الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

الوجه الآخر لحكاية ليلى والذئب


الوجه الآخر لحكاية ليلى والذئب

حكاية ليلى والذئب حكاية عالميّة، يتغّير اسم البطلة الصغيرة من لغة إلى لغة، ويبقى الذئب هو هو. صورة الذئب صورة بغيضة إلاّ في حضارة المغول ربّما حيث يقال إنّ الذئب هو رمزهم، وطوطمهم، واستاذ قائدهم جنكيز خان في وضع الخطط الاستراتيجية كما يتبدّى ذلك في رواية " رمز الذئب أو طوطم الذئب" رائعة الكاتب الصينيّ يانغ رونغ.

والذئب ليس دائماً ظالماً، ولنا في اتهام الذئب، ظلما وعدوانا، من قبل اخوة يوسف بافتراسه خير برهان على الظلم الذي قد يلحق ظلماً حتى بالأشرار!. وحادثة النبيّ يوسف انجبت قولاً عربياً مأثوراً يقال في مناسبات بعيدة عن عالم الذئاب، وهو" براءة الذئب من دم ابن يعقوب". في اي حال، نادرا ما وجدنا اجماعا على شيء ما في هذا العالم، الاجماع خرافة تلذّ لكثير من الناس. فحتّى الغراب الذي ننفر من شكله واسمه المريب في عالمنا العربي له محبّون ومتفائلون بطلّته السوداء في انحاء أخرى من العالم، فهو في طوكيو شبيه حمامات باريس أو يمامات الفيحاء من حيث الدلالة، حضوره يستمطر الأمل لا اليأس. تتغيّر مواقع الأشياء فتتغيّر دلالاتها ومحمولاتها الثقافيّة والرمزيّة.

وقعت بين يديّ حكاية طريفة تسرد وقائع حكاية "ليلى والذئب"  الخرافية من وجهة نظر جديدة وطريفة، وجهة نظر حفيد الذئب الذي اتهم جدّه ظلماً وبهتاناً بافتراس جدّة ليلى. تقلب الحكاية في روايتها للأحداث الأمور رأساً على عقب. الرواية مسرودة بلسان حفيد الذئب. ولا تخلو فيما اظن من فكرة وعبرة، وتساؤلات لا تنضب. فنحن الى اليوم نشكّ بمرويات التاريخ لأنّها، أغلب الاحيان،  وجهة نظر المنتصرين والمنتصر لا يقبل أن تشوّه صورته، فيقوم بهدم الاحداث واعادة بنائها وفق منظوره الخاص. ومن هنا ظهر مؤرخون موضوعيون في أماكن مختلفة من العالم يحاولون تجميع وجهات نظر المهزومين والضعفاء والمهمّشين لإعادة كتابة التاريخ. وهذا ما يحاوله حفيد الذئب ربّما في هذه الحكاية التي لا أعرف، إلى الآن، من أعاد صياغتها؟ تقول الحكاية، كما وردت على لسان حفيد الذئب الذي يريد تبييض صفحة جدّه بعد أن سوّدتها ليلى بأكاذيبها، ما يلي: 

كان جدّي – طيّب الله ثراه- ذئباً لطيفاً دمث الاخلاق, وكان لا يحبّ الافتراس، وأكل اللحوم، ولذا قرّر أن يعيش نباتيّاً كما عاش أبو العلاء المعرّي، ويقتات الخضار والأعشاب. وكانت تعيش في الغابة فتاة شرّيرة تدعى ليلى تسكن مع جدّتها. كانت ليلى تخرج كلّ يوم إلى الغابة وتعيث فساداً فيه، وتدوس بغلظة على الحشائش فتقصف عمرها الأخضر الطريّ، وتقتلع الزهور، وتهجم على الفراشات الملونّة البريئة وتسرقها من حضن الطبيعة. ولا تكفّ عن تخريب المظهر الجميل للغابة. حاول جدّي دون جدوى ثنيها عن إيذاء الطبيعة ولكنّها كانت تعطيه الأذن الصماء، وتهزأ به وبحياته المتقشّفة الشاذّة في نظرها، وبقيت تدوس الحشائش وتقتلع الزهور من الغابة كلّ يوم, وبعد أن يئس جدّي، - رحمه الله- من إقناع ليلى بعدم انتهاك حرمة الطبيعة، قرّر أن يزور جدّتها في منزلها لكي يكلّمها ويخبرها بما تفعله ليلى على أمل أن تستجيب لكلمات جدّتها العجوز.

عندما ذهب جدّي إلى منزل جدّة ليلى وطرق الباب، فتحت الجدّة له الباب, فرأت جدّي الذئب, وكانت جدّة ليلى، أيضاً، شرّيرة النظرات وخبيثة النوايا, فبادرت إلى عصا لديها في المنزل وهجمت على جدّي حتّى قبل أن يتفوّه بأية كلمة, أو يفعل لها أيّ شيء, وعندما هجمت الجدّة العجوز على جدّي الذئب الطيّب انتابه الخوف خصوصاً أنّه كان قد قرّر من يوم أن امتنع عن أكل اللحم عدم ّإيذاء أيّ مخلوق، حين هجمت عليه بالعصا دفعها بعيداً عنه ليتجنّب ضربات العصا، فسقطت الجدّة على الأرض وارتطم رأسها بالسرير, فماتت من أثر الوقعة.

حين شاهد جدّي الطيب ما جرى للعجوز, حزن حزناً شديداً وتأثّر وبكى ولم يعرف ماذا يفعل بهذه المصيبة التي حلّت على قلب ليلى, وصار يفكر كيف ستعيش بدون جدّتها؟ وراح يتخيّل حزن ليلى، وانتحاب ليلى. وصار قلبه يتقطّع حزناً وألماً على هذا المنعطف غير المتوقّع في حياة ليلى.

فكّر بالأخير أن يخفي جثة الجدّة العجوز, ويأخذ ملابسها ويتنكر بزيها لكي يوهم ليلى بأنه جدّتها، حتّى لا يجرح شعورها ويحزنها. فخطر ببال جدّي وكان ذا خيال وثّاب ان يتقمص شخصية الجدّة ليعوّض لليلى حنان جدّتها الذي حرمت منه، وعندما عادت ليلى من الغابة ووصلت للمنزل, ذهب جدّي واستلقى على السرير متنّكراً بزيّ الجدة العجوز.

ولكن ليلى لاحظت أنّ انف جدتها طويل، وأذنيها كبيرتان على غير العادة وعيناها شبيهتان بعيني جدّي الذئب, فاكتشفت  ليلى وكان بصرها حديداً ان جدّتها ليست جدّتها بل هي جدّي وقد تنكّر بلباس جدّتها. ففتحت الباب وخرجت مهرولة حتّى من قبل ان تسمع من جدّي  حقيقة ما جرى.

منذ ذلك الحين وإلى الآن وليلى تشيع في الغابة، وبين الناس، وفي كتب الأطفال أنّ جدّي الطيّب افترس جدّتها وانتحل شخصيّتها ليتقضّ عليها ويلحقها بجدّتها. كثيرون لن يصدّقوا رواية حفيد الذئب لأنّ صوفته، كما يقال، حمراء بخلاف صوفة البنت "ذات القبعة الحمراء". فهل يكون ذئب ليلى على غرار ذئب ابن يعقوب؟

 في ايّ حال، ما يجعل احتمال براءة الذئب في حكاية ليلى والذئب  ممكنة هو أسطورة أخرى مصدرها روما تحكي عن احتضان الذئبة للرضيعين "رومولوس" و "ريموس" وإرضاعهما والاعتناء بهما كما تعتني أيّ امّ حنون بأولادها، فسمح لهما درّ حليبها الذئبيّ أن يكبرا وينشآ روما ذات الماضي الإمبراطوريّ العريق.


بلال عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق