الأحد، 19 يونيو 2016

الشاعر الصيني "قو تشنغ" عينان سوداوان لالتماسِ النور


الإعداد والترجمة عن الصينية: يارا المصري

"منحني الظلامُ عينين سوداوين
لكنني ألتمس بهما النور"
هذه القصيدة المكونة من سطرين بعنوان "جيل" والتي نُشرت في مجلة الشعر الصينية في الثمانينات، كانت السبب الرئيسي في شهرة الشاعر الصيني "قو تشنغ"، حيث اعتبرت أدق وصف وتمثيل لجيل ينشد المستقبل والمعرفة بعد عشر سنوات مظلمة من الثورة الثقافية. ويُعتبر الشاعر "قو تشنغ" الذي ولد في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1956 في بكين، من أهم الشعراء الصينيين المعاصرين، ومن جيل الشعراء الذين تأثروا بأساليب الشعر الغربي وشعرائه كبودلير وريلكه وغيرهما، وهو أحد مجموعة الشباب الذين ظهروا في الثمانينات وأطلقوا على أنفسهم اسم "الشعراء الضبابيين"، ومثَّلهم الشاعر الصيني "بي داو" الذي رُشح لجائزة نوبل للآداب، ومع تأسيس مجلة "اليوم"، أتيحت للشاعر "قو تشنغ" فرصة السفر والتجول في أوروبا عام 1988، ليستقر في النهاية في جزيرة واهيكي في نيوزيلندا عام 1988. في عام 1969، وكان والده قد نُفي إلى الريف أثناء الثورة الثقافية لمدة خمس سنوات كنوع من إعادة التأهيل، حيث عاش في عالم وتجربة مختلفين عن العالم الذي حلُم به، ولعل تجربته تلك كانت السبب الذي دفعه إلى كتابة الشِّعر، حيث بدأ كتابته في سن السابعة عشر.

الشاعر الذي قتل زوجته:
في الثامن من أكتوبر عام 1993 قتل "قو تشنغ" زوجته "شيَّ يي" بفأس، ثم هرع إلى منزل أخته وأخبرها بما اقترفه، وبعدها شنق نفسه على شجرة. أما زوجته فقد توفيت في طريقها إلى المستشفى. جاء هذا الخبر مع تعتيم كامل عن تفاصيل الحادث، وبقي سبب قتل الشاعر زوجته وانتحاره مجهولاً إلى الآن، ومثار جدل الكثيرين، كونه شاعراً مشهوراً، احتفي به الوسط الأدبي ومهرجانات الشعر وغيرها.
وبهذه النهاية المأساوية، كانت حياة الشاعر "قو تشنغ" الذي أقدم لقراء مجلة رؤى ترجمة لبعض قصائده، على أمل أن أترجم أعماله الشعرية الكاملة قريباً.


الأرض متعرجة
الأرضُ مُتعرجة
لا أراك
لا أرى من بعيدٍ سوى
السماءَ الزرقاءَ في قلبك

هل هي زرقاء؟ زرقاء بالفعل
هذا اللونُ الأزرقُ هو اللغة
أريد أن أجعل العالمَ سعيداً
لكن الابتسامة تجمَّدت فوق شفاهي

أو أعطني سحابة
وبدّد هذا الجوَ الصافي
فعيناي تتوقان للبكاء 
وشمسي غالبها النعاس.


طرفة عين
في هذا العصر المغلوط، انتابتني هذه "الأوهام"
صدَّقتُ
ولم أحوِّل بصري

قوس قزح
الذي يتراقص عبر النافورة
تجول نظراته بلطف على المارة
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحول ذلك إلى ظلال أفاعي

الجرس
الذي يستريح في الكنيسة
يقضم الساعات بهدوء
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحول ذلك إلى بئر عميقة

الورود الحمراء
التي تتفتح على الشاشة
تحيي نسيم الربيع بحرارة
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحول ذلك إلى مشهدٍ دموي

لكي أصدق
أبقيت عينيَّ محدقتين.

لا تخطُ هناك
لا تخطُ هناك

أظلم الليل
تناثرت بعض النجوم بهدوء
واحتضنت الأشجار الضخمة اليابسة

لا تخطُ هناك

الحلم عميقٌ للغاية
ليس لديك ريش
والحياة لا يمكنها أن تسبر غورَ الموت

لا تخطُ هناك

اذهب إلى أسفل الجبل
الحياة تقتضي التكرار
والتكرار هو الطريق

لا تخطُ هناك

وَدِّع اليأس
ودِّع الوادي في الرياح
البكاء، نوعٌ من السعادة

لا تخطُ هناك
ضوء المصباح
والأزهار النضرة على جانب الحقل
يهزان ستارة الفجر.

أحياناً
أحياناً يكون الوطن
قفصاً ضخماً
احتضنتني
أغصان الشمال الغضة
لأرى الشمس
لأملأ سلتي بالحب
ولأحب ريشة الشمس

نمنا في الأكف
كعصافير صغيرة
وحلمنا ببعضنا
حولنا نسيم أزرق
في الخريف
تتساقط الأوراق الصفراء.

قضية
الليل
يشبه مجموعة من الملثمين
يقتربون بتمهل
ثم يبتعدون

فقدتُ حلماً
ولم يبق في جيبي سوى أصغر عملة معدنية
"لقد سُرِقت"
قلت للشمس
ذهبت الشمسُ لتلاحق الليل
بينما تُطاردُ
من مجموعةِ ليلٍ أخرى.


إحساس
السماء رمادية
الطريق رمادي
البيوت رمادية
المطر رمادي

عبر ذلك المشهد الرمادي
تقدم طفلان
أحدهما أحمر زاهٍ
والآخر أخضر زبرجدي.

زقاق
زقاق

ملتوٍ وممتد

ليس به أبواب
ليس به نوافذ

أخرجت مفتاحاً قديماً
وطرقتُ الجدار السميك.



نشرت في مجلة "رؤى" الثقافية -عدد نوفمبر - ديسمبر 2015

Posted by Yara El Masri at 06:51 No comments: 
Email This
BlogThis!
Share to Twitter
Share to Facebook
Share to Pinterest

Wednesday, 2 September 2015
وكأننا التقينا في مرآة ....قصائد للشاعر: بي داو





وكأننا التقينا في مرآة
قصائد للشاعر: بي داو


ترجمتها عن الصينية: يارا المصري

"في تلك الأيام كان لدينا حلم، كان لدينا حلم بالأدب، بالحب، بالسفر حول العالم.
حين نقرع كوؤسنا الآن في الليل، صوت تصادم الكؤوس، هو صوتُ تَكَسُّرِ تلك الأحلام."
هكذا يقول الشاعر بي داو.. الذي ترك الصين في شهر أبريل عام 1989، بعد اشتراكه في مظاهرات الطلبة الحاشدة في ميدان تيان آن مين.
أمضى بي داو حياته متنقلاً بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ليعود إلى موطنه أخيراً في عام 2006، حيث يعمل الآن محاضراً في جامعة هونغ كونغ للغة الصينية. وكان بي داو أحد أهم مؤسسي مجلة "اليوم" التي تأسست في شهر ديسمبر عام 1978، وكانت من أهم المجلات الأدبية وأكثرها تأثيراً في المشهد الأدبي الصيني في ذلك الوقت، كونها تبنت أفكارَ جيلٍ ظهر منذ عام 1978 إلى عام 1989، جيل كامل من الشعراء تأثر بالشعراء الغربيين المعاصرين وأساليبهم الشعرية، وحاول بكل جهد التحرر وتحدي الأفكار الماوية عن الواقعية الاشتراكية. و"بي داو" هو اسمه الأدبي، ويعني "الجزيرة الشمالية"، واختار الاسم لأنه من شمال الصين ولأنه يفضل الوحدة. أما اسمه الحقيقي فهو جاو تشين كاي، ولد في بكين في الثاني من فبراير عام 1949، ورشُح من قبل لجائزة نوبل للآداب، كما عمل محاضِراً في جامعة ستانفورد، ودرَّس في جامعة كاليفورنيا وجامعة ألاباما. له العديد من الأعمال الشعرية والنصوص النثرية والقصص القصيرة منها: (وردة الوقت/ شعر)، (مغني منتصف الليل/ شعر)، (الغريب الذي عاد/ قصص قصيرة)، (البيت الأزرق/ نصوص نثرية). وقد ترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات، ويعتبر من أهم الشعراء داخل الصين وخارجها. وهذه نصوص مترجمة عن اللغة الصينية للشاعر بي داو، الغريب الذي عاد إلى وطنه.

مرحباً، يا جبل باي هوا

صوت موسيقى يتهادى،
ندفة ثلج في يدي ترتعش بخفة.
حين انقشع الضباب الكثيف
ظهرت قممُ الجبال المرتفعة والهابطة كالألحان.

جَمعتُ من قبل ميراثَ الفصول الأربعة
في وادي الجبل، لا يوجد أثر لحياة.
واستمرت الزهور البرية التي قُطِفت في النمو،
تفتحها، ذلك، هو وقتُ الموت

بمحاذاة الدرب الضيق في الغابة العذراء
تشتتَ ضوءُ الشمس الأخضر بين الشقوق.
طائرُ بازٍ أحمر،
ترجمَ بلغةِ الطيور الشائعاتِ المخيفةَ في هذا الجبل.

صرختُ بقوة:
"مرحباً، يا جبل – باي – هوا – "
"مرحباً، أيها، الطفل."
كان الصوتُ قادماً من شلالٍ بعيد

تلك رياحٌ داخل رياح،
تثيرُ صدىً في العالم، تجعله مضطرباً.
همستُ،
وسقطت ندفةُ الثلج في يدي إلى الهاوية.

بدون عنوان

سيظلُّ الأمرُ هكذاً دائماً وأبداً
النار، هي مركزُ الشتاء
وحين تشتعلُ الأشجار
لن يكون هناك سوى الأحجار التي ترفض أن تحيطها
تعوي عواءً مسعوراً

توقف الجرسُ المعلَّقُ على قرن الأيل
الحياةُ فرصةٌ واحدة
ما هي إلَّا فرصة
مَن يبرهن الزمن
هو مَن يشيخ فجأة.

خواء

الفقرُ خواء
الحريةُ خواء
في عينيِّ التمثال المرمري
النصرُ خواء
اندفعت الطيورُ السوداءُ من الأفق
لتكشفَ بُقعَ شيخوخةِ الغد
اليأسُ خواء
في قاعِ كأسِ صديقي
الخيانةُ خواء
في صورةِ الحبيبة
الكره خواء
تلك الرسالةُ التي طال انتظارها
الزمنُ خواء
سربُ ذبابٍ منحوس يغطِّي
سقفَ المستشفى
التاريخُ خواء
هو شجرةُ العائلةِ المستمرة
ما أن تموت، حتى يمكنك حينها الحصولُ على برهان.

الشِّعْر

لم يتبقَ من المنزل الكبير الذي كنت أملكه،
سوى طاولة، تحيطها
أرضُ مستنقعٍ ممتدةٍ متراميةِ الأطراف
يطلُّ علي الغد من زاويةٍ مختلفة
والحلمُ الهشُّ لا يزال منتصباً
في البعيد، كسقالةٍ لم تُهدم بعد
وهناك آثارُ الأقدامِ الموحلةِ على الورقِ الأبيض
وذلك الثعلبُ الذي ربيته لسنواتٍ عديدة
يحرك ذيله الأحمرَ الناريَّ يميناً ويساراً
يمدحني، يجرحني

وبالطبع، هناك أنتَ، تجلسُ أمامي
تتباهى بما في قبضتِك من برقٍ في يومٍ صحو
تتحول إلى حطب، ومن ثَمْ إلى رماد.

بدون عنوان

بالنسبة إلى العالم
سأظلُّ إلى الأبد شخصاً غريباً
لا أفهمُ لغته
ولا يفهمُ صمتي
وتواصُلنا معاً
ما هو إلَّا بعضٌ من الازدراء
وكأننا التقينا في مرآة

بالنسبةِ لي
سأظل إلى الأبد شخصاً غريباً
أخافُ الظلام
ولكني أصد بجسدي
بصيصَ النور الوحيد
ظلِّي هو الحبيب
وقلبي هو العدو.

صورةُ الشاعر في شبابه

ذلك الوحي الذي انسل من كُم القميص
لا ينتهي، وأنتَ
تجتازُ ليلَ نهارِ الجُمل الطويلة
والحارات، أنتَ
تشيخ ما أن تُولد
على الرغم من أنَّ تطلعاتك العظيمةَ لا تزال كالعادةِ تنمو
على أطرافِ أرضٍ جرداء
حين تنزع سِنَّاً اصطناعية، تكونُ
كالأطفال
وما أن تلتفتَ حتى تكتبَ اسمَك
على جدارِ الحمامِ العمومي
ولأنك تعاني خللاً في النمو
ينبغي عليك أن تبتلعَ بضعَ أقراصِ هرمونٍ كلَّ يوم
وتُرقِّقُ صوتَك
كالقطةِ الهائجةِ في البيتِ المجاور
تسعُ عطساتٍ متتالية
تسقط على الورق، وأنتَ
لا تخشى التكرار
وفوق ذلك ليس من الضروري أن يكون المالُ شريفاً
ولكن الناسَ جميعاً
تزأرُ بعنفٍ وجنون
لتُذكِّركَ أن تمتدح
القمرَ الذي دفع مصاريفَ التأمين
أو تمتدحَ الفأسَ التي لم
تدفعها، الهموم
أكثرَ ثقلاً من الأفكار
البردُ قارسٌ، وقد اسْوَدَّ
الدم، والليلُ
أشبه بإصبعِ قدمٍ كبيرةٍ تَخدَّر
بفعلِ البرد، أنتَ
تَعرُج
وتدخلُ الغابةَ الصغيرةَ بجانبِ الطريق
لتقابلَ شِلَّةً من الأصدقاء مُتوجةٌ رؤوسُهم بأكاليلِ الغار
كلُّ شجرةٍ
تسكنها بومة
عندما أقابل أصدقاءً يوجعني رأسي
يحبون دائماً ذِكرَ الماضي،
في الماضي، أنا وأنتَ
وأصدقاؤنا كنَّا أسماكاً فاسدة.



نشرت في مجلة رؤى الثقافية 
Posted by yara ibrahim at 14:32 No comments: 
Email This
BlogThis!
Share to Twitter
Share to Facebook
Share to Pinterest

Sunday, 9 August 2015
كلُّ انفجار لا يتضمنُ لحظةَ صمتٍ ...وكلُّ موتٍ يحمل صدىً طويلاً - قصائد للشاعر الصيني بي داو
قصائد للشاعر الصيني (بي داو)



ترجمتها عن الصينية وقدَّمت لها: يارا المصري

"في شتاء عام 1978، غطِّى بكين ثلجٌ كثيف، وكانت الضاحية الجنوبية قريةً قليلةَ السكان، تبعد عن النهر وأرض السفارات بمسافةٍ كبيرة، وكانت تقع على الحدود بين المدينة والريف، ولهذا كانت تعتبر منطقة مهجورة تحت ظروف السلطة الديكتاتورية. وكان من بين البيوت الصغيرة في تلك الضاحية، بيتٌ مغطَّاةٌ نوافذه بخرقٍ بالية. وتحت الضوء الخافت، كان هناك سبعة شباب يتحلقون حول آلة للنسخ منهمكين في العمل، كنت أنا واحداً منهم. ومضينا نعمل لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال......وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر ديسمبر عام 1978، صدرت مجلة (اليوم) في الدوائر الحكومية، ودور النشر والمكتبات، وأماكن بيع الكتب في الجامعات."

كانت هذه مقدمة الشاعر الصيني بي داو لمقال كتبه عن مجلة (اليوم)، والذي كان واحداً من أهم مؤسسيها. ومنذ عام 1978 إلى عام 1989، ظهر جيل من الشعراء من بينهم بي داو الذين تأثروا بالشعراء الغربيين المعاصرين وأساليبهم الشعرية. وكانت مجلة (اليوم) رغم أن نشرها لم يستمر لفترة طويلة، من أهم المجلات الأدبية المؤثرة في ذلك الوقت، لنشرها نصوصاً كانت محاولة للتحرر وتحدي الأيدولوجية الفكرية الماوية عن الواقعية الاشتراكية. وفي عام 1989 اندلعت مظاهرات الطلبة الحاشدة في ميدان تيان آن مين، وكان الشاعر بي داو أحد المشاركين فيها، ليُنفى بعدها إلى الخارج، متنقلاً بين أوروبا والولايات المتحدة، حتى سمحت له الصين بالعودة إلى أرض الوطن عام 2006. ولد بي داو في بكين في الثاني من فبراير عام 1949، ويعمل محاضراً في جامعة هونغ كونج للغة الصينية، وقد رُشِّح اسمه مراتٍ عديدة لجائزة نوبل للآداب. كما أنه عمل محاضِراً في جامعة ستانفورد، ودرّس في جامعة كاليفورنيا وجامعة ألاباما. له العديد من الدواوين الشعرية والنصوص النثرية والقصص القصيرة منها: (وردة الوقت) شعر، (مغني منتصف الليل) شعر، (الغريب الذي عاد) مجموعة قصصية، (البيت الأزرق) نصوص نثرية. وقد تُرجمت أعماله إلى الكثير من اللغات، ويعتبر من أهم الشعراء داخل الصين وخارجها. وهنا أضع بين أيديكم ثمانية نصوص متنوعة كتبها الشاعر في فترات مختلفة من حياته.

الابتسامة. الثلج. النجوم
كل شيء يدور بسرعةٍ بالغة،
ولا يوجد سواكِ يبتسمُ في هدوء.

من تلك الوردة الحمراء الباسمة
قطفتُ أغاني الشتاء.
ندفُ الثلج الزرقاء الباهتة
بمَ تتهامس يا تُرى؟

أجيبوني،
هل ستظل النجوم نجوماً إلى الأبد؟


كل شيء
كلُّ شيءٍ هو القدر
كلُّ شيءٍ هو الضبابُ والغيوم
كلُّ شيءٍ هو بدايةٌ بلا نهاية
كلُّ شيءٍ هو مطاردة خاطفة
كلُّ فرحٍ لا يتضمن ابتسامة  
كلُّ حزن لا يتضمن دموعاً  
كلُّ اللغاتِ تكرار
كلُّ علاقةٍ هي علاقةٌ تحدث لأول مرة
كلُّ الحب في القلب
كلُّ الماضي يأتي في الحلم
كلُّ أملٍ يحمل تفسيراً
كلُّ عقيدةٍ تحمل أنيناً
كلُّ انفجار لا يتضمنُ لحظةَ صمتٍ
وكلُّ موتٍ يحمل صدىً طويلاً.


مفترق طرق
سَكَنتْ الرياح
وتوقفت بهدوء عند مفترق الطرق.
والسياج الغارق في الضباب،
فتح بابَ الليل الصغير:
وكانت العتمة تقترح نخباً حاملةً القنديل.

زخارفُ الشُبَّاك أعلى العين
تغربلُ النهارَ الضبابي.
تَعَلَّم الوداع،
كما تعلَّمتُ كلَّ ما حدث في الماضي،
كما تعلَّمتُ السعادةَ والحزن.

التَفِتْ،
ودع الضوءَ الخافتَ يقع على كتفك
لعلك تود الابتسام في استرخاء
أما بلورات الصقيع المجدولة العالقة في الشِباك
فتنسابُ على مهلٍ مع الندى الليلي.

في كآبتي الشفيفة
في كآبتي الشفيفة
أغمُرُكِ، كأنني ضبابٌ ليليٌّ أخضر
يلتف حول شجرة صغيرة وحيدة
أما أنتِ فتمزقين الضبابَ، قطعةً قطعة
وترتشفينه عبر أصابع يدكِ الباردة
كأنكِ ترتشفين طبقةً رقيقةً من اللبن
لذا تنفخين قمراً ذهبياَ
يرتفعُ عالياً، ينيرُ الطريق.


نعم، بالأمس
بذراعكِ حجبتِ نصفَ وجهكِ،
وحجبتِ اضطرابَ الغابةِ كذلك
ثم أغمضتِ عينيكِ ببطء:
نعم، بالأمس......

بالتوت، لوّنتِ سحبَ الشفق،
ولوّنتِ خجلك كذلك.
ثم أومأتِ برأسك، وابتسمتِ ابتسامةً حلوة:
نعم، بالأمس......

أشعلتِ عودَ كبريتٍ في الظلام،
ورفعتِه بين قلبينا.
ثم عضضتِ على شفتيك الشاحبتين:
نعم، بالأمس......

أطلقتِ القاربَ الورقي في الجدول،
ووضعتِ فيه وعودنا الأولى.
ثم التفتِ في حزم:
نعم، بالأمس......

خط فاصل

أريد أن أذهب إلى الضفةِ المقابلة

غيَّرت مياهُ النهر لونَ السماء
وغيَّرتني
كنتُ أنسابُ مع التيار
يقف ظلي على ضفةِ النهر
كشجرةٍ فَحَّمَهَا البرق  

أريد أن أذهبَ إلى الضفةِ المقابلة

أحراجُ الضفةِ المقابلة
تداعبُ حمامةً بريةً وحيدة
تطيرُ نحوي.

غداً، لا
هذا ليس وداعاً
لأننا لم نلتقِ
على الرغم من أن الظلَّ والظلَّ
قد اصطفا في الطريق بجانب بعضهما البعض
كمجرمٍ هاربٍ وحيد

غداً، لا
الغد ليس في جانب الليل ذاك
ومَن يترقب، هو المذنب
أمَّا ما وقع خلال الليل من حكايات
فلتتركها تنتهي في الليل.

الكابوس
أعلى الرياح المتقلبة
رسمتُ عيناً
ولهذا مرت اللحظةُ البطيئة
ولكن لم يستيقظ أحد
كالعادة فاض الكابوس تحت ضوء الشمس
وغطَّى قاع النهر، وتسلقَ الحصى
مُحدثاً احتكاكاتٍ واضطراباتٍ جديدة
أعلى الأغصان، وأعلى سطوح المنازل
تحولت نظرات الطيور المرتعدة إلى جليد 
وهَوَت إلى الأرض
وآثارُ عجلاتِ السياراتِ على الطريق
تحوَّلت أيضاً إلى طبقةٍ هشةٍ من الصقيع
ولم يستيقظ أحد.



نشرت في مجلة شئون أدبية - عدد 70
http://yaraelmasri.blogspot.com.eg/search?updated-min=2015-01-01T00:00:00-08:00&updated-max=2016-01-01T00:00:00-08:00&max-results=12

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق