الاثنين، 13 يونيو 2016

أريج أحمد القططي // أثر وتأثر الحضارة العربية الإسلامية في الحضارة الصينية


الصين من أقدم بلاد العالم حضارة، وتاريخها المكتوب يعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، يضم ترابها كنوز أثرية فتشكل علامات بارزة على حضارتها العريقة، فقد عثر على أقدم إنسان (يواني) عرف حتى الآن منذ 1700.000 سنة قبل الميلاد([1]). وفي وديان الأنهار الثلاثة الرئيسية وجدت أهم مراكز الحضارة الصينية، حيث وجدت بقايا الإنسان القديم، وتعود إلى نحو أربعمائة ألف سنة، حيث كان يعيش على الصيد ثم على الزراعة والصيد، وقد وجدت على الشواطئ الصخرية بالمنطقة الواقعة أقصى شمال الصين على آلاف النقوش التي ترجع إلى عصر يتراوح بين 8000-6000ق.م توضح صوراً لحيوانات وأشخاص ومشاهد الصيد والمعارك، وفي عهد سلالة "شانغ" (2765-1122ق.م) التي حكمت في مقاطعة هونان في وادي النهر الأصفر، سارت الصين إلى البرونز، ثم إلى عصر الكتابة، وعبد الصينيون في هذا الوقت الأرواح المتعلقة بالقوى الطبيعية وعناصرها، كما عبدوا الأسلاف، ثم غزا الصين من الغرب أقوام تحت زعامة قبلية "تشو" استقرت في وادي النهر الأصفر، متخذة من هاو عاصمة لها، وحكموا ما بين (1122-256ق.م)، وأعطوا الحكم لرؤساء في المقاطعات، وتأسس نوع من الحكم الإقطاعي، وفي منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، حصلت حروب كثيرة بين المقاطعات بغية السيطرة، فنجحت مقاطعة "تشين" في توحيد البلاد، وأعطت اسمها لبلاد الصين كلها([2])، وأطلق الإمبراطور "بنغ تشنغ" على نفسه لقب الإمبراطور الأول عام 221ق.م، وأصدر تشريعات ألزم الملاك والفلاحين بتسجيل الأراضي ودفع الضرائب حسب المساحة المسجلة، ووحد النقد والمقاييس والموازين وأمر بتوحيد الكتابة على أساس "تشيا" و"تشوان" المبسط([3]). جغرافية الصين: تقع الصين في أقصى شرق آسيا، وتعتبر ثاني أكبر دولة في العالم مساحة، وهي أول دول العالم سكاناً، ومساحة الصين سمحت بتنوع طبوغرافيتها، تجمع الجبال والسهول وتخللها صحاري شاسعة ومناطق خصبة وأنهار كبرى أهمها النهر الأصفر (هوانغ هو) و(اليانجستي)، وكان لهذه الأنهار دور هام في ظهور حضارة مبكرة في بلاد الصين، ويتألف سكانها من عدة فروع من الجنس المغول والصيني والمانشو والتبت وميتكيانغ، وهناك عناصر الكوريين في شمال الصين، والشان في جنوبها، والعنصر الصيني في المقاطعات الصينية القديمة، أما المغول يكثرون في منغوليا الخارجية، وعنصر التبت في هضبة التبت، أما الأتراك فيتركزون في إقليم سينكيانج، ويختلف سكان الصين في طباعهم ومميزاتهم([4]). الديانة: الديانة الصينية مجموعة من التعاليم التي هي من وضع البشر وليست من وحي السماء، نادى بها فلاسفة كبار مثل "كنفوشيوس" و"لوتس" و"بوذا"، فهو مزيج من هذه التعاليم والفلسفات. الكنفوشيوسية: تنسب إلى الفليسوف الصيني كنفوشيوس، والمثال الأعلى عنده للخيرية هو "جين" أي الإنسانية التي تتوقف عليها الفضائل الآتية: البر والإخوة والإخلاص والأمانة والأدب والمروءة والتقوى والحياة، فهي عبارة عن تقاليد الأجداد مكتوبة في أسفارهم الأدبية والتاريخية، وجعل معبودات الدين: السماء، الملائكة، أرواح الآباء. الطاوية: تنسب إلى الفيلسوف "لوتس"، والمثال الأعلى للخيرية عنده يعني "العزلة" والتخلي عن العمل، وسلوك الطريق السوي. البوذية: تنسب إلى "غوتما"، وبنيت على معرفة أشياء أربعة: شقاوة الحياة الدنيا، ومعرفة أسبابها، ومعرفة وجوب إطغائها، ومعرفة طرق الإطفاء الثمانية الآتية: الاعتقاد المعتدل، والاشتياق، والكلام، والسلوك، والقوت، والاجتهاد، والتذكر، والتفكر بشرط أن تكون معتدلة([5]). اللغة: بلغت الصين درجة عالية من الاتساع، ومن الطبيعي ألا تكون وسيلة التفاهم فيها لغة واحدة، وهذا الأمر قد شغل الكثيرين من المؤرخين كالإصطخري والكرخي الذي هو من رجال القرن الرابع الهجري والذي يقول: "لمملكة الصين ألسنة مختلفة، فأما أرض الصين والتبت، فلهم لسان مخالف لهذه الألسنة". وبالرغم من أنها قديمة فهي تقرأ وتفهم، وهي رموز ورسوم يكتبها الصينيون بقلم يشبه الفرجون، وهي تكتب من الأعلى إلى الأسفل([6]). الأدب: ظهر كتاب الأغاني في عهد الإمبراطور "وو"، وهو من أقدم دواوين الشعر الصيني، يقدم وصفاً مفصلاً عن عبيد منطقة جيل "تشي شان"، يوضح في مقدمته أن الشعر عبارة عن التجسيد الطبيعي لمشاعر الإنسان، ويرتبط بالموسيقى والرقص، وظهر كتاب "الطقوس" الذي ذكر أن أصل الفن هو أن قلوبنا تحدث جميع الأصوات الموسيقية والعواطف في قلوبنا نتيجة التأثر بالأشياء في العالم الخارجي، كما أن "يانغ شيونغ" كان ممن يكتبون النثر المسجوع، حيث اكتشف نقائص هذا النثر من اهتمامه بالشكل دون المضمون، فقد أكد أن الكتابات يجب أن تتخذ على شكل حوارات كمبدأ ثابت، ولا يهم الشكل، بل المضمون، ويعتبر "ليو شي" أول منظر أدبي في تاريخ الصين([7]). الفنون: تطورت زخارف الأدوات البرونزية من خطوط إلى رسوم وقد اكتشف إبريق نحاس في مدينة "تشونغ دو" عام 1965م نحتت عليه رسوم مأدبة وقطف أوراق التوت والصيد والهجوم على المدن والقتال البري والبحري، كذلك تطورت الموسيقى إلى مستوى عال، وقد اكتشفت مجموعة كاملة من أجراس نحاسية من 64 قطعة يمكن العزف عليها([8]). واعتبرت الكهوف الحجرية منجزات فنية فقد حفر الناس أكثر من ألف كهف ولم يبق منها إلا 480، وشيدت في عهد "سوي" و"تانغ" وعرفت كهوف "موقاو" بالألف تمثال بوذي، وعلى جدران الكهوف رسوم ملونة تحاكي المناظر الطبيعية وصور زعماء([9]). الطب: يرجع الفضل إلى الإمبراطور "دي" في إعداد كتاب "مبادئ الطب الباطني"، الذي يعد مجلداً شاملاً للطب الصيني القديم، وشروح للحالات النفسية والفسيولوجية والعضوية للإنسان، وقام "تشانغ تشونغ" في عهد أسرة "هان الشرقية" بتأليف كتاب "نظرية الحمى والأمراض المختلفة"، وكتاب "نظرية تحليل الأمراض وتعليلها"، وكان يقدم وصفات علاجية مختلفة حسب أحوال المرضى المتباينة، وتباين أحوال الطقس، وقدم للطب إنجازات جعلته من مؤسسي علم الطب الصيني القديم، وأطلق عليه اسم "قديس الطب"([10]). واشتهر بالطب "هوا توه" الذي كان طبيباً تجولاً وكان بارعاً في الجراحة والعلاج الوخزي، وهو أول طبيب عالج الصداع بالإبر الفضية، واخترع مسحوق "مافي" للتخدير، وشاع في البلاد العربية وظهر في الغرب بعد 1600 سنة، وذكر أهمية الرياضة لصحة الإنسان، ودمج حركات النمر والأيل والدب والقرد والطيور وعرفت بـ"مصارعة الحيوانات الخمسة"([11]). الصيدلة: برع فيها "سون سي مياو" الذي لقب بملك الصيدلة لأن بلاده كانت وفيرة الأعشاب الطبية، وهي "ياو شيان" (مقاطعة شن شي حالياً)، وألف كتاب "الوصفات الطبية" عام 652م ، سجل فيها 800 صنف من الأدوية و5300 وصفة طبية، ووجد أن نبات شقائق النعمان والريزوم تستخدم لعلاج الدوسنتاريا، وعشبة الأريقة في علاج الديدان البطنية، وكبريتيد الزئبقيك ووهج الغار نافعان في مقاومة السم([12]). الرياضيات: كانت في المدارس الأرستقراطية مادة دراسية باسم "العدد" المقصود بها الرياضيات، وظهر جدول الضرب من خلال قياس الأراضي وإحصاءات السكان والعربات والخيول، وطرحت مسألة العلاقة بين الوتر والضلعين في المثلث قائم الزاوية، وجاء في كتاب "تشوبي سان" أحد مؤلفات الرياضيات أن محاسباً يدعى "شانغ غاو" أشار إلى الضلع الصغير برقم (3) والقاعدة برقم (4)، والوتر برقم (5)، وهي صيغة مبكرة لنظرية "فيثاغورس"([13]) وفي عام 263م قام عالم الرياضيات "ليو هوي" باستخدام الرموز والأشكال ليبرهن على صحة المسائل التي شرحها في كتابه "تسعة فصول في فن الرياضيات"، واستخدم الأشكال ليبرهن على صحة العديد من المسائل الهندسية، واستنتج أن للقيمة العددية للنسب بين المحيط والقطر، واستخدم طريقة تقاطع الخطوط داخل الدائرة، وتوصل إلى الشكل المضلع، كما توصل العالم "زو تشونغ" إلى القيمة العددية من المسائل الهندسية التقريبية للنسبة بين المحيط والقطر، وقد وضع سبعة أرقام بعد العلامة العشرية، حيث لم يتوصل أحد من قبل إلى طريقة الحساب هذه، وظلت ألف عام في طي الكتمان، إلى أن جاء أحد علماء العرب وكشف النقاب عليها في عام 1427م([14]). العمارة والأثاث: كانت العاصمة الإمبراطورية قد اتسعت اتساعاً كبيراً لتحوي أقوى أسر المملكة، وقد أبدع الإمبراطور "تسن شه هوانغ تي)، في تجميلها، ويشبه القصر الإمبراطوري قصور أباطرة العصور السابقة، وله باحاته وأبنيته، ويعيد بيت الغني أقسام القصر الرئيسية، ولكنه يبقى مع هذا شبيهاً ببيت الفلاح الذي طرأ عليه بعض التطور، وتشرف ساحاته نحو الجنوب، وفي قعر هذه الساحة يمتد بناء طويل قسم ثلاثة أقسام: ففي الوسط قاعة الاستقبال، وإلى اليمين واليسار الغرف ومستودعات المونة، وتحيط بالجناح الأساسي أبنية عدة: فإلى الشرق بيوت الضيوف، وإلى الغرب مساكن الأولاد، وإلى الوراء المراحيض، ويحتوي البناء الأساسي على طابقين أو ثلاثة، ويسكن رب الأسرة في الزاوية الجنوبية الغربية، وهي الجهة الأكثر شرفاً حيث تحفظ ألواح الجدود، وللنساء غرفة يستقبلن فيها تقوم عادة فوق القاعة الوسطى، وتزينها عمد صبغت باللون الأحمر، أما الجدران فهي من الآجر المطلي بالكلس، وقد يغطونه بالقماش في المناسبات الكبرى، وتظهر في السقف أخشاب ملونة ومنقوش عليها، ويبسطون على أرض الغرفة طنافس كشميرية، وينتصب مقعد رب الأسرة تحت مظلة أقيمت في وسط الغرفة، وأثاث البيت بسيط، والمضاجع عبارة عن لوح خشب أسند على أربعة قوائم قصيرة جداً، يعلوه فراش ويمتد على مساحة الغرفة بكاملها، ويتمدد المرء عليه ملتحفاً بغطاء من القطن المبطن، أما الوسادة فهي من الخشب قد يضيفون إليها عوارض من الخيزران تخفف مرونتها، ويجلسون على حصر، وتضاء الغرف بالقناديل، وهي عبارة عن مصابيح لها تسعة مشاعل، وتوجد مكتبة في إحدى غرف البيت، وتتألف الكتب من قطع خشبية رقيقة ربطت على قدتين من الجلد، وفي أيام أسرة الهان استعملوا لفات طويلة من الورق، ويستعملون للكتابة حبراً ومراقم خشبية صغيرة محددة الرؤوس([15]). سور الصين العظيم: انتهزت أقلية "تشيو نغنو" القومية التي كانت تقيم في الهضبة المنغولية شمال الصين، انتهزت الصراعات بين الدويلات السبعة فعززت قوتها واحتلت سهول ختاو وكانوا يغيرون على "تشين تشا يان" لأجل النهب، مما اضطر هذه الدويلات إلى إقامة أسوار عند حدودها الشمالية تحرسها قواتها المسلحة، وبعد توحيد دويلة "تشين" للبلاد، واصلت قوات "تشيو نغنو" بتهديد أمن الشمال، فأرسلت الحكومة جيشاً بقيادة "منغ تيان" قوامه 300 ألف استعاد فيها سهل "ختاو" وأقامت فيه الحكومة عدد من المدن، و44 محافظة، وجند "تشين تشي هوانغ" الفلاحين لبناء سور دفاعي متين يمر من خلال الأسوار التي أقامتها الدويلات السابقة، بعد أن رممت وربطت ببعضها وأضيفت إليها امتدادات إلى جهتي الغرب والشرق، وهذا هو سور الصين الذي يبدأ غرباً من "لنيتاو" إلى "لياو دونغ" شرقاً، وقد رمم الكادحون ووسع هذا السور مرات عديدة خلال العصور، والبناء المقام حالياً يعود إلى أسرة "مينغ" (1644م)، وهو يبدأ غرباُ من "جيا يو يقوان" إلى "شانها يقوان" شرقاً، وطوله أكثر من 6000كم([16]). الجغرافيا: كان "لي دو يوان" (527م) عالماً بارزاً في الصين القديمة، دون الملاحظات على كتاب "شوي جنغ" الذي وصف فيه 137 نهر وذلك على أساس مراجعته للمظاهر الجغرافية لما سجلته الكتب القديمة، وأضاف معلومات كثيرة، وسجل فيها تفاصيل شاملة لأكثر من ألف نهير وقناة ري والبيئة الطبيعية والمنتجات المحلية والأماكن الأثرية والسياحية، والتغيرات الجغرافية التي طرأت على الصين في الأزمنة القديمة، والأساطير التاريخية وفيها بعض المعلومات عن احتياط المعادن وآبار الملح والينابيع الحارة والبراكين، وأطلق على ملاحظاته عنوان "ملاحظات شوي جنغ" الباقية حتى اليوم، وهي 40 جزء، وهو بحق يعتبر أهم مرجع قديم حول الجغرافيا، ولا يزال مفيد كمرجع في تخطيط مشروع خزانات المياه واكتشاف الموارد([17]). التاريخ: ألفت العديد من كتب التاريخ منها: كتاب "سجلات تاريخية" الذي ألفه "سيما تشيان" ويذكر فيها تاريخ الصين في 3000 سنة من الإمبراطور "هوانغ دي" إلى "وو"، وذكر الأسباب الكامنة وراء نجاح وتدهور الدول، وأيضاً أن المادية ترتبط بالعلوم الطبيعية، وأشار أن هزيمة "شوانغ يوي" بسبب أخطائه في إدارة المعركة، وليس بسبب الإرادة الإلهية، وسجل في هذا الكتاب تفاصيل الحياة الاجتماعية للنبلاء، ووجه ضربة موجعة للقوانين والأوامر التي أصدرها الحكم الإقطاع الاستبدادي، كما قام "باقو" بتأليف كتاب "تاريخ أسرة هان" ويعد أهم كتاب تناول تاريخ الأسر الحاكمة في الصين، في عام 206ق.م إلى 23ق.م([18]).
الحياة الاجتماعية:
التعليم: في زمن أسرة الهان انتشرت المدارس التي يدرسون فيها المناهج المشتركة سواء في العاصمة أو الأقاليم، ويدوم عهد الدراسة تسعة أعوام، وتتناوب في كل سنة مجموعة العلوم استناداً إلى الفصول وتنتهي بامتحان، والتدريس يكون نظرياً فقط، يعلم الأولاد الطقوس والموسيقى ورمي النشاب وقيادة العربة والكتابة والحساب وقواعد الآداب، وتحتوي مواد تدريس الفتاة النسج والخياطة والنقر على العود والشعر والتاريخ. وركز العلم الصيني على الحكمة والفضائل الاجتماعية والشجاعة([19]). الطقوس الاجتماعية: لم تتغير نواحي الحياة اليومية مثل الطقوس وحفلات الولادة والزواج والدفن تتبع القوانين التي ساروا عليها قديماً، وتستمر الحياة الزراعية على الخضوع لتقلبات الفصول وضروريات المرزوعات، وما حياة النبيل إلا صورة مصغرة لحياة الامبراطور، فهو يتملك العبيد ولا يجوز أن يتعدى عددهم الثلاثين، ويستأجر الخدم، ويحتوي قصره نساءه وخدمه وكل ما هو ضروري للحياة العادية من ألواح الجدود حتى المؤن. المرأة: تخصص النساء وقتاً أطول للاعتناء بالتزين، وتعيش المرأة في غرفة خصوصية تحيط بها خادماتها يعتنين بها، وتملك المرأة كل ما تحتاج إليه للزينة في صناديق نقش عليها بكل دقة: مسحوق الأرز تبيض به وجهها، ومسحوق الزنجفر أو العصفر الأحمر تضعه بصورة مستديرة على وجنتيها، ومساحيق قاتمة تضع بواسطتها بقعاً تبعثرها على وجهها تبعاً للعادات المتبعة، وهي تسود حواجبها بواسطة إبرة خشبية طويلة ومعقوفة، وتتناول طعامها في غرفة منفردة بصحبة سائر نساء القصر([20]). الطعام: ويتألف الطعام من لحم الخنزير وضعوا عليه البصل، ويزيدون عليه بعض الأنواع المجففة وأصنافاُ من اللحم والذرة والأرز، ولكن لم يعرف الأرز في ذاك العهد الانتشار الذي سيلاقيه فيما بعد، وترافق الأطعمة الكحول التي يستخرجونها من الذرة، أو الماء أو الشاي، ويقطعون غالباً اللحوم النيئة قطعاً نحيفة، ويجففونها ويطيبونها بالزنجبيل، أو ينقعونها في الخل والبصل، وتحتوي الولائم على خمسة أصناف من الطعام هي: المرق، ولحم العجل، والضأن أضيف إليه الأرز، ولحم الخنزير، والسمك، والطيور، وتظهر على موائد النبلاء أصناف أطيب طعماُ: حلزون نقع في الخل، وخنزير صغير حشوه بالحماض، وسلحفاة، ولحم الكلاب، ولحم نيئ طيبوه بالزنجبيل وتبَّلوه ببيض النمل المحفوظ في الملح، وتقام الولائم على أنغام الموسيقى والرقص، وقد يشارم فيه المدعوون أنفسهم، ولكن يأتي غالب الأحيان الرقاصين([21]). الثياب: لا تختلف كثيراً ثياب الرجال عن النساء، ويرتدي الرجال سروالاً داخلياً قصيراً من القماش وقميصاًً قصيراً لا أكمام لها، ثم يضعون فوقهما سترة وسرولاً يطول أو يقصر، وتربط النساء على قسم جسمهن الأعلى قطعة قماش اهليلجية الشكل تغطي صدرهن وبطنهن، ولكنهن يتركن الظهر والجانبين، كما يضعون قطع من الجلد الأبيض على الركب، وجوارب من حرير تثبتها إلى الساق بعض الربط، وأحذية جلدية وقبعة أو عمامة، ويلبس النبلاء ثوباً طويلاً، أما ثياب رجال البلاط، فعبارة عن ثوب ذي مطاو تتناسب والقوام يبطنونه بحرير أبيض، أو عن ثوب فضفاض يتدلى من الكتفين حتى الرجلين، ويشد الثوب إلى الجسم زنار يرتبط بعقدة تمر في إبزيم مع المعدن المنقوش عليه([22]).

اختراع الطباعة: فيالقرن السابع اخترعت الصين فن الطباعة المحفورة على الالواح، وفي الفترةما بين القرنين الثامن والعاشر تم نقل هذا الفن الى في منطقة الرافدينومصر عبر الطريقين البحري والبري، ثم انتشر هذا الفن في اوروبا عن طريقالعرب([23]). اختراع الورق: وقد بدأت صناعة الورق من الكتان في الصين ثم انتقلت إلى سمرقند في أوساط القرن الثاني الهجري "الثامن الميلادي" بعد أن فتحها المسلمون سنة 94 هـ وهناك رواية تقول أنه بعد فتح سمرقند على يد القائد قتيبة بن مسلم استغل الأسرى الصينيين في تطوير صناعة الكاغد أو الورق الصيني والعمل على تنقيته من الشوائب بحيث أصبحت سمرقند بعد فترة قصيرة من أهم مراكز صناعة الكاغد، وانتشرت منها الصناعة إلى حواضر الدول الإسلامية([24]). ففي عام 751م انتصرتالقوات الإسلامية على قوات تانغ الصينية التي كان يترأسها قاو شيان جيوالى آنشي، في معركةدالواس باّسيا الوسطى، حيث أسرت القوات العربية في تلك الواقعة أكثر منعشرين ألف من جنود تانغ، وكان من بينهم الكثير من صانعي الورق الذينقاموا بعد أسرهم، على اثر معاملتهم الإنسانية، بمساعدة العرب علىإنشاء مصنع للورق في سمرقند، وبذلك انتقلت التقنية الصينية لصناعة الورق إلى العرب ومن ثم إلى أوروبا عبر بغداد وغيرها من المدن العربية الأخرى([25]). ويقال أن أول مصنع للكاغد تأسس في بغداد كان بإشارة الوزير الفضل بن يحيى البرمكي في خلافة الرشيد سنة 178 هـ ـ سنة 794، وأمر الفضل أخاه جعفر البرمكي بإحلال ورق الكاغد محل القراطيس البردية في الدواوين. وقد أدخل المسلمون تحسينات على الكاغد الصيني بتنقيته من الشوائب التي كان يضعها فيه الصينيون من ورق التوت والغاب الهندي([26]). وانتشر الكاغد بهذه الطريقة الجديدة ببلاد ما وراء النهر ثم انتقل إلى العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس، وعم المشارق والمغارب، ومع ذلك احتفظت سمرقند بمكانتها الأولى في إنتاجه، وظل الكاغد مرتبطا بمدينة سمرقند بمثل ما كان البردي مرتبطا بمصر([27]). البوصلة: اكتشف الصينيون الحجر المغناطيسي وامتصاصه للحديد في القرن الثالث ق.م.، فقد أشار العالم الصيني وانغ يون في مؤلفه "حول التساوي والتوازن" إلى طبيعة للحجر المغنطيسي في منتصف القرن الأولالميلادي، ثم اكتشف العالم العظيم شن كوه 1232-1296مفي عهدأسرة سونغ أن الإبرة المغنطيسية لا تشير، كما هو مكتشف، إلى الشمال إشارةدقيقة بل تنحدر إلى الشرق قليلا، وقد بدأ البحارة الصينييون استخدامالإبرة المغنطيسية منذ القرن الحادي عشر، وكان " أحاديث من بينغجو " الذي ألفه العالم الصيني جو يويأول كتاب سجل استخدام الإبرةالمغنطيسية في العالم، اشار في كتابه الى ان " ربان السفن يعرفون المواقعالجغرافية حق المعرفة، حيث يعتمدون ليلا على مدار النجوم، وفي النهار علىمدار الشمس، بينما في الاجواء الملبدة في الغيوم لا بد من الاعتماد علىالابرة المغناطيسية "، لقد سهلت الابرة المغناطيسية بعد انتشارها فيالوطن العربي قضية الابحار للعرب، كما نقل العرب عام 1180م البوصلة الىاوروبا([28]). الفلك: قام العلم الفلكي "تانغ وو" و"سيما تشيان" بإعداد تقويم "تاي تشو" الذي يعتبر من أفضل التقاويم في تاريخ الصين وتم العثور على كتاب منسوخ على الحرير في مقابر بمقاطعة خونان يضم مواقع الكواكب الخمسة وجدول دورة الكواكب الخمسة كتب في عام 170م وعثر على كتاب آخر بعنوان "أشكال النجوم والسحب" يقدم وصف لأشكال النجوم والسحب في الفضاء وهناك كتاب يحتوي على فصل يتناول العناصر الخمسة يجد فيه المرء أقدم تسجيل لكلف الشمس في عام 28م في التاريخ معترف به عالمياً([29])، وكان في وسع الفلكيين في أيام كنفوشيوس التنبؤ بالخسوف والكسوف تنبؤاً دقيقاً([30]). وقد تأثر الصينيون بعلم الفلك عند المسلمين، فقد تحدث المؤلف الصيني "كوشو كنغ" في بعض مؤلفاته سنة 1280م عن مرصد جبل المقطم، وكان هذا المرصد من الطراز الأول، كما ترجم رسالة في علم الفلك للعالم المصري ابن يونس، ونقل الإمبراطور "كو بلاي خان" كتب علماء القاهرة في علم الفلك إلى بلاد الصين([31]). ومن المسلمين الذين برزوا في الحياة الصينية خلال عهد أسرة يوان جمال الدين الفلكي، الذي يرجع إليه الفضل في وضع تقويم جديد، واختراع سبعة أجهزة فلكية أهداها إلى الإمبراطور، ولا تزال تحمل أسماء عربية إلى الآن وهي: ذات حلق، وذات سموت، ولخمة معوج، ولخمة مستوى، وكرة السماء، وكرة الأرض، والإسطرلاب([32]) الكيمياء: فيعهد أسرة تانغ، اشتهر فن "إكسير الخلود" أو "فن الحياة الدائمة" الذياخترعته الصين في القرن الثاني قبل الميلاد، فقد ألف عالم إكسير الخلودالطبيب المشهور سون سي مياو (581-682م) مؤلفه المعروففهذا العلم الذي صنع هذا النوع من الدواء الذي يخلد الناسالأساليب الكيماوية ويبحث في "تحويل الحديد إلى ذهب"، قد دخل الوطنالعربي من خلال التجار العرب، قامت دار الحكمة في بغداد بترجمة المؤلفات المعنية بإكسير الخلود في القرن التاسع، فقد اطلع العالم الكيماوي العربيجابر بن حيان على هذا الفن واستفاد منه، كما أن العالم الطبي العربيالرازي على دراية تامة واطلاع كامل على هذا الفن، إن الجزء العلميالمعقول لفن إكسير الخلود الصيني هو إحدى المصادر والمراجع الأساسيةلابتكارهما المعارف الكيماوية المعاصرة([33])، كما عرف الصينيون الحبر الأسود، والحبر الأحمر، وهم أول من اتخذ الفحم الحجري من مناجمه في الأرض منذ سنة 1922ق.م([34]). اكتشاف البارود: إن أغلب المؤرخين والباحثين يشيرون إلىأن اختراع البارود قد تمّ في الصين، وبالتحديد في القرن التاسع للميلاد([35]).‏وهناكمن ينسب هذا الاختراع إلى الصينيين، ولكن يحدد تاريخاً لاختراعه يسبق التاريخالمذكور بأربعة قرون، أي في القرن الخامس للميلاد. إن الصينيين عرفوا البارود فيتاريخ متقدم، وإن سر البارود انتقل إلى العرب المسلمين في زمن الخليفة هارون الرشيدالذي وعد بعض الأسرى الصينيين لديه، نحو عام 800م، بأن يطلق سراحهم إذا كشفوا له سرصناعة البوصلة والبارود، فقام هؤلاء بذلك([36]).‏ ففيوقت مبكر يعود إلى عهد أسرة تانغ، استخدم العرب ملح البارود الصيني مادة أولية لصناعة البارود لصهر الذهب وصناعة الزجاج، الفارسيون يسمونهذه المادة ب"الملح الصيني"، أما العرب فكانوا يسمونها بالثلج الصيني لأن المادة لونها أبيض كلون الثلج وطعمها مالح كملوحة الملح، وانتشر فن صناعة المفرقعات والبارود الصيني في الوطن العربي في النصفالأول من القرن الثالث عشر، وتبعها دخول الاسلحة النارية اثر غزو بغدادعلى يد سيوليوو المنغولي عام 1258، ثم تعلم الأوروبيون استخدام المفرقعاتوصناعة الأسلحة النارية من خلال ترجمتهم للكتب العربية المتعلقة بمعلوماتالبارود كلجم العدو واشعال النيران به، (88 نوعا من التجاربالطبيعية) ومن خلال المعارك التي وقعت بين الطرفين العربي والأوروبي([37]). والظاهر أن الصينيين، بعد اختراعهم البارود،كانوا يستخدمونه في الأسهم والألعاب النارية التي كانوا يطلقونها في المواسموالأعياد فقط، ولكنهم لم يستخدموه- في بداية الأمر- كقوة دافعة أو متفجرة فيالحروب. وهناك دراسة أجرتها إحدى الباحثات العربيات المعاصرات تتبنى فيها هذا الرأيفتقول:‏ "وقدعُرف مسحوق البارود لأول مرة في الشرق، وبالتحديد في الصين، ويُقال أن الصينيين همأول من اكتشف مسحوق البارود وتفننوا في طرق الاستعمال بدون أن يتمكنوا من استخدامهكمادة لإطلاق المقذوفات الهادفة إلى القتل وسبب ذلك يرجع ربما إلى احترام الصينيينالقدامى للحياة البشرية والحيوانية على حد سواء([38]). الطب: كانت مؤلفات ابن سينا في الطب تترجم إلى الصينية على أيدي الأطباء الصينيين المسلمين أو ذوي الأصول العربية، وكانت وصفات ابن سينا الطبية قد سبقته إلى الصين قبل سنوات، وفي فهرست كتب الهويين –مسلمو مناطق الوسط والجنوب الصينيون- وهو مخطوط محفوظ بمكتبة بكين، كثير من الكتب العربية المنقولة إلى الصينية، وتختص جميعها بالصيدلة والطب والكيمياء والفلك وغيرها من العلوم، وفي عصر أسرة يوان أنشئت دار النعمة، عام 1270م التي تخصصت في صناعة الأدوية لمعالجة المرضى من حراس القصر والرعايا الفقراء في العاصمة، وعين لإدارة هذه الدار والإشراف عليها طبيب عربي مشهور اسمه يوسف، وعمل في هذا المستشفى عدد من الأطباء العرب، وفي مكتبة جامع بكين اليوم بقايا موسوعة طبية ألفت في تلك المرحلة تحتوي على 36 جزءاً([39]).
العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المسلمين والصين: ومعتأسيس الدولة الإسلامية العربية، وتطور التبادلات الخارجية في أواسطالقرن السابع، تكثفت العلاقات الصينية العربية، ففي السنة الثانية منعهد الإمبراطور يونغ خويلأسرة تانغ عام 651 ميلادي،أوفد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مبعوثا رسميا إلى تشانغ آنعاصمة أسرة تانغ، فمنذ ذلك التاريخ وحتى عهد الإمبراطور تانغ يوانالرابع عشر لأسرة تانغ كان العرب قد أوفدوا 37 مبعوثا دبلوماسيا للصين، بينما وصل عدد المبعوثين العرب للصين في عهد أسرة سونغالى 39مبعوثا، وفي عهد أسرة يوانوصل إلى الصين العديد من المبعوثين العرب، أما في عهد أسرة مينغفقد وصل عدد المبعوثين الرسميين العرب للصين 40 مبعوثاً([40]). وعلى الرغم من وجود صدامات عسكرية بين الجانبين، إلا أن هناك تعاون عسكري أيضاً، ففي أواسط فترة حكم أسرة تانغ قام البلاط الإمبراطوري بطلب المساعدةالعسكرية من الجانب العربي، ففي عام 755، وعلى اثر تمرد بعض القادة قام البلاط الإمبراطوري بالاستغاثة بالخليفة العباسي، فأرسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ما يقارب من 4000 مقاتل إلى الصين بقيادة آن لوشان وقد أسهمت هذه القوات في نصرة إمبراطور الصين وتوطيد عرشه، وقد أجاز لهم إمبراطور الصين الإقامة في الصين والزواج من بنات الأهالي ومصاهرة الأعيان من الصينيين، وثبت في سجلات أسرة تانغ أن دولة الصين كانت تمنح الأسرة الإسلامية المقيمة في ولاية سيانغو 500 أوقية من الفضة كل سنة وذلك مكافأة لهم على نجدتهم لإمبراطور الصين، وقد ازداد عدد من استوطن الصين من العرب التجار، ففي القرن الرابع الهجري أوفد الأمير المسلم نصر بن أحمد الساماني وفداً يخطب ابنة ملك الصين لابنه الأمير نوح فقبل أبوها وأرسلها إلى خراسان([41]). أماأحوال المبعوثين الدبلوماسيين العرب للصين فقد وردت بشكل واضح في (سلسلة التواريخ) النسخة الصينية المترجمة بعنوان "رحلات سليمان إلى الشرق"و "الكامل في التاريخ" وغيرهما من السجلات والكتب العربية، كماوردت أيضاً في "مجلد تانغ القديمة" ومجلد أسرة يوان "مختاراتالمصادر" و"تاريخ أسرة مينغ" و "التاريخ مرآة" وغيرها من الكتبوالسجلات الصينية التاريخية، أتوا إلى الصين يحملون النوايا الطيبة للشعوب العربية ونقلرغباتها الصادقة في إقامة علاقات ودية مع الشعب الصيني، كما ويحملون معهمالأشياء النادرة والنفيسة كالزرافة (الغزال ذو العنق الطويل) مثلا التيلم تكن آنذاك موجودة في الصين، كما واحضروا معهم القرآن الكريم وغيره منالكتب الدينية، مما ادخل الديانة الإسلامية والثقافة العربية إلى الصين([42]). ظهر خلال حكم أسرة "يوان" المغولية لبلاد الصين لمدة تسعين عاما أن اصطحبوا فريقا من الموظفين الأجانب خصوصا من المسلمين الذين سكنوا آسيا الوسطى وكان المسلمون على خلق رفيع وأدب لدرجة أنه يشترط في امتحان الصينيين الأصليين بالشرط الأول معرفة اللغة المغولية والشرط الثاني معرفة دين الإسلام ومما يدل على مشاركة المسلمين في الحكم أنه كان على ثماني مقاطعات من اثني عشرة مقاطعة في المملكة حكام مسلمين وأيضاً وزراء واشتهر منهم حسن وأحمد وكولاسا وشمس الدين عمر وغيرهم وارتقى المسلمون إلى مناصب رؤساء الدواوين في العاصمة أو في الولايات التابعة للإمبراطورية([43]). النظم الإدارية: عين الإمبراطور الصيني قوبلاي خان وزيراً مسلماً في حكومته اسمه "أحمد البناكتي" (أهاما بالصينية)، كما أن بعض العرب الذين استقروا في تلك البلاد تلقوا التعليم الصيني، واجتازوا الامتحان الرسمي للخدمة بالحكومة، وأصبحوا من كبار الموظفين، ومنهم شقيقان مسلمان أحدهما بوشوشنغ الذي عين قاضياً، ونظم ديواناً من الشعر الكلاسيكي، والآخر شوقنغ الذي كان مساعداً لرئيس وزراء قوبلاي خان، وتتناثر في مختلف الكتب أسماء مثل عبد الرحمن الذي اختير رئيساً على بيت المال، وخول حق تقدير الضرائب المفروضة على الصين، وقطب الدين أو "يوتنغ" الذي كان وزيراً للملكة في سنة 1302م([44]). وبرز أيضاً سعد الله الشاعر الشهير، الذي يطلق عليه الصينيون اسم تيان شي، وقد تقدم في سلك الوظيفة حتى نال بعد الامتحان إحدى درجاتها الرفيعة التي تعرف باسم "جينشي" مما أتاح له فرصة تولي مناصب الدولة العليا، حتى أصبح مسئولاً عن الإسكان والبلديات في مدينة جينكو "تشنجيانج الآن"، وتشير إليه الكتابات الصينية باعتباره الرجل الذي نظم الأسواق وحدد المقاييس والمكاييل والموازين، حتى استقامت أمور البيع والشراء، كما كان سبباً في إنقاذ 800 ألف نسمة من المجاعة بعد أن طلب من والي المدينة بنجدة الشعب بكل ما في المستودعات من حبوب حينما وقعت كارثة طبيعية هناك([45]). ومن أشهر الشخصيات المسلمة التي برزت في الإدارة في الصين "السيد الأجل" وهو اسم شهرة لعمر شمس الدين، ويقال أنه من آل البيت، وأنه قدم إلى الصين من بخارى، والتقى بجنكيز خان عندما زحف إلى الغرب، ودخل في طاعته ومعه ألف فارس، وأصبح قريباً من القائد المغولي، الأمر الذي فتح له باب ترقي المناصب، حتى أعطاه الإمبراطور قوبلاي خان رتبة الوزارة، وجعله عضواً في مجلس أمانة السر الأعلى، وفي كل موقع تولاه كان مواهبه في السياسة والإدارة تمكنه من أداء مهمته على أفضل وجه، حتى عينه الإمبراطور حاكماً على مقاطعة يوننان، التي كانت تعاني من تخلف مروع، فتصدى السيد الأجل لبناء المدارس وشق الطرق والجسور والسدود، وأزال المغارم والمظالم وأبطل السخرة، وشيد ملاجئ للأيتام والعجزة وخفف المكوس وأحداث أنموذجات زراعية يحتذى بها، وحفر الآبار، وأقام الأسواق، وأدخل في طاعة الدولة ما لا يعد من الأقوام، وأثناء وجوده في تلك الولاية عمر مساجد للإسلام، ولكنه شيد أيضاً معابد لكونفوشيوس وبوذا([46]).
العلاقات التجارية: أول من قصد بلاد الصين للتجارة هو أبو عبيدة عبد الله القاسم الذي أقلع من عمان إلى كانتون حوالي عام 133هـ/750م، لشراء الصبار والأخشاب، وهو الرجل الذي يقول عنه العمانيون إنه أول من أطلق عليه وصف السندباد([47]). بدأتتتحول العلاقة التجارية بين الوطن العربي والصين من التبادل غير المباشرإلى التبادل المباشر منذ عهد أسرة تانغ، حيث ازداد عدد التجار العربالقادمون للصين لمزاولة الأعمال التجارية، ففي عهد اسرة تانغ كان يتجمعالتجار العرب في مدن الموانئ الدولية الصينية الهامة، كمدينة كوانجوالساحلية جنوب الصين والعاصمة تشانغ اّن، وان" المقيمونالأجانب" الذي كان يطلق على الأجانب الذين يمكثون فترة طويلة في الصينوأخلاقهم قد تحول فيما بعد إلى "الصينيون من أصول أجنبية"، كما كان فييانغجووتشوانجوالكثير من التجار العرب المقيمين([48]). ومن المعروف أن اتصال العرب بالصين قبل ظهور الإسلام عن طريق التجارة حيث أصبح ثغر صيراف على الخليج العربي مركزاً لتوزيع البضائع الصينية في بلاد العرب، وكانت السفن الصينية تدخل في نهر الفرات إلى الحيرة، وبعد ذلك جاء الاتصال وزاد بعد ظهور الإسلام، حيث جاء ذكر المسلمين في المصادر الصينية لأول مرة في بداية القرن السابع الميلادي، وقد أشار المؤرخون الصينيون إلى وجود المسلمين قديماً في بلاد الصين قائلين: "أنها تختلف عن مبادئ بوذا، وأتباعها لا تماثيل لهم ولا أصنام ولا صور"، وأضافوا أن فريقاً من المسلمين جاءوا إلى كنتون في حكم أسرة تنغ وحصلوا الإذن بالبقاء من الإمبراطور واتخذوا لأنفسهم بيوتاً جميلة تختلف في طرازها على البيوت الصينية، وكانوا يطيعون رئيساً ينتخبونه من بينهم([49]). كانالتجار العرب يسافرون شرقا باتجاه شواطئ الجنوب الشرقي للصين، والكثيرمنهم يرسون في مدينة كوانجو أو مدينة يانجو الوقعة في الشمال منها، حيثكانوا ينقلون المئات من اصناف البضائع كالعطور (اللبان، الصمغ، الكافور،العنبر، الفلفل، عود الند (عود هندي) عود البخور وماء الورد، الخ ) والمجوهرات (عاج الفيل، قرن الكركدن، ذبل اللجأة السهفية، اللؤلؤ، العقيق، المرجان، الكهرمان) والأدوية (العرّ، الليلك، والقرنفل والمنتجات الزجاجية بمختلف الأشكال والأنواع، ويعودون محملين بالبضائعالصينية كالخزف والحرير والشاي والمسك وغيرها من البضائع الصينية واسعةالشهرة، بينما السفن التجارية الصينية فكانت تبحر بعيدا لتصل عمانوالبحرين و والبصرة وبغداد العراقيتين وغيرها، لمزاولة التجارة مع التجارالمحليين هناك. سبقوان أشار المنصور، الخليفة الثاني في الحكم العباسي، عند إقراره لبناءعاصمة جديدة له في بغداد إلى أن نهر دجلة سيربط بيننا وبين الصين البعيدة، وكما هو متوقع، لم يمض إلا وقت قصير على تأسيس بغداد حتى فتحت "سوقصينية" يباع فيها الحرير والخزف وغيرهما من البضائع الصينية، كما وصفالرحال العربي المعروف سليمان ميناء كوانجو، اكبر الموانيء الصينية في عهدأسرة تانغ بأنه "مجمع البضائع العربية"، وبالإضافة إلى ذلك فتحت أسواقخاصة في بيع المنتجات العربية والفارسية في كل من تشانغ آن العاصمة ومدينةيانغجو وغيرهما من المدن الأخرى. وفيعهد أسرة سونغ، كانت منطقة الشمال الغربي قد خضعت على التوالي لسيطرةأسرة لياو (907-1125م)، ودولة شي شي (1032-1227م)، مما أدى إلىإغلاق ممر خا شي، حيث عادت التبادلات تعتمد على الطريق البحري، إلا أن ذلك لم يمنع تدفق المبعوثين العرب إلى الصين، فقد كانت المملكةالفاطمية بمصر(909-1171) نشطة جدا في هذا المجال، حيث أرسلت العديد منالمبعوثين لها إلى الصين، واستمرت التبادلات التجارية بين الطرفين، وقدكانت الموانئ الصينية في كوانجو، وتشوانجو، وخانجو، ومينجو (نينغ بوحاليا) مزدحمة بالتجار الأجانب، ويشكل التجار العرب الأغلبية. وقد أنشئت عدة مساجد على أيدي التجار المسلمين منها مسجد (تسي تون) الكبير وبني على طراز المسجد الأموي في دمشق سنة 400هـ / 1009م، ومسجد يحمل اسم "شوق النبي" واجهة المسجد ثبتت عليها لوحة رخامية ذات لون غامق وحفرت عليها كلمات باللغة العربية، وحول المسجد أكثر من خمسين قبرا للمسلمين دونت على شواهدها آيات قرآنية وأحاديث، وحديث للرسول "من مات غريباً مات شهيداً"، وهذا يشير أن هؤلاء من العرب المسلمين، والمسلمون يذكرون في السجلات الصينية القديمة باسم "داشي" ومعناها التاجر، لأن تجارهم أول الوجوه المسلمة التي رآها أهل الصين، وذكر الأمويون باسم "باي لي داشي"، أي المسلمون ذوي الرايات البيض، والعباسيون ذكروا بـ"خي لي داشي"، أي ذوي الرايات السود، وأمير المؤمنين يشار إليه باسم "هنجي موموي"، وذكر هارون الرشيد باسم "ألون"([50]). وفيالقرن الحادي عشر انتشر فن صنع الأوان الخزفية الصينية إلى الوطن العربي، ومنه إلى فينيسيا الإيطالية عام 1470 ولم يبدأ الأوروبيون إنتاج الأوانالخزفية إلا بعد ذلك التاريخ. وفيعهد أسرة يوان، فتحت الطرق البرية والبحرية ثانية بين الشرق والغرب، وشهدت التبادلات التجارية الصينية العربية تطورا كبيرا، حيث السفنالراسية تغطي موانيء كل من تشوانجو وكوانجو، كما ذكر ابن بطوطة الرحالة العربي المشهور الذي زار جنوب الصين في القرن الرابععشر في كتابه أن تشوانجو "من أكبر المواني التجارية، ويمكن القول أنها أكبر ميناء تجاري في العالم"، حيث شاهدت أكثر من مائة سفينة راسية فيمينائها، بينما السفن والقوارب الصغيرة لا تعد ولا تحصى"، بينما كوانجوفهي من أكبر مدن العالم، وفيها أفضل سوق في العالم"، وسماها (خانقو)([51]) لقد شاهد هذا الرحال العربي عمق التبادلات التجارية العربية بأم عينيه، وان كل ماشاهده ووصفه وسجله هذا الرحال المشهور يتفق مع ما دون في السجلات التاريخيةالصينية([52]). اللغة العربية : تسربت اللغة العربية في بلاد الصين ولكنها لم تصل إلى درجة القوة والنفوذ والتأثير فهي موجودة في بعض البيئات وتنعدم في البعض الآخر فولاية قانصو وولاية يوننان المسلمون بها كثير ونالت اللغة العربية وجودا كبيرا فقد ألف الشيخ محمود الكاشغري كتابا باللغة العربية سماه "ديوان لغات الترك" وهناك العديد من القوميات مثل "هوى" و"سالار" و"تغشيانغ" و"باوان" لها لغة تسمى "لغة المسجد" وتتكون من مفردات وعبارات مأخوذة من العربية مثل عبارات التحية الدينية وحركات الإنسان ومشاعره ويطلق عليها لغة "جينغتانغ" وهذهٍ الألفاظ: إيمان، حق، باطل، خير، روح، حج، عالم، جاهل، وعظ، رزق، شفاعة، المسلم، رسول، الإمام، المعلم، الخليفة وغيرها من الألفاظ ([53]). الفن: اهتم الصينيون بالفن الجميل المصبوغ بالعربية والإسلامية فقاموا بكتابة كلمات كبيرة الحجم بخطوط رفيعة مكونة من عبارات عربية وأدعية إسلامية وآيات قرآنية بغرض الزينة في بيوت الأشراف والعظماء وقد تم اكتشاف قطعة مستديرة دقيقة من اليشم في قبر قديم منحوت عليها عبارة الشهادتين باللغة العربية([54]).
المصادر والمراجع
1. ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار، دار الشرق العربي. 2. جوان، لي رونغ: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، المركز العربي للمعلومات. 3. جاوو، خه: تاريخ تطور الفكر الصيني، ترجمة: عبد العزيز حمدي عبد العزيز، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ج1، 2004م. 4. الرفاعي، رغد: البارود والبندقية، مجلة الدفاع الخليجي،العدد 2، يناير 1993. 5. غربال، محمد شفيق: الموسوعة الميسرة. 6. فرحات، كرم: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، دار السحاب للنشر. 7. القزويني، زكريا: آثار البلاد وأخبار العباد، بيروت: دار صادر. 8. هندي، إحسان: العرب واختراع البارود، موسوعة دهشة. 9. هويدي، فهمي: الإسلام في الصين، عالم المعرفة، 1981م.

[1] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص10.

[2] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص54-55.

[3] - تاريخ الصين، ج1، ص43.

[4] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص10.

[5] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص54.

[6] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص39.

[7] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص306-308.

[8] - تاريخ الصين، ج1، ص254.

[9] - تاريخ الصين، ج1، ص270.

[10] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص295.

[11] - تاريخ الصين، ج1، ص46.

[12] - تاريخ الصين، ج1، ص87.

[13] - تاريخ الصين، ج1، ص51.

[14] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص369-370.

[15] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.

[16] - تاريخ الصين، ج1، ص55.

[17] - تاريخ الصين، ج1، ص63-64.

[18] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، 299-302.

[19] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص635.

[20] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.

[21] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.

[22] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص637.

[23] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص4.

[24] - القزويني: آثار البلاد، ج1، ص536.

[25] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص3.

[26] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص45.

[27] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص3.

[28] - المرجع نفسه، ص2.

[29] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ترجمة: عبد العزيز حمدي عبد العزيز، ص291.

[30] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص62.

[31] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص94.

[32] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.

[33] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، المركز العربي للمعلومات.

[34] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص62.

[35] - محمد شفيق غربال: الموسوعة الميسرة، ص307.

[36] - إحسان هندي: العرب واختراع البارود، موسوعة دهشة.

[37] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص2.

[38] - رغد الرفاعي: البارود والبندقية، مجلة الدفاع الخليجي،" العدد 2، يناير 1993، ص 50.‏

[39] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص50.

[40] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص34.

[41] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص86.

[42] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، المركز العربي للمعلومات.

[43] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص89.

[44] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.

[45] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.

[46] - المرجع نفسه، ص53.

[47] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص14.

[48] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها.

[49] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص83.

[50] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص29-30.

[51] - ابن بطوطة: رحلة، ج2، ص498.

[52] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها.

[53] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص130.


[54] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص130.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق