الكلام على الكنّة والحماة كثير. وكنت قد سمعت
حكاية عن حوّاء وكيف انها كانت اسعد امرأة في العالم بسبب عدم وجود حماة لها تتدخّل
في شؤونها الذاتية وتنغّص عيشتها، فلم تعرف طوال حياتها مشاعر الكنّة تجاه حماتها،
ولا مشاعر الحماة تجاه الكنّة بسبب انّ زوجات أبنائها كنّ في الوقت نفسه بنات
بطنها. ومن ينقّب في الأمثال والصور النمطية عن العلاقة بين الكنة والحماه يخرج
بصيد وفير. وهذه عيّنة من الأمثلة: " اجتمعوا الكناين والحكي ع الحموات" ، "الحماية ما
بتحبّ الكنّة ولو كانت حورية من الجنة"، "لو الحماة
حبت الكنّة لكان ابليس دخل الجنة"، "الحماة حُمّى وبنت الحماة
عقربة مسمّة"، وانهي بمثال معبّر عن دلالات الكلام، وكيف ان اللفظ قد يذهب في
اتجاه معاكس للاتجاه الذي يذهب اليه المعنى، وهو:" عم حكّيكي يا جارة تتسمعي
يا كنّي". الانشطار واضح هنا بين غايات اللفظ ومرامي المعنى. أذن الجارة ليست
أكثر من مطيّة للوصول الى مسامع الكنّة.
والعلاقة المتوترة بيت الطرفين لا تخلو من قصر
نظر تضرّ بأطراف عديدة منها الأحفاد الذين قد يخسرون خبرة الجدّات وهي خبرة مكتنزة
بالخيرات. هذه المقدّمة هي بنت قراءتي لحكاية صينية قديمة لا يخلو سردها من فائدة،
وتفاصيلها من حكمة صينية عريقة. تقول الحكاية:
حدث في الصين منذ وقت طويل أن تزوجت فتاة وذهبت
لتعيش مع زوجها في بيت حماتها. اكتشفت الفتاة بعد وقت قصير أنها لا تستطيع أن
تتعامل مع حماتها، فقد كانت شخصيتاهنّ متباينة تماما، وكانت عادات كثيرة من عادات
حماتها تثير غضبها علاوة على أن حماتها كانت دائمة الانتقاد لها. كانت الأيّام
تمرّ ثقيلة على الزوجة، ولكن ما جعل الأمور شديدة السوء هو أنه طبقا للتقاليد
الصينية القديمة، كان عليها ان تلبي رغبات حماتها،
فالرغبات غير قابلة للمساومة. وكان الغضب وعدم السعادة اللذان يملآن المنزل يسببان
إجهادا شديدا وتعاسة للزوج المسكين الذي يتقلّب بين نارين. وأخيرا فاض الكيل، كما
يقال، ولم يعد في مستطاع الزوجة أن تتحمل طباع حماتها السيئة ودكتاتوريتها المفرطة
وسيطرتها الخانقة. قررت الزوجة أن تفعل شيئا حيال ذلك فذهبت الزوجة لمقابلة أحد
أصدقاء والدها، وكان عطّارا خبيرا بأفاعيل الاعشاب. شرحت له الموقف، وسألته إن كان في إمكانه أن يمدها
ببعض الأعشاب السامة حتى يمكنها أن تحلّ مشكلتها مرّة والى الأبد. فكّر العطّار في الأمر للحظات ثمّ قال لها: أنا
سأساعدك في حلّ مشكلتك، ولكن عليك أن تصغي إليّ وتطيعي ما سأقوله لك.
أجابت الزوجة قائلة: نعم
يا سيّدي أنا سأنفّذ كل طلباتك في سبيل تخلّصي من هذا الكابوس الجوّال في بيتي.
انسحب العطّار للغرفة الخلفية ثم عاد بعد بضعة
دقائق ومعه علبة صغيرة على شكل قطارة، وقال لها: ليس في وسعك أن تستخدمي سمّا سريع
المفعول كي تتخلصي من حماتك، وإلاّ ثارت حولك الشكوك، الانتقام الطيّب والفعّال هو
انتقام يمشي مشي السلحفاة لا ركض الأرنب، ولذلك سأعطيك عدداً من الأعشاب التي ستعمل
تدريجيا وببطء في جسمها، وعليك أن تجهزي لها كلّ يومين طعاماً من الدجاج أو اللحم وتضعي
نقطة من هذه القطارة في طبقها، وحتى تكوني متأكدة أنه لن يشكّ فيك أحد عند موتها، عليك
أن تكوني حريصة جداً، وأن تصير تصرفاتك تجاهها ناعمة، وليّنة ليونة
جسد الأفعى. وأن توقفي شجارك معها، وعليك أيضا أن تطيعي كلّ رغباتها، فالانتقام يا
عزيزتي يحبّ التمويه ولبس الأقنعة، وقلب الباطن ظاهرا، والظاهر باطناً، الصبر ملكة
من ملكات الانتقام، وعليه لا بدّ من ان تعامليها كما لو كانت ملكة واتركي ما تبقّى
لمفعول السمّ.
سعدت الزوجة بهذا وأسرعت للمنزل لكي تبدأ في
تنفيذ مؤامرتها وحتّى تتمكّن من اغتيال حماتها. مضت أسابيع ثم توالت الشهور وكلّ يومين تعدّ
الطعام لحماتها وتضع نقطة من المحلول القاتل في طبقها. لم يفارق كلام العطّار أذنيها أو
سلوكها في ما يخصّ إبعاد الشبهات الماكرة، فتحكمت في طباعها ومشاعرها، وأطاعت حماتها وعاملتها كما لو
كانت أمها.بعد ستّة شهور
تغير جوّ البيت تماماً. مارست الزوجة تحكمها في طباعها بقوة وإصرار، حتى أنّها
وجدت نفسها غالبا ما لا تفقد أعصابها حتى حافة الجنون أو حتى تضطرب كما كانت من
قبل،
ولم تدخل في جدال مع حماتها، التي بدت الآن أكثر طيبة، وبدا التوافق معها أسهل.
ولم تدخل في جدال مع حماتها، التي بدت الآن أكثر طيبة، وبدا التوافق معها أسهل.
تغيّر سلوك الحماة تجاه زوجة ابنها، وبدأت تحبّها
كما لو كانت ابنتها، واستمرت تذكر للأصدقاء والأقرباء أنّ زوجة ابنها هي أفضل زوجة
ابن يمكن لأحد أن يجده، وأصبحت الزوجة وحماتها مثل السمنة على العسل، يعاملان
بعضهما كما لو كانتا بنتا ووالدتها.
وأصبح الزوج سعيدا بما قد حدث من تغيير في أجواء
البيت، وهو يرى ويلاحظ ما يحدث. وفي أحد الأيام ذهبت الزوجة مرّة أخرى لصديق
والدها، وقالت له: من فضلك ساعدني هذه المرة في منع السمّ من قتل حماتي، فقد تغيّرت
إلى امرأة لطيفة، وأنا أحبها الآن مثل أمي، ولا أريدها أن تموت بسبب السمّ الذي
أعطيته لها. إنّ ضميري يقضّ مضجعي. ابتسم العطّار وهزّ رأسه، وقال لها:أنا لم أعطك
سمّاً على الإطلاق. لقد كانت العلبة التي أعطيتها لك عبارة عن قليل من الماء
الزلال. والسمّ الوحيد كان في عقلك أنت يا ابنتي، وفى تصوّراتك نحو جماتك، ولكن كلّ
هذا قد غُسل الآن بواسطة الحبّ الذي أصبحت تكنينه لها.
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق