الثلاثاء، 7 يونيو 2016

Nouveaucabulaire والنحت اللغوي


الفنّ اللغويّ فنّ صوتيّ، فالحرف المكتوب رمز لصوت مسموع. واللغة، بتعريف ابن جنّي في كتابه اللغويّ البديع " الخصائص"  أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم"، وأغراض الناس متباينة.
في هذه الفقرة، سأحكي عن عنوان كتاب فرنسيّ هو (Nouveaucabulaire ). العناوين  تستهويها ممارسة الغواية واللعب بالكلام ، والسير على حبال اللغة كبهلوان ماهر. ولا تحبّ العناوين أن تمشي دائماً على صراط اللغة المستقيم، بل يطيب لها أحياناً أن تتخّذ من مجرى النهر مثالاً لها يحتذى. ليس من طبيعة الأنهار أن تمشي على صراط مستقيم، التعرّج طبع نهريّ، وكان توفيق الحكيم يشبّه سير النهر بسير الأفعى التي تتلوّى لتتقدّم، ولولا تلوّيها لماتت من الجوع!
عنوان الكتاب الفرنسيّ لعبة لغويّة تسمح بها اللغة الفرنسيّة. والكتاب تدور فصوله حول مسائل لغويّة، من هنا استعان كاتبه بألاعيب اللغة للفت النظر والسمع على السواء. الجناس فتنة لغويّة، وهي فتنة حلال زلال من جملة المفاتن البلاغيّة الكثيرة  والجناس قد يكون صوتيّاً لا مرئيّاً وذلك بحسب عادات اللغات الكتابية.
صوت الـ O " " الفرنسيّ له وجوه مكتوبة متعددة، وهذا الصوت من المعجبين جدّاً على ما يبدو بكرنفال البندقيّة البارع في التواري خلف الأقنعة. فالـ O "  " الفرنسية لها أشكال تبلبل الأصابع في مسابقات الإملاء، فالماء الفرنسيّ يلفظ " O "، ولكنّه يكتب Eau، والعلوّ أو الإرتفاع يلفظ ، أيضاً، في الفرنسيّة "O  "، ولكنّه يكتب Haut، ومن كتابة الـ " " O المتلوّنة كالحرباء ولد عنوان كتاب (Jean-Jacques Thibaud  جان- جاك تيبو). وعلى غلاف الكتاب صورة طائر خرافيّ، أو هجين هو عبارة عن حمامة لها رأس أرنب، ولكنها حمامة تحكي كما كان يحكي هدهد سليمان.
طائر غلاف كتاب جان_جاك تيبو – ونلحظ في اسم  عائلة الكاتب الفرنسيّ حضورا لصوت  الـO "  " من غير أن يكون له حضور مكتوب!- يحكي مسترشداً أو لاعباً على تعبير فولتيريّ. يقول الطائر كما يظهر في غلاف الكتاب :   "Lorsque les mots n'existent pas, il faut  les inventer حين لا تكون الكلمات موجودة، علينا أن نخترعها". وهذا ما فعله الكاتب حين اختار كلمة مستحدثة عنواناً لكتابه، هي: "  nouveaucabulaire" . لعب الكاتب بحرف الـ " O  " الموجود في كلمة Vocabulaire  ليبرز الوجه الجديد  nouveau  للفكرة التي يريد أن يعالجها في كتابه وهي اختراع كلمات جديدة تعتمد على النحت اللغويّ لمآرب كثيرة، واللغات تفرح عادة بأولئك الكتّاب الذين يضخون دماً جديداً في شرايينها لتجديد شبابها وشدّ بشرتها وشفط دهونها وإنقاذها جسدها من الترهّل، بقدر ما تغتاظ من اللغويّ " الحنبليّ"!
الكلمات لا تنفد. وتركيب كلمات جديدة أو توليد دلالات جديدة لكلمات قديمة ضرورة لغويّة كالأوكسجين. الكلمات التي لم تولد بعد هي رحم حيويّة ومنجاب. فلا يعلم ما في أرحام الألفبائيات من كلمات إلاّ الله !

ليس هناك لغة في العالم تقبل أن تبلع حبوب منع الحمل. فحبوب منع الحمل تصيب رحم اللغات بالعقم! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق