ترجم ابن المقفّع كتاب "كليلة ودمنة"
من الفارسيّة الفهْلوية إلى العربيّة. والكتاب في أصله كتاب هنديّ وتروي مقدّمته رحلته من الهنديّة إلى
الفارسيّة. ولقد ضاعت الترجمة الفارسيّة التي ترجم عنها ابن المقفع كتاب كليلة ودمنة
.ولكي
تستعيد الفارسية نصّها الضائع أعادت ترجمة الترجمة العربيّة إلى الفارسية في القرن
السادس للهجرة على يد أبي المعالي نصر الله. وهكذا تكون الترجمة
الفارسيّة للكتاب هي ترجمةُ ترجمةِ الترجمةِ! وعليه فإنّ لكليلة
ودمنة تاريخين!
وفي العربيّة أيضاً لم يعش الكتاب حياة واحدة،
فله حياتان: حياة نثريّة وحياة شعريّة وإن كانت النثرية أشهر. ففي القرن الثاني للهجرة تحوّل النصّ النثريّ إلى
نصّ شعري على يد سهل بن نوبخت .وفي العربية نمط من التأليف
هو تحويل النصّ الشعري إلى نصّ نثري والعكس. وللثعالبي صاحب كتاب " يتيمة الدهر" الشهير كتاب
حول هذا الموضوع بعنوان " نثر
النظم وحلّ العقد". وهذا الموضوع تناوله كتّاب عرب كثيرون في تصانيفهم البلاغيّة
والنقدية كابن الأثير في كتابه "
المثل السائر" أو أبي هلال العسكريّ في كتابه " الصناعتين" .
لم يعش النصّ الشعريّ كما يجب أن يعيش، ولا يزال
خيره في ظهره! ولكن أحمد شوقي استفاد من شعرية "كليلة ودمنة" في تأليف
عدّة قصائد تدور حول الحيوانات، كتبها بغاية تمرير مواعظ وأفكار للصغار في قالب من
الأشعار. ولا تزال التحوّلات تفعل فعلها في نص "كليلة
ودمنة" العابر للأشكال واللغات. فثمّة لغات تنتظره، وثمّة فنون تنتظره ولن
يكون بمنأى عن التطوّرات التكنولوجيّة في عصر المعلومات.
النصوص
الكبرى تؤمن بالتقمّص وتناسخ الأرواح أو تناسخ الدلالات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق