كنت قاعدا في
مترو الأنفاق في باريس. قعدت بجانب شخص بين يديه كتاب، كتاب بلا كلمات، يقرأ في
كتاب ليس فيه كلمات. قلت بيني وبين نفسي: جميل ان تقرأ في كتاب لا يعتمد الحروف
الابجدية ولا الرموز الصينية. كان يقرأ نوتات موسيقيّة. ثمّ بدأ الطرب يتسرّب من
عينيه الى كامل رأسه. تحوّل رأسه الى ما يشبه يدي المايسترو وعصاه النحيلة. اخذ
عينيه الطرب، ثمّ رأسه ثم راح يتمايل مع المعزوفة الصامتة وكأنّه في حفل موسيقيّ
وأخذ النغم النابت من الورق يأخذ بمجامع جسده وروحه. وراحت الألحان تتطاير
كالزقزقات من الورق. شعرت عيني بغصّة لأنّها ليست أذنًاً.
إصغاء العين ما
خطر من قبل ببالي.
النغمة الوحيدة
التي استمتعت بها هي اصغائي لما لم يخطر لي ببال.
علّمني هذا
الشابّ درساً في الإصغاء ليس في إصغاء إلى الموسيقى وانّما في الإصغاء إلى
المضمر في البال، في شمّ عبق الزهرة الذي يفوح من صورة الزهرة، وفي سريان الصوت المرنان
في عروق الصمت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق