تشانغ هونغ يي ..تم النشر
في 2014/08/27
سعدية مفرح
تقول د. تشانغ هونغ يي، أستاذة الأدب العربي وعميدة كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الدولية ببكين، ونائبة مدير الأكاديمية الصينية لتعليم اللغة العربية ببكين أيضا، إن شعراء الصين منافقون، على عكس الشعراء العرب الذين يمتازون بالصدق دائما. فقلت لها: «خلينا ساكتين أحسن».. حتى لا نختلف منذ بداية اللقاء يا صديقتي العزيزة، ولنختر موضوعاً آخر نبدأ به هذا الحوار. كانت البداية حكاية تشانغ هونغ يي، أو زاهرة كما تحب أن تسمى عندما تكون في البلاد العربية، مع اللغة العربية.
تقول زاهرة إنها تعلمت اللغة العربية بعد تخرجها من الثانوية العامة في الجامعة نفسها التي تعمل فيها الآن في بكين، بعدها سافرت إلى سوريا، حيث درست لمدة سنتين في جامعة دمشق، ثم عادت إلى بكين وبدأت العمل بتدريس اللغة العربية وأثناء ذلك كانت تحضر لنيل الماجستير ثم الدكتوراه، حيث حصلت عليهما من جامعة الدراسات الأجنبية في بكين.
وخلال فترة دراسة الدكتوراه سافرت إلى القاهرة لجمع المراجع والمصادر لإعداد الرسالة، وكانت أطروحتها بعنوان «تحول الشعر العربي المعاصر في ظل العولمة»، حيث حصلت عليها في سنة 2000.
لماذا الأدب العربي؟
● لكن لماذا اتجهت الشابة هونغ يي إلى دراسة الأدب العربي أصلا؟ ما الذي جذب مراهقة للتو انتهت من الثانوية العامة للغة بعيدة عنها وغير منتشرة في محيطها؟
- أحببت اللغة العربية منذ الصغر لتعاطفي مع الشعب الفلسطيني وقضايا التحرر العربي بشكل عام، وكانت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد بطلتي المفضلة، ومن خلال اهتماماتي السياسية والانسانية بقضايا العالم الثالث والوطن العربي، وأصبحت أميل للحضارة العربية ودورها في التاريخ الإنساني، أحببت أن أدرس اللغة العربية لأستطيع قراءة كل شيء عن العرب بلغتهم الأصلية. وهذا ما حدث. لكنني بعد أن تعلمت اللغة بدأ اهتمامي السياسي يتضاءل مقارنة بالاهتمام الأدبي، فأحببت الشعر العربي واكتشفت أن القصيدة العربية تحلق في السماء بشكل ميتافيزيقي مقارنة بالقصيدة الصينية الجافة، التي غالباً ما كانت تتحدث عن الواقع النضالي بطرق مباشرة.
قرأت الكثير
● تتحدثين عن الأدب العربي في سياق نقدي بحت، فما مدى إطلاقك على هذا الأدب ورموزه وحركاته المعاصرة؟
- قرأت الكثير من الشعر العربي وعنه، ووجدت أن الشعر العربي المعاصر مر بمراحل عديدة، فقد بدأ بمرحلة النهضة، ومن أبرز رموز تلك المرحلة أحمد شوقي وقبله محمود سامي البارودي ومطران خليل مطران، وبعد هذه المرحلة تأثر الشعر العربي عموما بمدارس شعرية غربية، وبعدها دخلت مدارس الكلاسيكية والرومانسية والرمزية وما إلى ذلك.
لكن حركات التحرر القومي في الأربعينات والخمسينات أثرت في الشعر وجعلته يتجه قليلا للواقع العربي، خصوصا في سياق نكبة فلسطين، فقلما نجد شاعرا عربيا في تلك الفترة لم يكتب عن فلسطين. وقد تطور الشعر العربي في إطار ذلك لكنه تعرّض لنكبة مواكبة لنكبة 67، وأنا أعتبرها نكبة قاتلة للقصيدة العربية، حيث سكت الكثير من الشعراء عن قول الشعر تأثرا بما حدث، واتجه بعضهم لمجالات كتابية أخرى، وموضوعيا تأثرت القصيدة بتوجهين، ليبرالي غربي، واشتراكي شرقي.
وعندما تمزّق المعسكر الاشتراكي بعد نزاع الصين والسوفيت، كان الشعراء العرب قد اتجهوا إلى محاولة العثور على طريق مستقل لا غربي ولا شرقي، وأثناء مرحلة التردد تلك ظهر شعراء مثل صلاح عبدالصبور يكتبون قصائد مليئة باليأس والتشاؤم والإحباط والوجودية، أو السريالية، وهكذا أصبح الشعر العربي غامضاً مبهماً لا يفهم، ولا يتذوقه سوى من يكتبه.
لكن في ثمانينات القرن الماضي انتعش الشعر العربي من جديد بظهور تيارات جديدة تأثرت بنظريات الحداثة وما بعد الحداثة، وتفكيك القوالب الجاهزة للشعر.
العربية في الصين
● باعتبارك عميدة لكلية اللغة العربية في إحدى أهم الجامعات الصينية.. ماذا عن توجهات من يتعلم اللغة العربية من الطلبة الصينيين الآن؟ هل يتعلمونها لأسباب ثقافية أدبية مثلك، أم أن هناك أهدافاً أخرى؟
- بشكل عام هناك توجه رسمي يشجع على تعلم اللغة العربية، حتى أن أكثر من أربعين جامعة رسمية في الصين تدرس العربية بشكل منتظم من أصل 2000 جامعة رسمية.. ويتخرج ما يقرب من ألف طالب صيني يتحدث اللغة العربية بشكل جيد كل عام. بالاضافة إلى أربع جامعات تقدم برامج للدراسات العليا عن اللغة العربية وآدابها.
وسوق اللغة العربية في الصين متسع ويتسع باستمرار لاحتواء كل من يدرس اللغة العربية، خصوصا في ظل سياسة الانفتاح الصيني الحالية على المجتمع الدجولي بشكل عام ومنها الوطن العربي. وبالتالي فإن كثيرا من الدارسين لهذه اللغة الجميلة يدرسونها، إما لأسباب أدبية جمالية بحتة كما فعلت أنا، أو لأسباب عملية، فكل الخريجين يجدون وظائف مناسبة في الدولة والمؤسسات العامة وشركات القطاع الخاص، خصوصا بعد عقد الكثير من الاتفاقات التجارية بين الصين وبعض البلاد العربية ومنها الكويت على سبيل المثال.
الترجمة ليست كافية
● ماذا عن الترجمات المتبادلة بين اللغتين العربية والصينية؟
- الترجمة من العربية للصينية لا بأس بها لكنها ليست كافية، فقد ترجمنا عددا لا بأس به من الكتب العربية، وما زلنا نعمل باجتهاد على هذا الصعيد، أما العكس فهو واقع فقير للأسف فليس هناك تراجم عربية من الأدب الصيني المعاصر الا القليل جدا. وهنا أشير الى أن أقدم الترجمات الصينية من العربية كانت ترجمات للقرآن الكريم وللكتب الدينية والتراثية، وقد قام بها مسلمو الصين، وأذكر أن للقرآن الكريم 14 ترجمة صينية حتى الآن، بالاضافة الى العديد من تراجم كتب الحديث النبوي.
وأنا شخصيا قمت بترجمة العديد من قصائد أحمد شوقي وجبران والسياب ومحمود درويش وفاروق جويدة والبياتي ونزار قباني. وغيرهم. وأعمل الآن على ترجمة الشعر العربي القديم في سلسلة بدأتها بلامية العرب للشاعر الشنفرى.
فروقات
● قلت في بداية لقائنا إنك تحبين القصيدة العربية، وتفضلينها على القصيدة الصينية.. ما أبرز الفروقات بين القصيدتين؟
- الشعر الصيني يختلف عن الشعر العربي كثيراً، فالقصيدة الصينية قصيرة جدا وتكون فكرة واحدة، وشعراء الصين يهتمون بالعواطف الإخوانية بين الأهل والأصدقاء أكثر من اهتمامهم بالقصائد العاطفية بين الرجل والمرأة كما يفعل الشاعر العربي.
وبالمناسبة أتمنى أن تهتم الدولة العربية بإدخال الشعر العربي الكلاسيكي في سجل التراث الإنساني غير المادي لدى اليونيسكو.. فهو يستحق ذلك فعلاً. وأتمنى أن يتحقق هذا الأمل.
سعدية مفرح
تقول د. تشانغ هونغ يي، أستاذة الأدب العربي وعميدة كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الدولية ببكين، ونائبة مدير الأكاديمية الصينية لتعليم اللغة العربية ببكين أيضا، إن شعراء الصين منافقون، على عكس الشعراء العرب الذين يمتازون بالصدق دائما. فقلت لها: «خلينا ساكتين أحسن».. حتى لا نختلف منذ بداية اللقاء يا صديقتي العزيزة، ولنختر موضوعاً آخر نبدأ به هذا الحوار. كانت البداية حكاية تشانغ هونغ يي، أو زاهرة كما تحب أن تسمى عندما تكون في البلاد العربية، مع اللغة العربية.
تقول زاهرة إنها تعلمت اللغة العربية بعد تخرجها من الثانوية العامة في الجامعة نفسها التي تعمل فيها الآن في بكين، بعدها سافرت إلى سوريا، حيث درست لمدة سنتين في جامعة دمشق، ثم عادت إلى بكين وبدأت العمل بتدريس اللغة العربية وأثناء ذلك كانت تحضر لنيل الماجستير ثم الدكتوراه، حيث حصلت عليهما من جامعة الدراسات الأجنبية في بكين.
وخلال فترة دراسة الدكتوراه سافرت إلى القاهرة لجمع المراجع والمصادر لإعداد الرسالة، وكانت أطروحتها بعنوان «تحول الشعر العربي المعاصر في ظل العولمة»، حيث حصلت عليها في سنة 2000.
لماذا الأدب العربي؟
● لكن لماذا اتجهت الشابة هونغ يي إلى دراسة الأدب العربي أصلا؟ ما الذي جذب مراهقة للتو انتهت من الثانوية العامة للغة بعيدة عنها وغير منتشرة في محيطها؟
- أحببت اللغة العربية منذ الصغر لتعاطفي مع الشعب الفلسطيني وقضايا التحرر العربي بشكل عام، وكانت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد بطلتي المفضلة، ومن خلال اهتماماتي السياسية والانسانية بقضايا العالم الثالث والوطن العربي، وأصبحت أميل للحضارة العربية ودورها في التاريخ الإنساني، أحببت أن أدرس اللغة العربية لأستطيع قراءة كل شيء عن العرب بلغتهم الأصلية. وهذا ما حدث. لكنني بعد أن تعلمت اللغة بدأ اهتمامي السياسي يتضاءل مقارنة بالاهتمام الأدبي، فأحببت الشعر العربي واكتشفت أن القصيدة العربية تحلق في السماء بشكل ميتافيزيقي مقارنة بالقصيدة الصينية الجافة، التي غالباً ما كانت تتحدث عن الواقع النضالي بطرق مباشرة.
قرأت الكثير
● تتحدثين عن الأدب العربي في سياق نقدي بحت، فما مدى إطلاقك على هذا الأدب ورموزه وحركاته المعاصرة؟
- قرأت الكثير من الشعر العربي وعنه، ووجدت أن الشعر العربي المعاصر مر بمراحل عديدة، فقد بدأ بمرحلة النهضة، ومن أبرز رموز تلك المرحلة أحمد شوقي وقبله محمود سامي البارودي ومطران خليل مطران، وبعد هذه المرحلة تأثر الشعر العربي عموما بمدارس شعرية غربية، وبعدها دخلت مدارس الكلاسيكية والرومانسية والرمزية وما إلى ذلك.
لكن حركات التحرر القومي في الأربعينات والخمسينات أثرت في الشعر وجعلته يتجه قليلا للواقع العربي، خصوصا في سياق نكبة فلسطين، فقلما نجد شاعرا عربيا في تلك الفترة لم يكتب عن فلسطين. وقد تطور الشعر العربي في إطار ذلك لكنه تعرّض لنكبة مواكبة لنكبة 67، وأنا أعتبرها نكبة قاتلة للقصيدة العربية، حيث سكت الكثير من الشعراء عن قول الشعر تأثرا بما حدث، واتجه بعضهم لمجالات كتابية أخرى، وموضوعيا تأثرت القصيدة بتوجهين، ليبرالي غربي، واشتراكي شرقي.
وعندما تمزّق المعسكر الاشتراكي بعد نزاع الصين والسوفيت، كان الشعراء العرب قد اتجهوا إلى محاولة العثور على طريق مستقل لا غربي ولا شرقي، وأثناء مرحلة التردد تلك ظهر شعراء مثل صلاح عبدالصبور يكتبون قصائد مليئة باليأس والتشاؤم والإحباط والوجودية، أو السريالية، وهكذا أصبح الشعر العربي غامضاً مبهماً لا يفهم، ولا يتذوقه سوى من يكتبه.
لكن في ثمانينات القرن الماضي انتعش الشعر العربي من جديد بظهور تيارات جديدة تأثرت بنظريات الحداثة وما بعد الحداثة، وتفكيك القوالب الجاهزة للشعر.
العربية في الصين
● باعتبارك عميدة لكلية اللغة العربية في إحدى أهم الجامعات الصينية.. ماذا عن توجهات من يتعلم اللغة العربية من الطلبة الصينيين الآن؟ هل يتعلمونها لأسباب ثقافية أدبية مثلك، أم أن هناك أهدافاً أخرى؟
- بشكل عام هناك توجه رسمي يشجع على تعلم اللغة العربية، حتى أن أكثر من أربعين جامعة رسمية في الصين تدرس العربية بشكل منتظم من أصل 2000 جامعة رسمية.. ويتخرج ما يقرب من ألف طالب صيني يتحدث اللغة العربية بشكل جيد كل عام. بالاضافة إلى أربع جامعات تقدم برامج للدراسات العليا عن اللغة العربية وآدابها.
وسوق اللغة العربية في الصين متسع ويتسع باستمرار لاحتواء كل من يدرس اللغة العربية، خصوصا في ظل سياسة الانفتاح الصيني الحالية على المجتمع الدجولي بشكل عام ومنها الوطن العربي. وبالتالي فإن كثيرا من الدارسين لهذه اللغة الجميلة يدرسونها، إما لأسباب أدبية جمالية بحتة كما فعلت أنا، أو لأسباب عملية، فكل الخريجين يجدون وظائف مناسبة في الدولة والمؤسسات العامة وشركات القطاع الخاص، خصوصا بعد عقد الكثير من الاتفاقات التجارية بين الصين وبعض البلاد العربية ومنها الكويت على سبيل المثال.
الترجمة ليست كافية
● ماذا عن الترجمات المتبادلة بين اللغتين العربية والصينية؟
- الترجمة من العربية للصينية لا بأس بها لكنها ليست كافية، فقد ترجمنا عددا لا بأس به من الكتب العربية، وما زلنا نعمل باجتهاد على هذا الصعيد، أما العكس فهو واقع فقير للأسف فليس هناك تراجم عربية من الأدب الصيني المعاصر الا القليل جدا. وهنا أشير الى أن أقدم الترجمات الصينية من العربية كانت ترجمات للقرآن الكريم وللكتب الدينية والتراثية، وقد قام بها مسلمو الصين، وأذكر أن للقرآن الكريم 14 ترجمة صينية حتى الآن، بالاضافة الى العديد من تراجم كتب الحديث النبوي.
وأنا شخصيا قمت بترجمة العديد من قصائد أحمد شوقي وجبران والسياب ومحمود درويش وفاروق جويدة والبياتي ونزار قباني. وغيرهم. وأعمل الآن على ترجمة الشعر العربي القديم في سلسلة بدأتها بلامية العرب للشاعر الشنفرى.
فروقات
● قلت في بداية لقائنا إنك تحبين القصيدة العربية، وتفضلينها على القصيدة الصينية.. ما أبرز الفروقات بين القصيدتين؟
- الشعر الصيني يختلف عن الشعر العربي كثيراً، فالقصيدة الصينية قصيرة جدا وتكون فكرة واحدة، وشعراء الصين يهتمون بالعواطف الإخوانية بين الأهل والأصدقاء أكثر من اهتمامهم بالقصائد العاطفية بين الرجل والمرأة كما يفعل الشاعر العربي.
وبالمناسبة أتمنى أن تهتم الدولة العربية بإدخال الشعر العربي الكلاسيكي في سجل التراث الإنساني غير المادي لدى اليونيسكو.. فهو يستحق ذلك فعلاً. وأتمنى أن يتحقق هذا الأمل.
جريدة القبس الكويتية
__________________
د. فهد الراشد
د. فهد الراشد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق