لا تجعل طموحاتك حبيسة أفكارك، محاوطة بإرادة مكتومة بوجدانك، فتتحول إلى شخص له طموحات وأحلام يراها بشكل مستمر، ولكنه يعجز عن لمسها.
تَخرجت من قسم اللغة الصينية وآدابها، بجامعة القاهرة، درست اللغة الصينية لأربع سنوات، حتى بعدما تخرجت واصلت تعلم اللغة الصينية بنفسي حتى لا أنساها، ولكن مع الأسف لم أتخصص فور تخرجي في عمل له صلة مباشرة باللغة الصينية، فقط كنت أعمل كمترجمة من حين إلى آخر، مع أنه العمل الذي طالما حلمت أن أعمل به.
تَخرجت من قسم اللغة الصينية وآدابها، بجامعة القاهرة، درست اللغة الصينية لأربع سنوات، حتى بعدما تخرجت واصلت تعلم اللغة الصينية بنفسي حتى لا أنساها، ولكن مع الأسف لم أتخصص فور تخرجي في عمل له صلة مباشرة باللغة الصينية، فقط كنت أعمل كمترجمة من حين إلى آخر، مع أنه العمل الذي طالما حلمت أن أعمل به.
كنت أشعر بعدم رضا دائم لذلك، حتى بدأت أشعر وكأن النور الذي كان يحاوطني أخذ يتلاشى تدريجيًا من حولي، ولكن قبل أن يختفي تمامًا قررت أن أتبعه.. نعم عزمت على أن أترك كل شيء وأعمل كمترجمة حرة.
كان الأفق مليء بسحب كثيفة، ولكنه الآن يبدو لي أكثر صفاءً.
لا أدري.. ولكن قد تبين لي أن أحيانًا عدم الوضوح الممزوج بخوف وقلق، يدفع الإنسان إلى العمل بجدية أكثر، بل ويولّد بداخله طاقة تبتلع مخاوفه، وتدفعه إلى الأمام.
أفكر لو لم أكن عزمت على السير وراء ما أحب ، هل كانت أُتيحت لى فرصة المشاركة في برنامج علماء الصينيات الشباب هذا العام؟ ، قطعًا لا، فممارستى للترجمة بشكل متواصل خلال الأعوام الماضية، كان السبب الرئيسى لترشيحي للمشاركة في هذا البرنامج، والذي جاء عن طريق المركز الثقافي الصيني. شعرت هذه المرة تحديدًا بأنني أحمل مسؤولية كبيرة جدًا على عاتقي؛ لأننى كنت الممثلة الوحيدة لمصر أمام 30 دولة مختلفة، كما أنها كانت المشاركة الأولى لمصر في هذا البرنامج.
تجربة المشاركة في برنامج علماء الصينيات الشباب لعام 2015، هي تجربة مهمة جدًا بالنسبة لي ، وخاصة أنه تم تعريفى على أننى مترجمة شابة من مصر، مما أحدث تغييرًا كبيرًا جدًا في طريقة تناولى للأمور وملاحظتى للأشياء ، فرأيت الصين هذه المرة بشكل أنضج وأوضح من المرات السابقة، مما جعلني اقترب أكثر من الثقافة، الأدب ، والتاريخ الصينى، بل واتعرف على أصدقاء من خلفيات ثقافية وبلدان مختلفة، والممتع أنه يجمعنا شغف مشترك، ولغة تواصل واحدة، وهي بالطبع الصينية.
استمر برنامج علماء الصينيات الشباب 2015 لمدة لثلاثة أسابيع ، وهو برنامج غني جدًا بالأنشطة الثقافية المتنوعة ، ففي الأيام الثلاث الأولى نُظمت الندوات المختلفة لجميع المشاركين، والتى أعطاها أساتذة وأدباء كبار، فمن أمتع المحاضرات التى حضرتها كانت للكاتب الكبير وانغ منغ والتى كانت تحت عنوان ” الصينيون والثقافة الصينية” ،وتحدث فيها بشكل ممتع عن الحضارة الصينية والفكر الصينى وغيرها من الأمور.
بعد تلك الندوات ، قُسمنا إلى مجموعات لحضور محاضرات في جامعات مختلفة، وذلك وفقًا لتخصص كل منا، فهناك مجموعة ذهبت إلى جامعة بكين، وجامعة بكين للغات الأجنبية، الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وغيرها…
ذهبت لحضور محضارتى في معهد التاريخ بالأكاديمية الصينية للعلوم اللاجتماعية، تكونت مجموعتى من 4 أفراد من بلدان مختلفة، مما أتاح أمامى فرصة للتعرف على ثقافات مختلفة وتكوين صداقات جديدة. كانت هناك محاضرات تحضرها المجموعة كلها، ومحاضرات أخرى يحضرها كل منا بمفرده تحت إشراف أستاذ متخصص، وبالتالى تكون الاستفادة مركزة، مما ساعدنا كثيرًا في عملية البحث عن المواد اللازمة لموضوعات أبحاثنا المختلفة. إن المحاضرات التى حضرتها في معهد التاريخ بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، افادتنى كثيرًا، وخاصة في ترسيخ مفهوم الترجمة، وجعلتنى أعرف المزيد عن التاريخ والفلسفة والفكر الصينى، وحينها أدركت تمامًا أن الترجمة هي فعل أكثر شمولاً، لا يقتصر على تخصص واحد، فعلى المترجم أن يتمتع بمعرفة واسعة؛ لأن الترجمة لا تقتصر على فك طلاسم لغة أجنبية ونقلها إلى اللغة الأم، ولكنها أكثر تعقيدًا من ذلك، فهي تعتمد في أساسها على ربط اللغة بمواضيع ومجالات متعددة ، كالتاريخ، الأدب،الثقافة، والفلسفة …. فمهما كان المترجم قوي في اللغة الأجنبية، فستقابله العديد من الأمور التى ستحتاج منه إلى قراءة وفهم وتقرب إلى ثقافة اللغة التى يترجم عنها.
لم يخلو البرنامج من الرحلات الثقافية، فقد قمنا بزيارة منزل الشاعر الصينى الكبير جوه مو روه، وتعرفنا عن كثب عن حياته ونشأته، وفي يوم أخر اصتحبنا أستاذنا إلى المكتبة لشراء بعض الكتب التى تساعدنا في مواضيع بحثنا، وبعدها دعانا لتناول طعام صيني لنقترب أكثر من الثقافة الصينية.
أما في الأسبوع الأخير، فتوجهنا جميعًا إلى مقاطعة خه نان، وهي مقاطعة عريقة تعد منشأ الحضارة الصينية، بها العديد من الأماكن الأثرية والمناظر الطبيعية الساحرة، فقد زرنا معبد الشاو لين، ومتاحف مهمة، .ولكن من أكثر الأماكن التى أحببتها وحفرت في ذاكرتى ولن استطع نسيانها هي جبال التاي خانغ، فهي المرة الأولى في حياتى أن اتسلق جبل، و أرى عيون المياه الصافية زمردية اللون.
إن تجربتى في المشاركة ببرنامج علماء الصينيات الشباب لعام 2015، تجربة مميزة ستبقى خالدة في ذاكرتى إلى الأبد، فقد جعلتنى أقترب أكثر من الثقافة الصينية، وأستوعب أن مهما كثرت مرات زيارتي إلى الصين، فهناك دائمًا شيئًا جديدًا ينتظرني لاكتشفه، فمستحيل اختذال حضارة 5000 عام في بضعة زيارات. هذه المرة شعرت وكأن نور قد أفضي على عقلى وقلبى، وجعلنى أدرك أن مازال هناك المزيد من المعارف التى لن اقراءها في الكتب، بل ساكتشفها بالذهاب إلى الأماكن التاريخية والأثرية، وأن هناك اجزاء في الثقافة الصينية لن استوعبها إلا بالمشى في شوارع الصين والاحتكاك بالشعب الصينى، وأن جزء من تجارب الحياة لن تفيدني إلا لو تعاملت معها بإخلاص وبشكل جاد، فثمة من أشياء لن يزول الضباب عنها أو تلاحظها إلا بالسفر والاحتكاك والخروج عن إطار النمطي للتَعلُم و اكتساب الخبرات والمعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق