مي حاتم عاشور، تخرجت عام 2008 من قسم اللغة الصينية وآدابها بجامعة القاهرة، تعمل الآن مترجمة حرة وكاتبة متخصصة في الشؤون الصينية، وقد كانت بدايتها مع المجال مبكرة، حيث بدأت منذ عام 2006، وقت أن كانت في الفرقة الثانية، حينما أقام أستاذها لمادة الترجمة أ.د.هشام المالكي، ورشة لترجمة كتاب من الصينية إلي العربية، وكان يحمل عنوان "قطوف من الحكمة الصينية"، حينها شعرت أن الترجمة تشبه السحر، قادرة علي تحويل تلك الطلاسم إلي لغة مفهومة، فتقول: "بالنسبة لي كان شيئا مذهلا وتجربة مختلفة، بل ونقطة تحول أدت إلي حب الترجمة فيما بعد".
تؤمن عاشور بأن اللغة هي الوسيلة الأعمق للتعرف علي حضارة وثقافة بلد بعينها، وبدون ذلك ستظل المعرفة بها محدودة بل وسطحية أيضًا، وقد كانت الصين هي اختيارها: "جذبتني الثقافة الصينية، وشعرت أن بها شيئا يستحق أن تخوض من أجله تجربة جديدة لاكتشافه، فقررت دراسة اللغة الصينية، وكانت والدتي تشجعني باستمرار علي دراسة لغة نادرة غير دارجة مثل الصينية أو اليابانية، مما زاد من حماستي تجاه دراسة الصينية، ولكن اللغة لها طبيعة خاصة جدًا، فهي واحدة من أصعب لغات العالم؛ لغة بدون حروف، فقط تعتمد علي الرموز، وبالتالي ترجمتها تكون غير يسيرة بالمرة، تحتاج إلي وقت وجهد كبيرين علي خلاف اللغات الأخري، ولكن بالنسبة لي لا توجد مشكلة خاصة بترجمة النصوص؛ لأنني تلقيت تعليمًا قويًا وتأسست تأسيساً صحيحًا في جامعة القاهرة وخاصة في مجال الترجمة؛ مما أهلني للتغلب علي الصعوبات المتعلقة بالترجمة". بخلاف النص، بالطبع قد تقابلها مشكلات في فهم بعض الأمور المتعلقة بالثقافة، الفكر، والفلسفة الصينية وغيرها، فتستطرد: "كل ذلك طبيعي جداً، ويمكن تخطيه بالقراءة والإطلاع المستمرين، ومتابعة كل ما هو جديد يحدث في الصين سواء عن طريق الانترنت أو الذهاب إلي هناك من حين إلي آخر كلما سنحت الفرصة، وفي النهاية محتوي العمل هو الذي يدفعني لترجمته، ولذلك أنا مستعدة لترجمة أي عمل مادمت أجد فيه شيئًا جديداً مختلفًا سيضيف إلي القاريء العربي الكثير، لا أعطي اهتمامًا إلي اسم الكاتب أو شهرته بقدر ما أعطيه إلي المحتوي؛ لأن ليس بالضرورة أن يكون الأشهر هو الأفضل دائماً". لاحظت عاشور من خلال ترجمتها أن معظم الأعمال الصينية بها عُمق وبعد فلسفي يختبيء بين سطورها: "دائمًا أجد في العمل الذي أريد ترجمته رسالة أو حكمة ما، حتي ولو كانت بشكل غير مباشر، ولكني أبحث بنفسي عن العمل الذي أود ترجمته، لأني بحكم عملي كمترجمة، يجب علي أن أطلع باستمرار علي كل ما ينشر حديثاً في الصين، سواء من كتب أو مقالات في الصحف الصينية، أتابع مواقع المكتبات المختلفة في الصين، بالإضافة إلي المواقع الصينية المختلفة". ولأن الكتابات الصينية بشكل عام عميقة جدًا كما أوضحت مي، وتعكس روح الحضارة والفلسفة الصينية، فهي تحب ترجمة كل ما يلمس قلبها من نصوص: "أشعر أنه سيفيد الناس، بغض النظر عن تصنيفه، أدبيا كان أم علميا، أميل للكتابات التي تعكس التجارب الشخصية للبشر، وخاصة تلك التي تبعث طاقة من الأمل والتفاؤل". كانت لمي تجربة وحيدة في النشر مع المركز القومي للترجمة من خلال كتابها "تربية الأطفال من منظور الطب النفسي"، وتراها تجربة جيدة جدا: "لقد أفادتني وتعلمت منها الكثير، فأول عمل كبير قمت بترجمته كان مع المركز القومي للترجمة، وتحت إشراف ومراجعة أ.د.هشام المالكي، ومن هنا تعلمت فن الترجمة المتخصصة، ولكن يظل المجال مليئا بالمشكلات، التي أعتقد أن من أبرزها عدم استيعاب أهمية الترجمة ودور المترجم حتي الآن، فمقارنة بالدول الأخري، أري أن حركة الترجمة مازالت لا تؤدي الدور الذي ينبغي عليها أن تقوم به بعد". باعتبار اللغة الصينية من اللغات النادرة والصعبة، فلابد أن يكون التعامل معها مختلفا، وهو ما تؤكده مي ولكن: "أجد تقديراً معنوياً وأدبيا كبيرا، ولكن التقدير المادي مازال ضعيفاً إلي حد ما، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة اللغة، وطبعا هذا يتوقف علي الجهة التي أتعامل معها، فهناك جهات تُقدر وتدرك معني الترجمة، وأخري علي العكس من ذلك تماماً". تشارك عاشور في نقل جزء من ثقافة الصين، في حين توجد حركة ترجمة عكسية من العربية إلي الصينية لم تشارك فيها بعد، فقد تم ترجمة أعمال لنجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، ويوسف إدريس، وعلاء الاسواني وغيرهم، وبعض الترجمات لشعراء معاصرين، ولكنها تتمني أن يحدث ذلك في المستقبل حتي تتمكن من نقل بعض الأعمال التي ترغب في توصيلها إلي القاريء الصيني، كما فعلت مع كتابها المفضلين بالصين: "كل الكتاب الذين ترجمت لهم هم كتابي المفضلون، فما دفعني لترجمة نصوصهم هو المحتوي الذي يخاطب ذهني وأجد انسجاما بيني وبينه، فأشعر وكأن الكاتب يوجه رسائل، وعندما أقابل أو أراسل هؤلاء الكتاب أشعر وكأنني أعرفهم منذ وقت طويل، أحب بي شو مين، چو جوه بينغ ، فينغ تچي تساي، يانغ شيا، شويه شياو تشان، فانغ ينغ وين، لو مين، ولي يوه ليانغ وغيرهم". إلي جانب ذلك، تعد مي صديقة قديمة جداً للمركز الثقافي الصيني، فعندما كانت طالبة اعتادت علي الذهاب دائمًا إلي هناك للمشاركة في الأنشطة المختلفة التي يقيمها المركز كالمسابقات والندوات وغيرها، وأحياناً كانت تذهب إلي مكتبة المركز للقراءة والاطلاع، فتقول: "ذهبت أول مرة إلي الصين عن طريق المركز الثقافي الصيني عندما فزت بالمركز الأول في مسابقة كأس السفير الصيني للأغنية الصينية، وحينها كنت في الفرقة الثالثة، وبعد تخرجي أيضاً ظللت أشارك في الأنشطة المختلفة التي يقيمها، وفي عام 2014 حصلت علي المركز الثاني في مسابقة كأس السفير الصيني للتصوير الفوتوغرافي في دورته الثانية، وقد رشُحت هذا العام من قبل المركز الثقافي الصيني للمشاركة الأولي لمصر في برنامج علماء الصينيات الشباب 2015، وهو برنامج تحت رعاية وزارة الثقافة الصينية والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وغيرها من الجامعات الصينية الأخري، تشارك فيه أكثر من 30 دولة حول العالم". تري مي أن المترجم هو القاريء الأقرب والأعمق لأي نص، فهو يدخل في أدق تفاصيله، وعليه أن يكون متطلعا وقارئا بل ودقيق الملاحظة، لا يمكن أن يمرر شيئًا دون التأكد من صحته: "إن الترجمة أكثر تعقيدًا بكثير من أن تُختزل في فكّ طلاسم لغة بعينها؛ لأن خلف السطور التي تُترجم، تتواري ثقافات وحضارات ومعان ومصطلحات، ولا يقتصر دور المترجم علي تحويل نص أجنبي إلي لغته الأم، بل إن جزءا من مهمته أن يشرح في الهوامش كل ما ورد فيه من معلومات، تضيف إلي القارئ معارف جديدة". ولأجل ذلك احتاجت عاشور إلي وقت طويل لترجمة كتابها، فقد استغرقت فيه ما يقرب من عام كامل: كان علي أن أقرأ كثيراً في مجال التربية والطب النفسي للأطفال، لضمان جودة الترجمة وصحتها". وربما صعوبة اللغة تلك واحتياجها لمدة طويلة في الكتاب الواحد هي السبب في أنه حتي وقت قريب كانت تتسم الترجمات الصينية إلي العربية بالندرة، ولكن الوضع تغير حاليا كما توضح مي: "أري تطوراً كبيراً في حركة الترجمة من الصينية إلي العربية، فعندما كنت طالبة كان من النادر أن أجد كتبا مترجمة عن الصينية، ولكن الآن حدث تطور ملموس، فعلي الأقل يمكن أن يجد القاريء في الوقت الراهن عددا من الكتب المترجمة عن الصينية، ففي رأيي أن الترجمات عن الصينية ستتزايد في المستقبل القريب". إلي جانب الترجمة، اتجهت عاشور إلي الكتابة أيضًا، ولكنها تركز علي الترجمة بشكل أساسي في الوقت الحاضر، وهناك كتب كثيرة جداً تتمني ترجمتها إلي العربية حتي يتسني للقاريء العربي قراءتها يوما ما، أما حاليا فهي تترجم مجموعة من الأعمال القصصية والنثرية لبعض الكتاب المعاصرين: "ربما في المستقبل القريب سأترجم عددا من أعمال الكتاب المعاصرين الذين التقيت بهم في الصين في العامين الأخيرين". |
الأربعاء، 15 يونيو 2016
مي عاشور: الثقافة الصينية جذبتني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق