كتاب "موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي"، الصادر عن دار جامعة الملك سعود للنشر، هو أول كتاب مترجم عن الصينية إلى العربية مباشرة في المملكة العربية السعودية. قام بترجمة الكتاب الدكتور حسانين فهمي، الأستاذ المساعد بكلية الألسن في جامعة عين شمس المصرية. والحقيقة أن د. فهمي له العديد من الأعمال المترجمة عن الصينية، وهو عضو بالجمعية الدولية لدراسات الأديب الصيني لو شيون وجمعية دراسات الأديب مو يان الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، وعضو اللجنة الاستشارية الدولية لمجلة ((دراسات الاستعراب)) التي تصدر عن جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي.
عن رحلته مع الترجمة، قال: "أعشق الترجمة منذ مرحلة الدراسة الجامعية، وقد بدأت الترجمة التحريرية بترجمة عدد من قصص الأطفال القصيرة ضمن بحثي للماجستير في أدب الطفل الصيني. ثم كانت الانطلاقة في عام 2006، خلال دراسة الدكتوراه في بكين، حيث بدأت الاطلاع على الكتب الخاصة بدراسات الترجمة وحضرت الكثير من الندوات والمؤتمرات حول الترجمة في الجامعات ببكين. وقد بدأت الترجمة التحريرية في عام 2007، باختيار عدد من القصص القصيرة لكاتبات صينيات معاصرات تناولت أعمالهن في دراسة مقارنة بين أدب المرأة في مصر والصين. ووجدت في ذلك الحين تشجيعا كبيرا من المستعرب الصيني الكبير البروفيسور تشونغ جي كون (صاعد) رئيس جمعية دراسات الأدب العربي بالصين وصاحب العديد من الترجمات والدراسات حول الأدب والثقافة العربية."
وقال د. فهمي إن عدد الأعمال التي صدرت له حتى الآن حوالي عشرين كتابا، ما بين الترجمة والمراجعة، في الأدب والثقافة والتاريخ والاقتصاد الصيني. ولكنه يعتبر ترجمته لرواية "الذرة الرفيعة الحمراء" ذات أهمية خاصة، لأنها كانت تجربته الأولى مع الرواية الصينية، وقد انتهى من ترجمتها قبل إعلان فوز صاحبها بجائزة نوبل في الأدب عام 2012. وقد حصل د. فهمي بهذه الترجمة على "جائزة الشباب للترجمة" من المركز القومي للترجمة في مصر. وقال فهمي إنه يعتز كثيراً بترجمته لكتاب "موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي"، الذي صدر في المملكة العربية السعودية. وينتظر صدور كتاب "ثقافة الطعام الصيني" عن سلسلة "الدراسات الثقافية" بالمركز القومي للترجمة في مصر.، وكتاب "محاضرات في الترجمة بين الصينية والعربية" عن دار جامعة الملك سعود للنشر بالسعودية، وكتاب بعنوان "المسيرة الجديدة للإصلاح الاقتصادي في الصين" للباحث الاقتصادي الصيني المعروف تشانغ تشو يوان، ضمن المشروع الوطني الصيني للنشر (سلسلة دراسات الإصلاح الشامل).
وعن تجربته في ترجمة أعمال مو يان ومقابلاته مع الأدباء الصينيين أثناء ترجمة أعمالهم، قال د. فهمي إنه ارتبط بعلاقة صداقة جيدة مع عدد من الكتاب الصينيين، وخاصة الذين ترجم أعمالا لهم، ومنهم السيد مو يان، الذي تعرف عليه عام 2007 لأول مرة بحضور الأديب المصري الراحل جمال الغيطاني، وتواصل معه خلال مرحلة ترجمة "الذرة الرفيعة الحمراء"، ورجع إليه في الكثير من الموضوعات الخاصة بمنطقة قاومي مسقط رأسه، والتي زارها فهمي لاحقا بهدف التعرف إلى عالم مو يان عن قرب. ومنهم أيضا الروائي ليو جين يون، الذي ترجم له رواية "الموبايل" والتقى به أكثر من مرة، ويو هوا الذي ترجم له "مذكرات بائع الدماء"، والكاتبة تيه نينغ رئيسة اتحاد كتاب الصين، والتي ترجم لها قصتي "شيانغ شيويه" و"موضوع شهر يونيو"، والكاتبة تشي تسي جيان التي ترجم لها "الأعمى بائع الصحف"، والكاتبة تشانغ كانغ كانغ التي ترجم لها "جبال الذهب والفضة". ويحافظ د. فهمي على التواصل مع عدد من الكتاب والنقاد الصينيين المعاصرين من خلال المشاركة في المؤتمرات واللقاءات التي تعقد حول الأدب الصيني ودراساته وترجماته إلى اللغات الأجنبية. وقال فهمي: "من المؤكد أن العلاقة المباشرة بين المترجم ومؤلف العمل تساعد المترجم على فهم أعمق للنص الذي يترجمه، وخلفيته الثقافية خاصة عندما يتعلق الأمر بالثقافة الصينية وولع عدد من الكتاب الصينيين المعاصرين بتصوير جوانب مختلفة من الثقافة المحلية للمنطقة التي يكتبون عنها، كما هو الحال في أعمال مو يان وتصويره لمسقط رأسه في قاومي بمقاطعة شاندونغ، وليو جين يون وكتابته عن مقاطعة خنان، والكاتبة المعاصرة تشي تسي جيان التي تقدم كتاباتها تفاصيل كثيرة من مجتمع شمال شرقي الصين."
وحول الإسهامات التي تقدمها الترجمة لتعزيز التعاون الثقافي العربي- الصيني، قال فهمي: "فائدة الترجمة بشكل عام لا تقتصر على إثراء الثقافة المتلقية، وإنما تمتد كذلك إلى خدمة الثقافة التي نُقِلت منها النصوص. فالترجمة تهَب النصَّ الأصلي وجهاً جديداً وتمنحه حياةً جديدةً في محيطٍ ثقافي جديد. والترجمة جسر هام للتواصل والتعارف بين الثقافات المختلفة، فكانت الترجمة بالأمس أداة مهمة عرف العالم من خلالها الثقافة العربية الإسلامية، وفي العصر الحديث لعبت الترجمة دوراً هاماً في تعزيز التواصل والتبادلات الثقافية بين العالم العربي والصين، وأصبحت نافذة هامة يتعرف من خلالها كل طرف على الآخر. ولا يخفى على أحد تأخر هذا الدور الذي تقوم به الترجمة من وإلى الصينية، وخاصة الترجمة من الصينية إلى العربية، والذي يرجع السبب فيه لغياب علم اللغة الصينية وندرة المتخصصين العرب في الصينية حتى مطلع الألفية الجديدة. وقد استطاع الكتاب الصيني خلال الأعوام الأخيرة أن يحقق شيئا من الرواج في العالم العربي، ويعود ذلك إلى التطور الكبير في ترجمة ونشر الكتاب الصيني في الدول العربية. فمنذ عام 2010 تقريبا زادت عدد الكتب التي تترجم عن الصين. ولكن الترجمة من الصينية إلى العربية تعاني ندرة شديدة في المترجمين المتخصصين، وما تم إنجازه في هذا المجال يعد كماً ضئيلاً جداً بالنسبة لأهمية الكتاب الصيني وكنوز التراث والثقافة الصينية."
وحول كتاب "موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي"، قال فهمي: "يقدم الكتاب موجزاً لتاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي منذ مطلع القرن السابع الميلادي، وهو تاريخ دخول الإسلام إلى الصين حتى مطلع القرن التاسع عشر. ويهتم بتقديم قراءات موجزة في رحلات عدد من الرحالة والبحارة الصينيين المسلمين وغير المسلمين إلى البلدان العربية، بما فيها مصر ومنطقة الشام والجزيرة العربية، وكذلك التبادلات التجارية بين الصين وبلاد العرب قديما عبر طريق الحرير، وتاريخ التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب خلال الفترة المشار إليها. كما يقدم الكتاب بشكل واضح تأثير الطب العربي القديم في الطب الصيني وانتشار الفنون العربية في الصين. ويقدم أيضا صورة العالم العربي والإسلامي وخلفاء الدولة الإسلامية كما دونتها كتب التراث الصينية، ملقيا الضوء على تاريخ وظروف دخول الإسلام إلى الصين في عصر أسرة تانغ الصينية (618-907 ميلادية) عن طريق التجار العرب المسلمين الذين زاروا الصين آنذاك للتجارة، تماشيًا مع ازدهار حركة التبادلات التجارية بين الصين وبلاد العرب خلال عصر أسرتي سونغ (960-1279) ويوان (1260-1368). كما يقدم الكتاب أوائل الصينيين الذين دخلوا في الإسلام، وعلاقاتهم بالتجار العرب المسلمين الذين استقروا في جنوبي الصين، وتأثرهم الواضح بعادات المسلمين في المأكل والمشرب والملبس. وصورة الصين في كتب التراث العربية."
وقال د. فهمي إن صدور هذه الترجمة في السعودية بادرة طيبة للتوسع في خريطة الترجمة من الصينية إلى العربية، وتقديم الصين والصلات الثقافية الصينية- العربية للقارئ السعودي بترجمة مباشرة بعد أن طالع الكثير من الترجمات حول الصين عن لغات وسيطة. ويتماشى أيضاً مع مبادرة الرئيس شي جين بينغ حول تعزيز الصلات الثقافية مع الدول التي تقع في نطاق طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، مع ما تتميز به العلاقات الصينية- السعودية، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورا سريعا، فقد أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية، ولدفع التبادلات الثقافية بين الصين والسعودية في العصر الحديث بعد أن كانت السعودية حاضرة بصورة واضحة في رحلة البحار الصيني المعروف الحاج تشنغ خه، الذي وصل على رأس أسطول كبير إلى مناطق الأحساء ومكة المكرمة في القرن الخامس عشر الميلادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق