هذه التسمية ( تسمية العنوان) ليست من اختراعي. وانما هي نقل لما هو موجود على بعض أكياس وورق التغليف في قصر الحلو الشهير بل الأشهر في طرابلس. نادرا ما ينتبه المرء الى هذا التعبير الموجود على الكيس"عبد الحلاّب". نسمع في العالم العربي عن الاسماء المركبة من مضاف ومضاف اليه من مثل" عبد الله" ، عبد الرحمن"، "عبد الخالق"، "عبد الصمد" كما يمكن ان نجد في بعض المناطق العربية " عبد المسيح" وهي تسمية موجودة لدي مسيحيي الشرق العربي، كما قد نجد "عبد الحسن" أو "عبد الحسين" وهي تشي بانتماء شيعيّ، اغلب الأحيان، في العالم العربي.
ولكن" عبد الحلاب" لا تنتمي إلى واقعة دينية، أو مذهبية. فلفظ "الحلاّب " ليس من اسماء الله الحسنى، وليس له اي صبغة دينية، حتى ولو كانت هناك سورة قرآنية كريمة بعنوان" البقرة".
هل التسمية"خطأ مطبعي"؟
لا أظنّ، وان كانت خطاً مطبعيا فهي خطأ مطبعي مقصود.
والاسباب هي وجهات نظر لا يعرف اصحاب المؤسسة " الحلوانية" كيف يعالجونها. ووجدوا انه من الانسب علاجها بهذه الطريقة.
قامت حركات اسلامية ضد " عبد الرحمن الحلاّب" ليس لأنّه عبدٌ للرحمن، وليس لأنه عبد الرحمن، وليس بسبب "غيظ" أو "حسد" أو ضيقة عين" من نجاحاته التي أتمنّى لها الاستمرار والازدهار أكثر وأكثر لأنّها تستحقّه عن جدارة، ولأن نجاح كل مؤسسة طرابلسية تجلب الخير للمدينة، ولا أظن أحدا لا يريد الخير لمدينته الا اذا كان عاقّا وناكر جميل.
السبب " فائض شعور ديني"، شعور زائد، والزائد أخو الناقص ان لم يكن بالدم فبالرضاعة! وتجليات الشعور الديني تستحقّ الدرس في بلادنا، وتحديداً، في هذا العصر العربي الكامد الذي يشهد اختلالا فظيعا في المعايير.
وجد بعض المؤمنين ان اسم الجلالة يرمى في الأرض، وفي سلال المهملات، لأنه موجود على ورقة الغلاف، ومصير ورقة الغلاف معروف.ولكن مصير كل ورقة معروف، فلماذا "ورقة عبد الرحمن بزيت وورقة غيره بسمنة"؟
لماذا قام بعض الناس على عبد الرحمن لأنّه يضع اسمه على أكياسه وعلب حلوياته؟
ولماذا وجد الحلاب ان افضل حل هو حذف" الرحمن" من اسمه؟ وابقاء ما يتبقى، ولكن ابقاء ما يتبقى يثير الحيرة، ولا سيّما في طرابلس الفيحاء ذات الغالبية الاسلامية السنية؟
هل كلمة" عبد الحلاب" مقبو لة، وكلمة" عبد الرحمن " غير مقبولة؟
اذا اردنا الذهاب بمنطق التسمية الى الأخير، منطق تحريم وضع اسم الجلالة او اسماء الله الحسنى على الأكياسما مصير "نعوة" على حيط؟
النعوة الاسلامية أخطر من اكياس "عبد الحلاب" لأنّها لا تحوي فقط اسم الجلالة، بل اغلب الأحيان يضاف الى اسم الجلالة آية قرآنية في رأس النعوة. وهي، أي "النعوة" لن يتحملها الحائط الى أبد الآبدين، ومن يلصقها على الحائط يعرف مصيرها كما يعرف مصيره تماما، سوف تسقط في يوم ما، وسوف يضعها "الزبّال" في شاحنة الزبالة، وسوف تصبّ أخيرا في مكب للنفايات كغيرها من النفايات.
وهل يمكن ان تخلو جريدة عربية من اسم من اسماء الله الحسنى؟ ماذا يفعل صحافي يبدأ اسمه بعبد وينتهي باسم من اسماء الله الحسنى كـ"الباسط" أو "الرزّاق" أو "الرحيم" … إلخ؟ هل يغيّر اسمه لأن ورقة الجريدة سوف تذهب إلى الزبالة أو تتحوّل إلى ممسحة زجاج؟
أم ان الحلّ حتى لا يأثم حبر قلمه أن يخترع اسما مستعارا أو يوقف الكتابة في الجريدة ما دام أنه يعي مصيرها الأخير؟
عبد الحلاب حذف "الرحمن"من اسمه بانتظار ان يحذف اسمه كليّاً وهو لهذا وجد بديلا لا يعارضه أحد" قصر الحلو". كلمة خالية من كل سمة دينية، سمة حياديّة، عربيّة، لا اسلامية ولا مسيحية.
ولكن ليس سهلا تغيير اسم. لا بدّ من وقت. وبانتظار حلول الوقت، تقوم" عبد الحلاب" بسدّ الفراغ.
امر طريف آخر، وهو ان الاسم العربي لا يطابق الاسم المكتوب بالحرف اللاتيني فبينما نجد " عبد الحلاب" بالعربي نجد بالقابل ان عبد الحلاب العربية هي بالحرف اللاتيني "abdul rahman hallab" اي ان " الرحمن" تعود الى الظهور في حلتها اللاتينية، فهل تعني" رحمن" بالحرف العربي ما لا تعنيه "rahman" بالحرف اللاتيني?
الا يعني ذلك ان التحريم هو وليد الحرف لا وليد المعنى؟ (هل حرمة القرآن المترجم إلى الفرنسي غير حرمته العربية؟)
الا يعني ذلك ان القداسة ليست نابعة من المعنى بقدر ما هي نابعة من الحرف؟
لا شكّ في ان الايمان "الحرفيّ" لا "المعنوي" له انعكاسات سلبية على حياة الناس اليومية.
كثيرون ممن اخبرتهم القصة لم ينتبهوا اليها، بل لقد سألت شخصا كان على وشك الخروج من قصر الحلو وبيده كيس عبد الحلاب، ولو لم يكن من معارفي لما تجرات وتكلمت معه، عن معرفته او عدم معرفته عن الكيفية التي يتحوّل من خلالها " عبد الرحمن الحلاب" الى "عبد الحلاّب"، ظنّ أني أمزح معه، او " عم اشلح حكي شو منكان"، ولكن حين دقّق في الكيس وجد " عبد الحلاب" نفسه مضطرا إلى استخدام هذه التسمية هروبا من أفواه لا تعرف ما الفرق بين " الايمان الحرفي" و" الايمان المعنوي".
ولكنّه هروب يوقع في مآزق دلالية، اعرف ان ابناء " عبد الحلاب" لا يريدونها لا لأنفسهم ولا لأبيهم رحمه الله.
ولكن جرّهم إلى ذلك بعض ألسنة أبناء الفيحاء " غير القصيرة".
والله أعلم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق