خيه وي بينغ كاتبة صينية ولدت في مقاطعة جيه تجيانغ التي تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للصين. تخرجت في كلية التربية بجامعة جيه تجيانغ عام 1982، صدر عمل قصصي لها 1987 تحت عنوان “منظر تشانغ شان”، حصلت على جائزة مقاطعة جيه تجيانغ لأفضل رواية قصيرة.
يختلف ما يجول في خاطر كل من يعود إلى المنزل مبكراً، ومن يعود متأخراً. كانت هي من هؤلاء الذين يعودون متأخراً. في تلك الليلة كانت الشوارع مهجورة وموحشة، والجو عاصف وثلجي، والأرض مغطاة بلون أبيض، عليه آثار أقدام كثيرة.
تزايدت دقات قلبها عندما وقعت عيناها على ذلك الباب الكبير الذي رأته عندما انعطفت إلى الشارع، كانت أوصالها متجمدة، فتمنت لو لم يكن الباب مغلقاً. عند ذلك المنعطف كان الثلج يتطاير تحت ضوء المصباح القاتم، وكان ذلك الباب الكبير موصد بإحكام.
ربطت كوفيتها على عنقها بإحكام، ثم مسحت المكان من حولها بعينيها مثل الرادار، تمنت أن يكون بهذه الباحة شخص، يعود مثلها في وقت متأخر من الليل، تستأنس به في وحشة ذلك الطريق المظلم، ولكن كان المكان خالياً تماماً.
عليها أن تنادي ليفتح لها أحد ذلك الباب، مشت حول السور. فعلى من تنادي إذًا؟. أتنادي على تجين دي، صديقتها المقربة التي تزوجت الشهر الماضي، فكم تمنت أن تصحبها إلى السينما لمشاهدة فيلم سينمائي. انتابها شعور بالسخرية من نفسها. فلتنس الأمر، وتنادي على ليو آن شين، أكثر شخصية كانت تلقي عليها السلام بحرارة في باحة هذا المنزل، ولكن هذه المرأة العجوز المغرورة، كانت لا ترد عليها أو تكترث بها. عندما تركت التعليم وهي في المرحلة الثانوية، حزنت أمها كثيراً وبكت، ولكن ليون آن شين هذه المرأة العجوز قالت لها: (ستكونين فلاحة فقيرة، وستنجبين أطفالًا فقراء مثلك). ولكنها فيما بعد توظفت، وأصبح معها نقود، لم تكن ليون آن شين إنسانة سيئة، ولكن هذه الجملة جرحتها كثيراً، بل حُفرت في ذاكرتها، حتى أنها لم تتمكن من نسيانها إلى يومها هذا، حتى بعد مرور وقت طويل، فمنعها ذلك من أن تناديها لتفتح لها الباب، أو ربما لم تنادها لأنها ليست على تواصل معها.
قررت أن تنادي على ما بينغ بينغ، ذلك الصبي الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، يعمل والداه خارج المقاطعة، وهو حالياً يعيش مع جدته. تذكرت كيف كان يطلب منها أن تحكي له قصصاً في طفولته، وأنها كانت تلبي طلبه ولم تكن تكسر خاطره. نظرت تجاه بيت بينغ بينغ، وكأنها ترى ذلك السور الشاهق لأول مرة. لن يصل الصوت إلى الداخل مهما ارتفع صوتها، وحتى إن وصل، فطفل عمره 14 عاماً، سيكون حتماً مستغرقاً في سبات عميق، ولن يصحو حتى ولو قرعت بجانب أذنيه الطبول.
فكرت في أن تنادي على جدة ما بينغ بينغ. لم يكن بحنانها أحد في هذا المنزل برمته، وكانت هي أكثر من يهتم بأن تزوجها، كل يوم تقريباً تعرفها على عريس. ولكنها كانت تخشى كثيراً من هؤلاء الشباب أنيقي الملبس، عندما كانوا يتفحصونها بنظرات مليئة بالاستخفاف.
كان قلبها يفيض حزناً على عمرها الذي ضاع سدى، فكان يمكنها أن تتمسك بموضوع الزواج، إذ كانت أصغر سنًا، ولكنها تبلغ الثلاثين من عمرها الآن، فإذا كانت أصغر بخمس سنوات أو حتى ثلاثة، كان يمكنها أن تهتم بذلك الأمر. ولكنها ليست غبية، فهي تعرف أن الوقت قد تأخر، تماماً كمشاهدة الفيلم مع صديقتها، وذلك الباب الذي أُغلق، لذلك كلما وضع القدر أمامها شخصاً، ترفضه على الفور، حتى أخذ الناس يتحدثون عليها من وراء ظهرها، ويقولون إنها متكبرة وصعبة الإرضاء، ولكن جدة ما بينغ بينغ هي الوحيدة التي لم تفعل. لكن مهما كان فهي لا تسطيع أن تنادي على هذه المرأة العجوز التي تجاوزت الستين، في مثل هذا الوقت المتأخر.
شعرت فجأة بالبرودة تتخلل عظامها، أخذ الثلج يتساقط بغزارة، واشتدت الرياح، ورُدمت الأمكنة كلها باللون الأبيض، وكأن العالم كله تحول إلى قطعة قطنية. عندما نظرت إلى نهاية الشارع، وجدت شخصاً آتياً من بعيد، وكأنه نقطة سوداء صغيرة. برقت عيناها، فسيكون الحظ حليفها. إذا كان واحداً من أهل هذا المنزل الكبير، سوف تشكره كثيراً سواء اكترث أم لا.
في النهاية اقترب هذا الشخص حتى بات على بعد بضع خطوات منها، كان رجلاً في منتصف العمر، يحمل سلة بيده. لكنه مع الأسف لم يكن يقصد الدخول إلى البيت ذي الباب المغلق، ومر بسرعة كزبد البحر.
تمنت لو استطاعت أن تشل قدميه عن الحركة، أرادت أن تلعنه، ولكنها لا تعرف إذا كانت يجب أن تلعنه أم تلعن نفسها، أم تلعن ذلك الطقس البارد أم سوء حظها. أخذت تنظر إلى ظله المتلاشي بانكسار، وبنظرات يشوبها الحقد والحسد.
فمن المؤكد أن هناك من سيفتح الباب لهذا الرجل فور وصوله إلى منزله، ربما زوجته أو والدته؟ فبيته متتلئ بالدفء قطعاً.
هي أيضاً لها بيت، وعندها سرير، غطاء، وسخان، فعلى الرغم من أنها وحيدة، ولكنها تشعر بالدفء، وفي نفس الوقت يسيطر عليها شعور بشيء من الغربة، لذلك لا تريد العودة إليه.
لا يمكنها أن تتصور أنها ستقضي الليلة بأكملها في الخارج، قررت أن تصرخ بقوة، فعندما يسمعها أي شخص من الداخل، سيفتح لها الباب، فقد حلفت أنه بغض النظر من سيفتح لها، ستكون لطيفة معه بعد ذلك.
في النهاية صرخت صرخات دوت في الفضاء، وخبطت بيدها على الباب وكأنها تقرع طبلة قائلة: (افتحوا الباب...).
أصدر الباب صوت صرير، ثم فُتح.
فلم يكن مغلقاً من الأصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق