حذاقة أهل الصين 299 أهل الصين من أحذق خلق الله كفاً بنقش وصناعة وكل عمل لا يقدمهم فيه أحد من سائر الأمم. والرجل منهم يصنع بيده ما يقدر أن غيره يعجز عنه فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع. فأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة. فإن لم يخرج أحد فيه عيباً جازاه وأدخله في جملة صناعه وإن أخرج فيه عيب أطرحه ولم يجازه. وإن رجلاً منهم صور سنبلةً عليها عصفور في ثوب حرير لايشك الناظر إليها أنها سنبلة وأن عصفوراً عليها. فبقيت مدة ثم اجتاز بها رجل أحدب فعابها. فأدخل إلى ملك ذلك البلد وحضر صانعها. فسئل الأحدب عن العيب فقال: المتعارف عند الناس جميعاً أنه لا يقع عصفور على سنبلة إلا أمالها. وإن هذا المصور صور السنبلة قائمة لا ميل لها وأثبت العصفور فوقها منتصباً فأخطأ. فصدق ولم يثب الملك صانعها بشيْ (سلسلة التواريخ) 300 حدث ابن بطوطة بهذا الشأن قال: وأهل الصين أعظم الأمم إحكاماً للصناعات وأشدهم إتقاناً فيها. وذلك مشهور من حالهم قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه. وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه فإن لهم فيه اقتداراً عظيماً. ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك أني ما دخلت قط مدينة من مدنهم ثم عدت إليها إلا ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد موضوعة في الأسواق. ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النقاشين ووصلت إلى قصر السلطان مع أصحابي ونحن على زي العراقيين. فلما عدت من القصر عشياً مررت بالسوق المذكورة فرأيت صورتي وصورة أصحابي منقوشة في كاغد قد ألصقوه بالحائط. فجعل كل واحد منا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطئ شيئاً من شبهه. وذكر لي أن السلطانأمرهم بذلك وأنهم أتوا إلى القصر ونحن به فجعلوا ينظرون إلينا ويصورون صورنا ونحن لم نشعر بذلك. وتلك عادة لهم في تصوير كل من يمر بهم. وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد وبحث عنه فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ (لابن بطوطة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق