الأحد، 8 مايو 2016

حوار مع يارا المصري مترجمة من الصينية الى العربية

تونس- من مبروكة علي:تعتبر المترجمة المصرية، يارا المصري ، التي درست اللغة الصينية في كلية الألسن ـ جامعة عين شمس في القاهرة وفي جامعة شاندونغ للمعلمين في مدينة جينان بالصين، أن اللغة الصينية متداولة عالمياً، وهي اللغة الأكثر انتشاراً في العالم من حيث عدد الناطقين بها. وتضيف في هذا الحوار مع «القدس العربي» أن «الترجمة هي فعل الممكن والمستحيل في آن»، مستعرضة مراحل الأدب الصيني، الذي ترجمت عدد من أعماله، لاسيما رواية «الذواقة» للكاتب لو وين فو.
■ اخترتِ اختصاصاً صعباً، لماذا الترجمة من الصينية وليست أي لغة أخرى، خصوصاً أنها ليست من اللغات المنتشرة عندنا، لا كاختصاص ولا حتى كمعرفة أدبية وثقافية، فيما عدا الدول التي تتحدث بها؟
□ اللغة الصينية متداولة عالمياً، هي اللغة الأكثر انتشاراً في العالم من حيث عدد الناطقين بها، ليس فقط داخل الصين وتايوان، بل في ماليزيا وسنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية، وتُدَّرس في العديد من جامعات العالم. أما عن سبب اختياري لهذه اللغة، فكان اختياراً اتفقنا عليه أنا ووالدي، كنت سأختار الالتحاق بقسم اللغة الإنكليزية في كلية الألسن، ولكن اقترح عليّ والدي دراسة اللغة الصينية، وكان اختياراً صائباً.
■ بسبب قلة الترجمات من الصينية نحن تقريبا نجهل هذا الأدب، لو تعطينا فكرة عن خصائصه وأهم الأسماء الأدبية في الصين؟
□ على الرغم من قلة الترجمات إلى اللغة الصينية، إلا أن ما تُرجم إلى الآن قد يعطينا فكرة بشكل أو بآخر عن الأدب الصيني؛ الأدب الصيني القديم مثلاً كان مرتبطاً بشكلٍ ما بالفلسفة والسياسية وتعاليم الكونفوشية والطاوية، مرتبطاً بطبيعة الصين الخلابة، كما قرأناها في الشعر الصيني القديم. وللأدب الصيني الحديث رواده من الكتاب الكبار مثل، لوشون وماو دون ولاوشه، وشعراء مثل آي تشنغ، وون يي دوا وغيرهما، وهؤلاء بنوا جسوراً مع الآداب الأجنبية الأخرى وشجعوا الشباب على التعرف عليها، ثم جاءت حركة الرابع من مايو/أيار، وهي إحدى الحركات الثقافية الكبرى في الصين، حيث كان الأدب مركزاً حينها على زيادة الوعي لدى الشعب والكفاح والنضال من أجل إنقاذ الوطن، وفي سبيل الحرية والاستقلال، وحينها أي في العقود الأولى من القرن العشرين الماضي، كانت الصين تمر بمرحلة مظلمة من العدوان والاستعمار، ولعلنا قرأنا بعض أعمال لوشون المترجمة إلى العربية مثل «الصرخة» و»يوميات مجنون» التي تكشف عن بعض ملامح الأدب الصيني الحديث. أما عن الأدب الصيني المعاصر، الذي بدأ منذ عام 1949 مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية، فكان مختلفاً بعض الشيء، حيث انفتح الكتاب الصينيون على العالم، وكانت الأعمال الأدبية لا تزال تسير على خطى حركة الرابع من مايو والأدب الحديث. ويمكنني القول إن فترة الثمانينيات في الصين هي فترة انتعاش الأدب وتحرره، التحرر من قبضة الثورة الثقافية، التعبير عن دواخل الكتَّاب النفسية ومشاعرهم تجاه النكبات والانعطافات التي شهدها هذا الشعب، ومن هذه النقطة تحديداً، ظهرت مدارس أدبية كبرى كانت لها الهيمنة حينها، منها تيار الجراح، وتيار البحث عن الجذور، وتيار الطليعة، وتيار الواقعية الجديدة. ومنهم كتاب قرأنا أعمالهم مثل وانغ منغ، مويان، وغاو شينجيان مؤلف راوية «جبل الروح»، و يو هوا، وسوتونغ، وتييه نينغ، وجيا بينغ وا، وغيرهم الكثير. أما أدب التسعينيات فكان امتداداً لأدب الثمانينيات، ولكنه تخلى عن تصوير الوجود الإنساني، وانصب اهتمامه على التفاصيل الدقيقة والبسيطة للحياة اليومية، باحثاً عن صور جديدة حيوية لوصف الحياة ومواكبة العصر.
■ الترجمة سلاح ذو حدين خصوصاً في ما يتعلق بالأثر الأدبي، والمترجم يستطيع أن يحببك في أثر ما أو ينفَّرك منه، فعلى ماذا تعتمد يارا المصري في اختياراتها لترجمة أثر دون غيره؟
□ أعتمد في اختياراتي ما يروق لذائقتي أولاً، هذا معياري الأول والأهم، إن لم أتفاعل مع النص لا أترجمه، أحياناً أتركه بعض الوقت ثم أعود لقراءته مرة أخرى وأترجمه، أما المعيار الثاني فهو أهمية العمل وأهمية الكاتب، وهذا معيار يعتمده المترجمون جميعاً، وبالطبع حصول الكاتب على جائزة كبيرة يزيد من إقبال المترجمين على ترجمة أعماله، ولكنني لا أترجم لمجرد أن هذا الكاتب حصل على جائزة، ما لم أتواصل نفسياً مع إبداعه وأرى فيه قيمة يجدرُ بنا التعرف عليها في اللغة العربية. يقول جاك دريدا «لا يحيا النص إلاّ إذا بقي ودام . وهو لا يبقى ويتفوق على نفسه؛ إلاّ إذا كان في الوقت ذاته قابلا للترجمة وغير قابل. فإذا كان قابلا للترجمة قبولاً تامّاً؛ فإنه يختفي كنصٍ وكتابةٍ وجسمٍ للغة. أمّا إذا كان غير قابل للترجمة كلّيَّةً، حتى داخل ما نعتقد أنَّه لغةٌ واحدة؛ فإنه سرعان ما يفنى ويزول». من هذا القول نستطيع أن نتبين أن الترجمة هي فعل الممكن والمستحيل في آن، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بالشعر، ثمة خيانة لا مفر منها يقترفها المترجم ليس عمداً ولكن تفرضها طبيعة النص الشعري. أعتقد أن كلام دريدا يعني، أن هناك أكثر من حياة للنص، يمكن له أن يتجلى فيها داخل لغته، أو داخل لغات أخرى بالترجمة، أي جوهر إبداعي ينطوي على قيمة عابرة للغة، وإن كان ما فهمته صحيحاً، فإن كل النصوص لا تحمل بالطبع مثل هذه الحيوات المتعددة، والذي يحمله منها يكون متعدد الدلالة، بحيث يتعذر حتى نقله إلى لغةٍ أخرى، خاصةً كما أشار السؤال إلى النص الشعري، هذا الذي يقوم أساساً على الصورة والدلالة والمجاز، وكما نعلم فإن المحتوى الثقافي والمعرفي في لغة ما قد يغير الدلالة، إذا ما انتقل النص إليها من لغة أخرى، وأبسط مثال على ذلك أن القمر والشمس مثلاً في اللغة العربية ليسا في لغاتٍ أخرى مذكراً ومؤنثاً على التوالي، وإنما العكس، وهذا قد ينبني عليه نص بدلالات في الذكورة والأنوثة، إذا انتقلت إلى لغة أخرى تفقد جوهرها الدلالي.. فماذا سيكون الأمر مع نصوص أشد زخماً وتعقيداً.
■ المترجم هو كائن متعدد الاختصاصات، خصوصاً إذ تعلق الأمر بمترجم «أدبي» فهو كاتب ومترجم وأيضاً ناقل حضارة، والحقيقة نحن اليوم كعرب نحتاج المترجم ربما أكثر من الآخر، ثمة أفكار وصور رُوِّجت عن العرب تبدو غير كاملة وأحياناً مشوهة وحوار الحضارات يبدو مشروعاً «منحلاً» في معزل عن المترجم.. من هذا المنظور كيف ترى يارا المصري دور المترجم؟ وهل سبق لكِ الترجمة من العربية إلى الصينية؟
□ الشاعر والناقد الأمريكي بول إينغل يقول: «ما دام العالم ينكمش بعضه على بعض كالبرتقالة القديمة، وما دامت جميع الشعوب في كل الثقافات يقترب بعضها من بعض (وإن يكن اقتراباً يتم على كراهية وريبة) فيجب إذن أن تكون الجملة الحاسمة بالنسبة إلى السنوات الباقية من حياتنا على الأرض هي: الترجمة أو الموت. إن أسباب الحياة بالنسبة إلى مخلوق على ظهر الأرض ربما تعتمد يوماً ما على الترجمة الفورية والدقيقة لكلمة واحدة. وأعتقد أن هذه المقولة تعبر عن دور المترجم وأهمية الترجمة من وإلى اللغة العربية التي نحتاجها الآن في كل المجالات وليس في الأدب فقط، وعليه يقع على المترجم مسؤولية الترجمة، وتقع على المؤسسات مسؤولية دعمها. أما عن الترجمة من اللغة العربية إلى الصينية فلدي رأي محدد فيه، أنه لا يوجد من هو أفضل وأدق في نقل أعمالنا إلى اللغة الصينية من المترجمين الصينيين المحترفين، ويمكن بالطبع الاستعانة بمتخصصين وباحثين ومترجمين من جانبنا لمراجعة العمل أو للتدقيق والضبط. أما مشروعي فهو ترجمة الأعمال الإبداعية الصينية إلى اللغة العربية وتعريف القارئ العربي بها.
■ في الحقيقة السؤال السابق يحيلنا بالضرورة إلى مكانة المترجم عربياً، هذا الرسول المتجول بين اللغات، الناقل للحضارات المتوغل في عمق اللغة لم يجد له بعد مكانة تعبر عنه، ولعلَّ الهامشية هنا تبدأ من أول التنكر لاسمه تحت النص المترجم إلى ما لا نهاية.
لو نتحدث عن وضع المترجم العربي والصعوبات التي تعترضه من خلال تجربتك حتى اليوم؟
□ يجب أولاً النظر إلى المترجم كشخص يعتبر الترجمة هواية ومهنة ويجب حمايته وحفظ حقوقه، بداية من دعم مشاريعه ومساعدته على التواصل مع الجانب الآخر الذي يترجم عنه للحصول على حقوق الملكية، وعلى كل ما من شأنه دعم عملية الترجمة، واحترام جهده المبذول في الترجمة بإعطائه مكافآت مجزية تناسب هذا المجهود، وتوفير منح للتفرغ مثلاً كالكاتب، وأنا أعلم أن هناك بعض المؤسسات تقدم هذه المنح، ولكنها غير كافية. وإنشاء قاعدة بيانات بأسماء المترجمين والأعمال التي ترجموها، وتقديم إحصائيات سنوية عن عدد الكتب التي تُرجمت في مختلف الفروع، فنحن كمترجمين يهمنا الاطلاع من حين لآخر على هذه الإحصائيات التي تصب في النهاية في صالح حركة الترجمة، كما أنها تعين المترجم على عدم تكرار ترجمة عنوان ما. من الصعوبات الأخرى التي تواجه المترجمين بجانب العائد المالي، تسويق الكتاب بشكل جيد والدعاية له. ونحن كمترجمين نغامر كثيراً في اختيار النصوص ونشرها، لذلك نطمح في المقابل إلى أن نجد مَن يشاركنا هذه المغامرة من دور النشر والمؤسسات، وتحديداً في الترجمة عن لغاتٍ كالصينية واليابانية والكورية والروسية واليونانية والأوردو، هناك شح في الأعمال المترجمة عن هذه اللغات، ولا يزال هناك تركيز بشكل أو بآخر على اللغات المعروفة كالإنكليزية والفرنسية والاسبانية وغيرها.
■ رواية «الذواقة» للكاتب الصيني لو وين فو هي آخر ترجماتك التي صدرت بداية هذا العام عن سلسلة الجوائز في الهيئة المصرية العامة للكتاب.. أعطينا فكرة عن هذا العمل؟
□ تُعَدُّ رواية «الذوَّاقة» أهم عمل للكاتب الصيني لو وين فو وقد نُشرت لأول مرة عام 1983 في العدد الأول من مجلة «الحصاد». وتدور أحداث الرواية في مدينة سوجو في جنوب الصين، وهي مدينة مشهورة بجمال الطبيعة وأماكنها الترفيهية، ومعروفة كذلك بمطبخها الشعبي الغني. وتحكي الرواية عن العلاقة بين أحد الأثرياء الذي يحبون تناول الطعام ويعمل كذوَّاقة وهو تشو زي تشي، وبين أحد المشاركين في الثورة الذي يعمل جاهداً لتنفيذ أهدافها والبعد عن البذخ والإسراف وهو فاو شياو تينغ.
بدأ لو وين فو عام 1955 مسيرته الأدبية، التي استمرت أكثر من خمسين عاماً، وبعد أن نشر رواية «الذوَّاقة» عام 1983، افتتح لو وين فو مطعم «ذاوَّقةُ سوجو القديمة»، ليقدم في مطعمهِ مأكولات سوجو التقليدية، كوسيلةٍ لتحقيقِ فكرته المثاليةِ عن الطعام الجيد، وكان معروفاً في الوسط الأدبي الصيني باشتغاله في أعمال المطاعم. وفي التاسع من يوليو/تموز عام 2005، توفي لو وين فو عن 78 عاماً متأثراً بإصابته بداءِ الانسدادِ الرئوي المزمن. وآمل بالطبع أن تجد رواية «الذوَّاقة» قبولاً طيباً لدى القارئ العربي، خاصة أنها تعكس بعض ما نعانيه في الصراع بين أحلام الثورة وقسوة الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق