاحتلال خيرات العالم الاسلاميّ، ومن يتتبّع مفردة " الصليبيين " في كتب التراث العربيّ فإنّه لن يجد الا كلمة " الفرنجة" أو " الإفرنج"، وشيوع استعمال كلمة الصليبيين هو ابن العصر الحديث، كما شاعت كلمات كثيرة تخصّ بلادنا وهي تسميات ليست من " عندياتنا" وإن كانت لها ملامح عربيّة كعبارة " الشرق الأوسط". والملامح الخارجيّة للأشياء كثيرا ما تلعب بالعيون.
في الصين هناك تعبير طريف للدلالة على جيش الصليبيين، وهو: " جيش الرمز عشرة十字军/   shi zi qun /".
الاسم غريب، لا يعلن لمن لا يعرف الصينيّة عن السرّ الكامن وراء هذه التسمية الرقميّة. ولكن سرعان ما تتلاشى الغرابة حين نعرف ان الرقم عشرة في اللغة الصينية له شكل الصليب أو علامة زائد في العربية (+) ، وما قيل عن الصليبيين قيل عن الصليب الأحمر، وتسميته في الصينية " العشرة الحمراء". وحتّى لا أخرج عن الأرقام الصينية سأنتقل الى نقطة رقمية أخرى، وأنظر إلى الطريقة التي ينظر بها الصينيّ إلى الرقم أربعة. فالرقم أربعة في الصين ليس محبوبا وليس مرغوبا في نمر السيارات أو أرقام الهواتف، ويفضّل اجتنابه. انه اشبه بالنوم بين القبور!  فهو ضحية لفظه، رقم أربعة يلفظ في الصينية " سُهْ "si . فما هي هذه الحساسيّة المفرطة إزاء لفظه؟ الموت هو السبب. اللغة الصينيّة لغة الجناس بامتياز، يربكك الجناس الذي فيها، جناس يبلبل مخزونك اللغويّ، وتشعر حين تقارن بين الصينية والفرنسية أو العربية أو الإنكليزيّة غنى الصينيّة المحيّر بالجناس الصوتيّ، فالكلمة الواحدة في العربيّة مثلاً تكتب بالشكل الذي تلفظ به، فإذا قلت " دَرَسَ" ستكتب " دَرَسَ" وليس هناك من إمكانيّة أخرى، من حيث المبدأ، أما في اللغة الصينيّة، فهذا المبدأ الذي هو مطابقة المكتوب للمنطوق مبدأ لا يؤخذ به، فقد يتجلّى الصوت الواحد في عشرين رمزا كتابياً أو أكثر، وفي أكثر من عشرين معنى مختلف عن بعضه البعض بُعد الموزة عن الحذاء! وهذا الجناس هو الذي أصاب الرقم أربعة بالنحس، لأنّ كلمة " أربعة" وكلمة " موت" يلفظان لفظاً واحدا أي أنك اذا سمعت كلمة أربعة سيرنّ صدى الموت في أذنيك.

وان كان الرقم اربعة يدعو للنفور فهناك ارقام تدعو للتفاؤل مثل رقم ستة ( ليو liu ) لأنه، لفظاً، يتجانس مع كلمة سيّال بما تحمله من دلالات تدلّ على  الحركة، وفي الحركة، كما يقال، بركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق