لا تخلو بعض عناوين الكتب من حظوظ
حلوة، كما لا تخلو بعض العناوين من طرائف وأسباب قد لا ينتبه البعض الى
مبررات وجودها ذات الصلة بعادات لغوية لهذه اللغة أو تلك كما هو الحال في تراث اللغات
الساميّة، فتسمية الكتاب بفاتحته أو من وحي فاتحته اللغويّة شائعة أي ان فاتحة
النصّ تكون بمثابة الرحم التي ينبثق منها الاسم، ومن هذا النمط معجم" العين" للخليل بن
أحمد الفراهيدي، لم تولد تسميته إلاّ من كون الكاتب بدأ معجمه بالكلمات التي تبدأ
بحرف العين، والقرآن الكريم أيضا لم يكتسب اسمه إلا من الآية الأولى(إقرأ)، وحين
نعرف ان ترتيب المصحف غير ترتيب النزول ندرك ان عنوان القرآن الكريم ينتمي إلى
الشفاهية لا إلى المكتوب، لأنّ" إقرأ" هي التي افتتحت التنزيل.
ونعرف أنّ أبا تمّام لم يسمّ منتخباته الشعرية بـ" ديوان
الحماسة " إلا لأنه بدأ بالأشعار التي تنطوي تحت هذا الغرض الشعريّ، ولو بدأ بالهجاء
أو المديح لكان عنوان الكتاب تغيّر ولجرّ ذلك تغيير عناوين كتب كثيرة كانت لا تزال
في رحم الغيب، منها حماسة البحتريّ، وحماسة الشجريّ، وغيرها من الحماسات. هنا نلحظ
ان العنوان قادر على ان يتخطّى نفسه، حين يكون له من القوّة ما يساعده على التحوّل
إلى جنس أدبي، كما نرى ذلك في عنوان " مقامات " بديع الزمان الهمذاني،
التي استطاعت أن تتحوّل إلى رحم مخصاب أنتج عدة عناوين أخرى، مقامات الحريري،
مقامات الزمخشري، مقامات السيوطيّ، وصولاً إلى مقامات ناصيف اليازجي التي وان أعطاها
عنوانا آخر " مجمع البحرين" فهو في العنوان متأثّر بالمقامات من طرف
خفيّ أو مائيّ، وذلك من حيث احتواء هذه الأخيرة على مجمع البحرين أي على بحر النثر
وبحر الشعر.
أشير هنا إلى ناحية لا ريب في ان دراستها مجلبة لمتعة
ونجعة وهي "التناصّ" في العنونة، وتكفي الإشارة إلى سلسلة العناوين
الكثيرة التي أنجبها عنوان كتاب الطاهر بن جلّون "العنصرية مشروحة لابنتي"
الذي أنتج عشرات العناوين مع تغيير الكلمة الأولى من جملة العنوان. يشير المعجميون
إلى طبائع الجذور اللغوية العربية، فمنها المنجاب، ومنها قليل الإنجاب، ومنها ما هو
عقيم، ويبدو أن أمر العناوين لا يبعد كثيرا عن أمر الجذور العربية.
وهنا أصل الى عنوان هذا المقال الذي هو عنوان كتاب ألّفه كاتبان أميركيان
هما "جاك كانفيلد" و" مارك فيكتور هانسن". ولا شكّ ان العنوان
فيه شيء كثير من الهزل، وربط بين عالمين مختلفين، وليس من السهل الربط بين الشوربة
والروح. كان من الممكن أن يكون العنوان " حساء دجاج للروح Chicken Soup for the Soul" ولكنّ ترجمته العربية
الصادرة عن مكتبة جرير في السعودية اختارت الشوربة على الحساء.
الكتاب وُوجه بالصدّ، العنوان لا يغري، من حيث الظاهر، بإقبال الناشرين على
نشره. لكنّ كاتبَي الكتاب مؤمنان بكتابهما إيماناً لا ينكسر، وحين وجدا أخيراً
ناشراً غامر بنشره واجها صعاباً في تسويقه، بداية، الاّ ان تسويقه قصة حلوة تستحقّ
أن تروى. المستحيل ينهار امام الإصرار، والمثابرة بفطنة، يقول المثل ان "
طولة البال تهدّ الجبال". كان الكاتبان قد سمعا من استاذ لهما عبارة غيّرت
مصيرهما ومصير الكتاب، قال استاذهما سكولاستيكو: لو ذهبتما كلّ يوم الى شجرة ضخمة
للغاية ثمّ ضربتماها خمس ضربات حادّة ، ففي النهاية لا بدّ ان تسقط الشجرة مهما
كان حجمها". من تلك الطريقة طوّر الكاتبان ما اسمياه" قاعدة الخمسة".
ففي كلّ يوم كانا يفعلان خمسة أشياء أو قل خمس ضربات تقربهما من حلمهما الخاص ببيع
الكتب، وقد كتبا يقولان:
كان هدفنا هو وضع كتاب " شوربة دجاج للروح" على رأس قائمة الكتب
الأفضل مبيعاً وفق " نيويورك تايمز"، وهذا يعني اجراء خمس مقابلات على الراديو، او ارسال
خمس نسخ مراجعة للمحررين الذين يراجعون الكتاب، او الاتصال بخمس من شركات التسويق
والطلب منهم ان يشتروا الكتاب ليكون ضمن ادواتهم التحفيزية لرجال المبيعات
التابعين لهم او عمل جلسات تدريبية لخمسة اشخاص على الاقلّ وبيع الكتاب في مؤخرة
القاعة. في احد الايام كنا نرسل خمس نسخ من الكتاب للأشخاص الواردة اسماؤهم على
قائمة عناوين المشاهير، اشخاص مثل هاريسون فورد، وبربارا سترايسند وبول مكارتني
وستيفن سبيلبرغ وسيدني بواتيه. ونتيجة لهذا النشاط وحده انتهى بنا الحال لمقابلة
سيدني بواتيه، بناء على طلبه، وعلمنا لاحقا انّ منتج البرنامج التلفزيونيTouched by an Angel" " قد طلب من العاملين
به قراءة كتابنا حتى يضعهم في الإطار العقلي السليم.
ذات يوم ارسلنا نسخا من الكتاب لجميع المحلفين في قضية
او جي سيمبسون. بعدها بأسبوع تلقينا خطابا لطيفا من القاضي لانس ايتو يشكرنا فيه
على التفكير في المحلفين الذين كانوا معزولين ولم يكن مسموحا لهم بمشاهدة التلفزيون
او قراءة الصحف، في اليوم التالي شاهد الصحفيون اربعة من المحلفين وهم يقرأون
الكتاب وهو ما أدى الى ترويج الكتاب بشكل كبير. اجرينا اتصالات هاتفية باشخاص
يمكنهم كتابة نقد عن الكتاب، اصدرنا بيانات صحفية، واتصلنا بالبرامج الحوارية
بعضها كان في الثالثة صباحا. ومنحنا نسخا مجانية في كل حواراتنا، كما ارسلناها
لرجال الدين كي يستعينوا بها في مواعظهمم الروحية، وقمنا بعمل حفلات توقيع الكتاب
في كل دور بيع الكتب التي كانت ترغب في ذلك، وطلبنا من الشركات ان تشتري منا
طلبيات كبيرة من أجل موظفيها، وقمن بوضع الكتاب في المتاجر الموجودة في القواعد
العسكرية، وطلبنا من رفاقنا المتحدثين ان يروجوا للكتاب في خطبهم، وطلبنا من
الشركات المقيمة للندوات ان تضعه في كتالوغاتها، واشترينا دليلا للكتالوغات وطلبنا
من كلّ الكاتالوغات المناسبة ان تحمل اسم كتابنا فيها، كما زرنا محالّ الهدايا
والبطاقات وطلبنا منها عرض الكتاب، بل فعلنا حتى مع محطّات الوقود والمخابز
والمطاعم. لقد بذلنا جهدا كبيرا. كنّا نقوم بعمل خمسة اشياء على الأقلّ يوميا، وعلى
مدار عامين.
بعد كلّ هذا المجهود تحوّلت شوربة الدجاج الروحية الى
ظاهرة في اميركا، وتحولّت "شوربة دجاج" الى فاتحة عناوين حوالي 170
عنواناً ، منها: " شوربة دجاج للحياة العملية" و"شوربة دجاج لحياة
المراهقين" و " شوربة دجاج لحياة الأمّهات" و "شوربة دجاج
لحياة المرأة"...
كانت النتيجة أنّه بيع من كتاب "شوربة دجاج للروح"
أكثر من خمسة ملايين نسخة في أميركا، وترجم الكتاب إلى أمّهات اللغات العالميّة،
ومنها اللغة العربيّة.
كتاب "شوربة دجاج للروح" عبارة عن ثمانين
حكاية التقطها الكاتبان من واقع حياة الناس العاديين، وفيها انتصر الإنجاز على
العجز، والفرح على الحزن، والحماس على الإحباط. في الكتاب فيتامينات ومقوّيات للحوافز
التي تكسر الحواجز. وما أكثر الحواجز، اليوم، في عالمنا العربيّ!
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق