الثلاثاء، 19 يناير 2016

تصحيف عيني جائع


للتصحيف طرائف كثيرة جمع شطراً منها حمزة بن الحسن الأصفهانيّ في كتابه الطريف " التنبيه على حدوث التصحيف" ، والتصحيف من الأمور الطبيعية في الكتابة العربية بحكم تشابه شكل بعض الحروف حيث يكون الفارق نقطة أحياناً كما بين التاء والثاء، أو الطاء والظاء. ومن طريف التصحيف ما قرأته في كتاب ابن طيفور" تاريخ بغداد" عن واقعة حصلت في بلاط الخليفة العبّاسيّ المأمون، وهي ما يمكن أن نعطيه عنوان" دور الجوع في تحريف الكلمات"، وإليكم النصّ كما ورد في كتاب ابن طَيْفور: " قال المأمون يوماً لوزيره أحمد بن ابي خالد: "أغْدُ عليّ باكراً لأخذ القصص ( الشكاوى) التي عندك ، فإنّها قد كثرت لنقطع أمور أصحابها فقد طال صبرهم على انتظارها". فبكّر، وقعد له المأمون فجعل يعرضها عليه، ويوقع عليها إلى أن مرّ بقصة رجل من اليزيديّين، يقال له فلان اليزيديّ، فصحّف وكان جائعاً فقال: " الثريديّ ". فضحك المأمون وقال:" يا غلام، ثريدة ضخمة لأبي العبّاس فإنّه أصبح جائعاً ". فخجل أحمد وقال:" ما أنا بجائع يا أمير المؤمنين، ولكن صاحب هذه القصّة أحمق، وضع فوق نسبته ثلاث نقط ". فقال: " دع عنك هذا، فالجوع أضرّ بك حتى ذكر الثريد"، فجاؤوه بصحفة عظيمة كثيرة العُراق والودك – إي كثيرة العظم والدسم- ، فاحتشم أحمد.

فقال المأمون:" بحياتي عليك لما عدلت نحوها، فوضع القصص، ومال إلى الثريد فأكل حتى انتهى والمأمون ينظر اليه، فلما فرغ دعا بطست فغسل يده، ورجع الى القصص فمرت به قصة فلان الحمصيّ، فقال:" فلان الخبيصي". فضحك المأمون وقال:" يا غلام، جاماً ضخماً فيه خبيص، فإنّ غداء أبي العباس كان مبتوراً. فخجل أحمد وقال:" يا أمير المؤمنين صاحب هذه القصة أحمق فتح الميم فصارت كأنّها سنتين!". قال:" دع عنك هذا فلولا حمقه وحمق صاحبه لمتّ جوعاً فجاؤوه بجام خبيص فخجل. فقال له المأمون:" بحياتي عليك إلا ملت اليها، فانحرف فانثنى عليه، وغسل يده ثم عاد إلى القصص فما أسقط حرفاً حتى أتى على آخرها".

وقصّة أحمد بن أبي خالد لا تخلو من صواب، فالحالة النفسية أو الجسدية للإنسان تشوّش عليه، في الأحيان، الرؤية، فلا يرى مايرى، ولكن يرى ما يريد أن يرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق