الخميس، 16 يونيو 2016

حوار مع چو جوه بينغ أكبر كتاب الصين ترجمة وتقديم : مي عاشور

قصُر الطريق كلما مشيت فيه، ولكن القلوب والأفكار لا دروب لها، فهي تسبح في فضاء واسع. تقترب من أشخاص وتبتعد عن أخرين بسبب أفكارهم، تُفضل كاتب عن الأخر، بسبب كلماته التى تتسق مع مايجول بخاطرك.
قد تكون الكلمات التى كتبها شخص ما، فأحببتها هي سببًا في لقائك به، أدركت ذلك عندما التقيت بالكاتب والفيلسوف الصيني الكبير چو جوه بينغ، وهو باحث في المعهد الفلسفي والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ولد عام 1945 في مدينة شنغهاي، تخرج من قسم الفلسفة من جامعة بكين عام 1968، يطغى على معظم كتاباته الطابع الفلسفي التحليلى. سيُعرف هذا الحوار القارىء العربي بواحد من أكبر وأهم كتاب وفلاسفة الصين المعاصرين.
· متى بدأت الكتابة؟ وهل الفلسفة هي التى دفعتك إليها؟
تخرجت من جامعة بكين عام 1968، ثم انتقلت للعمل في محافظة صغيرة جدًا جنوب الصين. كانت تُعَد هذه الفترة، فترة استثنائة في الصين، بسبب ”الثورة الثقافية الكبرى” التى أطلقها ماو دزه دونغ، ففي هذا الوقت كان يُمنع أى شخص من نشر أعمال يعبر فيها عن فكر مستقل . بعد وفاة ماو دزه دونغ، فُك الحظر السياسي في الصين. عدت إلى بكين لأداء امتحان الدراسات العليا عام 1978، ومن عام 1983 بدأت في نشر أعمالى تباعًا. ولكنني لا اعتقد أننى بدأت الكتابة، ببدء نشر أعمالى، بل اعتقد دائمًا أننى بدأتها عندما بدأت أدون يومياتى.
على الأقل بدأت كتابة يومياتى بجدية عندما كنت في المرحلة الثانوية، وكنت أبلغ حينها 14 عامًا، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا وأنا مستمر في الكتابة ومتشبث بها. عديد من الكتاب يبدأون الكتابة من تدوين يومياتهم.
تمضي السنون سريعاً، وكتابة اليوميات هو نوع من الاجتهاد لمقاومة مرورها السريع، نريد أن نحتفظ بما عشناه من خبرات ومشاعر غالية. يمكنكِ أن تقولي أيضًا أنه يتوارى خلف ذلك دافع فلسفى؛ لأن الفلسفة هي البحث عن الأبدية وسط ما يمضي.
· أنت من أشهر كتاب الصين، وعدد كبير من قراءك من الشباب، فما هي الرسائل التى تحرص على توجيها اليهم في كتاباتك ؟
عندما أكتب لا أسعى لتوجيه أى رسائل للناس. فأنا بدرجة كبيرة جدًا أكتب لنفسى؛ لأحل مشاكلى، بما فيها من صعوبات الحياة، وكيفية تحدي العصر والمجتمع. لم أتوقع أن يحب الشباب أعمالى بهذا الشكل جيلاً وراء جيل، منذ الثمانينات وحتى يومنا هذا؛ مما دفعنى للبحث عن أسباب ذلك؛ واعتقد أن السبب الرئيسى لحبهم الأعمالى هو أن مشاكلاتى هي مشكلات كل إنسان. في الحقيقة أن كل إنسان قد يعير اهتمامًا للمواضيع التى اتناولها في أعمالى، والتى تدور حول مَغزى الحياة، وعي الروح، وقيمة المشاعر. أشعر بالرضا والسرور عندما أرى لأعمالى صداً جيداَ، بل وإنها تجعل الشباب يهتمون بالحياة الروحية، رغم هذا العصر المادي.
· ما هو رأيك في حركة الأدب الحديث؟
أنا لا أعرف كثيرًا عن حركة الأدب الحديث، ولكن معظم الأعمال الأدبية التى قراءتها ترجع إلى فترات تاريخية مبكرة بعض الشىء، على سبيل المثال الأدب الروسي، الفرنسي، الألمانى، والانجليزى والامريكى في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. قليلًا ما اقرأ أعمال أدباء من العصر الحديث، فأصبحت طاقتى محدودة، كما أننى الآن أركز أكثر على قراءة الفلسفة والعلوم الاجتماعية.
· الفلسفة الصينية عريقة وعميقة جدًا، فما هو مدى تأثرك بها؟ ، وهل هناك سمات مشتركة تجمع بينها وبين الفلسفة الغربية أو الفلسفة في الحضارات الأخرى؟
أحب *الطاوية في الفلسفة الصينية الكلاسيكية، وأحب أيضًا فلاسفتها الكبار لاو دزَ و چوانغ دزَ؛ لأن الطاوية تؤكد على بساطة الحياة وحرية الروح والعقل، مما يرضينى كثيرًا. في الحقيقة أن الفلسفة الغربية أيضًا بها قيم إنسانية وثقافية ممتازة ومشتركة. أرى من وجهة نظري أن في الفلسفة الغربية شيئان جيدان، غير موجودان في الفلسفة الصينية التقليدية. الشىء الأول هو التأمل والتساؤل الدقيق عن وجود العالم والقيمة النهائية للحياة، وهذا ما يسمى في الفلسفة بالمتافيزيقا، وذلك أدى إلى ظهور الاعتقاد في الديانة المسيحية.
من خلال قراءتي للتاريخ آرى أن الفلسفة الأوربية تأثرت بشكل كبير بالحضارة المصرية القديمة، كما أن العديد من الفلاسفة الإغريق القدماء بما فيهم فيثاغورس وأفلاطون جاءوا إلى مصر ليتزودوا بالعلم، فهم من تلامذة الكهنة المصريين.
أما الشىء الثانى فهو الاهتمام بحرية الإنسان، وكان ذلك سببًا في ظهور نظرية سيادة القانون.عندما أكتب أو ألقى محاضرات أؤكد دائمًا على أن الصين الآن في أمس الحاجة إلى وجود اعتقاد وسيادة القانون، ففي هذين الجانبين علينا أن نتعلم من الغرب.
· ما هو تقديرك لمدى انتشار الأدب الصينى في العالم؟ وهل تعتقد أن فوز موه يان كان له تأثيرًا على انتشار الأدب الصينى بشكل أوسع ؟
يعتمد انتشار أدب أي بلد في العالم على عنصرين: العنصر الأول جودة العمل، والتى تضم جانبين : القيمة الفنية، والمحتوى وما يحمله من فهم عميق وكشف مميز للطبيعة الإنسانية، فإذا كان العمل يعرض فقط خصائص مكان محدد أو عاطفة تجاه بلد ما، فسيكون انتشاره محدودًا. والثانى هو القوة المحركة للانتشار، الأسلوب المناسب، والظروف الملائمة له. الرواد هم الأساس، ومن هذه النقطة أرى أنه الأعمال الأدبية الصينية المعاصرة المميزة التى تبرز الطبيعة الإنسانية وتكشفها مازالت قليلة؛ لذلك لا يمكنها أن تحدث انتشارا واسع النطاق في المستقبل القريب.
بالطبع ساهم فوز موه يان ”بنوبل” بوجود فرصة جيدة لانتشار الأدب الصينى، بل ولفت انتباه الكثيرين ، فكلما كأن التأثير كبير، كلما استدعى ذلك ملاحظة دقيقة. في الواقع ، أن جمهور قراء الأدب الصينى في الخارج مازالوا قليلين جدًا، بل ويقتصر على عدد قليل من الناس الشغوفين بالأدب الصينى الكلاسيكي والسياسة المعاصرة.
· أهديتنى مجموعة من أعمالك وكان من ضمنها كتاب عن نيتشه، فما هو سر اهتمامك الكبير به؟ و ماهي أهم الافكار الذى ترى أنه يعبر عنها في أعماله؟
كتبت كتابين عن نيتشه، وأيضًا قمت بترجمة بعض أعماله. الأشياء التى تجذبنى إليه هي
تفكيره العميق القيادي، وروعة نصوصه وقوتها. أهم الأفكار التى آراه عبر عنها في أعماله، هو تأكيد على قوة الإنسان في العصر الذى كانت تميل فيه الطبيعة الإنسانية إلى الضعف والقصور. كما أنه أكد على ترقي الروح وترفعها في العصر الذى هيمن عليه الثقافة التجارية.
· هل لديك فلسفة خاصة بك في الحياة؟
يبدو أنه لا يوجد. ولكن فلسفتى في الحياة باختصار تنقسم إلى نقطتين: الأولى تقدير قيمة الحياة البسيطة، على سبيل المثال يجب عليك أن أجعل كل من: الحب، الصداقة، حب الأقرباء والعائلة في حالة طيبة. اعتقد أن الحياة البسيطة الجيدة هي عامل أساسي لوجود حياة سعيدة، و في نفس الوقت تجارب الحياة تساهم في معرفة واكتشاف طبيعة الإنسان، وفهم المواد الأساسية للحياة.
لا ينبغي على الإنسان أن يذهب باحثًاً عن السعادة في أقصى بقاع الارض؛ لأنه إذ لم يجدها في حياته اليومية، فمستحيل أن يعثر في أى مكان آخر.
أما النقطة الثانية: عليك أن تواجه وتتعامل مع ما تقابله في العالم الخارجي من اغراءات أو صعوبات. مهما بلغ مدى حبك للحياة البسيطة، مستحيل أن يجنبك ذلك كل ما فيها من انتكاسات، سوء حظ ومعوقات، فعليك ألا تنغمس في هذه الأشياء، ولا تجد مخرجًا منها. وهذا يشبه تمامًا، كأنك وضعت روحك خارج جسدك، بغض النظر عن شقاء الحياة أو نعيمها ، فروحك ستبقى حرة، فاجعلها الشىء الذى يحرك حياتك. في الحقيقة أن هاتان النقطتان ليستا خاصتان بي؛ لأن العديد من الفلاسفة في التاريخ الصينى والغربي دعوا إليها وأمنوا بها.
______________________________________________________________________
*الطاوية: هي ديانة صينية ومذهب فلسفى يقوم على الاهتمام بالإنسان وتقدير قيمة الحياة.



أكبر كتاب الصين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق