الأحد، 29 أكتوبر 2017

الصين.. التوتر بين الإسلام والشيوعية في البدايات المبكرة للثورة الثقافية، دعا الحزب الشيوعي المواطنين إلى تحطيم الأشياء القديمة الثلاثة: الأفكار القديمة، الثقافات القديمة، العادات والتقاليد القديمة. خلاصة من بحث: إسحاق ما جيان فو 'الإسلام والشيوعية في الصين التوتر والمواءمة'، ضمن الكتاب 105 (سبتمبر 2015) 'الإسلام والمسلمون في الصين' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

كان قبل بداية الثورة الثقافية (1966-1976) بالصين عام 1966 يتم التعامل مع الأديان بموضوعية، فكان يُسمح بـتأسيس الجمعيات الدينية، وكان الزعماء الدينيون يُدعون ليكونوا ممثلين في المؤتمر الاستشاري السياسي وفي المجلس الوطني لنواب الشعب. تأسست الجمعية الإسلامية الصينية سنة 1952، ودُعي بعض من نخبة مسلمي هوي والزعماء الدينيين من مختلف المقاطعات للعمل كنواب لمسلمي هوي وللتحدث باسم مسلمي هوي، وأيضا لتطبيق السياسات العرقية للدولة، واللوائح والنظم الدينية الحكومية على مسلمي هوي. أثار الحزب الشيوعي الصيني الماركسية والمادية على أنها عقيدة أعضاء الحزب. بالنسبة للمواطنين الصينيين تحت قيادة الحكومة المركزية، فإنهم تقيدوا بالقرارات.

في البدايات المبكرة للثورة الثقافية، دعا الحزب الشيوعي المواطنين إلى تحطيم الأشياء القديمة الثلاثة: الأفكار القديمة، الثقافات القديمة، العادات والتقاليد القديمة. بعد ذلك، صعدت هذه السياسة إلى القضاء على الأديان. تم عمل غسيل مخ للمسلمين لترك الإسلام والتمسك بقومية هوي (هوي تسو) كهوية وحيدة لهم، مع عدم السماح لهم بممارسة الدين في حياتهم اليومية. كانت هذه أكثر فترة توترا بالنسبة لمسلمي هوي. هُدمت المساجد ولم يسمح للمسلمين بارتداء ملابسهم الدينية. لم يكن مسموحا للمسلمات بارتداء الحجاب، والقبعات البيضاء وأغطية الرأس. الأسوأ، أن مسلمي هوي أُجبروا على تربية الخنازير في بيوتهم. خلال السنوات العشر للثورة الثقافية لم يتم اختبار مسلمي هوي على مستوى الوطن بالتجويع المادي فقط، وإنما –أيضا- بإلإفراغ الروحي. لم يجرؤ أحد على الرفض أو التمرد، وإلا فإن العقوبات الصارمة من الإهانة سوف تفرض، والتي قد تصل بهم إلى الانتحار. كيف قاوم المسلمون هذه السيطرة؟ طور جيمس سكوت نظرية سلاح الضعفاء، إذ يختار الناس في المستويات القاعدية سبلا ملائمة لهم لمقاومة السلطة والعقاب. هناك قصتان يتم تناقلهما كتاريخ وذكريات شفهية لأولئك الذين واجهوا العقوبات وعانوا من الإهانة.

فيما يلي قصة حقيقية عن تربية الخنازير لدى عائلات من مسلمي هوي: لقد دعت الحكومة إلى أن تربية الخنازير هي الطريقة الأكثر كفاءة لتحقيق الثراء، لأن الخنزير كله مغطى بالكنوز؛ حيث تستخدم فضلاته سماداً، ويتخذ لحمه غذاءً، بينما يستفاد من جلده في صناعة الأحذية، فضلا عن أن تربيته سهلة كسهولة بيعه في السوق للحصول على مزيد من المال. لقد تمت صياغة هذه السياسة من دون أخذ المحرمات الدينية في الاعتبار. تم تزويد كل أسرة بخنزير صغير لتربيته، ويأتي مراقبون للمرور دوريا لمتابعة تربية الخنزير.


التنمية: المواءمة بين الإسلام والشيوعية

برزت التنمية الاقتصادية، بحسبانها السياسة الأكثر إلحاحاً، منذ عام 1978 من أجل تغيير صراعات الماضي السياسية. وقد توارث مسلمو هوي عن أسلافهم تقليداً معيناً، وهو أنهم يحبون التجارة. استعاد المسلمون الهوي أساليبهم التقليدية في مزاولة العمل التجاري وافتتاح المطاعم وبيع اللحوم وأسواق لحوم البقر والضأن، التي استردت عافيتها واستعادت حيويتها في غضون فترة وجيزة. وبالنسبة لتراث مسلمي هوي الثقافي المتناغم، بدأ التعليم المسجدي للأئمة وطلاب العلم الديني. كما بدأت الحيوية تدب في أوصال الحياة الإسلامية الشعبية أيضا.

فرضت الحكومة المركزية التنمية الاقتصادية كخطاب لتشجيع المواطنين على التركيز على الحياة الاقتصادية والنشاط العملي، وصرفت الاهتمام عن الأديان. وبعد ثلاثين عاماً من التنمية، حقق المواطنون الصينيون –بالفعل- زيادة سريعة في دخولهم وبناء البنية التحتية. بيد أن الفراغ الروحي دمر –تقريبا- الأخلاقيات التي ينبغي للمجتمع أن يحافظ عليها. فما الذي حدث لمسلمي هوي؟

عندما حقق مسلمو هوي ثروة، أرسلوا أبناءهم لدراسة العلوم الإسلامية واللغة العربية في الدول الإسلامية ودول العالم العربي. وفي هذا، كانت لديهم ثلاثة دوافع: أحدها يتعلق بالوظيفة، والثاني ديني؛ ذلك أن وظيفة الإمام في مجتمع مسلمي هوي في الصين، تعد مهنة مستقرة ومهمة. أما الدافع الثالث فيتمثل في تطوير الإسلام في الصين. وبعد سنوات من التدريب في الخارج عاد الطلاب المبتعثون من الأسر المسلمة ليجدوا المساجد في انتظارهم، بالإضافة إلى المدارس الإسلامية والجامعات، حتى إن بعضهم عمل في مجال الترجمة التحريرية والفورية لأجل التواصل بين الصين والدول الأخرى التي تعد اللغة العربية لغتها الرسمية.



محاولة صهر الجميع في عقيدة واحدة

ساعد الازدهار الاقتصادي مسلمي هوي على تحسين دخولهم وحماية دينهم. وكثمرة للتعلم من الدول الإسلامية، قدم قرويون من مسلمي هوي مدخراتهم لترميم مساجدهم، حتى إن بعضهم قام بتشييد مساجد جديدة لإقامة الصلوات كل يوم. وبفضل التواصل العالمي من خلال استيراد المنتجات وتصديرها، على سبيل المثال، وصل المزيد من المنتجات الإسلامية إلى الصين. فقد جرت العادة لدى مسلمي هوي على أن ينظروا إلى التمر والرطب كنوع من الأطعمة عالية القيمة بالنسبة لهم، لمجرد أنها جاءت من الدول الإسلامية. وقد أدت هذه الهوية القوية إلى الترويج للواردات وللتواصل بين المسلمين الصينيين وإخوتهم في العقيدة أينما كانوا خارج الصين. وأصبح الحج نسكاً مهماً جداً لدى مسلمي هوي الذين أفضى ازدهارهم الاقتصادي وفائض مدخراتهم إلى تحويل أحلامهم إلى حقيقة. ولمحدودية حصة الحجيج، أصبح التنافس شديداً للظفر بفرصة أداء الحج التي تعد فرصة ثمينة. وكان من الإيجابي أن الازدهار الاقتصادي دفع بعجلة التغيير المتوقع لمسلمي هوي. ما يقلق مسلمي هوي كثيراً هو علمنة المسلمين وحياتهم.


الاستراتيجية الوطنية مزيد من المواءمة

للحكومة المركزية في الصين فكرة جديدة تقوم مقام الاستراتيجية الوطنية لإقامة علاقات ثنائية مع دول العالم العربي والدول الإسلامية. تحمل تلك الاستراتيجية مسمى سياسة "حزام واحد وطريق واحد" وهي من الناحية السياسية عبارة عن أسلوب للمحافظة على العلاقات المتناغمة مع دول العالمين العربي والإسلامي، تحسباً للتحديات الماثلة من الدول الغربية. يضطلع الاقتصاد بأدوار مهمة في تحقيق التوازن المذكور أعلاه. ويتطلب تنفيذ تلك الاستراتيجية إدراج العوامل الثقافية والاقتصادية للقيام بالأدوار المنوطة بها. تم تحديد نينغشيا، وهي منطقة ذاتية الحكم لمسلمي هوي، لاستضافة مؤتمر قمة سنوي مع قادة الدول الإسلامية والعربية. ويتلقى رجال الأعمال من مسلمي هوي الدعوة للمشاركة في القمة، وإسداء النصح حول الأساليب المثلى لاستقطاب المزيد من رجال الأعمال وجذب المستثمرين إلى الصين، لتسويق منتجاتهم وثقافات بلدانهم، وأيضاً للاستثمار في الصين. وتمثل القمة استراتيجية لتعزيز التواصل وترسيخ العلاقات وتوطيد التفاهم المتبادل لخدمة العلاقات المتناغمة مع تلك الدول، من خلال الثقة المتبادلة ومعرفة كل طرف للطرف الآخر، والتعرف عليه.

أدت الاستراتيجية المذكورة أعلاه إلى تعزيز الوعي الثقافي لدى مسلمي هوي. ومن خلال المساندة والتوجيه والدعم بالموارد المالية، اغتنم الفرصة مسلمو هوي، لجاناً واتحادات وأفراداً وشركات، لإنتاج منتجات متعلقة بالثقافة الإسلامية، وإبداع إرث ثقافي فكري يظهر من خلاله كيف أن المسلمين الصينيين يحظون بالدعم والمساندة لتجسيد ثقافتهم بتنوع وازدهار، لتوصيل رسالة مفادها أن المسلمين الصينيين يتمتعون بالحرية في ممارسة معتقداتهم الدينية، ويحظون بالترحاب للتعبير عن إسلامهم عبر ممارساتهم اليومية وعاداتهم الحياتية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ينتشوان، عاصمة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي، تستثمر في إعادة تصميم المناظر الطبيعية في المدينة بحيث تكتسي باللون الأخضر، حيث قدمت الحكومة تمويلاً لما يتعلق بالإسلام من هياكل بنائية وإنشاءات معمارية وصور ومساجد، وذلك ليتسنى إعادة تشييدها وإعادة تصميمها، بحيث تكون متوافقة مع مثيلاتها في الدول الإسلامية والعربية. ما يتم إنجازه يرمي إلى إيجاد السبل الكفيلة بالتعريف بالمسلمين الصينيين، والتعارف مع المسلمين حول العالم، وبصفة خاصة الضيوف الذين يتقاطرون على ينتشوان أثناء فعاليات المعرض الصيني- العربي الذي يقام في شهر سبتمبر (أيلول).

تغتنم عائلات مسلمي هوي الفرص السانحة لإرسال أبنائها لدراسة اللغة العربية، ليعودوا للعمل كمترجمين ورجال أعمال. وبعض الأسر ترسل أبناءها إلى الدول الإسلامية والعربية لدراسة العلوم الإسلامية. ولا مراء في أن تلك الاستراتيجيات سوف تدعم الولاء وتعزز الانتماء لدى المسلمين الصينيين. وقد تسارعت الخطى لافتتاح مدارس ومراكز تعليم اللغة العربية لتدريب الناس على معرفة الدول العربية والإسلام والشعوب. ولمسلمي هوي الصينيين مواقف إيجابية تجاه السياسات الصادرة من الحكومة. وكما قال إمام مسلم، فإن مسلمي هوي استفادوا من الحزب الشيوعي بصورة غير مسبوقة، ولذا ينبغي لنا أن ننظر بعين الإعزاز لهذه السياسة الجيدة، وأن ندعم الحزب في حكمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق