الاثنين، 7 ديسمبر 2015

اللغة العربية والإنترنت في 2012

فؤاد بو علي 
ما زال وجود اللغة العربية المتصاعد في الشبكة العنكبوتية يثير الكثير من القراءات. إذ لا يختلف المتابعون حول ازدياد أهمية شبكة الإنترنت وتأثيرها مع تنامي الحاجة إلى التواصل بآلياته المختلفة الكلامية وغير الكلامية. وما زاد من هذه الأهمية دخول الإنترنت في مجالات شتى، منها التعليم والتجارة والاتصالات... إلخ، بل وصل مع ذيوع شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن غدا عاملاً رئيساً من عوامل التغيير الاجتماعي والسياسي. والربيع العربي أمامنا. ما زالت الإحصاءات السنوية تتوالى حول واقع العربية في الإنترنت استعمالاً وبرمجة وصفحات. وأحدثها ما نشره موقع إحصاءات الإنترنت العالمية internet world stats الذي رسم صورة وردية عن استعمال الإنترنت العربية خلال 2012. فقد وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط إلى 3,8 في المئة (حزيران - يونيو 2012) من مجموع المستخدمين على الصعيد العالمي، وعدد المتحدثين بالعربية 5,1 في المئة. في حين وصل انتشار العربية بين مستعملي الإنترنت إلى 40 في المئة. وقد احتلت العربية المرتبة السابعة (في السنة الماضية كانت الثامنة) ضمن أعلى عشر لغات استعمالاً في العالم بعد الإنكليزية والصينية والإسبانية واليابانية والبرتغالية والألمانية، وقبل كل من الفرنسية والروسية والكورية. ومن المتوقع أن تصل إلى المرتبة الرابعة في عام 2015.
هذه الصورة التي يقدمها الموقع تثبت المؤشرات التي أكدتها التقارير المقاربة لعلاقة العربية بالإنترنت. فقد سبق لتقرير المعرفة العربي 2009 أن اعتبر زيادة مستخدمي اللغة العربية الأعلى بين مجموع اللغات العشر الأولى على الشبكة العنكبوتية، حيث بلغ معدل الزيادة العربية 206 في المئة خلال الفترة 2000 – 2008، أي حوالى 60 مليون شخص. وعدد مستخدمي العربية 4,1 في المئة من إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم. ومن حيث الزيادة في العقد الأخير فهو الأعلى بين اللغات العشر الأولى. وفيما يتعلق بالمحتوى العربي فهو لم يتغير في شكل كبير، حيث ظل محافظاً على ندرته التي أشار إليها تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا» قبل مدة طويلة حيث لا يتعدى 3 في المئة من إجمالي المحتوى العالمي.
وكيفما كانت قراءتنا لهذه الأرقام والإحصاءات فإنها تدفعنا إلى إبداء جملة من الملاحظات:
- ينبغي تأكيد أن التطور الكمي والنوعي في مؤشرات ازدياد استعمال الإنترنت يثبت وجود قوة دافعة للغة الضاد تفرض وجودها عالمياً، سواء بواسطة المشاريع المؤسسية (مثل مؤسسة الفكر العربي أو مشروع تعريب ويكيبيديا) أو المبادرات الخاصة (مثل تغريدات التي قام بها بعض الشباب الجامعيين). وفي كل الأحوال فإن محاولات حصار العربية في أوطانها باسم الخصوصية أو معاداة العصرنة لم توقف انتشارها المدوي وتنامي التواصل بها على مختلف الشبكات التواصلية ورسوخها في عالم الإنترنت.
- ما زالت قوة العربية المعبر عنها عالمياً من خلال الاحتفاء بيومها الكوني ووجودها الفعلي في دواليب المنظمات العالمية غير معبر عنها في شكل فعلي على الشبكة العنكبوتية. فعلى رغم هذه الصورة الوردية التي رسمها موقع إحصاءات الإنترنت العالمية فإن ولوج العرب عالم النت ما زال متدنياً بالمقارنة مع عدد الناطقين باللسان العربي. حيث لا يتجاوز مستعملو الإنترنت في الشرق الأوسط (وشمال أفريقيا) حوالى 90 مليوناً وهو ما يطرح إشكاليات حقيقية حول قدرة هذه الشعوب على ولوج مجتمع المعرفة.
- يمكن تعليل قلة استعمال الإنترنت عربياً، على رغم تناميها مقارنة بالسنوات السابقة وبلغات دول متقدمة، بأسباب عدة جعلت عملية تبادل المعلومات عملية صعبة، منها الكلفة العالية للاتصال وضعف البنية التحتية للاتصالات وعدم معرفة استخدام الحاسب الآلي وسيــــطرة اللغة الإنكليزية على الإنترنت في محتواها وتطبيقاتها ما جعل استفادة المستخدم العربي الذي لا يجيد اللغة الإنكليزية من الإنترنت محدودة جداً.
- في الصورة المرسومة من طرف الإحصاءات ما زالت الفرنسية في تراجع والعربية في تصاعد ما سيسقط لا محالة وهم الربط الجدلي بين لغة المستعمر والحداثة.
- أشارت التقارير السابقة (مثل تقرير مجتمع المعرفة) إلى أن المحتوى الرقمي للعربية يقتصر على مجالات محدودة غالباً ما تكون بعيدة من مجالات التنمية الثقافية والاجتماعية. كما أن الصفحات العربية في النت متدنية حيث لا تتجاوز الواحد بالألف أي 40 مليون صفحة من 40 بليون صفحة عالمياً. لكن ينبغي الإشارة إلى تحسن المحتوى العربي وتطوره رقمياً حيث ازداد عدد الصفحات بين 2005 و2006 بنسبة 65,8 في المئة، في مقابل الإنكليزية بنسبة 63 في المئة.
- يطرح استــخدام الإنترنت عربياً أمام المجتمع العربي فرصاً حقيقية يمكن استغلالها عبر سياسات مواتية وشراكات إقليمية ودولية ونشر المحتوى الرقمي للعربية باللغات الأجنبية. ولنشر المحتوى العربي على النت يمكن التوسل بمجموعة من الآليات، مثل: تطوير حلول تقانية في قضايا العربية وإيجاد حلول لإشكالاتها وضرورة تبني استراتيجيات موحدة عربياً لإنتاج المحتوى العربي ونشره رقمياً، وإحداث حاضنات تقانية في الجامعات ومراكز الأبحاث، ومنح الأولوية للمحتوى الخاص بالتعليم والثقافة العربية.

http://www.alhayat.com/Details/477489


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق