الاثنين، 13 يونيو 2016

تطبيقات الإنترنت تعيد صياغة المائدة عن مجلة الصين اليوم

جاء في كتاب ((دليل الطبخ)) للطباخ الفرنسي المعروف جورج أوغست أسكوفير (1846-1935)، أن "المطبخ الجيد أساس السعادة". ولكن المطبخ المنزلي يفقد أهميته بالنسبة لعدد متزايد من الأسر، وخاصة في المدن الكبرى بأنحاء العالم.
حسب العادات التقليدية للأسرة الصينية، تتعلم الفتاة الطبخ على يد أمها وجدتها، أمام موقد الطهي. حاليا، تندثر هذه العادة تدريجيا، بعد أن صار وقت بقاء الناس في المطبخ أقل. مؤخرا، أجرت الجمعية الألمانية لبحوث المستهلك، وهي أكبر هيئة بحوث للسوق في ألمانيا، استطلاعا للرأي شمل سبعة وعشرين الف فرد من اثنتين وعشرين دولة ومنطقة حول عدد الساعات التي يمضيها الفرد في مطبخ بيته كل أسبوع. أظهرت نتيجة الاستطلاع أن المواطن الألماني يقضي في مطبخه 4ر5 ساعات لكل أسبوع، والفرنسي 5ر5 ساعات، والصيني 8ر5 ساعات. هذه الأرقام أقل من المتوسط العالمي وهو 4ر6 ساعات.  وحسب الاستطلاع، يمضي الفرد العادي من سكان المدن أقل من ساعة واحدة في الطبخ يوميا في المتوسط.
الأسباب التي تجعل الناس يوفرون الوقت والمجهود في تناول طعامهم هي  ضغوط العمل وقلة الوقت والحياة الفردية، وتوفر المال. لذلك، يقل عدد الناس الذين يطبخون طعامهم بأنفسهم، في باريس أو في بكين. في ألمانيا وفرنسا، يختار من لا يطبخون طعامهم بأنفسهم الوجبات الخفيفة والسريعة، أو الوجبات الجاهزة التي تحتاج إلى تسخين الطعام فقط. ولكن في الصين، موطن التذوق، استطاع التجار الأذكياء تحويل هذه الظاهرة السلبية إلى فرصة تجارية من خلال أفكار جديدة تستفيد من شبكة الإنترنت، لمواكبة سرعة إيقاع الحياة وتوفير وجبات لذيذة ومتوازنة التغذية للعملاء.
طرق جديدة للحصول على الطعام
شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا لتطبيقات خدمة التوصيل السريع في الصين. وفقا لمسح أجراه مركز ييقوان للتحليلات (Analysys)، وصل حجم مبيعات خدمة توصيل الأطعمة عن طريق الإنترنت في عام 2015 إلى 8ر45 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات)، بزيادة قدرها 200% مقارنة مع سنة 2014. وتوقع المركز أن تشهد السنوات الخمس المقبلة نموا كبيرا لهذا المجال وأن تصل المبيعات إلى 5ر245 مليار يوان بحلول عام 2018.
بالإضافة إلى تطبيق ماكدونالد لخدمة التوصيل، يوجد تطبيقMeituan Waimai وتطبيق ele.me وتطبيق Tao Diandian وتطبيق Baidu Waimai وتطبيق JD.Daojia. هذه التطبيقات ضمن قائمة أكثر عشرة تطبيقات  استخداما في خدمات توصيل الأطعمة في الصين.
تحظى تطبيقات توصيل الطعام بإقبال كبير في المدن الصينية الكبيرة. بفضل هذه التطبيقات، يمكن لأي فرد من أي مكان في المدينة تحديد مكان مطعم  مجاور له، ومراجعة قوائم الطعام وتقييم الأطعمة، وطلبها في ثوان  معدودات ثم متابعة إعدادها ونقلها حتى استلامها. ويمكن للعميل أن يدفع الحساب  من خلال تطبيقات الدفع الإلكتروني السريع مثل WeChatوAlipay، علما بأن الكثير من التطبيقات تمنح عملاء المطاعم تخفيضات وإعفاءات من رسوم التوصيل.
حسب بيانات ييقوان، فإن العملاء الرئيسيون لخدمة توصيل الأطعمة عبر الإنترنت هم طلاب الجامعات والعاملون من ذوي الياقات البيضاء. وفي التجمعات السكنية صار مشهد عمال التوصيل الذين يركبون الدراجات النارية ملحوظا بشكل متزايد، ما يجعل المتخصصين يتوقعون أن يكون سكان التجمعات السكنية عملاء محتملين لتطبيقات خدمات التوصيل في المستقبل القريب، ولهم إمكانات نمو أكبر.
موقع "سيد الطعام"
موقع "سيد الطعام" الذي تأسس في عام 2014، من أفضل الشركات الابتكارية لتوصيل الأطعمة في الصين. تقوم الفكرة التجارية الرائعة لهذه الشركة ليس على توصيل الأطباق الجاهزة للعملاء، وإنما تقديم الأطباق شبه الجاهزة، فيتم عندها عمليات غسل وتقطيع المأكولات وتعبئتها بأكياس بلاستيكية صغيرة، قبل نقلها إلى منازل العملاء مباشرة، لا يحتاج العميل إلى تنظيف وتقشير وتقطيع مكونات الأطباق، وإنما فقط طبخ أطباق لذيذة بسهولة. بالإضافة إلى اختيار كثير من "الأطباق الكلاسيكية" مثل اللحم بنكهة السمك ولحم دجاج قونغباو، يمكن لعملاء  "سيد الطعام" اختيار ما يحلو لهم من أطعمة المعجنات، ومراجعة خطوات إعدادها بطريقة سهلة الفهم من خلال دليل الطبخ الملحق بكل طبق.
مؤسسو "سيد الطعام" ثلاثة شبان تخرجوا في جامعة رنمين الصينية. من أجل تأسيس هذا الموقع، تركوا وظائفهم ذات الرواتب العالية. واعتمدوا إلى حد ما على تقليد الشركات الأجنبية التي تقدم خدمات مماثلة، مثل شركة بلو أبرون الأمريكية وشركة هاللو فريش الألمانية الواقعة في برلين التي تقدم الأطعمة في صناديق لعملائها. هذا النموذج التجاري الأجنبي يناسب السوق الصينية بشكل كبير، لأن بعض المطاعم في الصين تستخدم زيت طهي ومكونات غذائية رديئة. يقدم "سيد الطعام" لعملائه المواد الغذائية الطبيعية، ويمكن للعميل أن يحجز المواد الغذائية المفضلة له، لتصل إلى بيته عن طريق البريد السريع، فيطبخها بنفسه مستخدما ما يشاء من التوابل والزيت.
دعوة طباخ الى منزلك
إذا لم تكن من الراغبين في إرسال المواد الغذائية إلى بيتك، يمكنك أن تطلب  طباخا ليأتي إليك ويطبخ طعامك، من خلال تطبيق "طباخ جيد" بهاتفك النقال الذكي.  حاليا، يغطي هذا التطبيق بكين وشانغهاي وهانغتشو، وغيرها من المدن الكبيرة في الصين. يوفر هذا التطبيق طباخين محترفين مدربين، يمكن أن تدعو واحدا منهم ليطبخ في مطبخ بيتك حسب طلبك، ويمكن أن يأخذ الطباخ معه جميع المواد الغذائية وأدوات المطبخ، بل ويقوم أيضا بخدمة غسل أدوات المائدة.
تكلفة هذه الخدمة ليست عالية، ويمكن أن تنافس خدمة توصيل الطعام العادية. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة العرض الأكثر انتشارا 99 يوانا فقط، وتشمل القائمة أربعة أطباق، منها الخضراوات والأسماك واللحوم،  فضلا عن الحساء. ويمكن أن يختار العميل أطعمة من المطابخ الإقليمية المتنوعة في الصين. بالنسبة للحفلات العائلية وحفلات الشركات والولائم، يوفر تطبيق "طباخ جيد" قوائم أطباق مختلفة ليختار العملاء من بينها. الأكثر من ذلك، أن العميل يمكنه تعلم أسلوب الطبخ وتبادل التجارب مع الطباخ، وهذا هو التميز الرئيسي لتطبيق "طباخ جيد" عن خدمة التوصيل التقليدية، لأنه مفعم بالعوامل الإنسانية.
أطباق مثل ما تطبخ أمك!
تطبيق "الطبخ المنزلي" يتيح للعميل حجز الأطباق اللذيذة، ولكنه يختلف عن التطبيقات الأخرى لخدمة التوصيل، حيث أن الطعام لا يطبخه الطهاة المحترفون في المطاعم وإنما هواة الطهي في مطابخ منازلهم. ولكن هذا التطبيق يشترط أن يحجز العميل الأطباق قبل يوم من الموعد المطلوب حتى يمكن تجهيز المواد الغذائية الطازجة.
يمكن للعميل الحصول على معلومات هواة الطبخ من خلال نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية GPS، عبر تطبيق "الطبخ المنزلي"، ومراجعة صور الأطباق وتقييمها.
تشكل النساء، خاصة في منتصف العمر، غالبية الطهاة الهواة. بعد استقلال معظم أبنائهن عن بيوتهن، يرغب هؤلاء النسوة في مشاركة تجاربهم في الطبخ مع مستخدمي الإنترنت. وهن ربما يربحن بعض المال من هذا العمل، ولكن الدافع الرئيسي لهن هو مشاطرة أفراحهن في الطبخ مع الآخرين.
من أجل ضمان التزامهم بالمعايير الصحية، يتلقى هواة الطبخ تدريبات صحية ويحصلون على شهادة صحية تؤهلهم لعمل "الطبخ المنزلي". بالإضافة إلى ذلك، فإن "الطبخ المنزلي" يفحص مطابخ المتقدمين ويوفر النصائح والتوصيات لهم، ويساعدهم على إنشاء صفحة خاصة على الإنترنت لعرض مستواهم في الطبخ. ثم يرتب "الطبخ المنزلي" عميلا لتذوق أطباق الطاهي الهاوي وتقييمها.
يقدم هواة الطبخ أطباقهم للعملاء، وهذا قد يكون واحدا من أسرار نجاح هذه الشركة الجديدة، التي توسع نطاق أعمالها إلى مدينة بكين وشانغهاي وقوانغتشو وشنتشن وهانغتشو. هذا النمط من العمل يشبه عمل "طباخ جيد"، ولكن ذو لمسة إنسانية أكثر. أصبح حجز الأطباق فرصة للتعرف على الجيران، ما يضيق  المسافة بين سكان التجمع السكني.
تطبيقات الإنترنت تعيد تنظيم العلاقات الإنسانية بالطريق الطبيعي. في الماضي، كان شخص واحد يطبخ الطعام ليتناوله جميع أفراد الأسرة معا. ولكن هذا النوع من العلاقات الإنسانية يتغير تدريجيا مع ظهور نمط "الأسرة الصغيرة" و"أسرة الفرد الواحد". وفي عصر الإنترنت، عادت الروابط الأسرية السابقة مرة أخرى إلى حياة الناس بشكل غريب، وتقودهم إلى مطابخ منازلهم. وكما قال أسكوفير: "المطبخ الجيد أساس السعادة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق