بقلم: مصطفى عبدالله مد الجسور وقف أول عربي في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة الصينية فى السابع والعشرين من أغسطس الجاري لاستلام جائزة الإسهام المتميز في الكتاب الصيني التي تمنح للأجانب أصحاب التميز في تقديم الثقافة الصينية، وبما أن الدكتور محسن فرجاني، الأستاذ بكلية الألسن بجامعة عين شمس صاحب أكبر إسهام في ترجمة هذه الثقافة، والتعريف بها، فقد عكف طويلاً على ترجمة أمهات كتب التراث الصيني الخالد إلى اللغة العربية، كما ترجم العديد من الأعمال الأدبية الصينية الحديثة ومنها: روايتا "الثور والحلم"، و"الاوباش" لـ "مويان" أديب الصين الحائز على جائزة نوبل في الآداب في دورتها الأخيرة، فضلاً عن إسهامه في تمثيل مصر في العديد من المؤتمرات العلمية، والندوات الأدبية في الصين، ومن بينها الندوتان الرابعة والخامسة لحوار الحضارات بين العرب والصين. لذلك رشحته الصين لنيل الجائزة لهذا العام. ويذكر أن فرجاني أول عربي يَنال هذه الجائزة، فقد منحت في الدورات السابقة لستة هم: من أميركا "إزرا فوجل" المتخصص في الشئون الصينية، ومن السويد "آن جوستافسن"، مترجمة روايات مويان إلى لغتها الأم، ومن إندونيسيا "يوزا سورياوان"، ومن إيطاليا "ليونيللو لانشوتي"، ومن الأرجنتين "جورج ي. مانيلا". ويشار إلى أن الجائزة تأسست في 2005 تحت اسم "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" وتمنح للمترجمين والمؤلفين والناشرين الذين يسهمون في ترجمة الثقافة الصينية ونشرها خارج الصين. الجائزة تمنحها الإدارة العامة للصحافة والنشر والتليفزيون والسينما بالحكومة الصينية في حفل كبير أثناء افتتاح معرض الصين الدولي للكتاب هذا العام. وقد ألقى الدكتور فرجاني خطابًا في المؤتمر الصحفي الذي عقد في رحاب حفل منح الجائزة، وفيه عبر عن مشاعر الفخر والسعادة كأول عربي ينال هذه الجائزة،، وكذلك أثنى على تقدير مترجمي الثقافة الصينية من جانب الهيئات الثقافية الصينية في تأكيد منه كفائز على أن مثل هذا الفوز يعزِّز العلاقات الثقافية بين العرب والصين، وهي علاقات ممتدة عبر التاريخ، وتمثل الجائزة بالفعل أقوى حافز بالنسبة له لمواصلة جهده في مجال الترجمة من الصينية إلى العربية، وهي الجهود التي تتم عبر المركز القومي للترجمة في مصر الذي ينشر ترجماته، وكذلك مساندة وتشجيع كثير من رموز المجتمع الثقافي المصري. ويعرب لي الدكتور فرجاني عن سعادته الغامرة بتوجه هذه الجائزة الرفيعة إليه، ويعترف بإخلاصه لعطائه للثقافة الصينية، وحرصه على مد الجسور بينها وبين القارئ العربي. ويتحدث عن تجربته في ترجمة روايات مويان، وكيفية معالجته للنص مستطلعاً أجواء الكتابة عنده وخصائصها الإبداعية في الرواية، ويذكر طرفاً من أحوال الأدب الصيني المعاصر، ولاسيما عند أجيال "الفترة الجديدة" التي تجذب إليها الأنظار الآن، داخل الصين وخارجها، ويذكر كيف أنها تحظى بقدر غير مسبوق من الترجمات في عدد من اللغات الأوروبية، ويقول: لو كان صحيحًا أن براعة مويان في المزج بين الواقعية السحرية والحكايات الغرائبية المعهودة في التراث الصيني القديم، هي المسوّغ لحصوله على جائزة نوبل في الأدب، إذن لاستحقها معه بالتساوي عدد من أهم كتاب القصة في جيل ما يُعرف بـ "أدب البحث عن الجذور". وهؤلاء كثيرون جدًا، ومنهم: ليو سولا، شو شين، تسان شيو، جاهيداوا، هونفن، يو هوا، سوتون، مايوان، والأساس الإبداعي عندهم جميعًا يقوم على فكرة الانتصار لطاقات الحياة البدائية وكشف الجوهر العبثي للإنسان، تنديداً بضعفه وزيف ثقافته الحديثة. والكتابة الروائية عند كثير منهم تجسد احساساً بعبث الوجود، لكن منابع إلهامهم لم تأت مباشرة من نماذج غربية الطابع؛ صحيح أنهم استفادوا من الترجمات والمدارس النقدية في الغرب، لكنها استفادة دون نقل! ويوضح الدكتور محسن فرجانى كيف أن القصة لم تكن محل احتفاء أو استحقاق لجدارة حتى في التراث الفكري والأدبي الصيني القديم، وكثيرًا ما اعتبرتها الكونفوشية مجرد هزل وثرثرة صبيانية واسمتها "شياو شو" أي: الكلام التافه. ويوضح أن الكتابة الروائية في الصين لم يكن لها أن تحتل مكانة معتبرة إلا بما اشتقت من الأساطير القديمة، أقدم واقع سحري نهلت منه أجيال الكتابة في أوائل الثمانينيات، حتى قبل أن تجري أقلام المترجمين بنقل نصوص "جارثيا ماركيز"؛ ذلك أن الساحة الأدبية كانت، وقتئذ، تبحث عن يقين ضاع منها إبان الثورة الثقافية.. لم يكن ثمة أساتذة هذه المرة حقا وفعلاً، ودع عنك مقولة الأديب السكندرى "محمد حافظ رجب"، تحت ظروف مختلفة، بشأن أجيالنا الأدبية في ستينيات الأدب العربي في مصر، فكانت العودة إلى الجذور الثقافية، حتى بمحتواها المتضمن لشرائح عريضة ممتدة من التراث الكونفوشي إلى الفولكلوريات الشعبية، فتشكلت ملامح يقين بالأسطورة منسجمة مع تقاليد باقية في المواريث، وكانت "الحداثة" هي الكلمة المفتاح لفهم اتجاهات الإبداع، منذ أوائل القرن العشرين، أو هكذا قد يقال. ويذكر فرجاني أن تاريخ الحداثة في الصين يبدأ أيضًا مع حد زمني قاطع بين زمن قديم انتهى، وعصر جديد بدأ يشق طريقه إليها، فيما سمي بحركة الرابع من مايو 1919.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق