الثلاثاء، 7 يونيو 2016

اللغة العربية في الصين الحديثة بقلم الدكتور بسّام 薛庆国

http://arabic.people.com.cn/n/2014/0919/c31657-8785148-2.html

بقلم شوي تشينغ قوه، عميد كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية - بكين
1- نبذة من التاريخ
تشير السجلات التاريخية الصينية إلى أن أول بعثة أرسلت من قبل الامبراطورية العربية إلى الصين كانت في سنة 651 م أي في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وتليها بعثات عديدة لم تنقطع لمائات سنين. وقبلها كان التجار العرب قد دخلوا بلاد الصين عبر طريقي الحرير البحري والبري، وبقي عدد منهم فيها وتزاوجوا مع أبنائها. وفي أسرة يوان (1264-1368م) حيث أخضع أهل المغول الصين كلها تحت حكمهم، قامت جيوش مغولية بغزوات إلى غربي آسيا وأسرت عددا كبيرا من الجنود والفنيين المسلمين فرسا وعربا وعادت بهم إلى الصين. فأقاموا في الصين متفرقين في مختلف أنحائها. ومع وصول المسلمين العرب – مبعوثين أو تجار أو أسرى- دخلت اللغة العربية إلى الصين.
ومن أجل تعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العرب وللصينيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، بدأ تعليم اللغة العربية في الصين، حيث بدأ أول ما بدأ في المساجد أيام أسرة تانغ ( 618 - 907 م) وازدهر في الأسرتين مينغ وتشينغ، لذا يمكن القول إن تعليم اللغة العربية قد بدأ في الصين منذ أكثر من ألف سنة.
2- تعليم اللغة العربية في الصين الحديثة
لم تدخل اللغة العربية إلى المدارس الصينية إلا في أوائل القرن العشرين متزامنة مع حركة الثقافة الجديدة التي اجتاحت البلاد كلها، فأنشئت العديد من المدارس الابتدائية والثانوية الإسلامية في المناطق المأهولة بالمسلمين وفي بعض المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي، وتدرس فيها مواد ثقافية وعلمية باللغتين الصينية والعربية في وقت واحد. والجدير بالذكر أن هذه المدارس قد أخرجت عددا من رواد اللغة العربية في الصين، أمثال عبد الرحمن ناجون ومحمد مكين اللذين سافرا إلى جامعة الأزهر لمواصلة دراستهما بعد تخرجهما من المدارس الثانوية الإسلامية ثم عادا إلى الصين لنشر اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في جامعاتها.
وبدأ تعليم اللغة العربية في الجامعة الصينية عام 1943 عندما عين الأستاذ عبد الرحمن ناجون – بعد تخرجه من جامعة الأزهر حاملا شهادة العالِمية – أستاذا في الجامعة المركزية (جامعة نانكينغ اليوم)، فألقى دروس اللغة العربية للطلاب كمادة اختيارية مستخدما الكتب المنهجية التي ألفها بنفسه، كما ألقى محاضرات حول التاريخ العربي والثقافة العربية الإسلامية على نطاق الجامعة. وفي عام 1946، أنشيء تخصص اللغة العربية لأول مرة في الجامعة الصينية حيث استقدمت جامعة بكين السيد محمد مكين زميل عبد الرحمن ناجون الأزهري لإنشاء شعبة اللغة العربية في قسم اللغات الشرقية بالجامعة، وقبلت دفعات أولى من الشبان الصينيين – مسلمين وغير مسلمين - لدراسة اللغة العربية كتخصص. وقد صار هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم كوادر أو علماء أو أساتذة وساهموا مساهمة كبيرة في إقامة العلاقات بين الصين الجديدة وبين الدول العربية وفي تعريف الصينيين بالثقافة العربية الإسلامية. وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وتمشيا مع تطور العلاقات السياسية بين الصين الشعبية والدول العربية، أنشأت الحكومة تخصص اللغة العربية في جامعات ومعاهد عديدة، منها معهد الشؤون الدبلوماسية (انضم قسم اللغة العربية بالمعهد إلى جامعة الدراسات الأجنبية ببكين لاحقا)، وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، والمعهد العسكري للغات الأجنبية بلويانغ، ومعهد العلوم الإسلامية الصيني، وجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، ومعهد اللغات ببكين، والمعهد الثاني للغات الأجنبية ببكين. وقد أعدت هذه الجامعات والمعاهد آلافا من الأكفاء الذين يعملون في مجالات مختلفة ويساهمون في تطوير العلاقات الصينية العربية، ومنهم وزراء وسفراء وجنرالات وأساتذة وأكاديميون ومدراء في الشركات والإعلاميون ورجال الدين وإلخ.
ومنذ تسعينات القرن العشرين ومع تطور الاقتصاد الصيني وزيادة الانفتاح على العالم الخارجي، كثر التبادل الاقتصادي والتجاري بين المناطق الصينية المختلفة وبين الدول العربية، فبدأت بعض المقاطعات تهتم بإعداد مترجمين للغة العربية، ونتيجة لذلك تم إنشاء تخصص اللغة العربية في خمس جامعات اقليمية، ومعظمها في المناطق الواقعة في غربي الصين حيث تتواجد القوميات المسلمة، وبذلك، تكون اللغة العربية تدرس في 13 جامعة ومعهدا عاليا في الصين اليوم، ويبلغ إجمالي أعضاء هيئة التدريس نحو 120 فردا، وإجمالي عدد الطلاب المنتسبين نحو ألف طالب (معظمهم طلاب الليسانس، وقليل منهم طلاب الماجستير والدكتوراه). ويدرس في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين وحدها نحو مائتي طالب. وإضافة إلى الجامعات المذكورة يتوقع أن تفتح جامعتان أخريان تخصص اللغة العربية خلال السنتين المقبلتين. والجدير بالذكر أن فرص التوظيف لطلاب اللغة العربية في الصين تعتبر جيدة بشكل عام، ولا سيما في بعض الجامعات الهامة، نظرا للعلاقات الطيبة والتبادلات المكثفة بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات في الوقت الراهن.
من أجل ضمان ورفع نوعية التعليم، كونت وزارة التربية والتعليم الصينية لجانا مختلفة لتوجيه وتقييم أعمال التدريس في الجامعات، ومنها "اللجنة الوطنية لتوجيه تدريس اللغات الأجنبية في الجامعات"، وتتبع لهذه اللجنة فرقة اللغة العربية التي تقوم بتنسيق وتوجيه تعليم اللغة العربية في الجامعات. وتحت إشراف وتنظيم هذه الفرقة، شارك مجموعة من الأساتذة المحنكين في جامعات عديدة في تأليف "منهج تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية " الذي صدر عام 1991. كما تم إنشاء "مجمع اللغة العربية بالصين للتدريس والدراسات" عام 1985 الذي انضمت إليه جميع الجامعات التي تدرّس اللغة العربية، وينظم المجمع سنويا فعاليات متعلقة بتعليم اللغة العربية كعقد دورات تدريبية وندوات علمية وإقامة مسابقات الخطابة أو الإنشاء أو الترجمة أوالعرض الفني بين طلاب الجامعات.
حظيت قضية اللغة العربية في الصين بمساعدات عربية كبيرة، فمنذ تأسيس الصين الجديدة، أوفدت الدول العربية خبراء وأساتذة ومدرسين إلى الصين لإلقاء الدروس العربية، أو مشاركة الزملاء الصينيين في تأليف القواميس والكتب المنهجية، أو إجراء التنقيح اللغوي على أعمال المترجمين الصينيين. وكان من بين هؤلاء الموفدين أسماء لامعة كالأديب السوري الكبير حنا مينا، والشاعرين السوريين سلامة عبيد وعبد المعين الملوحي، والمفكر العراقي هادي العلوي، والكاتب السوري محمد يونس والمترجم الفلسطيني محمد نمر عبد الكريم. وساعدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على تنظيم دورتين تدريبيتين لأساتذة اللغة العربية غير الناطقين بها من جامعات آسيا في بكين. كما وقعت العديد من الجامعات العربية اتفاقيات التبادل الأكاديمي مع نظيراتها الصينية. وفي السنوات الأخيرة، لقي تعليم اللغة العربية في الصين اهتماما متزايدا من قبل الحكومات والهيئات العربية، فقد تبرع المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الرئيس السابق للإمارات بمنحة لبناء مركز الإمارات لتدريس اللغة العربية والدراسات العربية الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، وهو عبارة عن بناء ذي خمسة طوابق وكامل الأجهزة اللازمة ومكتبة عربية، وأهدت المملكة العربية السعودية معملا لغويا إلى جامعة بكين، كما ساعدت في إنشاء صندوق محمد مكين للدراسات الإسلامية فيها، وتبرعت غرفة التجارة في دبي لإنشاء صندوق دبي – شانغهاي لتعليم اللغة العربية في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، كما أهدت حكومة مصر إلى معهد الدراسات الشرق الأوسطية بالجامعة مكتبة تحمل اسم سوزان مبارك وتضم آلاف كتاب عربي.
لم ينحصر وجود اللغة العربية في الجامعات الصينية فقط، بل هناك مستويات أخرى لتدريسها في الوقت الحاضر. ومنها معاهد العلوم الإسلامية في بعض المناطق الصينية والتي تتبع إداريا لفروع الجمعية الإسلامية في المقاطعات، ويدرس في هذه المعاهد طلاب مسلمون العلوم الإسلامية واللغة العربية. وفي السنوات الأخيرة، ونتيجة لمزيد من المرونة والانفتاح في سياسة الدولة الدينية، تم إنشاؤ تسع معاهد للعلوم الإسلامية على مستوى المقاطعات التي يتواجد فيها المسلمون بكثرة. ويقدر عدد الطلاب في هذه المعاهد بحوالي ألف طالب. ويشتغل هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم في المساجد أو في الشركات التجارية أو في الدوائر الحكومية المحلية أو يسافرون إلى الدول العربية أو الإسلامية لإكمال دراستهم. كما أن بعض المدارس الثانوية في هذه المناطق لا تزال تدرس اللغة العربية، وتنقسم هذه المدارس إلى نوعين، أحدهما مدارس أهلية تدرس فيها اللغة العربية والعلوم الدينية بشكل رئيسي، والآخر مدارس عامة تدرس فيها اللغة العربية كمادة اختيارية. ولا تزال المساجد تقبل عددا كبيرا من التلامذة لتعلم اللغة العربية والعلوم الدينية أيضا. وليس من الغريب أن الذين يدرسون في المعاهد والمدارس الإسلامية وفي المساجد كان دافعهم الأكبر هو الشعور الديني، ويقدر عددهم بعشرات الآلاف.
3- الدراسات العربية في الصين الحديثة
إذا كان نجاح الصين في تعليم اللغة العربية معترفا به دوليا والجامعات والمعاهد الصينية قد أخرجت عددا كبيرا ممن يجيدون اللغة العربية ويخدمون البلاد في وظائف مختلفة، فإن شهرة الصين في البحوث العلمية الخاصة بالعلوم العربية ليست كبيرة عالميا، ولم تبلغ المنجزات البحثية للمستشرقين (أو المستعربين) الصينيين المستوى الأكاديمي لكبار العلماء في أوربا من حيث العمق والشمولية. وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب: أولا، لأن اللغة العربية دخلت إلى الجامعات الصينية في وقت متأخر نسبيا (في أربعينات القرن الماضي) وكذلك الدراسات العربية، لذا، لم يكن هناك رصيد كبير من التراكم العلمي حول العلوم العربية في الصين بحيث تنطلق على أساسه أجيال من الباحثين. ثانيا، لأن جمهورية الصين الشعبية مرت بفترات من التشنج الأيديولوجي بعد تأسيسها وكان أشدها ما يعرف ب "الثورة الثقافية" التي دامت أكثر من عشر سنوات، فوأدت التفكير الحر الذي يعتبر عنصرا أساسيا لأي نشاط أكاديمي، الأمر الذي ضيع سنين طويلة من الحياة العلمية لكثير من الباحيثين. وثالثا، لأن معظم الباحثين الصينيين في الدراسات العربية كانوا من خريجي كليات أو أقسام اللغة العربية، وكانت دراستهم متركزة على النواحي اللغوية أساسا، لذا، تنقص معظمهم الاستعدادات المعرفية اللازمة لإجراء بحوث علمية بشكل متعمق. ورابعا، لأن الاقتصاد السوقي المطبق في الصين حاليا يجعل السعي وراء المال شغلا شاغلا لكثير من الناس بمن فيهم المشتغلون باللغة العربية، وخاصة في تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي قلل من عدد الذين يكرسون حياتهم للعلم.
ولكن وجود هذه الأسباب السلبية لا تعني أن الباحثين الصينيين لم يحققوا نتائج قيمة، بل ينبغي القول إن هناك نخبة من العلماء ساهموا وما زالوا يساهمون مساهمة كبيرة في الدراسات العربية. وكان في مقدمتهم العالمان المسلمان الأستاذ المرحوم محمد مكين في جامعة بكين وزميله الأزهري الأستاذ عبد الرحمن ناجون في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين. أما محمد مكين فقد أمضى عشرات سنين من عمره في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وتمتاز ترجمته بدقتها وأمانتها ورقي أسلوبها، وبذلك تفوقت على الترجمات الأخرى السابقة واللاحقة والتي بلغت إحدى عشرة ترجمة في اللغة الصينية، وحظيت بإقرار الجمعية الإسلامية الصينية فصارت أكثر انتشارا في الصين. وبالإضافة إلى ذلك، أشرف محمد مكين على تأليف أول معجم عربي – صيني، وقام بترجمة بضع عشر كتاب منها "تاريخ العرب" لفيليب حتي، و"رسالة التوحيد" لمحمد عبده، و"تاريخ الفلسفة في الإسلام" للمستشرق الهولندي دي بور، و"كتاب الحوار" لكونفوشوس (إلى اللغة العربية)، كما نشر عشرات الأبحاث في الثقافة العربية الإسلامية. أما عبد الرحمن ناجون البالغ من العمر 95 سنة حاليا، فقد اشتهر بدراسته للتاريخ العربي والحضارة العربية، إذ ألف "تاريخ العرب" الذي يقع في مجلدين كبيرين، و"الحضارة العربية بين التوارث والتمازج" و"التاريخ الحضاري للبلدان الإسلامية"، وترجم "الإسلام والحضارة العربية" لمحمد كرد علي و"فجر الإسلام" لأحمد أمين كما أشرف على ترجمة "ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام"، ذلك إضافة إلى إشرافه على تأليف "اللغة العربية" بأجزائها العشرة التي شاع استعمالها بين طلاب العربية في الصين لسنوات كثيرة. وفي عام 2001، حصل الأستاذ ناجون على "جائزة الشارقة للثقافة العربية" الممنوحة من قبل منظمة اليونسكو والتي تبرع بها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة.
وبرز بعد جيل الرواد هذا بعض الباحثين الكبار، ومنهم الأستاذ جونغ جي كون (صاعد) أستاذ بجامعة بكين والرئيس الحالي لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين. وقد صدر له جديدا "تاريخ الأدب العربي الحديث" الذي يقع في أكثر من ستمائة صفحة، تناول فيه الأدباء والشعراء في جميع البلدان العربية تقريبا بما فيها البلدان التي لا يرد ذكرها في مؤلفات الباحثين العرب، كما تناول كثيرا من الأدباء الذين ظهروا في المضمار الأدبي بعد ستينات القرن الماضي، لذا فكتابه قدم صورة كاملة إلى حد كبير عن الأدب العربي الحديث. وللأستاذ صاعد إسهامات علمية أخرى كمشاركته في تأليف "تاريخ الآداب الشرقية" و"معجم العربية الصينية" و"معجم الصينية العربية" وغيرهما من المعاجم والموسوعات، إضافة إلى ترجمته لمختارات الشعر العربي القديم، ومختارات من القصص المصرية الحديثة، ومختارات من قصص إحسان عبد القدوس وغيرها، وهو ينهمك حاليا في تأليف "تاريخ الأدب العربي القديم". وهناك عالم مهم آخر هو تشو وي ليه (عبد الجبار) أستاذ بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي ورئيس معهد الدراسات الشرق الأوسطية بالجامعة ورئيس التحرير لمجلة "العالم العربي". ومن مؤلفاته "الشرق الأوسط من منظور باحث صيني"، و"حقائق الثقافة المصرية القديمة"، و"معجم صيني عربي ميسر" وغيرها، كما ترجم روايات وأعمال ثقافية عربية عديدة. ويشتغل الأستاذ عبد الجبار في السنوات الأخيرة بدراسات استيراتيجية كدراسة ظاهرة الإرهاب والعلاقات الصينية العربية في كافة الأصعدة، ونشر حولها أبحاثا ومقالات كثيرة، كما يحضر دائما مؤتمرات وندوات دولية. وهو ينادي في مناسبات عديدة لبناء دراسات عربية ذات خصائص صينية في الصين، أي أن يكون للباحثين الصينيين موقف من القضايا العربية يختلف عن الموقف الاستشراقي الغربي.
شهدت الدراسات العربية في الصين ازدهارا ملموسا بعد اتخاذ الدولة سياسة الإصلاح والانفتاح في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وتتكون صفوة الباحثين من أساتذة في الجامعات وأكاديميين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وفروعها في المقاطعات. وقد خاض كثير من الباحثين في الترجمة الأدبية أول الأمر، فنقلوا أكثر من مائة رواية عربية إلى اللغة الصينية خلال بضع وعشرين سنة الماضية، بما فيها عشرون عملا لنجيب محفوظ وحده، ولكن معظم هذه الكتب لم تحقق نجاحا كبيرا في السوق، لأن قراءها محصورون على دائرة الباحثين والمحبين للآداب الشرقية. أما النجاح الكبير الذي حققه الأدب العربي في الصين فيتمثل في أعمال جبران خليل جبران وكتاب "ألف ليلة وليلة"، حيث أنه ظهرت ترجمات كثيرة لمؤلفات جبران بما فيها ثلاث ترجمات للمجموعة الكاملة لأعماله، أما "ألف ليلة وليلة" فصدرت ثلاث ترجمات كاملة له إضافة إلى مختارات من حكاياته تزيد عن مائة نوع. وفي الدراسات الأدبية نشرت بعض المؤلفات مثل "التصوف في الأدب العربي الحديث"، و"ألف ليلة وليلة بين الأسطورة والواقع"، و"دراسة مقارنة للأدب العربي والأدب الصيني"، و"عاصفة من الشرق: دراسة لجبران خليل جبران" و"التغني للحب: دراسة لسعاد صباح". وفي الدراسات اللغوية ظهرت مؤلفات عديدة، مثل "البلاغة العربية" و"دراسة جديدة للبلاغة العربية"، و"علم المفردات العربية"، و"علم النصوص العربية"، و"تاريخ تطور اللغة العربية" و"اللغة العربية والحضارة العربية" وإلخ. أما حول الدراسات الثقافية فصدرت "تاريخ الفلسفة العربية" و"الاتجاهات الفلسفية العربية المعاصرة" و"التيارات الإسلامية الحديثة"، و"دراسة في الأخلاقيات الإسلامية"، و"الحضارة العربية الإسلامية في القرون الوسطى"، و"العرب واليهود عبر التاريخ"، و"تاريخ العلاقات الصينية العربية"، و"الصين في المخطوطات العربية" إلخ.
بشكل عام، وبدون أي مجاملة، فإن معظم الباحثين الصينيين في الدراسات العربية يتعاطفون مع القضايا العربية (كدت أن أقول الموقف العربي، ولكن – ويا للأسف - هل هناك موقف عربي أم هناك مواقف عربية متضاربة دائما؟)، ولم ينبع هذا التعاطف من قناعتهم بأن القوة العربية في مصلحة الصين التي تدعو إلى تعددية الأقطاب فحسب، كما لم ينبع من التماثل الصيني العربي حضارة وروحانية ومعاناة وكفاحا فحسب، بل لأن اللغة العربية الجميلة أدت دورها في تقريبهم من العربي شعبا وثقافة. ولكن هذا التعاطف نفسه ولّد في بعض الأحيان في نفوسهم استغرابا وقلقا بل حزنا وغضبا لما آل إليه الوضع العربي العام، ولكن جدلية تاريخهم تلهمهم بعدم اليأس، فكم من مرة في تاريخ الصين المديد أشرف شعبها على حافة اليأس! ولكنها هبت وغلبت على اليأس وشقت طريقها إلى المستقبل، إلى الأمل. وجدلية التاريخ تلهمهم بأن العرب – كما يقول سعد الله ونوس – "محكومون بالأمل، لأن ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ."
(نشرت هذه المقالة في مجلة حوار العرب، العدد16، مارس 2006) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق