الاثنين، 7 ديسمبر 2015

لغة الشبكة العنكبوتية / تأليف ديفيد كريستال / ترجمة أحمد شفيق الخطيب

يما يلي ترجمتي للفصل السابع من كتاب ديفيد كريستال، اللغة والإنترنت، مطبعة جامعة كيمبردج، الطبعة الثالثة، 2002.

7 لغة الشبكة العنكبوتية


"إن التصور الذي لديَّ عن الشبكة العنكبوتية هو أنها حول أي شي من الممكن أن يكون متصلا بأي شيء". هذه الملاحظة من قِبَل مخترع الشبكة العنكبوتية تيم برنز–لي، في الصفحة الأولى من سيرته في كتابه نسج الشبكة العنكبوتية (1999)، تقدم لنا وصفا لهذا العنصر من عناصر الإنترنت يجسد بحق فكرة "الحالة" والمفهوم المصاحب المتعلق بـ "تنويعة" لغة الإنترنت. وفي نهاية المطاف، فإن اللغة، وأية لغة، بتمامها، هي جزء من هذا "الأي شيء". إذ إن الشبكة العنكبوتية في واقعها تمسك بمرآة تعكس بها البعد الرسومي لطبيعتنا اللغوية. ويوجد بالفعل وصف له أهمية للحياة اللغوية المرئية للإنسان، بالإضافة إلى قسم من حياتنا الصوتية. وعلى هذا هل يمكن منحه هدية لغوية متماسكة؟ 


وكلمة "رسومي" هنا تشير إلى جميع جوانب اللغة المكتوبة (في مقابل المنطوقة)، بما فيها المطبوعة على الآلة، والمكتوبة بخط اليد (ومن بينها الخطوط)، والنص المطبوع. وهي تتضمن شيئا أكبر بكثير من الطباعة المرئية المباشرة لنص ما، كما يقدمه أسلوب طباعي معين وتصميم رسومي على الشاشة؛ كما يتضمن أيضا تلك الملامح التي تدخل في النظم الإملائية للغة (وبصفة أساسية الهجاء، والترقيم، واستخدام الأحرف الكبيرة) جنبا إلى جنب مع الملامح المميزة للنحو والمفردات التي تحدد هوية وسيط "مكتوب" في مقابل وسيط "منطوق" من وسائط التواصل. ومعظم النصوص على الشبكة العنكبوتية ستُطبع حتما ، إزاء التكنولوجيا المستخدمة عامةً. أما النص المطبوع آليا (بمعنى النص الذي تخرجه آلة كاتبة) فلا يكاد يكون ذا موضوع، نظرا لأنه ينتمي إلى عصر ما قبل التكنولوجيا، وإن كان بطبيعة الحال من الممكن محاكاته، وفي كثير من ملامح أسلوب الطباعة كان له تأثيره في عصر معالجة الكلمات. والنص المكتوب له وجود محدود فقط، لكونه متاحا فحسب من خلال حزمة مصممة خصيصا لهذا الغرض، وذو قيمة عملية ضئيلة لمعظم مستخدمي الإنترنت. ولكن الطباعة توجد بعدد وافر من الصيغ – وهي حاليا أكثر محدودية من الطباعة الورقية التقليدية في استخدامها لأشكال الحروف، ولكنها متنوعة تنوعا هائلا في خياراتها التواصلية من خلال إتاحة أبعاد مثل اللون، والحركة، والرسوم المتحركة. وإنه في هذا المجال نجد أن التعرض السريع للشبكة العنكبوتية يقدم لنا مداها للغوي الملحوظ. فأي شيء كُتب، يمكن من ناحية المبدأ، أن يظهر على الشبكة العنكبوتية؛ وجزء مهم منه قد فعل ذلك بالفعل، على شكل مكتبات رقمية ، ومحفوظات نصوص إلكترونية, وخدمات معلومات.

وعلى هذا فإن تصفح الشبكة العنكبوتية لعدة دقائق سوف يلقي الضوء على كل جانب من جوانب وجودنا اللغوي الرسومي. وسوف نجد كميات هائلة من النصوص الخطية المقاطَعة – أي النصوص التي تتبع أسلوب تدفق الكلام الأحادي البعد – وبصفة أساسية استخدام الفراغات بين الكلمات وتقسيم نص ما إلى سطور وشاشات. وهذه هي الطريقة العادية لاستخدام اللغة المكتوبة، وهي تسود الشبكة العنكبوتية كما تسود أي وسيط رسومي آخر. ولكننا سوف نجد أيضا كميات هائلة من النصوص غير الخطية – أي النصوص التي يمكن قراءتها قراءة متعددة الوسائط. وفي الرؤية غير الخطية، لا تُقرأ سطور نص بتتابع ثابت؛ إذ تتنقل العين على الصفحة بكيفية يمليها فحسب اهتمام المستخدم ومهارة المصمم, مع وجود بعض أجزاء الصفحة بوصفها بؤرة الاهتمام وأجزاء أخرى لا تُقرأ على الإطلاق. والصفحات التي تعلن عن مدى واسع من المنتجات بأسعار مختلفة خير مثال على ذلك. وعلى الشبكة العنكوبتية، توجد صفحات كثيرة تخصص مناطق لأنواع معينة من المعلومات ومصممة (من خلال استخدام اللون، والومض، والحركة، وغيرها من الحيل) لكي تجذب الانتباه وتقلب رأسا على عقب عملية القراءة المتوقعة عبر الشاشة بالطريقة التقليدية. فعلى صفحة معيارية للمبيعات، تتنافس عدة أماكن على الفوز بانتباهنا (البحث، والمساعدة، وسلة التسوق، والصفحة الرئيسية, إلخ). وربما كان مفهوم ربط النص الفائق (انظر أدناه) هو التحدي الأساسي الذي يواجه المشاهدة الخطية.

غير أنه مازالت هناك أنواع أخرى من التنظيم الرسومي. وعلى سبيل المثال، فإن الشبكة العنكبوتية تعرض أنواعا كثيرة من القوائم – وهي تتابعات من المعلومات، مرتبة وفقا لمبدأ ما، لها نقطة بداية واضحة ونقطة نهاية – مثل الأشياء التي يتضمنها دليل مصور، وقوائم الطعام بالمطاعم، وقائمة الأفلام، وقوائم الأسطوانات المدمجة. ونظرا لأن الأساس الكامل للتنظيم اللغوي لاستجابة محرك بحث بشأن استفسار ما هو تقديم سلسلة من عناوين المواقع على شكل قائمة، فإنه قد يبدو أن تنظيم القائمة أمر ينبع من داخل بنية الشبكة العنكبوتية. كما أن المصفوفات لها وجود كبير جدا – وهذه عبارة عن ترتيبات من المعلومات اللغوية، والعددية، وغيرها في صفوف وأعمدة، مصممة بحيث يمكن تتبعها أفقيا ورأسيا. وسوف نجدها في جميع أنواع المطبوعات الفنية بالإضافة إلى سياقات تتسم بأنها أكثر يومية مثل المواقع التي تتعامل مع الأرقام القياسية الرياضية والإنجازات الرياضية الشخصية. كما توجد بنيات متفرعة، كتلك المعروفة جيدا في رسوم شجرة العائلة، تُستخدم استخداما واسعا عندما تكون هناك حاجة إلى التحديد الواضح لبديلين أو أكثر أو عندما تكون هناك حاجة إلى عرض تاريخ مجموعة من البدائل ذات الصلة. وفي سياق إلكتروني، بطبيعة الحال، فإن البنية المتفرعة بأسرها قد لا تكون ظاهرة للعين على شاشة واحدة، حيث تظهر المسالك المختلفة خلال الشجرة فقط عندما ينقر المستخدمون على النقاط "الساخنة" المعنية على الشاشة.

وتتسم الشبكة العنكبوتية بأنها أكثر اختيارية من الناحية الرسومية من أي مجال من مجالات اللغة المكتوبة في العالم الحقيقي. ويمكن رؤية الدرجة نفسها من الاختيارية إذا ما نظرنا إلى الأبعاد اللغوية البحتة للتعبير المكتوب (ص 6) – من استخدام الهجاء، والنحو، والمفردات، وغيرها من خصائص الخطاب (طريقة تنظيم المعلومات داخل النصوص، بحيث تظهر مترابطة، والتتابع المنطقي، والصلة بالموضوع، وما إلى ذلك). ومهما تكن نوعية اللغة المكتوبة التي نصادفها في العالم القائم على الورق، فإن ملامحها اللغوية لها مرادفاتها الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية. ومن بين التنويعات الرئيسية في التعبير المكتوب نجد النصوص القانونية، والدينية، والصحفية، والأدبية، والعلمية. وهذه جميعها موجودة وجودا واسعا بتنوعاتها الفردية، أو أنواعها. وتحت عنوان الدين، على سبيل المثال، يمكننا أن نجد مدى واسعا من الأشكال الطقوسية، والشعائر، والصلوات، والنصوص المقدسة، والوعظ، وبيانات العقيدة، والتأكيدات على الإيمان المتسمة بالخصوصية الفردية. وكل من هذه الأنواع له خصائصه الأسلوبية، وكل هذا التنوع الأسلوبي سوف نجده على الشبكة العنكبوتية. فإذا مازرنا موقعا على الشبكة العنكبوتية، مثل المكتبة البريطانية أو مكتبة الكونجرس، واستدعينا فهارسها، فإن ما نجده هو بالضبط نوع اللغة نفسها التي نجدها إذا ما زرنا هذين الموقعين في لندن أو واشنطن، حتى إلى ما يصل إلى استخدام تقاليد مختلفة في الهجاء والترقيم. ويمتد مدى الشبكة العنكبوتية من قاعدة البيانات الضخمة إلى "صفحة البيت" الفردية المنشورة بمعرفة الفرد ذاته، كما تقدم لنا إسهامات من كل نوع من المصممين والأسلوبيين، تتراوح بين أكثرهم حرفية وأقلهم موهبة لغويا ورسوميا. وهي بهذا تتحدى التعميم الأسلوبي. وكل هذه أمور واضحة، ولكن مع وضوحها هناك نقطة مهمة لابد من ذكرها: وهي أن الشبكة محاكاة للغة المكتوبة التي "توجد هناك" بالفعل في العالم القائم على الورق. وفي الأغلب الأعم، فإن ما نراه على صفحات الشبكة العنكبوتية عالم لغوي مألوف. فإذا ما بحثنا عن التميز، والجدة، والذاتية على الإنترنت – أو إذا ما أردنا أن نجد وقودا لنظرية حول مصير لغوي آت (ص 1) – فإنه ليس من المحتمل أن نجده هنا.

ولكن التميز نجده هناك. ولو أمسكت الشبكة العنكبوتية بمرآة تعكس لنا طبيعتنا اللغوية، فإنها ستكون مرآة تشوه وتوسع، مقدمة قيودا وفرصا جديدة. إذ إنها تقيد، قبل كل شيء، في أننا نرى اللغة معروضة في إطار القيود المادية الخاصة بشاشة الاستقبال، والخاضعة للحركة التي يتحكم فيها المستخدم (تحريك الشاشة) – رأسيا بشكل أساسي، وأحيانا أفقيا – مما ليس له سابقة حقيقية (وإن كانت الوثائق الملفوفة في الأزمنة القديمة والوسيطة لابد من أنها قد مثَّلت صعوبات مشابهة). وتحريك الشاشة رأسيا لابد من أن يؤثر في قدرتنا على رؤية النص، والانتباه إليه، واستيعابه، وتذكره. أما التحريك الجانبي فإنه أسوأ: إذ إن برنامج تصفح الشبكة الذي لا يتيح إمكانية قصر أطوال السطور على طول الشاشة ربما تقدم سطورا تتكون من 150 حرفا أو أكثر، مما يجعل الحفاظ على الاستمرارية في القراءة أمرا صعبا جدا الحفاظ عليها بين السطور المتعاقبة. وبالمثل، فإنه من الشائع معاناة المصاعب عندما نصادف شاشات تملؤها نصوص ذات شكل حروف واحد، أو شاشات تتخذ عليها المعلومات شكلا معقدا طباعيا أو مجزأً، مما يحول دون الاستيعاب السهل للمحتوى. وأي مؤلف حاول أن يضع على الشبكة نصا من كتاب سبق نشره يعلم أنه لا يمكن نقله إلى الشاشة دون التفكير من جديد بشأن الشكل الطباعي والتصميم. وهناك حاجة إلى بحوث من أجل تحديد العوامل الرئيسية، عندما ننقل قدرتنا اللغوية النفسية من ورقة إلى وسيط إلكتروني. إذ إنه ليس كل شيء من السهل نقله، وهناك حاجة إلى تصميم وسائل بديلة لنقل المحتويات التي جرى التعبير عنها من خلال وسيط الطباعة التقليدي. وعلى سبيل المثال، فإن مدى أشكال حروف الطباعة التي من المحتمل أن نجدها على الشبكة العنكبوتية ما هي إلا نسبة ضئيلة من عشرات الآلاف من الأشكال المتاحة في العالم الحقيقي. وبالرغم من أنه ليس هناك حد من ناحية المبدأ، ويوجد الكثير من المواقع الابتكارية، فإن الممارسة العامة تتخذ في بعض الأحيان شكلا واحدا مملا، مع اعتقاد أعداد غير محددة من القادمين الجدد إلى الشبكة بأن الحياة الإلكترونية لا تُرى إلا من خلال نظارات تايمز نيو رومان*. وعلى حد قول روجر برنج، في معرض جداله للحفاظ على الخيارات الطباعية مفتوحة:



هل يمكنك أن تتخيل عالما ذا شكل طباعي واحد لكي يكون الأداة الوحيدة لكل حالات التواصل؟

وإلى أي حد ستكون راضيا برؤية الوجه نفسه الموجود على بطاقة الانتماء للسوبر ماركت

الخاصة بك، على دعوة لحضور زفافك؟ … إن طريقة عمل الحاسبات الآلية تجعل من

السهل استخدام المجموعة نفسها من الوجوه مرارا وتكرارا.



وكثير من المستخدمين يأخذون الخيار السهل، مما يترتب عليه أن عددا لا يمكن حصره من المواقع تقدم بضاعتها للقارئ بمظهر فاتر ذي لون واحد.

كما أن حجم الشاشة قد مارس أيضا تأثيرا كبيرا في نوع اللغة المستخدمة، بقطع النظر عن مادة الموضوع. والنقطة توضحها بجلاء الكتيبات التي تتناول أسلوب التواصل بمعاونة الحاسب الآلي. وكما رأينا بالفعل في الفصل 3 (ص 64)، فإن كتيب وايرد، على سبيل المثال، لديه ما يلي ليقوله عن أسلوب الشبكة العنكبوتية:



انظر إلى الشبكة العنكبوتية وليس إلى النثر المطرز، ولكن إلى القص المفاجئ، القصة

الدرامية المحكية في 150 كلمة. ولابد للنص من أن يكمله تصميم واجهة ماهر ورسوم

واضحة. فكر تفكيرا عبقريا في النص، وليس في الأدب الطويل الصياغة. فكر 

في مقطوعات مفعمة بالحيوية والابتهاج بحيث لا تكاد تصلح للنشر. فكر بدرجة صوت

أعلى – خطوط قطع أقل إحكاما، وأكثر جذبا، وأكثر مناسبة للصحف الصفراء. فكر

بصوت أو موقف مميز.



ويمثل هذا، بوصفه بيانا تجريبيا حول صفحات الشبكة العنكبوتية، كمية محدودة مما هو "موجود هناك" بالفعل؛ ولكن لكونه وصفة ملزمة من أجل الممارسة الجيدة فإنه يُتَّبع اتباعا واسعا. ومع وجود كثير من الشاشات تعرض ما يصل إلى 30 منطقة وظيفية, فإن أي وصف مبدئي للنص على الشاشة في كل منطقة لابد حتما من أن يكون قصيرا – وبصفة عامة عنوان يتكون من 3 أو 4 كلمات أو وصف مختصر يتراوح بين 10 كلمات و 20 كلمة. وتعكس الصفحات الرئيسية هذا الاتجاه. وعلى سبيل المثال، فإن عينة من 100 تقرير إخباري مأخوذة من المواقع المصممة على الشبكة العنكبوتية للـ BBC، CBN، ABC أوضحت أن الفقرات كانت قصيرة إلى أقصى حد ممكن، بمتوسط 25 كلمة، وتتكون عادة من جملة واحدة؛ وفي حالة واحدة فقط وصل عدد كلمات فقرة إلى 50 كلمة. وحتى عندما لم تكن للمواقع المصممة تصميما خاصا علاقة بالأخبار (مثل مقدمات المادة التعليمية أو الغرف التجارية)، فإن الطريقة التي عُرضت بها المادة اتخذت بعض خصائص التقديم ذي الطابع الإخباري. ومن ناحية أخرى، فإن المواقع التي لا تفعل شيئا سوى إعادة عرض مادة مكتوبة أصلا لكي تُقرأ على الورق (مثل التقارير الحكومية، والبحوث الأكاديمية، والأشكال الإلكترونية للمقالات الصحفية) تبتعد كثيرا عن فكرة البراعة. وبجميع المقاييس، فإن قراءتها أصعب، غير أن التجربة اليومية توحي بأنها وبالرغم من ذلك تمثل نسبة كبيرة من الصفحات على الشبكة العنكبوتية.

كما أن الشبكة العنكبوتية تغير خصائص مميِّزة معينة للغة المكتوبة التقليدية (ص 22) تغييرا أساسيا. وبصفة خاصة, فإن سكونها لم يعد أمرا إجباريا, حيث إن البرامجيات التي تتحكم في صفحة ما يمكن أن تجعل النص يتنقل على الشاشة, ويظهر ويختفي، ويغير لونه وشكله، أو يتحول إلى حروف متحركة. وحين يحرك المستخدم السهم الذي تتحكم فيه الفأرة على الشاشة، فإن التحول من سهم إلى كف يد يصاحبه وصول نص جديد. ونقرة بالفأرة سوف ينتج عنها نص جديد. وبعض المواقع تأتي بنصوص على الشاشة خلال مشاهدة المستخدم – على سبيل المثال أخبار هيئة الإذاعة البريطانية على الخط كان لديها (في أكتوبر 2000) عنوان في أعلى الشاشة يظهر بطريقة الطابعة عن بُعد، حرفا حرفا. وهذا كله على خط يتسم بالحركية حيث يزداد إلى حد كبير مدى التباين البصري المتاح للأغراض اللغوية، مقارنة بالطباعة التقليدية. وإحدى النتائج المباشرة لهذا هي أن تقاليد جديدة قد ظهرت إلى حيز الوجود بوصفها علامات على أنماط معينة من الوظيفية – وعلى سبيل المثال، استخدام الألوان والخطوط أسفل الكلمات لتمييز روابط النصوص الفائقة (انظر أدناه) وعناوين البريد الإلكتروني، أو لإرساء أساس الهوية المميزة لمناطق الشاشة المختلفة (المتن، والروابط، والمساعدة، ولافتة الإعلان، إلخ). وهناك حاجة لصفحات الشبكة العنكبوتية لكي تحقق الترابط في حين تؤثر تأثيرا مباشرا؛ كما أنها بحاجة إلى بنية جنبا إلى جنب مع التفصيلات؛ وتحتاج المناطق التفاعلية إلى الوضوح والعملية؛ أما الكلمات، والصور، والأيقونات فإن هناك حاجة إلى أن تتوافق. وهذه متطلبات تواصلية لها وزنها، وتزايد استخدام اللون هو الوسيلة الرئيسية لتحقيق هذه المتطلبات. وكما يقول روجر برنج، في مناقشة للوضوح على الشبكة العنكبوتية:



التحكم في لون النص والخلفية هو أهم قضية, يليها محاولة توجيه اختيار المتصفح للحجم

وأسلوب الشكل الطباعي.



ومهما تكن الأمور الأخرى التي تنطوي عليها الشبكة العنكبوتية، فإن أكثر ما يلاحظ فيها هو أنها وسيط يستخدم الألوان، وفي هذا المجال وحده فإنها تتميز عن غيرها من حالات كلام الشبكة.





النص الفائق والتفاعلية


ربما كان أهم استخدام للون في موقع على الشبكة العنكبوتية مصمم جيدا هو تحديد روابط النصوص الفائقة – أي القفزات التي بإمكان المستخدمين القيام بها إذا ما أرادوا الانتقال من صفحة إلى أخرى أو من موقع إلى آخر. ورابط النصوص الفائقة أكثر الخصائص البنيوية أساسية للشبكة العنكبوتية، والتي بدونها ما كان للشبكة أن توجد. وله ما يضاهيه في الأمور المتعارف عليها في النصوص المكتوبة التقليدية – وبخاصة في استخدام أرقام الحواشي السفلية أو الإشارات المرجعية، التي تمكِّن القارئ من التحرك من مكان في أحد النصوص إلى مكان آخر - غير أنه لا شيء في اللغة المكتوبة التقليدية يشبه ولو من بعيد المرونة الحركية للشبكة العنكبوتية. وفي الوقت نفسه، فقد أشير إلى أن الشبكة العنكبوتية، بوضعها الحالي، بعيدة كثيرا عن استغلال التناص الكامل الذي توحي به كلمة النص الفائق. وكما يشير ميشيل جاكسون، فإن النص الفائق الحقيقي "يترتب عليه التشابك الكامل والتلقائي للنص، بحيث تصبح جميع الوثائق متوفرة في الوقت ذاته، ولا أحد منها يوجد في علاقة سابقة أو أساسية فيما يتعلق بأي نص آخر". وهذه بالتأكيد ليست هي الحال في الشبكة العنكبوتية اليوم، حيث لا وجود لبنك معلومات مركزي يضم جميع الوثائق، وحيث يكون الرابط بين موقع وآخر لا يضاهيه رابط في الاتجاه المقابل في أغلب الأحوال. وليس هناك من سبب يجعل هذا واجبا: إذ إن المواقع تملكها جهات مختلفة, وتتمتع بالاستقلالية، ولها بنيات مستقلة تماما عن بعضها. ومصمم أحد المواقع قد يضِّمن موقعه روابط إلى مواقع أخرى، ولكن ليست هناك وسيلة يعرف بها أصحاب هذه المواقع أن رابطا قد عُمل لهم (بالرغم من أن الالتزام بالحصول على إذن يبدو أنه في تزايد) وليس هناك التزام عليهم بأن يردوا المجاملة بالمثل. كما أن وجود رابط ما لا يعني أنه يمكن استخدامه – كما يعرف كل مَنْ صادف النوع الأسود الميت الذي يبلغه بأنه لا يمكن إتمام التوصيل. وبعض الحاسبات مزودة الخدمة ترفض الوصول إليها. وقد يزيل أصحاب المواقع صفحات منها، أو يغلقونها، دون إبلاغ أي شخص آخر – وهو ما يطلق عليه أحيانا "تعفن الرابط". وقد يغيرون مكانه أو اسمه. ومهما كان السبب، فإن النتيجة هي "رابط ميت" – أي إبحار إلى لا مكان.

وكما يشير تيم برنرز –لي، فإن رابطا ما لا يتضمن الموافقة: "إذ إن حرية الكلام في مجال النصوص الفائقة تتضمن 'الحق في الربط' وهي وحدة بناء أساسية جدا فيما يتعلق بالشبكة العنكبوتية بأسرها". والرابط ما هو إلا آلية لتمكين النص الفائق من أن يتحقق وجوده. وكما هي الحال مع جميع الأدوات، فإنه ينبغي استخدامه استخداما حكيما إذا ما أريد له أن يُستخدم جيدا – وهو ما يعني أول ما يعني الاعتدال. وكما ربما كان ويليام أوكام سيقول: "لا ينبغي الإكثار من الروابط أبعد مما تقتضيه الضرورة." وبالنظر إلى أن كل نص تقريبا يمكن ربطه، فإن المخاطرة تكمن في الإفراط في استخدام تلك الحيلة – سواء أكانت داخليا (داخل الصفة نفسها، أم فيما بين الصفحات في الموقع ذاته) أو خارجيا (فيما بين المواقع). ولكن تماما كما يمكن للمرء أن يفرط في استخدام الحواشي السفلية في نص تقليدي، فإنه يمكنه أن يبالغ في استخدام الروابط في صفحة على الشبكة العنكبوتية. وليست هناك قاعدة لإرشاد مؤلفي الشبكة العنكبوتية أو مصمميها فيما يتعلق بضرورة رابط ما أو بإسهامه في زيادة المعرفة. إذ إن المصمم يكون في الموقف الصعب الذي يمر به الأبطال المغمورون، وواضعو فهارس الكتب، الذي يحاولون استشراف جميع الأسئلة المحتلة المتعلقة باسترجاع المعلومات التي قد يثيرها قراء الكتاب في المستقبل. غير أن مصممي الصفحات يكونون في وضع أسوأ كثيرا، نظرا لأن "الكتاب" الذي تمثل وثيقتهم المعنية جزءا ضئيلا منه هو الشبكة العنكبوتية بأسرها. وما على المرء إلا أن يبذل قصارى جهده.

ومن وجهة نظر مستخدم الشبكة العنكبوتية، فإن الروابط يقدمها النظام. وعندما يصل البريد الإلكتروني لشخص ما على شاشتنا، فإنه يمكننا، إذا ما أردنا ذلك، أن نحرره – عن طريق الإضافة إليه، أو تغييره بطريقة ما. وهذا ليس ممكنا في حالة نص الصفحة التي تصل إلى حاسبنا الآلي من الحاسب مقدم الخدمة الذي نتبعه. ونحن، القراء، لا يمكننا أن نغير موقعا على الشبكة العنكبوتية: إذ إن صاحب الموقع هو الذي يستطيع ذلك. وللمالك سيطرة كاملة على ما يمكننا رؤيته وما يمكن الوصول إليه، وأيضا أية روابط يمكننا اتباعها. وبوصفنا مستخدمين للشبكة العنكبوتية، فإن ثلاثة مجريات للأمور تقع تحت سيطرتنا الكاملة: الاختيار الأولي لموقع معين؛ والتجوال داخل وثيقة بمجرد الوصول إليها؛ والقص واللصق منها. وبالرغم من أننا قد نختار أن نتبع رابطا في النص الفائق أتاحه لنا المصمم، فإن القرار الخاص بما ينبغي أن تكون عليه هذه الروابط ليس قرارنا. وكما يقول جاكسون:



فإن وجود رابط ما يعكس اختيارا تواصليا من قِبَل المصمم. ولذا، فإن رابطا ما يعد

أمرا استراتيجيا. والتنوعات المحتملة للبنية تشكلها أغراض التواصل، أكثر مما تشكلها

الوسائل التكنولوجية.



ونحن، بوصفنا مستخدمين، لا يمكننا إضافة روابطنا الخاصة. وأقصى ما نستطيعه هو أن نرسل رسالة لصاحب الموقع نقترح عليه فيها إضافة رابط ما. وحينئذ يكون الأمر متروكا تماما لصاحب الموقع في قبول الاقتراح من عدمه.

ولكي لكن يحدث هذا، فلا بد من بناء تفاعل داخل النظام. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تحقيق حلم برنرز – لي كاملا: وهو أن الشبكة العنكبوتية إبداع اجتماعي أكثر منه إبداع تكنولوجي … لمساعدة الناس على العمل معا". ويفترض العمل الجماعي الحقيقي تبادلا في توافر وسائل التواصل، بين مصممي الموقع ومستخدميه. وفي الوقت الراهن، في كثير من الأحوال، نجد أن الموقف غير متوازن: إذ إننا، نحن مستخدمي الشبكة العنكبوتية، يمكننا أن نصل إلى ما لديهم من معلومات، ولكنهم لا يستطيعون الوصول إلى ما لدينا منها (أو على الأقل، أسئلتنا وردود أفعالنا). ويصدر مؤلفو وايرد ستايل لمصممي الصفحات تحذيرا صريحا: "على الشبكة العنكبوتية، أنت تنسى جمهورك فتدفع الثمن." ولحسن الحظ أن هذا التحذير يبدو أنه يلقى آذانا مصغية. إذ إن الملامح المميزة لعدد متزايد من صفحات الشبكة العنكبوتية هي شخصيتها التفاعلية، كما توضحه مربعات الشاشة التي تقول اتصل بنا، راسلنا بالبريد الإلكتروني، انضم إلى قائمتنا، أسئلة مساعدة، أسئلة كثيرة الطرح، وغيرها من المربعات. والشبكة العنكبوتية لم تصبح مجرد متعهد لتقديم المعلومات. بل أصبحت أداة تواصلية, سوف تنمو نموا هائلا عندما تصبح جزءا من التليفزيون التفاعلي. ومما لا شك فيه أن الاتجاه يزداد تدعيمه كثيرا عن طريق سوَّاقة التجارة الإلكترونية، بملحقاته,ا "اشترك الآن"، و"احجز هنا"، و "المزاد الإلكتروني"، و"استوقفني واشتر واحدة". وقد أصبح أصحاب الشبكة العنكبوتية يدركون أنه بمجرد دخول شخص ما إلى أحد المواقع، فإن هناك احتمالا أكبر لبقائه هناك إذا كان الموقع يضم خيارا خاصا بالبريد الإلكتروني، أو يتيح منتدى للنقاش.





التطور والإدارة


نظرا لأن السمة اللغوية للشبكة العنكبوتية هي أمر في أيدي أصحاب المواقع فيها، فإن السؤال المهم يبرز حول ماذا سوف يحدث عندما يتغير هذا الوضع. إذ إن أي شخص يمكنه الآن أن ينشر صفحات على الشبكة العنكبوتية، حتى إن المصممين المحترفين ينتقدون بشدة الخلطات الطباعية غير الدارسة التي نتجت عن هذا الوضع، وأصدروا تحذيرات بشأن الحاجة إلى الحذر. وعلى سبيل المثال، فإن روجر بنج يقول:



شاشات الشبكة العنكبوتية قد تزدهر بالأفلام وتتزين بالمقطوعات الصوتية 

غير أن النص في اللحظة الراهنة هو الوسيلة الرئيسية للمعلومات والإقناع.

ولقد أصبح مظهره على الشاشة أمرا ضروريا أكثر من أي وقت مضى. إذ إن

المنافسة الحادة على جذب نظر المستخدم تعني أن الكلمات لابد منأن تجذب،

وتعطي معلومات (وربما تغري) بأسرع ما يمكن. وتوصيل الرسالة - الذي

لا تشوبه شائبة- حتى الشاشة هو الهدف والطريق إلى النجاح عريض،

غير أن سطحه غير ممهد.



والسطح غير الممهد أمر واضح في كثير من الصفحات على الشبكة العنكبوتية حاليا. إذ يفشل مجمعو الصفحات في احترام الحاجة إلى أن تكون السطور قصيرة، أو يفشلون في تقدير قيمة الأعمدة. وقد يبالغون في استخدام اللون وحجم الحروف، أو يقللون من شأن استخدام التنوعات المتاحة. كما يمكن أن يحاكوا عادات الطباعة على الورق، ناسين أن تقاليد لغة الـ HTML (Hypertext Markup Language) ("لغة علامات النص الفائق" التي تعطي التعليمات للحاسب الآلي عن كيفية تحديد الشكل الطباعي للنص) ربما كانت تختلف. ولنأخذ مثالا واحدا، فإن إعادة جزء الآلة المتحرك إلى وضع البداية يكفي للإشارة إلى نهاية الفقرة على الصفحة الورقية، ولكن على الشاشة فإن هذا لن يترتب عليه فقرة جديدة: ولضمان ذلك، فإنه لابد من إدخال بلغة علامات النص الفائق إلى النص في المكان المناسب. والاستخدام الخاطئ للسطور، والتقسيمات الغامضة للفقرات، والعناوين غير الموضوعة في أماكنها، وغيرها من مثل هذه الأخطاء هي النتيجة. وفيما يتعلق باللغوي، فإن هذا يعقِّد من مهمته تعقيدا هائلا، جاعلا الأمر من الصعوبة بمكان بحيث لا يمكن التوصل إلى نتائج حول الطبيعة اللغوية للوسيط. ويشبه الموقف ذلك الذي نجده في تعلم اللغة، حيث يمر المتعلمون بمرحلة من "اللغة الوسطى"، ليست هي لغة محددة أو غيرها. وكثير من صفحات الشبكة العنبكبوتية، من وجهة النظر الطباعية، تقع في وضع "بين بين".

وهناك نتائج لغوية أخرى ناشئة عن السذاجة فيما يتعلق بالشبكة العنكبوتية، عندما نأخذ في الحسبان أن الناس يكتبون محتوى لجمهور قراء من المحتمل أن يشمل جميع أرجاء العالم. كيف يتعلم المرء أن يكتب لملايين من القراء المحتملين، بوضوح وفي الوقت ذاته (آخذا في الحسبان الجمهور العالمي) يراعي الحساسيات الثقافية؛ وهذه النقطة موضع إدراك روتيني في مجموعات الدردشة (الفصل5). وتضم صفحات المساعدة بشأن الأخلاقيات في يوسنت، على سبيل المثال، ما يلي:



ضع السمة الخاصة بيوسنت من حيث إنها تغطي العالم كله في ذهنك عندما ترسل المقالات.

إذ إنه حتى أولئك الذين يستطيعون قراءة لغتك ربما كانت لهم ثقافة تختلف اختلافا شديدا عن

ثقافتك. وعندما تُقرأ كلماتك، فإنها ربما لا تعني ما تظن أنها تعنيه.



والنقطة تصبح أكثر قوة عندما نأخذ في الحسبان المدى الأوسع كثيرا للموضوعات التي يجري التواصل بشأنها على الشبكة العنكبوتية. غير أن الشبكة العنكبوتية تقدم لنا مشكلة مختلفة إلى حد ما. وهي أن لغتها لا تقع تحت سيطرة مركزية. فليس على الشبكة مديرون ذوو سلطات (ص 120). وقد يحاول بعض الحاسبات مقدمة الخدمة حظر أنواع معينة من المواقع، غير أن كميات هائلة من اللغة غير الخاضعة للرقابة تتسلل. ويوجد العديد من المواقع الهدف منها، وبحق، على النقيض من معايير التأدب والتهذب، أو يكون المقصد منها هو إتاحة الفرصة للناس للتنفيس عن أي شيء أزعجهم. ويمكن للغة التقليدية أن يُلتف حولها للتهرب من الحيل التي تستخدمها الحاسبات مقدمة الخدمة بغرض استبعاد المواد الإباحية: إذ قد يستخدم موقع على الشبكة العنكبوتية كلمات مشوقة وبريئة جنبا إلى جنب، وعند الوصول إلى الموقع فقط يدرك المرء أن المحتوى ليس ما نقله المعنى المعجمي. ويتواصل الجدال بشأن القضايا الاجتماعية والقانونية العديدة التي تثيرها هذه الحالات – مثل قوانين الفحش والتشهير، وأمر الأمان وضبط الأمن، ومسائل حرية التعبير – والتي جعلتها الاختلافات في الممارسة التي توجد بين الدول أكثر صعوبة. إذ إن الإنترنت، كما سبقت الإشارة كثيرا، لا يعترف بالحدود بين الدول.

ويترتب على القضايا المتصلة بحقوق نشر النصوص نتائج لغوية معينة. وبالرغم من أننا لسنا قادرين على تعديل صفحات شخص ما على الشبكة العنكبوتية تعديلا مباشرا، فإنه من الممكن أن نحمِّل وثيقة إلى حاسبنا الآلي، ونغير النص، ثم نبث الوثيقة الجديدة على موقع على الشبكة العنكبوتية أنشأناه لهذا الغرض. وبهذه الطريقة، فإنه من السهل نسبيا أن يسرق الناس أعمال الآخرين، أو أن يقتبسوا ذلك العمل بطرق لا يُشك فيها. وهناك رأي ذائع الانتشار مؤداه أن "المحتوى حر" وهو ما يغذيه كون كثير من صفحات الشبكة العنكبوتية كذلك. غير أن الحرية بحاجة إلى أن تُستكمَل بالمسئولية، وهذا أمر لا وجود له في كثير من الأحوال. إذ إن هناك أمثلة كثيرة على حالات التزوير. وتُرسَل نصوص إلى موقع يدَّعي أنها من تأليف شخص معين، في حين أنها ليست كذلك. وأنا أعرف من تجربتي الشخصية أن عبارات "أنا المؤلف" في بعض مواقع الكتب ليست كلها صادرة عن المؤلف. وهناك أمثلة عديدة معروفة للعبث بعمل أديب ما. غير أن هذا لا يبدو أنه يحد من عدد المؤلفين المستعدين لوضع أعمالهم مباشرة على الشبكة العنكبوتية.

ولمعظم النصوص المطبوعة التقليدية مؤلف واحد – وفي حالة ما إذا كان هناك أكثر من مؤلف، فإنه يجري التعامل بشأنها مع شخص واحد، مثل محرر النص أو أمين اللجنة. والعديد من الأشخاص قد يدققون وثيقة ما، قبل أن تُبث، للتأكد من الحفاظ على التوافق والنوعية. وحتى المادة التي ألفها شخص واحد لا تفلت من ذلك، إذ يوفر الناشرون محررين للنص ومدققين لإزالة أي جوانب ذاتية غير مقصودة ولتطبيق أسلوب الدار. وفي حقيقة الأمر فإنه من غير المعتاد إلى أقصى درجة أن نجد لغة مكتوبة لم يجر تحريرها بشكل من الأشكال – وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل المواد الخاصة بمجموعات الدردشة والعوالم المتخيلة مشوقة كثيرا (ص 152). ولكن على الشبكة العنكبوتية, فإن هذه المراجعات والتوازنات غالبا ما تكون لا وجود لها. وهناك صفحات لها عدة مؤلفين، حيث ينتقل الأسلوب على غير توقع من جزء من إحدى الصفحات إلى جزء آخر. وعندما يصبح أحد المواقع أكثر تفاعلية، زاد احتمال احتوائه على لغة من خلفيات لهجية مختلفة وتعمل على مستويات أسلوبية متباينة – والتنوعات في درجة الرسمية أمر شائع بصفة خاصة. ونظرا لأنه من السهل إبداء ردود الأفعال فيما يخص موقع تفاعلي، فإن ذلك كثيرا ما يحدث. وبذا تصبح السمة اللغوية لموقع ما انتقائية انتقاء متزايدا. وللناس قدرة على التأثير في لغة الشبكة العنكبوتية أكثر مما لديهم على أي وسيط آخر، لأنهم يعملون على كلا جانبي التواصل، الاستقبال والإرسال. وهم لا يقرأون نصا ما فحسب، بل يمكن أن يضيفوا إليه. وهكذا يصبح التمييز بين المرسِل والمستقبِل غير واضح المعالم. وأقرب ما يشبه ذلك مما نستطيع الوصول إليه، في حالة الكتابة التقليدية, هو أن نضيف آراءنا على هوامش كتاب, أو أن نعلِّم أجزاء من النص. ويمكننا أن نفعل ذلك روتينيا مع الصفحات التفاعلية، مع جعل إضافاتنا تتخذ شكلا طباعيا مطابقا لذلك المستخدم في النص الأصلي. وهذا ما يمثل كابوسا للأسلوبي.

وهو كابوس يزداد سوءا بمرور الزمن. ومنذ فترة قصيرة كنت أبحث في الشبكة العنكبوتية عن بعض المعلومات عن جزر البرمودا. وتلقيت الكثير من عناوين المواقع، ولكن العشرات القليلة الأولى كانت جميعها إعلانات عن سراويل برمودا القصيرة، والتي لم تكن بالضبط ما كان في ذهني. وهذه مشكلة من المشكلات المألوفة فيما يتعلق بمحركات البحث (ص 178)، ولكن ما كان ملحوظا بخصوص هذه النتيجة بعينها هو المدى الزمني الذي تغطيه عناوين المواقع. فقد كانت الإعلانات تقارير شهرية عن مدى المعروضات وأسعارها والتي تعود إلى عدة سنوات مضت – إبريل 1994، مايو 1994، وهكذا. وكان من الواضح جدا أن كثيرا من أصحاب المواقع لا يلغون صفحاتهم القديمة على الشبكة العنكبوتية؛ بل يتركونها هناك. ولست أعرف أي مصدر يمكن أن يحيطني علما إلى أي حد تُعد الشبكة العنكبوتية مقلب قمامة للمعلومات من هذا النوع. وما لم تتغير إجراءات إدارة المعلومات لكي تتماشي مع هذا، فإن هذه النسبة لابد من أن تزيد. وفي الوقت المناسب، سوى تكون هناك إشارة ضمنية لأي شخص يريد أن يستخدم الشبكة العنكبوتية بوصفها مادة علمية متزامنة، لكي يصدر أحكاما حول شخصيتها الأسلوبية. ولنقفز إلى الأمام خمسين عاما ونستدعي موقعا تفاعليا كان الناس يسهمون فيه على امتداد جيلين. وسوف تعكس إسهاماتهم التغيرات في اللغة التي حدثت في الفترة بأكملها، عاكسة كلمات وعبارات اصطلاحية غير معروفة بعد، بل وتغيرات في الهجاء, والنحو، وأنماط الخطاب. وبالرغم من أن بعض المواقع تضع تاريخا بالفعل على جميع الإسهامات (مثل ردود أفعال القراء على موقع أمازون)، فإنه من المؤكد أنه ليست جميع المواقع تفعل ذلك. وفي أسوأ الحالات فإنه يمكن أن نصادف نصا واحدا كتبه عدد غير محدد من الناس في أوقات غير محددة على امتداد عدة سنوات. والمتنافسون العديدون على "أطول جملة في العالم على مر الزمان" يقعون بالفعل داخل هذا الإطار. وفي حين تعد هذه أمثلة على التلاعب باللغة، فإن الأفكار الضمنية للبحث الأسلوبي الجاد لها نتائج بعيدة. ولكن تناول السمة الزمنية الآخذة في الازدياد للشبكة العنكبوتية، والتماشي مع الركام، يثير قضايا تتجاوز كثيرا القضية اللغوية.

وتكمن المشكلة فيما يتعلق بمفهوم "المعرفة" في أنه مفهوم شامل لكل شيء. إذ إن سعر سروال برمودا القصير في إبريل 1994 يعد معرفة. وينطبق هذا أيضا على ما يحكيه أ.ن. أذر عن قطع علاقته مع صديقته، والذي نجده على صفحته على الشبكة العنكبوتية. ولذا فإن مهمة التقويم تمثل صلب إدارة المعرفة. ولابد من إصدار أحكام على الأهمية في مقابل تفاهة الشأن، بالإشارة إلى وجهة نظر معينة، كما لابد من إرساء معايير تجعل من تطبيق مفهوم العلاقة بالموضوع أمراً ممكنا. والشكوى الشائعة في هذه الأيام هي أن المعرفة تغرقنا؛ وعبارات مثل "حِمْل المعلومات الزائد" نجدها في كل مكان. إذ ما فائدة أن أحاط علما بأنه إذا ما بحثت عن "علم اللغة" على محركة البحث التي أستخدمها، فإنني أجد عناوين 86264 موقعا وكان جزءاً من تصور برنرز – لي هو التشارك في المعرفة: "حلم تواصل الناس مع الناس من خلال تشارك المعرفة لابد من أن يكون ممكنا فيما يتعلق بمجموعات من جميع الأحجام". ولكن ما لم يُخضَع مفهوم التشارك لنوع من أنواع التقويم، فإن الحلم يبدأ في اتخاذ سمات كابوسية. وفيما يخص برنرز –لي، فإن جزءا آخر من الحلم يتمثل في "شبكة عنكبوتية قائمة على الدلالة … وقادرة على تحليل جميع المعلومات على الشبكة – المحتوى، والروابط، والتفاعلات بين الناس والحاسبات الآلية". وهذه نظرة مثيرة، سوف تجعل أجيالا من علماء الدلالة الذين لم يولدوا بعد يجدون وظائف لهم. غير أنه ليست هناك نظرية دلالية أو براجماتية صيغت حتى الآن قادرة على تنفيذ نوع التحليل المتقدم الخاص بالعلاقة بالموضوع الذي قد يكون مطلوبا.

بل إن أكثر المعايير أساسية لا وجود له في تقنيات استرجاع المعلومات التي تتحكم فيها إلى حد بعيد التكرارية، والتي تستخدمها حاليا محركات البحث. وجميع هذه المحركات تستخدم عنصرا من التصنيف الخاص بدوائر المعارف في إجراءاتها، غير أن هذا يمثل جزءا صغيرا من الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية تطبيق الصلة بالموضوع. وأي مساعد يعمل في أحد محركات البحث بحاجة إلى أن يضيف إلى وجهة نظرها الخاصة بدوائر المعارف وجهة نظر دلالية. ويمكن التمثيل للمشكلة بكلمة depression، التي إن "طُبعت داخل مربع محرك بحث ما سوف ينتج عنها مجموعة متنوعة من عناوين المواقع لا يجري فيها التمييز بين معاني الكلمة في الطب النفسي، والجغرافيا، والاقتصاد (ولا، بطبيعة الحال، الاستخدامات الأقل انتشارا، مثلما في صناعة الزجاج والأدب). والتجربة المتعلقة بالتصيد خلال حمل كبير من العناوين غير ذات الصلة بسياق بحثنا تجربة واسعة الانتشار إلى أقصى حد. والحل واضح: وهو إعطاء المستخدم فرصة اختيار السياق المطلوب. فيُسأل المستخدم على الشاشة: "هل تعني depression (اقتصاد) أو depression (طب نفسي) أو depression (جغرافيا) …؟" وبمجرد الاختيار، تبحث البرامجيات فقط عن تلك العناوين المتعلقة بالاختيار. ويبدو الإجراء بسيطا، غير أنه ليس كذلك، إذ إن مفهوم السياق لابد من أن يصاغ وأن تُجعل النتائج جزءا لا يتجزأ من البرامجيات. ولكن ما الأساس الدلالي لمجال مثل علم الاقتصاد أو الطب النفسي، أو أي من مجالاتهما الفرعية ذات الصلة؟ وأي مفردات هي المفردات "المفتاح" التي يُبحث عنها، وكيف تُنظم؟ وتتعدى المهمة كثيرا مجرد التدقيق في الكلمات التي يضمها معجم أو مستودع كلمات، إذ إن هذه يمكن أن تقدم نقطة بداية، ولكن الترتيب الألفبائي للمعجم والتجميع المفهومي غير المسيطر عليه لمستودَع الكلمات ينقصه نوع التركيز الدلالي الحاد المطلوب. وفي علم اللغة، طُوِّرت عدة مفاهيم لتحقيق مثل هذا التركيز – مثل التعرف على المفردات (في مقابل الكلمات)، والحقول الدلالية، وعلاقات المعاني، وتحليل المكوِّنات لمعاني المفردات. غير أن هذه أيضا ليست بدون مشكلات، ولكنها تتمتع بإمكانيات هائلة للتطبيق في حالات يعاون فيها الحاسب الآلي مثل البحث في الشبكة العنكبوتية والتصنيف التلقائي للوثائق، بمجرد أن تُحوَّر البرامجيات بحيث تتماشى مع هذا.

كما أن عدم وجود استخدام دلالي أوَّلي يفسر نظم البرامجيات التي تحاول تقويم محتوى مواقع الشبكة العنكبوتية (برمجيات الرقابة)، والتي تضع حروف X بدلا من أجزاء من الكلمات، وعدم السماح لصفحات بالمرور، أو منع الوصول إلى المواقع التي تحتوي على كلمات "خطيرة". وعلى هذا، وكما ذكر مرة أحد الطلاب، فقد "مُنع من الدخول إلى موقع مدرسته الثانوية على الشبكة العنكبوتية من مكتبة المدرسة لأن البرامجيات اعترضت على كلمة high*. كما أن امرأة لم يُسمح لها بتسجيل اسم المستخدم hillaryanne مع شركة بريد إلكتروني معينة لأنه احتوى على كلمة aryan [آري]. كما أن المواقع التي تحارب المواد الإباحية يمكن حظرها لأنها تحتوي على كلمات مثل مواد إباحية. وفي عام 2000، عقدت (شبكة الحرية الرقمية) مسابقة بعنوان "تغلَّب على المصفِّيات" بغرض إيضاح عدم إمكانية الاعتماد على برمجيات الرقابة. وقد منحت جائزتهم المسماة جائزة العين السليكونية) ("الخاصة بالعثور على محتوى معترض عليه لا ينظر إليه سوى حاسب آلي") إلى شخص أراد أن يسجل في أحد المواقع ولكنه لم يقبل الاسم Heather لأنه اشتمل على عبارة eat her!** كما أعطيت جوائز شرفية لباحث آخر لم يتمكن من دخول موقع تكنولوجيا حيوية لأن اسمهorg accessexcellence. [ادخل إلى التميز] احتوى على كلمة sex [الجنس]. ومما لاشك فيه أن سكان Essex [إسكس] و ] Sussexسسكس،[ والأشخاص الذين اسمهم Cockburn و Babcock*, أو أي شخص يستخدم الاسم Dick اسما له، يصادفون مثل هذه المشكلات بشكل روتيني. ومن الأمثلة الأخرى للكلمات التي حُظرت cucumbers (لأنها تضم cum**] و Matsushita (لضمها ***shit) و analysis (لضمها ****anal) و class (لضمها ass*****) و speech (لضمها pee******). ومما يمثل إلغازا أكبر، أنه من بين الكلمات التي منعتها بعض نظم برمجيات الاتصالات الكلمات golden، mate، و scoop. والسذاجة اللغوية التي تكمن خلف اتخاذ قرارات مثل هذه تتوسل إلينا حتى نصدقها.

وتؤثر جوانب القصور اللغوية في برمجيات معالجة الكلمات ومحركات البحث في قدرتنا على العثور على ما هو موجود على الشبكة العنكبوتية وذلك بعدة طرق، وفي نهاية المطاف لابد بالتأكيد من أن تؤثر في حدسنا الخاص بطبيعة اللغة. وهكذا تفعل أيضا محاولات التحكم في الاستخدام في مجالات تختلف عن تلك السليمة سياسيا. وأي كتَّاب لم يشعروا بالغضب إزاء الطريقة التي حاول بها المتحذلقون في شركات البرامجيات التدخل في أسلوبهم، من خلال إرسال تحذير عندما تتجاوز جملهم طولا معينا، أو عندما يستخدمون كلمة which بدلا من that (أو العكس)، أو ise- بدلا من –ize (أو العكس)، أو يجرؤون على استخدام مصدر مشقوق وبطبيعة الحال، فإن النصيحة يمكن أن يُبطل عملها؛ ولكن كثيرا من الناس لا يبالون بإغلاقها، أو لا يعرفون كيف يفعلون ذلك. وأحيانا لا يريدون إغلاقها، نظرا لأنهم يخسرون شيئا ذا قيمة لو فعلوا ذلك. وعلى سبيل المثال، فإن البرامجيات التي تتحكم في الصفحة التي أقوم بطباعتها الآن، تُدخل خطا متعرجا أحمر تحت أي شيء وقع هجاؤه خطأ، وفقا للمعجم الذي يستخدمه. وأنا أجد أن هذا أمر مساعد، لأنني لست طابعا ممتازا. ولكن من ناحية أخرى فقد وضعت توا خطا تحت scrutinizing و formalized ، في الفقرة السابقة* (وليس، للغرابة تحت organized). وتسبب الخطوط الحمراء شعورا مستمرا بالضيق، وتتطلب قدرا حقيقيا من قوة الإرادة حتى لا تستسلم لها وتختار الصيغة التي تقترحها البرامجيات. أما إن كان الآخرون يقاومون هذا التهديد المتسلل للتنوع اللغوي، فإن هذا مالا أعرفه. أما إحساسي فهو أن عددا كبيرا من حالات التميز الأسلوبي القيمة تتعرض للخطر عن طريق هذا الالتقاء المتكرر بأفضليات الاستخدام المعيارية الخاصة بالمبرمج. ومن المحتمل أن تؤثر المعاجم وكتب النحو الموجودة على الشبكة في الاستخدام أكثر مما فعلت نظائرها التقليدية التي وضعها فاولر. وسوف يكون جيدا أن نرى واقعية وصفية أفضل تخرج إلى الوجود، وتمنح اهتماما للتعقيد اللغوي – الاجتماعي والأسلوبي الذي يوجد في اللغة، ولكن في الوقت الحالي فإن التوصيات تتصف بالمعيارية، ومبسطة تبسيطا مخلا، وتتسم بروح صفائية تدعو إلى الأسى (ص 64).

ولذا فإنني مسرور لرؤية دخول التهكم وسيلةً لجذب الانتباه إلى المشكلة. وتمثل المقالة الصحفية التي كتبها بوب هيرشفيلد "تجاوز الحدود: الماضي التام" أحد الإسهامات في هذا المجال. وفيها يصف الفيروس المميت سترنكنهوايت الذي يعيد رسائل البريد الإلكتروني إلى مرسليها إذا كانت تحتوي على أخطاء هجائية أو نحوية. ويشرح ذلك قائلا:



يسبب الفيروس شيئا يشبه الرعب على امتداد أمريكا الموحدة، التي أصبحت معتادة على

الأخطاء الطباعية، والهجائية، والكلمات الغائبة والنحو الفاسد وهي الأمور التي أصبحت

تحظى بقبول وافر في فضاء الاتصالات. وقال كبير المديرين التنفيذيين في شركة

Lose It All.com [اخسر كل شيء. شركة] وهي شركة ناشئة في مجال الإنترنت: إن 


الفيروس قد جعله بلا حول ولا قوة. "ففي كل مرة حاولت إرسال رسالة بريد إلكتروني معينة،

كنت أتلقى هذه الرسالة الدالة على وقوع خطأ: "إن جملتك التابعة التي تسبق جملتك المستقلة

لابد من أن تفصلها فصلات، ولكن ينبغي أن تسبق فصلة أداة الربط. وألقيت بجهاز 

الحاسب المحمول الخاص بي على امتداد الغرفة."



ويختتم مقالته قائلا:



"نحن لا يمكننا أن نتخيل نوعية العقل الملتوي الذي يريد أن يعبث برسائل البريد الإلكتروني


حتى يضع هذا العبء على التواصل" هكذا صرح عميل بمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أصر

على الحديث عبر الهاتف من باب الانزعاج من أن محاولة إرسال تعليقاته بالبريد الإلكتروني

يمكن أن تجعله مربوطا أمام الحاسب الآلي لمدة ساعات.



ومن الجميل أن نرى بعض الفنانين يدلون بدلوهم. إذ إن الفائز بجائزة تيرنر واسمه توموكو تاكاهاشي لديه مشروع شبكة عنكبوتية صممه بهدف الاعتراض على الطريقة التي تفرض بها البرامجيات لغة موحدة منمذجة على كتابتنا"، في حين "تغير بخفاء معناها". ويسمى مشروعه Word Perhect.

ولا يمكن تجنب درجة ما من المعيارية في الاسترجاع التلقائي للمعلومات، وفقا لتعليق ترنس بروكس، المتخصص في المكتبات وعلوم المعلومات.



بالرغم من أنه يقال إن الباحثين في استرجاع المعلومات "يبحثون في قاعدة بيانات"

أو "يبحثون عن وثائق"، فإن هذه الاستعارات تلقي بظلالها على واقع المهمة الأكثر

صلة بالواقع المتعلقة بالمزواجة بين الكلمة موضع الاستفسار والكلمة موضع الإجابة.

وفي منظومة استرجاع معلومات تضم نصا لاقيود عليه، فإن مهمة المزواجة بين

مجموعة من الحروف ومجموعة أخرى ستكون أمرا من الصعوبة بمكان إلا إذا كانت

هناك وسيلة معيارية تعالج كلا نصي الوثيقة والاستفسار.



ولكن في مقابل كل قرار نحو المعيارية يسفر عن نتائج يمكن التغاضي عنها فيما يتعلق بالمعنى اللغوي (مثل معيرة كمية المسافات الفارغة فيما بين الفقرات)، توجد عدة قرارات يترتب عليها فقد تفصيلات لغوية دقيقة مهمة. وإذا لم يُعط اهتمام كاف للترقيم، واستخدام الشرط القصيرة، واستخدام الحروف الكبيرة، والرموز الخاصة (مثل &، /، *، $) فإنه من الممكن فقد معلومات تمييزية ذات قيمة. وعندما يجري تجاهل أمور متباينة تنتمى لهذا المجال خلال عملية البحث، وهو ما يحدث غالبا، فإنه تظهر جميع أنواع الخروج عن المألوف، ويصبح من الصعوبة إلى أقصى حد تحقيق الاتساق. ولا يقدر مصممو البرامجيات تقديرا كافيا حجم التنوع الموجود في المنظومة الإملائية، ولا الطبيعة المتغلغلة للتغير اللغوي، ولا التأثير الذي يمارسه السياق في اتخاذ قرار حول ما إذا كان أحد الملامح الإملائية إجباريا أو اختياريا. وعلى سبيل المثال، فإن هناك سياقات لا يترتب فيها على تجاهل الفاصلة العليا في بحث ما نتائج مهمة (مثلما في St. Paul's Cathedral) [كاتيدرائية القديس بول] ، حيث تُحذف الفاصلة العليا غالبا في الاستخدام العام على أية حال)، ولكن في سياقات أخرى فإن الأمر يمكن أن يتسبب في قدر كبير من التشوش. ويمكن لأسماء الأعلام أن تعاني الاضطراب – إذ إن John O’Reilly ليس هو John Oreilly أو John O Reilly (وهذه مشكلة كبرى في لغات مثل الفرنسية والإيطالية، حيث تشيع صيغ مثل d' و 'l). كما أن الشرط الصغيرة يمكن أن تلعب دورا حاسما في توحيد الكلمات، كما في CD-ROM و X-ray [الأسطوانة المضغوطة، والأشعة السينية]. وتنشأ مشكلات مشابهة عندما تُستخدم الشرط المائلة والشرط الطويلة للفصل بين الكلمات أو بين أجزاء الكلمات داخل تعبير ما، كما هي الحال في الأسماء الكيميائية. كما أن عدم السماح بالأمبرساند* يجعل العثور على أسماء مثل AT&T أو P&O أمرا صعبا، سواء أكُتبت كلمةً واحدة أم باستخدام الفواصل؛ وفي هذه الحالة قد لا نحصل على أية عناوين مواقع، أو التتابع P…O تغمره عناوين أخرى تشتمل على P O، حيث لا يكون لعلامة الأمبرساند أي دور في تحديد هويتها. وعندما يتضمن البحث ذاته أكثر من واحدة من هذه العلامات التقليدية، فإنه سرعان ما نقدر إلى أي مدى يبسِّط محرك البحث التعقيد الحقيقي للغة. ويشير بروكس إلى أن تتابعا مثل brother-in-law O'Toole من شأنه أن يُعاير بطرق مختلفة في النظم المختلفة لاسترجاع المعلومات. ويزداد الأمر سوءا إذا ما اتضح أن O’Toole هو واضع نسخة معينة من أحد البرامجيات، كما في Brother-in-law O'Toole's 'Q & A' System/Version 1.0. وقليل منا هم الذين من شأنهم أن يعرفوا ماذا يتوقعون من أي منظومة برمجيات تعالج طلب البحث هذا.

وتثير الكلمات التي تتجاهلها النظم المختلفة مشكلة خاصة. إذ إنها تضم عادة قائمة من الكلمات النحوية العالية التردد، غير أنها تنطوي على قدر ضئيل من المعنى الدلالي (مثل عنوان رواية أو فيلم)، أو تكتب بالهجاء نفسه لكلمات محتوى – وهو ما يترتب عليه في هذه الحالة عدم إمكانية استرجاعها. وعلى سبيل المثال، فإن الشركة الهولندية التي أُجرى ي لحسابها مشروع ALFIE (انظر الحاشية 23) أُطلق عليه اسم AND (الأحرف الأولى من أسماء مؤسسيه)؛ ونظرا لأن and من شأنها أن تكون في أي قائمة للكلمات التي يجري تجاهلها، فإن أي محركة بحث لا يميز بين استخدام الأحرف الكبيرة والصغيرة سوف يجعل من هذا التتابع من الحروف أمرا يكاد يستحيل العثور عليه في العدد الهائل من العناوين التي يبرز فيها استخدام كلمة and. وحالة كلمة AND ليست فريدة، كما يعرف أي شخص حاول البحث عن العِلْم IT [تكنولوجيا المعلومات] – ناهيك عن رواية ستيفن كنج المسماة It. والعديد من الصيغ التي تكون نحوية في سياق معين تصبح كلمات محتوى في سياق آخر، مثل a في Vitamin A [فيتامين أ]، A-team [الفريق الأول]، ورواية آندي وارهول a، أو كلمة who في ] Doctor Who الدكتور مَن ،[بالإضافة إلى تعدد الموجود في كلمات مثل will و may (قارن بكلمة May). والعثور على ولايات بالولايات المتحدة من خلال الاختصارات، في ظل هذه الظروف، يمكن أن يُتطلب الحذر: إذ إنه ليست هناك مشكلة في حالة ولايات مثل KY (كنتكي) و TX (تكساس)، ولكن سيكون من غير الحكمة محاولة البحث عن إنديانا بوصفها (IN)، أو مين بوصفها (ME)، أو أوريجون بوصفها (OR)، بل وأوهايو بوصفها (OH) وأوكلاهوما بوصفها (OK). كما أن الاختلافات عبر اللغات تضيف مزيدا من التعقيدات: إذ إن تلك الحاسبات التي تحظر an و or في الإنجليزية إنما تستبعد الكلمات التي تعني "سَنَةٌ" و "ذهبٌ" في الفرنسية (جنبا إلى جنب مع جزء مهم من شعارات النبالة الإنجليزية، حيث يعد المصطلح or مصطلحا ذا أهمية كبرى). وتعلق ك. ل. بورجمان قائلة:



عندما يدخل العالم الناطق بغير الإنجليزية على الخط على الشبكة ويحتفظون بالمجموعات

الكاملة لحروفهم في دلائلهم المصورة على الخط وغيرها من نظم استرجاع المعلومات،

فإن مزاوجة طلب الملفات، ومُدخلات لوحة المفاتيح، والعرض، سوف تصبح أكثر تعقيدا

مما كانت عليه في أي وقت من الأوقات.



وهذا هو بالتحديد العالم الذي يدخل إلى الخط حاليا، وبأعداد متزايدة؟





اللغات في الشبكة العنكبوتية


الشبكة العنكبوتية وسيط متعدد المصادر، ويتضح ذلك أيضا في انطوائه على تعددية لغوية. ولا تقتصر على إتاحة المكان لجميع الأساليب اللغوية في إطار لغة ما؛ بل تتيح مكانا لجميع اللغات – بمجرد أن تتوافر لدى الجماعات التي تتكلمها تكنولوجيا حاسب آلي وظيفية. ولقد كان هذا أبرز التغيرات منذ بداية الشبكة العنكبوتية. فقد كانت وسيطا يستخدم الإنجليزية بكامله – كما كانت الحال مع الإنترنت بأسره، إزاء أصوله الأمريكية. ولكن مع عولمة الإنترنت، فإن وجود اللغات الأخرى أخذ يزداد باضطراد. وفي أواسط التسعينيات، كان من ضمن الأرقام التي تذكر كثيرا أن أكثر من 80% من الشبكة كانت باللغة الإنجليزية. وقد أيد هذا مسح في عام 1997 أجرته بابل، وهو مشروع مشترك لجمعية الإنترنت وتكنولوجيا أليس، وهي أول دراسة كبرى لتوزيع اللغات على الإنترنت. وقد استخدمت هذه الدراسة مولَّد أعداد عشوائية للعثور على 8000 حاسب آلي يتحكم في حاسب مزود للخدمة من نوعية بروتوكول نقل النصوص الفائقة، ثم تولي برنامج إخضاع مجموعة مختارة من الصفحات للتعرف التلقائي على اللغات المكتوبة بها، باستخدام برمجيات كان بإمكانها التعرف على 17 لغة. ومن بين 3239 صفحة عُثر عليها، كان توزيع اللغات (بعد تصحيح الأنماط المتعددة للأخطاء المحتملة) كما هو موضح في الجدول 7-1. والهوة الفاصلة بين اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى هوة ملحوظة، وتؤيد الانطباع المنتشر، الذي كثيرا ما يرد في عناوين الصحف، من أن لغة الإنترنت "ما هي إلا" الإنجليزية. وقد كان "الشبكة، العنكبوتية، العالمية: 3 كلمات إنجليزية" هو عنوان إحدى المقالات في صحيفة نيويورك تايمز، ومضت المقالة تعلق: "إذا أردت أن تستفيد أقصى استفادة من الإنترنت فإن هناك طريقة حقيقية وحيدة لكي تفعل ذلك: تعلم الإنجليزية". غير أن الكاتب اعترف بوصول لغات أخرى:



الجدول 7-1 توزيع اللغات على الشبكة العنكبوتية (انظر الحاشية السفلية 34)



الترتيب
اللغة
عدد الصفحات
النسبة المئوية المصححة

1
الإنجليزية
2722
3,82

2
الألمانية
147
0,4

3
اليابانية
101
6,1

4
الفرنسية
59
5,1

5
الأسبانية
38
1,1

6
السويدية
35
6,0*

7
الإيطالية
31
8,0

8
البرتغالية
21
7,0

9
الهولندية
20
4,0

10
النرويجية
19
3,0

11
الفنلندية
14
3,0

12
التشيكية
11
3,0

13
الدانمركية
9
3,0

14
الروسية
8
1,0

15
المالوية
4
1,0


غير معروفة

6,5

المجموع

3239
100




كلما نمت الشبكة العنكبوتية فإن عدد الأشخاص الذين يتكلمون الفرنسية مثلا، أو الروسية

سوف يصبح أكثر تنوعا وهذا التنوع سوف يُعبر عنه على الإنترنت. وهذا هو السبب في

أنها تكنولوجيا ديموقراطية أساسا.



إلا أنه يختتم مقالته قائلا:



غير أن هذا لن يحدث بالضرورة قريبا.



وهناك دليل متزايد على أن هذه الخاتمة كانت خطأ. إذ إن تقديرات اللغات غير الإنجليزية قد ازدادت باضطراد، مما جعل بعض المعلقين يتنبأون بأنه قبل مضي وقت طويل فإن الشبكة العنكبوتية (والإنترنت بأسره) سوف يصبحان غير إنجليزيتين في أغلبهما، مع تطور بنية الاتصالات في أوروبا، وآسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية. وقد قدر مسح أجرته مؤسسة جلوبال ريتش أن عدد الأشخاص الذين لديهم إمكانية الاتصال بالإنترنت في الدول غير المتحدثة بالإنجليزية قد ارتفع من 7 ملايين إلى 136 مليونا بين عامي 1995 و2000. وفي عام 1998، تجاوز العدد الإجمالي لمواقع الشبكة العنكبوتية المنشأة حديثا والتي لا تستخدم اللغة الإنجليزية عدد تلك المواقع المنشأة حديثا التي تستخدم الإنجليزية، وكانت الأسبانية، واليابانية، والألمانية، والفرنسية هي اللغات الأساسية التي دخلت حلبة السباق. وكانت ألتا فيستا تضم ستة مواقع أوروبية في بواكير عام 2000 وتوقعت أنه بحلول عام 2002 سيصبح أقل من 50% من المواقع على الشبكة باللغة الإنجليزية. بل إن جرادول توقعت رقما أدنى في الوقت المناسب، وهو 40%. وفي مناطق معينة من العالم، تسود بالفعل اللغة المحلية. ووفقا لمؤلف الإنترنت الياباني يوشي ميكامي، فإن 90% من مواقع الشبكة العنكبوتية في اليابان هي الآن باللغة اليابانية. وقد أشار تقرير نشرته في أكتوبر سنة 2000 جوبتر ميديا ماتركس إلى أن أكبر نمو في عدد المنازل التي ستتصل بالإنترنت خلال السنوات الخمس الأولى من القرن الحالي سيكون خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وقدر مسح نوا للإنترنت أُجري في الشهر السابق أن حوالي 378 مليون شخص كانوا متصلين بالإنترنت في جميع أنحاء العالم: ومن بين هؤلاء 161 مليونا في أمريكا الشمالية و 106ملايين في أوروبا. ومن المشوق أن 90 مليونا كانوا في آسيا ومنطقة المحيط الهادي، وهو مجموع من المحتمل أن يتجاوز العدد في أوروبا قريبا، إزاء النمو السكاني الذي يميز بين هذين الجزءين من العالم. أما العدد في أمريكا اللاتينية وهو 15 مليونا والعدد الصغير وهو 3 ملايين في أفريقيا فإنهما يوضحان إمكانات النمو في تلك المناطق في يوم من الأيام.

والشبكة العنكبوتية آخذه بازدياد في عكس توزيع وجود اللغات في العالم الحقيقي، وهناك مجموعة متزايدة باضطراد من المواقع تقدم الدليل على ذلك. وهي تتراوح بين شركات فردية تبذل قصارى جهدها لتقديم هوية متعددة اللغات وبين المواقع الكبرى التي تجمع معلومات عن كثير من اللغات. وتحت هذا العنوان نجد العديد من الصحف، مثل الصحيفة البلجيكية اليومية لو سوار [الصباح] التي تقدم بست لغات: الفرنسية، والهولندية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية. وتحت العنوان الأخير نجد مواقع مثل موقع محفوظات جامعة أوريجون للخطوط، الذي يتيح 112 مجموعة خطوط مختلفة تخص أكثر من 40 لغة - ومن بينها، وفي ملحق خفيف الظل اللغات مورس، وكلينجتون، ورومولان، وتولكاين (سيرث، وإلفيش، إلخ…). ويقدم مرشد مصادر اللغة التفاعلي التابع للمركز نفسه معلومات عن 115 لغة. ويحتوي موقع مصادر اللغات في العالم على قوائم بمنتجات 728 لغة. وتركز بعض المواقع على أجزاء معينة من العالم: فتغطي قائمة مصادر إفريقية عدة لغات محلية، ولغة اليوروبا، مثلا، ممثلة بنحو 5000 كلمة، بالإضافة إلى أمثال, وقوالب التسمية، والتحيات. في حين يتناول موقع آخر ما لا يقل عن 87 من لغات الأقليات في أوروبا. وبعض المواقع صغيرة جدا في محتواها، ولكنها واسعة المدى: إذ تعطي إحداها صلاة الرب في نحو 500 لغة. ولم يتوصل أحد حتى الآن إلى عدد اللغات التي أصبحت تتمتع باليسير من الحضور على الشبكة العنكبوتية. وقد بدأت في التتبع التنازلي لقائمة إثنولوج للغات العالم، ولكني توقفت عندما وصلت إلى الرقم 1000. ولم يكن من الصعب العثور على دليل على الوجود في الشبكة فيما يخص الغالبية العظمى من اللغات الأكثر استخداما في العالم، وفيما يتعلق بعدد كبير من لغات الأقليات أيضا، وبخاصة في تلك الأجزاء من العالم المتقدمة تكنولوجيا التي يتصادف وجود أعداد كبيرة من لغات الأقليات أو اللغات المعرضة للخطر بها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا. وأخمن أن نحو ربع لغات العالم تحظى بنوع ما من أنواع الوجود على الإنترنت حاليا.

أما إلى أي حد يستفاد من هذه المواقع، فإن هذا أمر آخر. وإلى أن تتجمع كتلة حرجة من تغلغل الإنترنت في بلد ما، وتتوافر كتلة مماثلة من المحتوى باللغة المحلية، فإن الدافع للتحول عن المواقع باللغة الإنجليزية سوف يقتصر على أولئك الذين ترجح كفة قضايا الهوية لديهم قضايا المعلومات. ومفهوم "الكتلة الحرجة" معترف به في قانون متكالف (المسمى على اسم مخترع شبكة الأثير روبرت م. متكالف): وهو يعني أن الشبكات تزيد في وظيفتها بمقدار مربع عدد التفريعات التي تحتوي عليها. وبعبارة أخرى، فإن موقعا وحيدا بلغة ما عديم الفائدة، لأن صاحبه ليس لديه أحد يربط موقعه به؛ ويتيح موقعان الحد الأدنى من إمكانية التواصل؛ وهكذا. كما أن المستقبل يعتمد إلى حد بعيد على مستويات القدرة على التحدث باللغة الإنجليزية في دول فردية، واحتمال مزيد من النمو في تلك المستويات. ونجد أيضا خلطا بين الأنظمة الشفرية في كثير من حالات الإنترنت التفاعلي، وإن كان ليس كثيرا جدا على الشبكة العنكبوتية حتى الآن. كما أن التقدم التكنولوجي (انظر الفصل 8) سوف يغير هذا الموقف تغييرا جذريا. وليس هناك شك في أن استخدام الإنترنت منخفض التكلفة سوف يزداد، في جميع أرجاء العالم، عندما تضع الشبكات اللاسلكية الإنترنت في متناول أيدي الناس في الدول النامية الذين سوف يستخدمون أجهزة تزودها بالطاقة خلايا شمسية أو مولدات ميكانيكية. كما أن أجهزة الهاتف المتنقلة العالمية سوف يكون فيها مستقبلات للأطباق الفضائية في شريحة داخل الجهاز، مع الاتصال بالقمر الصناعي من خلال المدار الأرضي المنخفض. ولابد من أن يكون لكل هذا تأثيره في وجود اللغات. 

وفي الأمثلة السابقة، نصادف وجودا للغات بالمعنى الحقيقي. إذ إن هذه مواقع لا تقوم فحسب بتحليل اللغة أو الحديث عنها، من وجهة نظر علم اللغة أو غيره من المواد الأكاديمية؛ بل هي مواقع تسمح لنا بأن نرى اللغات كما هي. وفي كثير من الحالات، يكون الوجود على الشبكة العنكبوتية بأكمله، من حيث عدد الصفحات، صغيرا جدا. غير أن النقطة الحساسة هي أن اللغات موجودة هناك، حتى ولو مثلتها مواقع متناثرة. وهي الوسيط المثالي للغات الأقليات، إزاء الرخص النسبي وسهولة إنشاء صفحة على الشبكة العنكبوتية، مقارنة بتكلفة الحصول على صفحة في صحيفة فضلا عن صعوبة ذلك، أو برنامج أو إعلان في الإذاعة أو التلفزيون. ومن ناحية أخرى, فإن تحقيق وجود ذي مغزى في عالم الاتصالات ليس أمرا سهلا. ويعلق نود توماس، في مقاله افتتاحية بصحيفة كونتاكت، في معرض إمعان النظر في السيادة الآخذة في التناقص للغة الإنجليزية على الشبكة (ص 195):



ليس الأمر هو … أن جميع اللغات سوف تنزوي إلى الهامش بفعل اللغة الإنجليزية.

بل على النقيض من ذلك, فإنه سوف يكون هناك طلب هائل على المواقع متعددة اللغات، وعلى

استرجاع المعلومات المتعدد اللغات، وعلى الترجمة الآلية، وعلى أنظمة التعرف على الأصوات

أما الخطر الذي تتعرض له لغات الأقليات - وفي حقيقة الأمر جميع اللغات التي تتكلم بها أعداد

صغيرة – فهو أنها سوف تُترك خارج الحلقة الداخلية للغات التي يُحتمل تجاريا تطوير نظم

تعرف على الأصوات وأنظمة ترجمة آلية خاصة بها. ومن الطبيعي أن مثل هذه الأنظمة تعتمد

على تحليل كميات هائلة من اللغة وهو الأمر الذي يمكن أن يكون مكلفا ويستغرق وقتا في تطويره.



والمقابلات الشخصية التي أجرتها مارى لبرت من أجل دراستها تشير إلى أن أولئك الأشخاص المعنيين بالمجال مجمعون إلى حد كبير على التعددية اللغوية المستقبلية للإنترنت بصفة عامة، والشبكة العنكبوتية بصفة خاصة. ولنأخذ هذا التعليق, من مارسيل جرانجيار، رئيس القسم الفرنسي للخدمات اللغوية المركزية (SLC-f) في الإدارة الفيدرالية السويسرية:



يمكن النظر إلى التعددية اللغوية على الإنترنت بوصفها حتمية سارة وفوق كل شيء

لا يمكن تجنبها. ومن وجهة النظر هذه لابد لنا من أن نسخر من مفسدي فرحتنا الذين

يكتفون بالشكوى من سيادة اللغة الإنجليزية. وهذه السيادة ليست خطأ في حد ذاتها، طالما

أنها نتيجة لحقائق إحصائية أساسا (بمعنى عدد أكبر من الحاسبات الآلية الشخصية لكل نسمة،

وعدد أكبر من الأشخاص المتحدثين بالإنجليزية، إلخ). أما الهجمة المضادة فإنها ينبغي ألا

تكون "محاربة اللغة الإنجليزية"، وبقدر أقل ننتحب بشأن هذا الأمر، ولكن ينبغي أن يزداد 

عدد المواقع باللغات الأخرى. وبوصفنا نقدم خدمه ترجمة، فإننا نحن أيضا نوصى

بالتعددية اللغوية في مواقع الشبكة العنكبوتية.



ويتفق مع هذا الرأي تايلر تشيمبرز، منشئ العديد من المشروعات المتعلقة باللغة على الشبكة العنكبوتية:



إن مستقبل الإنترنت أكثر تعددية لغوية وأكثر بحثا وتفاهما عبر الثقافات مما رأيناه بالفعل.



ويبدو أن هذه القضيـة ليسـت موضع خلاف فيما بين أولئك الذين شكلوا الشبكة العنكبوتية:



لابد للشبكة العنكبوتية من أن تسمح بالدخول إليها لأولئك الذين لديهم حالات اقتصادية 

وسياسية مختلفة؛ أولئك الذين يعانون من إعاقات جسدية أو ذهنية؛ وأولئك الذين ينتمون

لثقافات مختلفة؛ وأولئك الذين يستخدمون لغات مختلفة تُقرأ في اتجاهات مختلفة عبر الشاشة.



والمشكلة مشكلة عملية، غير أن الكثير قد تم بشأنها منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين. فقد جرى، أولا، التوسع في حروف أسكي*، بحيث يمكن أن يشتمل على رموز وعلامات فوقية غير مستخدمه في اللغة الإنجليزية، غير أن قصرها على ثمانية أرقام ثنائية** يعني أنه لا يمكن التعامل سوى مع 256 حرفا كحد أقصى – وهذا عدد صغير مقارنة بتنوع أشكال الحروف في اللغات العربية، والهندية، والصينية، والكورية، وكثير من اللغات الأخرى في العالم التي لا تستخدم الألفبانية اللاتينية. ويمثل نظام التشفير الأحادي كل حرف بـ 16 رقما ثنائيا، مم يسمح بأكثر من 56000 حرف؛ ولكن تطبيق هذا النظام مازال طور البداية. ويقوم اتحاد المؤسسات العاملة في مجال الشبكة العنكبوتية الآن بنشاط تدويلي يهدف بالتحديد إلى النظر في الألفباءات المختلفة، بحيث تستطيع نظم التشغيل التعامل مع صفحة بأي ألفبائية. ويتطلع برنرز– لي إلى اليوم الذي يمكن فيه الربط بين المعاني، داخل اللغة نفسها وبين اللغات، من خلال استخدام "لغات استنتاج" من شأنها "أن تجعل جميع البيانات في العالم تبدو مثل قاعدة بيانات هائلة واحدة".

ولابد من عمل الكثير حتى يبزغ فجر هذا اليوم. إذ إن هناك حاجة إلى تحقيق تقدم هائل في علم لغة الإنترنت، وبخاصة في علم الدلالة والبراجماتية، وأيضا في دراسة الخطوط والطباعة. وهناك هوة ضخمة لابد من سدها في علم المعاجم المقارن: إذ إن معظم المصطلحات الفنية الإنجليزية المستخدمة في الشبكة العنكبوتية لم تُترجم حتى الآن إلى لغات أخرى، ويوجد قدر كبير من الاستخدام المتنوع، مع وجود كلمات إنجليزية مستعارة وتنوعات محلية وجودا لا يتسم بالرسوخ. وعلى الجانب الإيجابي، فقد بدأ تزايد هائل في الاهتمام بقضايا الترجمة وإجراءاتها خلال العقد الماضي. والصبغ بالصبغة المحلية (أي تحوير منتج بحيث يناسب لغة وثقافة مستهدفين) هو الكلمة الطنانة في كثير من الدوائر. ويبدو أن هناك القليل من الشك في أن شخصية الشبكة العنكبوتية سوف تكون متعددة اللغات، وأن القضايا التي نوقشت في النصف الأول من هذا الفصل سوف تخضع للمراجعة في ضوء ما قيل في النصف الثاني. غير أنني لم أعثر حتى الآن على بحث مقارن في الطريقة التي تتبعها اللغات المختلفة في تناول المشكلات نفسها في مواقعها الخاصة بها على الشبكة العنكبوتية. كما إنه ليس واضحا ما سوف يحدث لغويا عندما تُستخدم تكنولوجيا الإنترنت في مجالات تطبيقية جديدة، وعندما تؤثر التطورات التكنولوجية في اللغة بحيث تسير في اتجاهات مختلفة. وما هو واضح هو أن المستقبل اللغوي للشبكة العنكبوتية، وللإنترنت بأسره، مرتبط ارتباطا وثيقا بهذه التطبيقات والتطورات المستقبلية. ولذلك فإنها تمثل موضوع الفصل الأخير.









--------------------------------------------------------------------------------

* واحد من أشهر الخطوط على الحاسبات الآلية. (المترجم)


* من معاني الكلمة "ثمل.مخمور". (المترجم)


** معناها في العامية "يمارس الجنس الفموي". (المترجم)




* في العامية يعني الجزء الثاني من الكلمة, وهو cock "القضيب". (المترجم)




** في العامية "المنيُّ". (المترجم)




*** في العامية "البراز". (المترجم)




**** أي "شرجيٌّ". (المترجم)




***** في العامية "الشرج أو المقعدة". (المترجم)




****** في العامية "يبول واقفا". (المترجم)




* في حقيقة الأمر, في الفقرة قبل السابقة. (المترجم)




* أي العلامة & رمزا لكلمة and "و". (المترجم)




* الرقم الصحيح هو 9,0 كما يُستنتج من الترتيب التنازلي للنسب المئوية. (المترجم)




* أي نظام الشفرة الأمريكي القياسي لتبادل المعلومات. فضلا انظر حاشية ص 172 (المترجم)


** الرقم الثنائي أو الـ "بِتْ" يعني أحد أرقام النظام الرقمي الثنائي الذي يحتوي على صفر وواحد. والبت هو وحدة قياس قوة المعالج. (المترجم)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق