السبت، 9 مايو 2015

تفاح الموشّى = الظرف والظرفاء



ذكر التفاح وما كره الأدباء من أكله

اعلم أن التفاح عن ذوي الظرف والعشّاق، وذوي الاشتياق، لا يعدله شيء من الثمر، ولا النور والزَّهر. كيف وبه تهدأ أشجانهم، وبوروده تسكن أحزانهم، وعنده يضعون أسرارهم، وإليه يبدون أخبارهم، إذ كان عندهم بمنزلة الحبيب والأنيس، وبموضع الصاحب والجليس، وليس في هداياهم ما يُعادله، ولا في ألطافهم ما يُشاكله، لغلبة شَبَهه بالخدود المورَّدة، والوجنات المُضرَّجة، وهو عندهم رهينة أحبابهم، وتذكُّر أصحابهم، إلى وردته يتطرّبون، وبرؤيته يستبشرون، ولهم عند نظرهم إليه أنينٌ، وعند استنشاق رائحته حنين، حتى إن أحدهم، إذا غلب عليه القلق، وأزعجه الأرق، لم يكن له مُعوَّلٌ إلا عليه، ولا مُشتكىً إلا إليه. وأندشني بعض أهل الأدب:
لمّا نأى عن مجلسي وجهه، ... ودارتِ الكأسُ بمجراها
صيّرتُهُ تفاحةً بيننا، ... إذا ذكرناه شممناها
واهاً لها تفاحةً أشبهَت ... خديه في بهجتها، واها
وقال الحَكَمي:
تفاحةٌ جاءت، وقد عُلّقتْ، ... ورُكّبَت بالورد والآس

شرب من كأسي على ريحها، ... بالرغم من أهلي وجُلاّسي
وقال آخر:
تفاحةٌ أُهديت، ظَرفاً، معضَّضةً، ... وقد جرى ماءٌ ثغري في ضواحيها
بيضاء في حمرةٍ عُلّت بغاليةٍ، ... كأنما جُنِيَت من خدّ مُهديها
قد أتحفتني بها في النوم جاريةٌ، ... رُوحي من السوء والأسقام تفديها
لو كنتُ ميتاً، ونادتني بنغمتها ... لخِلتُ للصوت من لَحْدي ألبّيها
وقال آخر:
حيّاه من يهوى بتفاحةٍ، ... قد عضّ أعلاها بأسنانه
قال آخر:
تفاحة من عند تفاحةٍ ... ضمّخها المهدي لها بالعبيرْ
يا مُهديَ الحسرة يا قاتلي ... أهديتَ لي والله قَصمَ الظهورْ
قد كنتُ في بحرين من حبّكم ... فصرتُ مذ أُهديتها في بُحورْ
وقال آخر:
فلو أني اشتكيتُ لأجل حُزني ... وما ألقاه في دار الخُلودِ
وكان طعامنا فيها جَنيّاً ... من التفاح والورد النضيدِ
لقلتُ دعوا لها حِصَصي فإني ... أشبّهها بألوان الخدودِ


تفاحةٌ تأكل تفاحةً، ... يا ليتني كنتُ الذي يوكَلُ
فألثم الثغر لكي أشتفي ... بعلّة الأكل ولا أُوكَلُ
وقال آخر:
تفاحةٌ من عند تفاحةٍ ... قريبةُ العهد بكفّيها
أحبِب بها تفاحةً أشبهَتْ ... حمرتها حُمرة خدّيها
وقال آخر:
تفاحةٌ حمراءُ منقوشةٌ ... ركّبتها في خُضرة الآسِ
فلم تزل في كفّ ندماننا ... تدور من كأسٍ إلى كأسِ


وقال آخر:
حيّاه مَن يهوى بتفاحةٍ ... قد جُنيَت باللحظ من خدّهِ
معضوضةٍ باللحظ محفوفةٍ ... بعسكر الآجال من صدّهِ
لو شمّها الخلْق لماتوا معاً ... لعُسر ما يلقاه من جُهدهِ
وقد مضى من هذا الباب مقنِعٌ، وهو كثير مُتّسعٌ.

 تعليق بلال: من يتصفح كتاب الموشّى يجد انه طيّب الجنى، كثير الثمار السيميائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق