قد تنازع الناس في أنساب أهل
الصين وبدئهم: فذكر كثير منهم أن ولد عابوربن سوبيل بن ياقث بن نوح لما قَسّمٍ فالغ
بن عابربن إرفخشذ بن سام بن نوح الأرضَ بين ولد نوح ساروا يسرة في الشرق، فسار قوم
منهم من ولد أرعو على سَمْت الشمال، وانتشروا في الأرض فصاروا عدة ممالك: منهم الدَيْلَم،
والجيل، والطيلسان، والتتر، وفرغان فأهل جبل القبق من أنواع اللكز ثم اللان والخزر
والأنجاد والسرير وكشك، وسائر تلك الأمم. المنتشرة في ذلك الصقع، إلى بلاد طوابريدة
إلى بحر مانطش ونيطش وبحر الخزر إلى البرغو ومن اتصل بهم من الأمم، وعَبَر ولد عابور
نهر بلخ، ويمّم بلاد الصين الأكثر منهم، وتفرقوا عدة ممالك في تلك البلاد وانتشروا
في تلك الديار، فمنهم الجيل، وهم سكان جيلان، والأشر وسنة والصغد، وهم بين بخارى وسمرقند،
ثم الفراغنة والشاش واستيجاب رأهل بلاد الفاراب؛ فبنوا المدن والضياع، وانفرد منهم
أناس غير هؤلاء فسكنوا البوادي: فمنهم الترك والخزلج والطغرغر، ومنهم أصحاب مدينة كوشان،
وهي مملكة بين خراسان وبلاد الصين، وليس في أجناس الترك وأنواعهم في وقتنا هذا وهو
سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة أشد منهم بأساً، ولا أكثر منهم شوكة، ولا أضبط ملكاً،
وملكهم أيرخان، ومذهبهم مذهب المانية، وليس في الترك من يعتقد هذا المذهب غيرهم، ومن
الترك الكيماكية والبرسخانية والبدية والجعرية، وأشدهم بأسأ الغزية، وأحسنهم صورة،
وأطولهم قأمة، وأصبحهم وجوهاً: الخزلجية، وهم أهل بلاد فرغانة والشاش وما يلي ذلك الصقع،
وفيهم كان المُلْكُ، ومنهم خاف الخواقين، وكان يجمع ملكه سائر ممالك الترك، وتنقاد
إ.ليه ملوكها، ومن هؤلاء الخواقين كان فراسياب التركي الغالب على بلاد فارس، ومنهم
سانة، ولخاقان الترك في وقتنا هذا تنقاد ملوك الترك كلهم منذ خربت المدينة المعروفة
بعمات، وهي في مفاوز سمرقند، وقد ذكرنا انتقال الملك عن هذه المدينة، والسبب في ذلك
في كتابنا المترجم بالكتاب الأوسط، ولحق فريق من ولد عابور بتخوم الهند، فأثرت فيهم
تلك البقاع فصارت ألوانهم بخلاف ألوان الترك، ولحقوا بألوان الهند، ولهم حَضرَ وَبَوادٍ،
وسكن فريق منهم ببلاد التبت، وملكوا عليهم ملكاً وكان ينقادإلى ملك خاقان، فلما زال
ملك خاقان على ما قدمنا، وسَمى أهل التبت ملكهم بخاقان تشبيهأ بمن تقدم من ملوك الترك
وخاقان الخواقين.وسار الجمهور من ولد عابور على ساحل البحر حتى انتهواإلى أقاصيه من
بلاد الصين، فتفرقوا في تلك البقاع والبلاد، وقطنوا الديار وكًوروا الكُوَرَ، ومصَّروا
الأمصار ومًذنوا المدن، واتخفا لمملكتهم مد عظيمة، وسمَّوّها انموا، وبينها وبين ساحل
البحر الحبشي وهو بحر الصين مسافة ثلاثة أشهر مدن وعمائر متصلة.
ملك نسطرطاس
وكان أول ملك تملك عليهم في
هذه الديار وهي انموا نسطرطاس بن باعوربن مدتج بن عابور بن يافث بن نوح، فكان ملكه
ثلثمائة سنة ونيفاً، وفرق أهله في تلك الديار، وشَقًق الأنهار، وقت السباع، وغرس الأشجار
وأطعم الثمار، وهلك.
ملك عوون
فملك ولد له يُقال له عوون
فجعل جسد أبيه في تمثال من الذهب لأحمر جزعاً عليه، وتعظيماً له، وأجلسه على سرير من
الذهب الأحمر مرَصَّع بالجواهر وجعل مجلسه دونه، وأقبل يسجد لأبيه وهو في جوف تلك الصورة،
هو وأهل مملكته، في طرفي النهار إجلالاً له، وعاش بعد أبيه،مائتي سنة وخمسين سنة، وهلك.
ملك عيثدون
فملك ولد له يقال له عيثدون
فجعل جسد أبيه مخزوناً في تمثال من الذهب الأحمر، وجعله دون مرتبة جده على سرير من
الذهب وَرصَّعَهُ بأنواع الجواهر وكان يسجد له، ويبدأ بجده الأول ثم بأبيه، وأهل مملكته
يسجدون له وأحْسَنَ السياسة للرعية، وسوَّاهم في جميع أمورهم، وشملهم، بالعدل، فكثر
النسل وأخصبت الأرض فكان ملكه إلى أن هلك نحواً من مائتي سنة.
ملك غيثنان
ثم ملك بعدهولده غيثنان فجعل
أباه في تمثال من الذهب الأحمر جرى فيه على ما سلف من أفعالهم من السجود والتعظيم،
وطال ملكه واتصلت بلاده ببلاد الترك من بني عمه، فعاش أربعمائة سنة، واتخذ في أيامه
كثيراً من المهن مما لطف في الدور من الصنائع.
ملك حراتان
ملك بعمه ولده حراتان فأحدث
الفلك وحمل فيها الرجال، وحمل لطائف بلاد الصين، وصيرها نحو السند والهند إلى إقليم
بابل وإلى سائر الممالك مما قرب منها وَبُعدَ في البحر، وأهدى الهدايا العجيبة والرغائب
النفيسة إلى الملوك وأمرهم أن يجلبوا إليه ما في كل بلد من الطرائف والتحف من المآكل
والمشارب والملابس وسائر الفُرُش، وأن يعرفا سياسة كل ملك وكل أمة وشريعتها ونَهْجها
الذي هي عليه، وأن يرغِّبوا الناس فيما في بلدانهم من الجواهر والطيب واللآلات ة فتفرقت
المراكب في البلاد، ووردوا الممالك لما أمروا به، فلم يردوا على أهل مملكة إلا وأعجبوا
بهم، واستطرفا ما أوردوه من أرضهم، فبنت الملوك المطيفة بالبحار المراكِبَ، وجهزت نحوهم
السفن، وحملوا إليهم ما ليس عندهم، وكاتبوا ملكهم، وكافأوه على ما كان من هداياه إليهم،
فعمرت بلاد الصين، واستقامت له الأمور، فكان عمره نحواً من مائتي سنة فهلك، فجزع عليه
أهل مملكته وأقاموا النياحة عليه شهراً.
ملك توتال
ثم فزعوا إلى الأكبر من أولاده
فصيروه عليهم ملكاً، فجعل جسد أبيه في تمثال من الذهب، وسلك طريقَ مَنْ كان قبله في
فعلهم مقتدياً بمن مضى من آبائه، وكان اسم هذا الملك توتال فاستقامت له الامور وأحدث
من السنن المحمودة ما لم يحدثه أحد ممن سلف من ملوكهم وزعم أن الملك لا يثبت إلا بالعدل
فإن العدل ميزان الرب، وإن من العدل الزيادة في الإِحسان مع الزيادة في العمل وحصن،
وشرف، وتوج ورتب الناس في رتبهم ووقفهمِ على طرائقهم، وخرج يرتاد موضعاً ليبني فيه
هيكلاً، فافى موضعاً عامراَ بالنبات حسن الاعتمام بالزهر تخترقه المياه فحط الهيكل،
وجلبت له أنواع الأحجار المختلفة الألوان فشيد الهيكل وجعل على علوه قبة، وجعل لها
مخارج للهواء متساوية، ونصب فيها بيوتاً لمن أراد التفرد بالعبادة فلما فرغ منها نصب
في أعلاها تلك التماثيل التي فيها أجسام من سلف من آبائه، وأمر بتعظيمها، وجمع الخواص
من أهل مملكته وأخبرهم أن من رأيه ضم الناس إلى ديانة يرجعون إليها لجمع شمل وتساوي
النظام، فإنه متى عدم الملك الشريعة لم يؤمن عليه الخلل، ودخول الفساد والزلل، فرتب
لهم سياسة شرعية، وفرائض عقلية، وجعلها لهم رِبَاطاً، ورتب لهم قِصَاصاً في الأنفس
والأعضاء، ومستحلات مناكح يستباح بها النسوان، وتصح بها الأنساب، وجعلها مراتب فمنها
لوازم موجبة يَحْرَجُون من تركها، ومنها نوافل يتنفلون بها، وأوجب عليهم صلواتِ لخالقهم
تقرباً لمعبودهم: منها إيماء لا ركوع فيها ولا سجود في أوقات من الليل والنهار معلومة،ومنها
بركوع وسجود في أوقات منِ السنة والشهور محدودة، ورسم لهم أعياداً، وجعل على الزنَاة
منهم حداَ، وعلى من أراد من نسائهم البغاء جزية مفروضة، وأن لا يسجن النكاح إلا في
وقت من الأوقات، وإن أقلعن عما كن عليه تكف الجزية عنهن، وما يكون من أولادهن ذكوراً
يكون للملك عبيداً وجُنْداً، وما يكون محن أولادهن إناثاً، ملأمهاتهنّ، ويلحقن بصنعتهن،
وأمرهمِ بقرابين للهياكل ودخن، وأبخرة للكواكب، وجعل لكل كوكب منها وقتاَ بتقرب إليه
فيه بدخن معلوم من أنواع الطيب والعقاقير، وأحكم لهم جميع الأمور، فاستقامت أيامه،
وكثر النسل، فكانت حياته نحواً من مائة وخمسين سنة، وهلك، فجزعوا عليه جزعاً شديداً،
فجعلوه في تمثال من الذهب الأحمر ورَصَّعوه بأنواع الجواهر، وبنوا له هيكلاً عظيماً،
وجعلوا سقفه سبعة ألوان من الجوهر على أنواع الكواكب السبعة من النيرين والخمسة بألوانها
وأشكالها، وجعلوا يوم وفاته صلوات وعيداً يجتمعون فيه كلند ذلك الهيكل، وصوروا صورته
على أبواب المدينة وعلى الدنانير الفلوس وعلى الثياب، وأكثر أموالهم الفلوسُ الصفر
والنحاس، فاستقرت هذه المدينة بدار ملك الصين، وهي مدينة انموا، وبينها وبين البحر
نحومن ثلاثة أشهر وأكثر من ذلك على حسب ما قدمنا آنفاً، ولهم مدينة عظيمة نحو ما يلي
من أرضهم مغرب الشمس، يُقال لها مد، وتلي بلاد التبتَ، والحرب بين بلاد التبت وأهل
المد سِجَالٌ.فلم تزل الملوك ممن طرأ بعد هذا الملك أمورهم منتظمة وأحوالهم مستقيمة،
والخصب والعدل لهم شامل، والجور في بلادهم معدوم، يقتدون بما نصبه لهم من الشرع مَنْ
قدمنا ذكرهم، وحروبهم على عدوهم قائمة، وثغورهم مشحونة، والرزق على الجنود دارُّ، والتجار
يختلفن إليهم في البر والبحر من كل بلد بأنواع الجهاز، ودينهم دين مَنْ سلف، وهي ملة
تدعى السمنية، عباداتهم نحو من عبادات قريش قبل مجيء الإِسلام: يعبدون الصور، ويتوجهون
نحوها بالصلوات، واللّبيب منهم يقصد بصلاته الخالق، ويقيم التماثيل من الأصنام والصور
مقام قِبْلَة، والجاهل منهم ومَنْ لا علم له يشرك الأصنام بإلهية الخالق، ويعتقدهما
جميعاً، وأن عبادتهم الأصنام تقربهم إلى اللّه زُلْفَى، وأن منزلتهم في العبادة تنقص
عن عبادة البارىء لجلالته وعظمته وسلطانه، وأن عبادتهم لهذه الأصنام طاعة له ووسيلة
إليه، وهذا الدين كان بدء ظهوره في خواصهم من الهند لمجاورتهم إياهم، وهو رأي الهند
في العالم والجاهل على حسب ما ذكرنا في أهل الصين، ولهم آراء ونحل حدثت عن مذاهب الثنوية
وأهل الدهر، فتغيرت أحوالهم، وبحثوا، وتناظروا، إلا أنهم ينقادون في جميع أحكامهم إلى
ما نصب لهم من الشرائع المقدمة، ومن حيث إن مُلْكهم متصل بملك الطغرغر على حسب ما تقدم
صاروا على آرائهم من اعتقادهم مذاهب المانية والقول بالنور والظلمة، وقد كانوا جاهلية
سبيلُهم في الاعتقاد سبيلُ الترك، إلى أن وقع لهم شيطان من شياطين المانية، فزخرف لهم
كلاماً يريهم فيه تضاد ما في هذا العالم وتباينه: من موت وحياة، وصحة وسقم، وضياء وظلام،
وغنى وفقر، واجتماع وافتراق، وإتصال وانفصال، وشروق وغروب، ووجود وعدم، وليل ونهار،
وغير ذلك من سائر المتضادات، وذكر لهم أنواع الآلام المعترضة لأجناس الحيوان من الناطقين
وغيرهم مما ليس بناطق من البهائم، وما يعرض للأطفال والبُلْه والمجانينِ، وأن البارىء
جل وعزّ غني عن إيلامهم، وأراهم أن هناك ضداً شديداَ دَخَلَ على الخير الفاضل في فعله،
وهو اللّه عزّوجلّ، فاجتذب بما وصفنا وغيره من الشّبَهِ عقولَهم، فدنوا بما وصفنا،
فإن كان ملك الصين ينتمي لمذهب ذبح الحيوان كانت الحرب بينه وبين صاحب الترك أيرخان
سِجَالاً، وإذا كان ملك الصين متنافي المذهب كان الأمر بينهم في الملك مُشَاعاً، وملوك
الصين فو
آراء ونحل، إِلا أنهم مع اختلاف
أديانهم غير خارجين عن قضية العقل والحق، في نَصْب القُضَاة والحكام، وانقياد الخواص
والعوام إلى ذلك. ونحل، إِلا أنهم مع اختلاف أديانهم غير خارجين عن قضية العقل والحق،
في نَصْب القُضَاة والحكام، وانقياد الخواص والعوام إلى ذلك.
بعض عادات الصين
وأهل الصين شُعُوب وقبائل،
كقبائل العرب وأفخاذها وتشعبها في أنسابها، ولهم مراعاة لذلك، وحفظ له، وينسب الرجل
منهم إلى خمسين أبَاَ إلى أن يتصل بعابور وأكثر من ذلك وأقل، ولا يتزوج أهل كل فخذ
من فخذهبم مثال ذلك أن يكون الرجل من مُضَرَ فيتزوج في ربيعة، أو من ربيعة فيتزوج من
مضر، أو من كَهْلاَن فيتزوج في حِمْيَر، أو من حمير فيتزوج من كهلان، ويزعمون أن في
ذلك صحة النسل وقوام البنية، وأنه أصح للبقاء، وأتم للعمر، وأسبابَاَ يذكرونها نحو
ما ذكرنا.فلم تزل أمور الصين مستقيمة في العدل على حسب ما جرى به الأمر
فيما سلف من ملوكهم إلى سنة
أربع وستين ومائتين؛ فإنه حدث في الملك أمر زال به النظام، وانقضت به الأحكام والشرائع
ومنِع من الجهاد إلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، وهوأن نابغاَ نبغ
فيهم من غير بيت الملك كان في بعض مدائن الصين يُقال له يانشو، وكان شريراً يطلب الفتنة،
ويجتمع إليه أهل الدعارة والشر، فلحق الملِكَ وأربابَ التدبير غفلةٌ عنه، لخمول ذكره،
وأنه ممن لا يُالى به، فاشتد أمره، ونما ذكره، وكثر عتوُّه، وقويت شوكته، وقطع أهل
الشر المسافات نحوه، وعظم جيشه، فسار من موضعه، وَشَنَّ الغارات على العمائر حتى نزل
مدينة خانقوا، وهي مدينة عظيمة على نهر عظيم أكبر من دجلة يصب إلى بحر الصين، وبين
هذه المدينة وبين البحر مسيرة ستة أيام أو سبعة، تدخل هذا النهر سفن التجار الواردة
من بلاد البصرة وسيراف وعمان ومدن الهند وجزائر الزابج والصنف وغيرها من الممالك بالأمتعة
والجهاز، وتقرب إلى مدينة خانقوا، وفيها خلائق من الناس مسلمون ونصارى ويهود ومجوس،
وغير ذلك من أهل الصين فقصد هذا العدو إلى هذه المدينة فحاصرها، وأتته جيوش الملك فهزمها،
واستباح ما فيها، فكثرت جنوده، وافتتح مدينة خانقوا عَنْوَة، وقتل من أهلها خلقاً لا
يُحْصَوْنَ كثرةً، وأحصى من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس ممن قتك وغرق خوف السيف
فكان مائتي ألف، وإنما أحصى ما ذكرناه من هذا العدد لأن ملوك الصين تحصي مَنْ في مملكتها
من رعيتها، وكذا مَنْ جاورها من الأمم ليصير ذمة لها في دواوين لها، بكُتَّابِ قد وكِّلوا
بإحصاء ذلك لما يراعون من حياطة مَنْ شمِلد ملكهم، وقَطَع هذَا العدو ما كان حول مدينة
خانقوا من غابات شجر التوت إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه، وما يطعم منه لدود القز
الذي ينتج منه الحرير، فكان ذهاب الشجر داعياً إلى انقطاع الحرير الصيني وجهازه إلى
ديار الإِسلام.وسار يانشو بجيوشه إلى بلد بلد فافتتحه، وانضاف إليه أمم من الناس ممن
يطلب الشر والنهب وغيرهم ممن يخاف على نفسه، وقصد مدينة أنموا، وهي دار الملك، فخرج
إليه الملك في نحو مائة ألف ممن بقي معه من خواصه والتقى هو ويانشو وكانت الحرب بينهم
سجالاً نحواً من شهر، وصبر الفريقان جميعاً، ثم كانت على الملك فلَّى منهزماً، وأمعن
الخارجي في طلبه، فانحاز الملك إلى مدينة في أطراف أرضه، واستولى الخارجي على الحَوْزَة،
واحتوى على ديار الملك، وملك خزائن الملوك السالفة، وما أعحوه للنوائب، وشن الغارات
في سائر العمارات، وافتتح المدن، وعلم أن لا قوام له بالملك؛ إذ كان ليس من أهله، فأمعن
في خراب البلاد واستباحة الأموال، وسَفْك الدماء، وكاتب ملكُ الصين من المدينة التي
انحاز إليها المًتَاخمة لبلاد التبت، وهي مدينة مد المتقدم ذكرها، مَلِكَ الترك ابن
خاقان فاستنجده، وأعلمه ما نزل به، وأعلمه ما يلزم الملوك من الواجبات إذا استنجدها
إخوانها من الملوك، وأن ذلك من فرائض الملك وواجباته، فأنجده ابن خاقان بولد له بنحو
من أربعمائة ألف فارس ورجل، وقد استفحل أمر يانشو، فالتقى الفريقان جميعاً، فكانت الحرب
بينهم سجالاً نحواً من سنة، وتفانى من الفريقين خلق كثير، ففقد يانشو، فقيل: إنه قتل،
وقيل: إنه أحرق، وأسر ولده والخواص من أصحابه، وسار ملك الصين إلى دار المملكة وعاد
إلى ملكه والعأمة تسمية يعبور، وتفسير ذلك ابن السماء تعظيماً له، وهو الاسم الأخص
لملوك الصين، والذي يخاطبون به جميعاً جحان، ولا يخاطبون بيعبور، وتغلَّبَ كل صاحب
ناحية من عمله على ناحيته، كتغلب ملوك الطوائف حين قَتَلَ الإِسكندر بن فيلبوس المقدوني
دارا بن دارا ملك فارس، وكنحو ما نحن بسبيله في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة
- فرضي ملك الصين منهم بالطاعة له، ومكاتبته بالملك، ولم يتأتّ له المسير إلى سائر
أعماله، ولا محاربة من تغلب على بلاده، وقنع بما وصفنا، وامتنع مَنْ ذكرنا من حمل الأموال
إليه فتاركهم مسالماً لهم، وعدا كل فريق منهم على ما يليه على حسب قوته وتمكنه فعدم
انتظام الملك واستقامته على حسب ما سلف من ملوكهم.وقد كان لمن سلف من ملوكهم سير وسياسات
للملك، وانقياد للعدل، على حسب ما توجبه قضية العقل.وحكي أن رجلاً من التجار من أهل
مدينة سمر قند من بلاد خراسان خرج من بلاده، ومعه متاع كثير، حتى انتهى
لى العراق، فحمل من جهازه،
وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى أتى إلى بلاد عمان، وركب إلى بلاد كلة، وهي النصف
من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب أهل الإِسلام من السيرافيين والعمانيين
في هذا الوقت فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في مراكبهم، وقد كانوا في بدء الزمان
بخلاف ذلك، وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف وساحل فارس وساحل البحرين
والأبلة والبصرة وكذلك كانت المراكب تختلف من المواضع التي ذكرنا إلى ما هناك، ولما
عدمٍ العدل وفسدت النيات وكان من أمر الصين ما وصفنا التقى الفريقان جميعا في هذا النصف،
ثم ركب هذا التاجر من مدينة كلة في مراكب الصينيين إلى مدينة خانقوا، وَهي مرسى المراكب
على حسب ما ذكرنا آنفاً، وبلغ ملك الصين خبر المراكب وما فيها من الجهاز والأمتعة فسرح
خصيا من خواص خحمه ممن يثق به في أسبابه، وذلك أن أهل الصين يستعملون الخصيان من الخدم
في الخراج وغيره من العمالات والمهمات وفيهم من يخصي ولحه طلباً للرياسة واعتقاد النعمة؛
فسار الخصي حتى أتى مدينة خانقوا، وأحضر التجار ومعهم التاجر الخراساني، فعرضوا عليه
ما احتاج إليه من المتاع وما يصلح له، فسأل الخراساني أن يحضر متاعه فأحضره، وجرت بينهم
محادثة، ودار الأمر في التثمين للمتاع، فأمر الخصي بسجن الخراساني وإكراهه، وذلك أنه
زاده ثقة منه بعدل الملك، فمضىالخراساني من قَوْره حتى أتى إلى مدينة أنموا، وهي دار
الملك، فقف موقف المتظلم، وذلك أن المتظلم إذا أتى من البلد الشاسع أو غيره تقمص نوعاً
من الحرير الأحمر، ووقف موضعاً قد رسم للظّلأمة، وقدرتب بعض ملوك النواحي للقبض على
من يرد من المتظلمين، ويقف ذلك الموقف، فيحمل مسيرة شهر من أرضهم على البريد، ففعل
ذلك بالتاجر الخراساني، ووقف بين يدي صاحب تلك الناحية المرتب لما ذكرناه، فأقبل عليه،
وقال: أيها الرجل لقد تعرضت لأمر عظيم، وخاطرت بنفسك، أنظر إن كنت صادقاً فيما تخبر
به، وإلا فإنا نقيلك ونردُّك من حيث جئت، وكان هذا خطابه لمن يتظلم، فإن رآه قد جزع
وضرع في القول ضربه مائة خشبة ورده من حيث جاء، وإن هو صبرعلى ما هو عليه حمل إلى حضرة
الملك، وأوقف بين يديه، وسمع كلامه، فصمم الخراساني في المطالبة والظُّلأمة فرآه محقاً
غير ضَرِع ولا متلجلج، فحمل إلى الملك، فقف بين يديه وقَصَّ حديثه على الملك، فلما
أن أس الترجمان إليه ما قاله وفهم ظلامته أمر به إلى بعض المواضع، وأحسن إليه، وأحضر
الوزير وصاحب الميمنة وصاحب القلب وصاحب الميسرة، وهم أناس قد رتبوا لذلك عند الملمات
وحين الحروب قد عرف كل واحد منهم مرتبته والمراد منه، فأمرهم أن يكتب كل واحد منهم
إلى صاحبه بالناحية، ولكل واحد منهم خليفة في كل ناحية، فكتبوا إلى أصحابهم بخانقوا
أن يكتبوا إليهم بما كان من خبر التاجر والخادم، وكتب الملك خليفته بالناحية بمثل ذلك،
وقد كان خبر الخادم والتاجر اشتهر واستفاض، فردت الكتب على بغال البريد بتصحيح ما قاله
التاجر، وذاك أن ملوك الصين لها في سائر الطرق من أعمالها بغال للبريد مُسْرَجة محفة
الألات للأخبار والخرائط، فبعث الملك فاستحضر الخادم، فلما وقف بين يديهى العراق، فحمل
من جهازه، وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى أتى إلى بلاد عمان، وركب إلى بلاد كلة،
وهي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب أهل الإِسلام من السيرافيين
والعمانيين في هذا الوقت فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في مراكبهم، وقد كانوا في
بدء الزمان بخلاف ذلك، وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف وساحل فارس
وساحل البحرين والأبلة والبصرة وكذلك كانت المراكب تختلف من المواضع التي ذكرنا إلى
ما هناك، ولما عدمٍ العدل وفسدت النيات وكان من أمر الصين ما وصفنا التقى الفريقان
جميعا في هذا النصف، ثم ركب هذا التاجر من مدينة كلة في مراكب الصينيين إلى مدينة خانقوا،
وَهي مرسى المراكب على حسب ما ذكرنا آنفاً، وبلغ ملك الصين خبر المراكب وما فيها من
الجهاز والأمتعة فسرح خصيا من خواص خحمه ممن يثق به في أسبابه، وذلك أن أهل الصين يستعملون
الخصيان من الخدم في الخراج وغيره من العمالات والمهمات وفيهم من يخصي ولحه طلباً للرياسة
واعتقاد النعمة؛ فسار الخصي حتى أتى مدينة خانقوا، وأحضر التجار ومعهم التاجر الخراساني،
فعرضوا عليه ما احتاج إليه من المتاع وما يصلح له، فسأل الخراساني أن يحضر متاعه فأحضره،
وجرت بينهم محادثة، ودار الأمر في التثمين للمتاع، فأمر الخصي بسجن الخراساني وإكراهه،
وذلك أنه زاده ثقة منه بعدل الملك، فمضىالخراساني من قَوْره حتى أتى إلى مدينة أنموا،
وهي دار الملك، فقف موقف المتظلم، وذلك أن المتظلم إذا أتى من البلد الشاسع أو غيره
تقمص نوعاً من الحرير الأحمر، ووقف موضعاً قد رسم للظّلأمة، وقدرتب بعض ملوك النواحي
للقبض على من يرد من المتظلمين، ويقف ذلك الموقف، فيحمل مسيرة شهر من أرضهم على البريد،
ففعل ذلك بالتاجر الخراساني، ووقف بين يدي صاحب تلك الناحية المرتب لما ذكرناه، فأقبل
عليه، وقال: أيها الرجل لقد تعرضت لأمر عظيم، وخاطرت بنفسك، أنظر إن كنت صادقاً فيما
تخبر به، وإلا فإنا نقيلك ونردُّك من حيث جئت، وكان هذا خطابه لمن يتظلم، فإن رآه قد
جزع وضرع في القول ضربه مائة خشبة ورده من حيث جاء، وإن هو صبرعلى ما هو عليه حمل إلى
حضرة الملك، وأوقف بين يديه، وسمع كلامه، فصمم الخراساني في المطالبة والظُّلأمة فرآه
محقاً غير ضَرِع ولا متلجلج، فحمل إلى الملك، فقف بين يديه وقَصَّ حديثه على الملك،
فلما أن أس الترجمان إليه ما قاله وفهم ظلامته أمر به إلى بعض المواضع، وأحسن إليه،
وأحضر الوزير وصاحب الميمنة وصاحب القلب وصاحب الميسرة، وهم أناس قد رتبوا لذلك عند
الملمات وحين الحروب قد عرف كل واحد منهم مرتبته والمراد منه، فأمرهم أن يكتب كل واحد
منهم إلى صاحبه بالناحية، ولكل واحد منهم خليفة في كل ناحية، فكتبوا إلى أصحابهم بخانقوا
أن يكتبوا إليهم بما كان من خبر التاجر والخادم، وكتب الملك خليفته بالناحية بمثل ذلك،
وقد كان خبر الخادم والتاجر اشتهر واستفاض، فردت الكتب على بغال البريد بتصحيح ما قاله
التاجر، وذاك أن ملوك الصين لها في سائر الطرق من أعمالها بغال للبريد مُسْرَجة محفة
الألات للأخبار والخرائط، فبعث الملك فاستحضر الخادم، فلما وقف بين يديه سَلَبه ما
كان أنعم به عليه، ثم قال له: عمدت إلى رجل تاجر قد خرج من بلد شاسع، وقطع مسالك، واجتاز
بملوك في بر وبحر، فلم يتعرض له، يؤمل الوصول إلى مملكتي ثقة منه بعدلي، ففعلت به ما
فعلت، وكان ينصرف عن ملكي، ويقبح الأحدوثة عن سيرتي، أما لولا قديم حرمتك بنا لقتلتك،
لكن أعاقبك بعقوبة إن عقلت فإنها أكبر من القتل، وهو أن أوليك مقابر الموتى من الملوك
السالفة، أن عجزت عن تدبير الأحياء والقيام بما إليه ندبت، وأحسن الملك إلى التاجر،
وحمله إلى خانقوا، وقال له: إن سمحت نفسك أن تبيع منا ما اختير لنا من متاعك بالثمن
الجزيل، وإلا فأنت المحكَّم في مالك، أقم إذا شئت، وبع كيف شئت، وانصر راشداً حيث شئت،
وصَرَف الخادم إلى مقابر الملوك.قال المسعودي: ومن طرائف أخبار ملوك الصين أن رجلاً
من قريش من ولد هَبَّاربن الأسود لما كان من أمر صاحب الزنج بالبصرة ما كان واشتهر،
خرج هذا الرجل من مدينة سيراف، وكان من أرباب البصيرة وأرباب النعم بها، وفي الأحوال
الحسنة، ثم ركب منها في بعض مراكب بلاد الهند، ولم يزل يتحول من مركب إلى مركب، ومن
بلد إلى بلد، يخترق ممالك الهند، إلى أن انتهى إلى بلاد الصين فصار إلى مدينة خانقوا،
ثم دعته همته إلى أن صار إلى دار ملك الصين، وكان الملك يومئذ بمدينة حمدان، وهي من
كبار مدنهم، ومن عظيم أمصارهم، فأقام بباب الملك مدة طويلة يرفع الرقاع ويذكرأنه من
أهل بيت نبوة العرب، فأمر الملك بعد هذه المدة الطويلة بإنزاله في بعض المساكن وإزاحة
العلة من أموره وجميع ما يحتاج إليه، وكتب إلى الملك المقيم بخانقوا يأمره بالبحث عنه،
ومسألة التجار عما يدعيه الرجل من قرابة نبي العرب صلى الله عليه وسلم، فكتب صاحب خانقوا
بصحة نسبه، فأذن له في الوصول إليه، ووصله بمال واسع، وأعاده إلى العراق، وكان شيخاً
فهماً، أخبر أنه لما وصل إليه، وسأله عن العرب، وكيف أزالوا ملك العجم، فمّال له: باللهّ
عز وجل، وما كانت العجم عليه من عبادة النيران والسجود للشمس والقمر من دون الله عز
وجل، فقال له: لقد غلبت العرب على أجَلِّ الممالك، وأنفسها، وأوسعها رَيعاً، وأكثرها
أموالاً، وأعقلها رجالاً، وأهداها صوتاً، ثم قال له: فما منزلة سائر الملوك عندكم.
فقال: ما لي بهمِ علم، فقال للترجمان قل له: إنا نعدُّ الملوك خمسة، فأوسعهم ملكاَ
الذي يملك العراق، لأنه في وسط الدنيا، والملوك مُحْدِقَة به، ونجد اسمه ملك الملوك،
وبعده ملكنا هذا، ونجده عندنا ملك الناس، لأنه لا أحد من الملوك أسوس منا، ولا أضبط
لملكه من ضبطنا لملكنا، ولا رعية من الرعايا أطوع لملكها من رعيتنا، فنحن ملوك الناس،
ومن بعده ملك السباع، وهو ملك الترك الذي يلينا، وهم سباعُ الِإنْس، ومن بعده ملك الذيلَةِ،
وهو ملك الهند، ونجده عندنا ملك الحكمة أيضاً، لأن أصلها منهم، ومن بعده ملك الروم،
وهو عندنا ملك الرجال، لأنه ليس في الأرض أتم خلقاً من رجاله، ولا أحسن وجوهاً منهم،
فهؤلاء أعيان الملوك، والباقون دونهم، ثم قال للترجمان: قل له: أتعرف صاحبك إن رأيته.
يعني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال القرشي: وكيف لي برؤيته وهو عند اللّه عزّ
وجلّ؟ فقال: لم أرد هذا، وإنما أردت صورته، فقلت: أجل، فأمر بسَفَطٍ فأخرج فضع بين
يديه، فتناول منه درجاً، وقال للترجمان: أره صاحبه، فرأيت في الدرج صور الأنبياء، فحركتُ
شفتيَّ بالصلاة عليهم، ولم يكن عندهم أني أعرفهم، فقال للترجمان: سَلْه عن تحريكه لشفتيه،
فسألني، فقلت: أصلي على الأنبياء: ومن أين عرفتهم؟ فقلت: بما صُوِّرَ من أمورهم، هذا
نوح عليه السلام في السفينة ينجو بمن معه لما أمر اللّه عزّوجلّ الماء فعمَّ الماء
الأرض كلها بمن فيها وسلمه وَمَنْ معه، فقال: أما نوح فصدقت في تسميته، وأما غرق الأرض
كلها فلا نعرفه، وإنما أخذ الطوفان قطعة من الأرض ولم يصل إلى أرضنا، وإن كان خبركم
صحيحاً فعن هذه القطعة، ونحن معاشر أهل الصين والهند والسند وغيرنا من الطوائف والأمم
لا نعرف ما ذكرتم، ولا نَقَلَ إلينا أسلافنا ما وصفتم، وما ذكرت من ركوب الماء الأرض
كلها فعن الكوائن العظام التي تُفزع النفس إلى حفظة وتتداوله الأمم ناقلة له، قال القرشي:
فَهِبْتُ الرد عليه وإقأمة الحجة؛ لعلمي بدَفْعِهِ ذلك، ثم قلت: وهذا موسى صلى الله
عليه وسلم وبنو سرائيل، فقال: نعم على قلة البلد الذي كان به وفساد قومه عليه، ثم قلت:
هذا عيسى ابن مريم عليه السلام على حماره الحواريُّونَ معه، فقال: لقد كان قليل المدة،
إنما كان أمَده يزيد على ثلاثين شهراً شيئاً يسيراً، وعلا من سائر الأنبياء وأخبارهم
ما اقتصرت على ذكر بعضه، ويزعم هذا القرشي وهو المعروف بابن هبار أنه رأى فق كل صورة
كتابة طويلة قد دوِّن فيها ذكر أسمائهم، ومواضع بلدانهم، ومقادير اعمارهم، وأسباب نبواتهم
وسيرهم، وقال: ثم رأيت صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جمل وأصحابه مُحْدِقون
به في أرجلهم نعال عربية من جلود الِإبل، وفي أوساطهم الحبال، قد علقوا فيها المساويك،
فبكيت، فقال للترجمان: سله عن بكائه، فقلت: هذا نبينا وسيدنا وابن عمنا محمد بن عبد
اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: صدقت، لقد ملك قَومه أجَلّ الممالك، إلا أنه لم يعاين
من الملك شيئاً، إنما عاينه من بعده ومن تولى الأمر على أمته من خلفائه، ورأيت صور
أنبياء كثيرة منهم من قد أشار بيده جامعاً بين سبَّابته وإبهامه كالحلقة، كأن يصف أن
الخليقة في مقداو الحلقة، ومنهم من قد أشار بسبابته نحو السماء كالمُرْهِبِ للخليقة
بما فق، وغير ذلك، ثم سألني عن الخلفاء وزيّهم وكثير من الشرالى فأجبته على قدر ما
أعلم منها، ثم قال: كم عمر الدنيا عندكم؟ فقلت: فقد تنوزع في ذلك، فبعض يقول: ستة آلاف
سنة، وبعض يقول. دونها، وبعض يقول: أكثر منها، فقال:ذلك عن نبيكم. فقلت: نعم، فضحك
ضحكاً كثيراً ووزيره أيضاً، وهو واقف !ذَ على إنكار ذلك، وقال: ما حسبت نبيكم قال هذا،
فزللت فقلت: بلى هو قال ذلك، فرأيت الِإنكار في وجهه، ثم قال للترجمان: قل له ميز كلامك
فإن الملوك لا تكلم إلا عن تحصيل، أما زعمت أنكم تختلفن في ذلك، فإنكم اختلفتم في قول
نبيكم، وما قالت الأنبياء لا يجب أن يختلف فيه، بل هو مسلم لها، فاحذر هذا وشبهه أن
حكيه، وذكر أشياء كثيرة ذهبت عنيِ لطول المدة، ثم قال لي: لم عدلت عن ملكك وهو أقرب
إليك داراَ ونسباً. قلت: بما حدث على البصرة، ووقوعي إلى سيراف، ونزعت بي همتي إلى
ملكك أيها الملك، لما بلغني من استقأمة ملكك، وحسن سيرتك، وكثرة جنوثك وشمول سياستك
لسائر رعيتك فأحببت الوقوع إلى هذه المملكة ومشاهدتها، وأنا راجع عنها إلى بلادي، وملك
ابن عمي، ومخبر بما شاهدت من جلالة هذا الملك، وسعة هذه البلاد وعموم هذا العدل، وحسن
شَيَمِك أيها الملك المحمود، وسأقول بكل قول حسن وأثني بكل جميل، فسَرَّهُ ذلك، وأمرلي
بجائزة سنية، وخلع شريفة، وأمر بحملي على البريد إلى مدينة خانقوا، وكتب إلى ملكها
بإكرامي وتقديمي على من في ناحيته من سائر خواص الناس، وإقأمة النُزُل إلى وقت خروجي
عنه، فكنت عنلى في أخصب عيش وأنهمه، إلى أن خرجت من بلاد الصين.ائيل، فقال: نعم على
قلة البلد الذي كان به وفساد قومه عليه، ثم قلت: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام على
حماره الحواريُّونَ معه، فقال: لقد كان قليل المدة، إنما كان أمَده يزيد على ثلاثين
شهراً شيئاً يسيراً، وعلا من سائر الأنبياء وأخبارهم ما اقتصرت على ذكر بعضه، ويزعم
هذا القرشي وهو المعروف بابن هبار أنه رأى فق كل صورة كتابة طويلة قد دوِّن فيها ذكر
أسمائهم، ومواضع بلدانهم، ومقادير اعمارهم، وأسباب نبواتهم وسيرهم، وقال: ثم رأيت صورة
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جمل وأصحابه مُحْدِقون به في أرجلهم نعال عربية
من جلود الِإبل، وفي أوساطهم الحبال، قد علقوا فيها المساويك، فبكيت، فقال للترجمان:
سله عن بكائه، فقلت: هذا نبينا وسيدنا وابن عمنا محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه وسلم،
فقال: صدقت، لقد ملك قَومه أجَلّ الممالك، إلا أنه لم يعاين من الملك شيئاً، إنما عاينه
من بعده ومن تولى الأمر على أمته من خلفائه، ورأيت صور أنبياء كثيرة منهم من قد أشار
بيده جامعاً بين سبَّابته وإبهامه كالحلقة، كأن يصف أن الخليقة في مقداو الحلقة، ومنهم
من قد أشار بسبابته نحو السماء كالمُرْهِبِ للخليقة بما فق، وغير ذلك، ثم سألني عن
الخلفاء وزيّهم وكثير من الشرالى فأجبته على قدر ما أعلم منها، ثم قال: كم عمر الدنيا
عندكم؟ فقلت: فقد تنوزع في ذلك، فبعض يقول: ستة آلاف سنة، وبعض يقول. دونها، وبعض يقول:
أكثر منها، فقال:ذلك عن نبيكم. فقلت: نعم، فضحك ضحكاً كثيراً ووزيره أيضاً، وهو واقف
!ذَ على إنكار ذلك، وقال: ما حسبت نبيكم قال هذا، فزللت فقلت: بلى هو قال ذلك، فرأيت
الِإنكار في وجهه، ثم قال للترجمان: قل له ميز كلامك فإن الملوك لا تكلم إلا عن تحصيل،
أما زعمت أنكم تختلفن في ذلك، فإنكم اختلفتم في قول نبيكم، وما قالت الأنبياء لا يجب
أن يختلف فيه، بل هو مسلم لها، فاحذر هذا وشبهه أن حكيه، وذكر أشياء كثيرة ذهبت عنيِ
لطول المدة، ثم قال لي: لم عدلت عن ملكك وهو أقرب إليك داراَ ونسباً. قلت: بما حدث
على البصرة، ووقوعي إلى سيراف، ونزعت بي همتي إلى ملكك أيها الملك، لما بلغني من استقأمة
ملكك، وحسن سيرتك، وكثرة جنوثك وشمول سياستك لسائر رعيتك فأحببت الوقوع إلى هذه المملكة
ومشاهدتها، وأنا راجع عنها إلى بلادي، وملك ابن عمي، ومخبر بما شاهدت من جلالة هذا
الملك، وسعة هذه البلاد وعموم هذا العدل، وحسن شَيَمِك أيها الملك المحمود، وسأقول
بكل قول حسن وأثني بكل جميل، فسَرَّهُ ذلك، وأمرلي بجائزة سنية، وخلع شريفة، وأمر بحملي
على البريد إلى مدينة خانقوا، وكتب إلى ملكها بإكرامي وتقديمي على من في ناحيته من
سائر خواص الناس، وإقأمة النُزُل إلى وقت خروجي عنه، فكنت عنلى في أخصب عيش وأنهمه،
إلى أن خرجت من بلاد الصين. وصف مدينة حمدان
قال المسعودي: وأخبرني أبو
زيد الحسن بن يزيد السيرافي بالبصرةوكان قد قطنها وانتقل عن سيراف، وذلك في سنة ثلاث
وثلثمائة، وأبو زيد هذا هو ابن عمر بن زيد بن محمد بن مزد بن ساسياد السيرافي، وكان
الحسن بن يزيد من أهل التحصيل والتمييزأنه سأل ابن هبار هذا القرشي عن مدينة حمدان
التي بها الملك وصفتها، فذكر سعتها، وكثرة أهلها، وأنها مقسومة على قسمين يفصل بينهما
شارع عظيم طويل عريض، فالملك ووزيره وقاضي القضاة وجنوده وخصيانه، وجميع أسبابه في
الشق الأيمن منه مما يلي المشرق لا يخالطهم أحد من العأمة، وليس فيه شيء من الأسواق،
بل أنهار في سككهم مطردة، وأشجار عليها منتظمة، ومنازل فسيحة، وفي الشق الأيسر مما
يلي المغرب الرعية والتجار والميرة والأسواق فإذا وضح النهار رأيت فيها قَهَارمة الملك
وغلمانه وغلمان وزرائه ووكلائهم ما بين راكب وراجل قد دخلوا إلى الشق الذي فيه العأمة
والتجار، فأخفا بضائعهم وحوائجهم، ثم انصرفا فلا يعود واحد منهم إلى هذا الشق إلا في
اليوم الثاني، وأن هذه البلدان فيها كل نزهة وغَيْضَة حسنة، وأنها مُطَّردة إلا النخل
فإنه معدوم عندهم.
مهارة أهل الصين
وأما أهل الصين فمن أحْنَقِ
خلق اللهّ كفَاَ بنقش وصنعة وكل عمل لا يتقدمهم فيه أحد من سائر الأمم، والرجل منهم
يصنع بيده ما يقدرأن غيره يعجز عنه؛ فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع،
فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة، فإن لم يخرج أحد فيه غيبَاَ أجاز
صانعه وأدخله في جملة صناعه، وإن أخرج أحد فيه عيباً طرحه ولم يجزْه، وأن رجلَاَ منهم
صورسنبلة سقط عليها عصفرفي ثوب حرير، لا يشك الناظر إليها أنها سنبلة سقط عليها عصفر،
فبقي الثوب مدة، وأنه اجتاز به رجل أحْدَبُ، فعاب العمل، فأدخل إلى الملك وأحضر صاحب
العمل، فسأل الأحدب عن العيب، فقال: المتعارف عند الناس جميعاً أنه لا يقع عصفر على
سنبلة إلا أمالها، وصَوَر هذا المصورالسنبلة فنصبها قائمة لامَيْلَ فيها، وأثبت العصفر
فقها منتصباً، فأخطأ، فصدق الأحدب، ولم يثب صاحبها بشيء، وقَصْدُهم بهذاوشبهه الرياضة
لمن يعمل هذه الأشياء؟ ليضطرهم ذلك إلى شدة الاحتراز والحذر وإعمال الفكرفيما يصنعه
كل واحد منهم بيده.ولأهل الصين أخبار عظيمة عجيبة، ولبلادهم أخبار ظريفة سنورد فيمايرد
من هذا الكتاب جملاً منها وإن كنا قد أتينا على سائر الأخبار من ذلك في كتابنا أخبار
الزمان في الأمم الماضية والممالك الدائرة وذكرنا في الكتاب الأوسط جملاً لم نتعرض
لذكرها في كتاب أخبار الزمان وربما ذكرنا في هذا الكتاب ما لم يتقدم ذكره في ذينك الكتابين،
واللهّ أعلم.
ذكر جمل من الأخبار عن البحار
وما فيها وما حولها من العجائب
والأمم، ومراتب الملوك وأخبار الأندلس ومعادن الطيب وأصوله وعدد أنواعه وغير ذلك
قد ذكرنا فيما سلف من هذا
الكتاب جملآَ من ترتيب البحار المتصلة والمنفصلة، فلنذكر الان في هذا الباب جملاً من
أخبار ما اتصل بنا من البحر الحبشي والممالك والملوك، وجملاً من ترتيبها، وغير ذلك
من أنواع العجائب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق