الاثنين، 11 يناير 2016

حوار مع الدكتور محسن فرجاني

يقف الدكتور محسن سيد فرجاني، حارساً على واحد من كنوز الحكمة والمعرفة العالمية، فما يملكه من علم كبير باللغة الصينية، أتاح له الاطلاع على تراث طويل من الحكمة والفلسفة المقبلة من بلادها الأم الصين .
فرجاني يعمل أستاذاً في قسم اللغة الصينية، في كلية الألسن جامعة عين شمس، وقدم العديد من الترجمات والأبحاث حول اللغة الصينية، وتاريخها، لافتا إلى أهميتها كوسيط يقود الدارس والمترجم إلى كنوز قديمة وحديثة، لم تزل غائبة عن ثقافتنا العربية حتى الآن، بسبب ضعف الترجمة في حقل اللغة الصينية، وغياب الاهتمام الشعبي بها .
قدم أستاذ اللغة الصينية خلال السنوات الماضية العديد من الترجمات المهمة عن اللغة الصينية مباشرة، أبرزها محاورات كونفوشيوس والكتب الأربعة المقدسة وكتاب الطاو، وغير ذلك من الأبحاث والكتب .
* إلى أي مدى نهتم بالأدب الصيني في العالم العربي؟
- يلقى التراث والأدب الصيني قبولا واهتماما لدى المتخصصين، والنخبة القليلة، والمثقفين، وربما امتد تأثيره إلى قطاعات من الدارسين والمهتمين، لا أقول إن هناك اهتماماً شعبياً كبيراً بالكتب الصينية، هو اهتمام نخبوي في النهاية .
* لماذا أقبلت إذاً على ترجمة الكتب الأربعة المقدسة، مع ضخامتها وصعوبتها؟
- يرجع اهتمامي بترجمة الكتب الأربعة، إلى رؤيتي للحضارة الصينية، كمصدر ثري مثلها في ذلك مثل الحضارة العربية والإسلامية، في تراثهم الأدبي ما يستحق الترجمة، وقد تعرفت خلال زيارتي للصين إلى مستشرقين ومستعربين صينيين، ولمست عندهم اهتماما بالثقافة العربية، وعرفت أنهم ترجموا للصينية الكثير من الكتابات العلمية والتاريخية، لذا وبدافع من التعاون والاهتمام بدأت الترجمة .
* لماذا لم تفكر في نقل الكتب الأربعة من لغة وسيطة، تسهيلاً عليك؟
- من المهم جداً ترجمة الكتب الأربعة عن الصينية مباشرة، وذلك لأهميتها في موطنها الأصلي، ولأننا في العالم العربي فاتنا الاهتمام بجذور الثقافة الصينية، التي لم تترجم عن الصينية مباشرة، بينما تمت ترجمة التراث الصيني إلى اللغات الأجنبية الأخرى بداية من القرن السابع عشر الميلادي، على يد الإرساليات التبشيرية الأوروبية، قبل أن تخطو تلك الدول إلى العصر الحديث .
أقدم ترجمة لهذه الكتب كانت في اللغة اللاتينية، وفي الإنجليزية أكثر من ترجمة عن الصينية مباشرة، بعضها استعان بخبراء صينيين، لذلك كان مهما أن يكون لدى الحضارة العربية من يترجم هذه الكتب عن الصينية مباشرة .
* كم تقدر عدد المترجمين الجادين في مجال اللغة الصينية؟ وهل هم كافون لنقل هذا التراث الثقافي الضخم؟
- بالطبع غير كافين، هناك مجموعة من الباحثين والدارسين لهذه اللغة، لكنهم ليسوا جميعا مترجمين، فمن يقوم بتلك المهمة على مستوى العالم العربي كله، نكاد نحصيهم على أصابع اليد الواحدة، هؤلاء الذين وصلوا إلى مرحلة الأستاذية، بعد الدكتوراه .
* هل وجدت الترجمات الأجنبية أمينة في النقل؟
- من خلال متابعاتي الأخيرة لترجمات الأمريكيين بالذات لأعمال أديب نوبل الصيني مو يان، اكتشفت أن هناك مترجماً أمريكياً يدعى هاورد غولدبلات، كتب مقالاً يتحدث فيه عن اهتمامه بالأدب الصيني، وأنه قرأ الترجمات الإنجليزية المباشرة عن اللغة الصينية، خاصة تلك التي قام بها آرثر ويلي، أحد شيوخ الترجمة عن الصينية في القرن ال،19 والذي يعتبر أستاذاً لغولدبلات نفسه، يقول الأخير: إن ترجمات أستاذه ويلي لم تعجبه لأسباب عدة، منها أن ويلي، الذي ترجم رواية الرحلة إلى الغرب إحدى أهم الروايات في التراث الصيني القديم، انتقى منها 12 فصلاً فقط، وقدم الرواية للقارئ الأمريكي على أنها الرواية الأصلية كاملة، في حين أنه غير في ملامحها .
* كيف تنظر إلى الترجمة عن لغات وسيطة؟
- على المستوى الشخصي، لست ضد النقل عن لغات أخرى، نظراً لندرة المترجمين العرب في حقل اللغة الصينية، وقد دعوت من قبل الجهات المتخصصة في الترجمة أن تشرك معنا مترجمين من لغات وسيطة، فالحضارة الصينية من الأهمية بمكان أن تدعو القارئ العربي للاهتمام بها، والاقتصار علينا نحن والمتخصصين في الصينية لا يكفي، لذا أتمنى على الجهات المتخصصة أن تفتح صدرها لمترجمي الأدب الصيني عن لغات وسيطة، لأن كم الإنتاج الصيني مهول جداً .
* ما فائدة الترجمة المباشرة عن الصينية؟
- الترجمة المباشرة تلقي أضواء على المحتوى الثقافي للنصوص الأصلية، أما الترجمات عن اللغات الأجنبية فقد تحتوي على تعديلات تجعل من الصعوبة بمكان نقل المحتوى الثقافي، وعلى الرغم من أن غولد بلات عاب على أستاذه التغيير، إلا أنه هو نفسه أدخل تعديلات على رواية مو يان، الذرة الرفيعة الحمراء، حيث حذف معظم الإشارات التي تحتمل مضمونا سياسيا، كما حذف العبارات والألفاظ التي قد لا تلقى قبولاً عند القارئ الأمريكي، ليس رغبة في التغيير، ولكن التزاما منه بسياسات النشر، كي لا يصدم القارئ الأمريكي، ومن بين تلك التغييرات، تعديل الفئة العمرية لبعض الشخصيات، كفتاة جعل عمرها 14 بدلاً من ،18 وهكذا تكون الترجمة عن مثل تلك اللغات بعيدة عن المضمون الثقافي للغة الأصلية .
* ما الذي يفوتنا مع نقص الترجمة عن اللغة الصينية؟
- يفوتنا فهم الحضارة الصينية، الحضارة تختلف عن الثقافة، على الرغم من أنها حضارة صديقة، يفوتنا متابعة مستحدثات التطور، والمؤلفات الفكرية والسياسية والاقتصادية، خاصة أن الصين كتلة تتحرك، هناك ما هو سياسي مرتبط بما هو اقتصادي متفاعل مع ما هو ثقافي، انعدام الترجمة لا يقرب من أذهاننا ما يحدث في الصين، ولا يرسخ بنية صحيحة للفهم وللتبادل أو التعاون، وأسوأ ما فيها أنها ترهن فهمنا للصين بدوائر الأفكار الغربية، حتى أصبح تحليلنا لمضامين الفكر الصيني مرتبطاً برؤية الغرب، والخطورة هنا أن بعض النقاد في تاريخ الفكر الغربي أحياناً ما يطلقون أحكاماً قيمة، تجد لها صدى عند المفكرين العرب، كأنيس منصور، وعبدالرحمن بدوي، وعباس العقاد، وجمال حمدان، وآخرين، رددوا مقولات غربية عن الصين، للأسف كانت مغلوطة .
هذا كله أعاق الفهم الصحيح للعناصر الأساسية المكونة للحضارة الصينية فكرا وثقافة وإبداعا، ولعل أسوأ أثر نتج عن ذلك في رأيي، أن الكم المترجم، والتبادل الثقافي بيننا لا يفي أبداً بالعلاقة القديمة، وما هو مطلوب لعلاقة قديمة كانت بين العرب والصينيين، على الرغم من أنها العلاقة الوحيدة التي لم تتوتر، فقد اصطدم العرب مع الهند، ومع الرومان، لكن العلاقة الصينية العربية على مر التاريخ كانت من أوثق وأمتن العلاقات، لذا من غير المقبول، ومن غير الطبيعي أن نفتقد إلى الصلة الثقافية المباشرة .
* هل يهتم الصينيون بترجمة الكتب العربية؟
- الكتب المترجمة عن العربية للصينية أكثر بكثير مما يتخيل أحد، وفي كل المجالات، ربما نحن في البحث العلمي نستخدم كلمة كل بحذر، لكن على مسؤوليتي أقول: إنهم ترجموا كل ما له علاقة بالمنطقة العربية حتى كتب الأطفال، لديهم شغف بالحضارة العربية يتزايد باطراد، ترجموا الأعمال الكاملة لشخصيات مثل: يوسف إدريس، نجيب محفوظ، يحيى حقي، حتى علاء الأسواني، وعبدالرحمن الشرقاوي، وأحمد شوقي، هذا طبعا بخلاف ترجمات ضخمة وتراثية مثل بردة البوصيري، ومجمل التراث الإسلامي كله، يكفي أن نقول: إن لديهم أكثر من 14 ترجمة لمعاني القرآن الكريم .
هم ترجموا الكثير عن اللغة العربية مباشرة، وأصبح لهم نجوم في عالم الترجمة، مثل الشيخ محمد مكين، الذي بدأ الترجمة في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وغيره الكثيرون، من المستعربين الذين اعتادوا أن يكون لدارس اللغة العربية اسم عربي يعرف به، فمثلاً الشيخ محمد مكين اسمه ماجيان، والدكتور صاعد اسمه جون جيكون، والدكتور بسام، وشريف، وصافي، جميعهم صينيون لهم أسماء صينية، لكنهم اختاروا أسماء عربية .

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/a04b4c70-96ee-4f4e-aeb3-26c050bf9689#sthash.Jo5KXFf1.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق