الأربعاء، 15 يونيو 2016

‮ ‬مي عاشور‮: ‬الثقافة الصينية جذبتني



مي حاتم عاشور،‮ ‬تخرجت عام‮ ‬2008‮ ‬من قسم اللغة الصينية وآدابها بجامعة القاهرة،‮ ‬تعمل الآن مترجمة حرة وكاتبة متخصصة في الشؤون الصينية،‮ ‬وقد كانت بدايتها مع المجال مبكرة،‮ ‬حيث بدأت منذ عام‮ ‬2006،‮ ‬وقت أن كانت في الفرقة الثانية،‮ ‬حينما أقام أستاذها لمادة الترجمة أ.د.هشام المالكي،‮ ‬ورشة لترجمة كتاب من الصينية إلي العربية،‮ ‬وكان‮ ‬يحمل عنوان‮ "‬قطوف من الحكمة الصينية‮"‬،‮ ‬حينها شعرت أن الترجمة تشبه السحر،‮ ‬قادرة علي تحويل تلك الطلاسم إلي لغة مفهومة،‮ ‬فتقول‮: "‬بالنسبة لي كان شيئا مذهلا وتجربة مختلفة،‮ ‬بل ونقطة تحول أدت إلي حب الترجمة فيما بعد‮". ‬
تؤمن عاشور بأن اللغة هي الوسيلة الأعمق‮  ‬للتعرف علي حضارة وثقافة بلد بعينها،‮ ‬وبدون ذلك ستظل المعرفة بها محدودة بل وسطحية أيضًا،‮ ‬وقد كانت الصين هي اختيارها‮: "‬جذبتني الثقافة الصينية،‮ ‬وشعرت أن بها شيئا‮ ‬يستحق أن تخوض من أجله تجربة جديدة لاكتشافه،‮ ‬فقررت دراسة اللغة الصينية،‮ ‬وكانت والدتي تشجعني‮  ‬باستمرار علي دراسة لغة نادرة‮ ‬غير دارجة مثل الصينية أو اليابانية،‮ ‬مما زاد من‮  ‬حماستي تجاه دراسة الصينية،‮ ‬ولكن اللغة لها طبيعة خاصة جدًا،‮ ‬فهي واحدة من أصعب لغات العالم؛ لغة بدون حروف،‮ ‬فقط تعتمد علي الرموز،‮ ‬وبالتالي ترجمتها تكون‮ ‬غير‮ ‬يسيرة بالمرة،‮ ‬تحتاج إلي وقت وجهد كبيرين علي خلاف اللغات الأخري،‮ ‬ولكن بالنسبة لي لا توجد مشكلة خاصة بترجمة النصوص؛ لأنني تلقيت تعليمًا قويًا وتأسست تأسيساً‮ ‬صحيحًا‮  ‬في جامعة القاهرة وخاصة في مجال الترجمة؛ مما أهلني للتغلب علي الصعوبات المتعلقة بالترجمة‮". ‬
بخلاف النص،‮ ‬بالطبع قد تقابلها مشكلات في فهم بعض الأمور المتعلقة بالثقافة،‮ ‬الفكر،‮ ‬والفلسفة الصينية وغيرها،‮ ‬فتستطرد‮: "‬كل ذلك طبيعي جداً،‮ ‬ويمكن تخطيه بالقراءة والإطلاع المستمرين،‮ ‬ومتابعة كل ما هو جديد‮ ‬يحدث في الصين سواء عن طريق الانترنت أو الذهاب إلي هناك من حين إلي آخر كلما سنحت الفرصة،‮ ‬وفي النهاية محتوي العمل هو الذي‮ ‬يدفعني لترجمته،‮ ‬ولذلك أنا مستعدة لترجمة أي عمل مادمت أجد فيه شيئًا جديداً‮ ‬مختلفًا سيضيف إلي القاريء العربي الكثير،‮ ‬لا أعطي اهتمامًا إلي اسم الكاتب أو شهرته بقدر ما أعطيه إلي المحتوي؛ لأن ليس بالضرورة أن‮ ‬يكون الأشهر هو الأفضل دائماً‮".‬
لاحظت عاشور من خلال ترجمتها أن معظم الأعمال الصينية بها عُمق وبعد فلسفي‮ ‬يختبيء بين سطورها‮: "‬دائمًا أجد في العمل الذي أريد ترجمته رسالة‮  ‬أو حكمة ما،‮ ‬حتي ولو كانت بشكل‮ ‬غير مباشر،‮ ‬ولكني أبحث بنفسي عن العمل الذي أود ترجمته،‮ ‬لأني بحكم عملي كمترجمة،‮ ‬يجب‮  ‬علي أن أطلع باستمرار علي كل ما‮  ‬ينشر حديثاً‮ ‬في الصين،‮ ‬سواء من كتب أو مقالات في الصحف الصينية،‮ ‬أتابع مواقع المكتبات المختلفة في الصين،‮ ‬بالإضافة إلي المواقع الصينية المختلفة‮".  ‬
ولأن الكتابات الصينية بشكل عام عميقة جدًا كما أوضحت مي،‮ ‬وتعكس روح الحضارة والفلسفة الصينية،‮ ‬فهي تحب ترجمة كل ما‮ ‬يلمس قلبها من نصوص‮: "‬أشعر أنه سيفيد الناس،‮ ‬بغض النظر عن تصنيفه،‮ ‬أدبيا كان أم علميا،‮ ‬أميل للكتابات التي تعكس التجارب الشخصية للبشر،‮ ‬وخاصة تلك التي تبعث‮  ‬طاقة من الأمل والتفاؤل‮". ‬
كانت لمي تجربة وحيدة في النشر مع المركز القومي للترجمة من خلال كتابها‮ "‬تربية الأطفال من منظور الطب النفسي‮"‬،‮ ‬وتراها‮ ‬تجربة جيدة جدا‮: "‬لقد أفادتني وتعلمت منها الكثير،‮ ‬فأول عمل كبير قمت بترجمته كان مع المركز القومي للترجمة،‮ ‬وتحت إشراف ومراجعة أ.د.هشام المالكي،‮ ‬ومن هنا تعلمت فن الترجمة المتخصصة،‮ ‬ولكن‮ ‬يظل المجال مليئا بالمشكلات،‮ ‬التي أعتقد أن من أبرزها عدم استيعاب أهمية الترجمة ودور المترجم حتي‮  ‬الآن،‮ ‬فمقارنة بالدول الأخري،‮ ‬أري أن حركة الترجمة مازالت لا تؤدي الدور الذي‮ ‬ينبغي عليها أن تقوم به بعد‮". ‬
باعتبار اللغة الصينية من اللغات النادرة والصعبة،‮ ‬فلابد أن‮ ‬يكون التعامل معها مختلفا،‮ ‬وهو ما تؤكده مي ولكن‮: "‬أجد تقديراً‮ ‬معنوياً‮ ‬وأدبيا كبيرا،‮ ‬ولكن التقدير المادي مازال ضعيفاً‮ ‬إلي حد ما،‮ ‬مع الأخذ في الاعتبار صعوبة اللغة،‮ ‬وطبعا هذا‮ ‬يتوقف علي الجهة التي أتعامل معها،‮ ‬فهناك جهات تُقدر وتدرك معني الترجمة،‮ ‬وأخري علي العكس من ذلك تماماً‮".‬
تشارك عاشور في نقل جزء من ثقافة الصين،‮ ‬في حين توجد حركة ترجمة عكسية من العربية إلي الصينية لم تشارك فيها بعد،‮ ‬فقد تم ترجمة أعمال لنجيب محفوظ،‮ ‬وتوفيق الحكيم،‮ ‬وطه حسين،‮ ‬ويوسف إدريس،‮ ‬وعلاء الاسواني وغيرهم،‮ ‬وبعض الترجمات لشعراء معاصرين،‮ ‬ولكنها تتمني أن‮ ‬يحدث ذلك في المستقبل حتي تتمكن من نقل بعض الأعمال التي ترغب في توصيلها إلي القاريء الصيني،‮ ‬كما فعلت مع كتابها المفضلين بالصين‮: "‬كل الكتاب الذين ترجمت لهم هم‮  ‬كتابي المفضلون،‮ ‬فما دفعني لترجمة نصوصهم هو المحتوي الذي‮ ‬يخاطب ذهني وأجد انسجاما بيني وبينه،‮ ‬فأشعر وكأن الكاتب‮ ‬يوجه رسائل،‮ ‬وعندما أقابل أو أراسل هؤلاء الكتاب أشعر وكأنني أعرفهم منذ وقت طويل،‮ ‬أحب بي شو مين،‮ ‬چو جوه بينغ‮ ‬،‮ ‬فينغ‮  ‬تچي تساي،‮ ‬يانغ‮ ‬شيا،‮ ‬شويه شياو تشان،‮ ‬فانغ‮ ‬ينغ‮ ‬وين،‮ ‬لو مين،‮ ‬ولي‮ ‬يوه ليانغ‮ ‬وغيرهم‮".‬
إلي جانب ذلك،‮ ‬تعد مي صديقة قديمة جداً‮ ‬للمركز الثقافي الصيني،‮ ‬فعندما‮  ‬كانت طالبة اعتادت علي الذهاب دائمًا إلي هناك للمشاركة في الأنشطة المختلفة التي‮ ‬يقيمها المركز كالمسابقات والندوات وغيرها،‮ ‬وأحياناً‮ ‬كانت تذهب إلي مكتبة المركز للقراءة والاطلاع،‮ ‬فتقول‮: "‬ذهبت أول مرة إلي الصين عن طريق المركز الثقافي الصيني عندما فزت بالمركز الأول في مسابقة كأس السفير الصيني للأغنية الصينية،‮ ‬وحينها كنت في الفرقة الثالثة،‮ ‬وبعد تخرجي أيضاً‮ ‬ظللت أشارك في الأنشطة‮  ‬المختلفة التي‮ ‬يقيمها،‮ ‬وفي عام‮ ‬2014‮ ‬حصلت علي المركز الثاني في مسابقة كأس السفير الصيني‮  ‬للتصوير الفوتوغرافي في دورته الثانية،‮ ‬وقد رشُحت هذا العام‮  ‬من قبل المركز الثقافي الصيني للمشاركة الأولي لمصر في برنامج علماء الصينيات الشباب‮ ‬2015،‮ ‬وهو برنامج تحت رعاية وزارة الثقافة الصينية والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية،‮  ‬وغيرها من الجامعات الصينية الأخري،‮ ‬تشارك فيه أكثر من‮ ‬30‮ ‬دولة حول العالم‮". ‬
تري مي أن المترجم هو القاريء الأقرب والأعمق لأي نص،‮ ‬فهو‮ ‬يدخل في أدق تفاصيله،‮ ‬وعليه أن‮ ‬يكون متطلعا وقارئا بل ودقيق الملاحظة،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يمرر شيئًا دون التأكد من صحته‮: "‬إن الترجمة أكثر تعقيدًا بكثير من أن تُختزل في فكّ‮ ‬طلاسم لغة بعينها؛ لأن خلف السطور التي تُترجم،‮ ‬تتواري ثقافات وحضارات ومعان ومصطلحات،‮ ‬ولا‮ ‬يقتصر دور المترجم علي تحويل نص أجنبي إلي لغته الأم،‮ ‬بل إن جزءا من مهمته أن‮ ‬يشرح في الهوامش كل ما ورد فيه من معلومات،‮ ‬تضيف إلي القارئ معارف جديدة‮".‬
ولأجل ذلك احتاجت عاشور إلي وقت طويل لترجمة كتابها،‮ ‬فقد استغرقت فيه ما‮ ‬يقرب من عام كامل‮: ‬كان علي أن أقرأ كثيراً‮ ‬في مجال التربية والطب النفسي للأطفال،‮ ‬لضمان جودة الترجمة وصحتها‮". ‬
وربما صعوبة اللغة تلك واحتياجها لمدة طويلة في الكتاب الواحد هي السبب في أنه حتي وقت قريب كانت تتسم الترجمات الصينية إلي العربية بالندرة،‮ ‬ولكن الوضع تغير حاليا كما توضح مي‮: "‬أري تطوراً‮ ‬كبيراً‮ ‬في حركة الترجمة من الصينية إلي العربية،‮ ‬فعندما كنت طالبة كان من النادر أن أجد كتبا مترجمة عن الصينية،‮ ‬ولكن الآن حدث تطور ملموس،‮  ‬فعلي الأقل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يجد القاريء‮  ‬في الوقت الراهن عددا من الكتب المترجمة عن الصينية،‮ ‬ففي رأيي أن الترجمات عن الصينية ستتزايد في المستقبل القريب‮". ‬
إلي جانب الترجمة،‮ ‬اتجهت عاشور إلي الكتابة أيضًا،‮ ‬ولكنها تركز علي الترجمة بشكل أساسي‮  ‬في الوقت الحاضر،‮ ‬وهناك كتب كثيرة جداً‮ ‬تتمني‮  ‬ترجمتها إلي‮  ‬العربية حتي‮ ‬يتسني للقاريء العربي قراءتها‮  ‬يوما ما،‮ ‬أما حاليا فهي تترجم مجموعة من الأعمال القصصية والنثرية‮ ‬لبعض الكتاب المعاصرين‮: "‬ربما في المستقبل القريب سأترجم عددا من أعمال الكتاب المعاصرين الذين التقيت بهم‮ ‬في الصين في العامين الأخيرين‮". ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق