الخميس، 16 يونيو 2016

سو تشينغ اليتيمة المطلقة التي رفعت المرأة بقلمها


     "أتخيل أنه بعد ثلاثين عامًا، ستبقى الجبال الخضراء الناضرة كما هي، وستظل المياه زمردية اللون متدفقة، أما أنا فسأعود إلى التراب، في المكان الذي يدفن فيه جثماني، وسيكتب على قبري لافتة بخط كبير "قبر الأديبة سو تشينغ"؛ لأنني كتبت عددا لا بأس به من المقالات، بل وكتبتها بكل إخلاص، على الرغم من أنها لم تكن ممتازة. وها أنا مازلت أواصل كتابتها، وأهيئ نفسي لتصبح الكتابة عمل عمري، فكيف لا أعمل على إبراز هويتي."
 هذه كلمات الكاتبة الصينية سو تشينغ، المولودة في عام 1914 بمدينة نينغبو في تشتجيانغ. كانت السيدة سو محررة وروائية وكاتبة مسرحية أيضا، وأكثر ما اشتهرت به هو الكتابات النثرية. سو تشينغ هو اسمها المستعار الذي اختارته لنفسها، واسمها الحقيقي هو فنغ يون تشوانغ، وفي بداية ممارستها للكتابة استخدمت اسم فنغ خه يي، قبل أن تستخدم اسم سو تشينغ. التحقت سو تشينغ بقسم اللغات الأجنبية بالجامعة الوطنية المركزية والتي تعرف بجامعة نانجينغ حاليا، ولكن لمدة عام فقط؛ ثم تزوجت وفقًا للتقاليد التي كانت سائدة في ذلك العصر، وانتقلت بعد ذلك إلى مدينة شانغهاي.
"يمكن  أن تتخلى المرأة عن زوجها وإن تزوجت عشر مرات، ولكن من المستحيل أن تفرط في طفل من أطفالها. هؤلاء كلهم أبنائي، أبنائي أنا لا أحد غيري، أريد أن أربيهم حتى يكبروا أمام عينيّ، أريد، أريد، أريد".
لم يكن زواج سو تشينغ موفقا؛ لأنه كان  مليئاً بالمآسي والتعب، فبات الطلاق هو النهاية الحتمية  له. ولكنها طلقت بعد عشر سنوات، وكان لديها أطفال، ولم يكن أمامها  سيبل آخر غير الاعتماد على نفسها،  فاتخذت الكتابة مهنة لكسب قوت يومها، لتربية أبنائها. ومنذ تلك اللحظة تشكلت ملامح جديدة لشخصية سو تشينغ، وكأنها تحولت إلى شخصية أخرى، من امرأة راضخة لمجتمع ذكوري يسلب المرأة أبسط حقوقها، إلى امرأة مفعمة بالتحدي، متمسكة بالحياة، وكانت هذه  نقطة انطلاق جديدة لها.
كانت سو تشينغ امرأة تغمرها مشاعر الأمومة؛ ويتضح مدى تمسكها بأولادها في جملتها السابقة، والصراع بشراسة في بحور الحياة من  أجلهم. لا يمكن إغفال أنها كانت  كاتبة قوية؛ كانت تنشغل في كتاباتها بقضايا المرأة ومشاكلها.   سو تشينغ من النساء اللاتي أثرن في تغيير المجتمع الصيني من مجتمع ذكوري يضطهد المرأة،  إلى مجتمع يحترمها ويقدرها، باتت تتمتع فيه المرأة بكامل حقوقها.  في إحدى المرات، قالت سو تشينغ  في حوار صحفي لها :"  ميزة كبيرة أن يكون للمرأة عمل، لأنها إذا طلقت أو ترملت، ستصبح حياة طفلها مؤمنة. فمثلاً، مات أبي ويُتمت عندما كنت صغيرة، ولم يكن لأمي عمل أو وظيفة؛  لذلك كانت حياتي قاسية وشاقة.  إن عمل المرأة في يومنا هذا يمنحها حياة أفضل" .
  وقالت: "أريد أن أفصح عن كل شيء بداخلي، وأريد أن أستمر في الكتابة  حتى أموت من فرط الكتابة والإفصاح. سأكتب تجربة حياتي بشقيها التعيس والسعيد، وسأهب كل الكلمات والجمل التي أكتبها للتعبير عن مآسي وآلام المرأة، ولكن أحيانًاً تعجز الكلمات عن التعبير والوصف، بل يمكنها أن تنفد ولا تكفي. تفكيري بقلق كاد أن ينسيني وجودي بالحياة.
 تعَددت أعمال سو تشينغ الأدبية وكان أول عمل لها عام 1935 هو "النفساء". ومن أعمالها الأخرى "رياح الكون"، "السماء والأرض"، "القديم والحديث"، "نهاية المطاف"، وغيرها. ولكن من أشهرها "عشر سنوات من الزواج"، وهي رواية تحكي عن وضع المرأة في ذلك العصر، كما أنها  طرحت بعض العادات والتقاليد التي كانت سائدة حينذاك، كالزواج المبكر، وعدم عمل المرأة وغيرها.  القصة تَدور حول فتاة تدعى سو هواي تشينغ، كانت ضحية التمييز ضد المرأة، تزوجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها، من فتى يكبرها بعامين اسمه شو تشونغ شيان، وكانا الاثنان ما زالا يدرسان في الجامعة، حينما تعرفا بواسطة أهلهما، وسرعان ما تزوجا.  لم يمر وقت طويل على زواجهما حتى ظهرت المشاكل، والتي  وقفت حجر عثرة أمام استمرار  زواجهما.  تركت سو هواي تشينغ الجامعة بسبب حملها، و كان زوجها متحمسا جدًا لحملها؛ لأنه كان يظن أنها حامل في ولد.  تعاقبت الأحداث وانتقلا إلى شانغهاي، ولكن كانت ظروف الحياة قاسية جدًا عليهما. قررت سو هواي تشينغ أن تطلب الطلاق من زوجها من أجل تربية أبنائها،  وتعتمد على نفسها في كسب قوت يومها.
 تتشابه هذه القصة مع حياة سو تشينغ الحقيقية، لذلك يرى كثيرون أن هذه القصة هي سيرتها الذاتية، على الرغم من أنها لم تُصرح بذلك. يصف الكثيرون كتابات سو تشينغ بأنها كتابات ذات طابع خاص، جريئة ومعبرة، فضلاً على أن الكلمات التي تكتبها تعكس مشاعرها، وتحمل معانيٍ عميقة بين السطور.  إذا قرأت أعمالها بتركيز وتمعنت فيها، قد تلمس ملامح شخصيتها، وإذا قطعت شوط لا بأس به من قراءة أعمالها، فستصفها بأنها امرأة قوية. كانت مدينة شانغهاي ملهمة لها؛ وكانت تستمد منها الطاقة لمواصلة الكتابة، وظهر ذلك بوضوح في العديد من أعمالها.
وكتبت، "ما هو المكان الذي أعتبره نهاية مطافي؟ هو ذلك المكان الذي ستنعم فيه روحي بصفاء القلب والحب إلى الأبد. "
            في عام 1982 أصيبت سو تشينغ بمرضي السكري، والدرن الرئوي،  فرحلت عن عالمنا، تاركة خلفها كنوزا أدبية ستتناولها الأجيال؛ كنوزا تعد جزءًا من تاريخ الصين وتاريخ الأدب الصيني الحديث.


* مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر.
http://www.chinatoday.com.cn/ctarabic/se/2013-10/18/content_573195.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق