لست من الناس الذين
يؤمنون بالعبث.الطبيعة لا تعبث، والفطرة لا تعبث. وهناك آيتان اجد من الضروري ان
يقرأ الانسان العالم على ضوئهما( أفحسبتم انما خلقناكم عبثا)"سورة المؤمنون"، (وما
خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)" سورة الانبياء".
من هنا فانا لا اؤمن بالعبث ولا باللعب بمعنى اللعب
السلبي. لكل شيء في هذا العالم وظيفة أو وظائف. كل شيء لا يختلف عن عصا موسى التي
تقوم بأكثر من وظيفة، منها انقلابها الى افعى تلقف ما يأفك
السحرة!
والسيمياء او علم العلامات أو السيميولوجيا او
السيميوطيقى او علم الرموز او علم الدلائل وتعمدت ذكر مترادفات هذا العلم الحديث في
العربية لأظهر التمزّق العربي من خلال تمزّق المصطلح العربي، وهو تمزّق يبلبل ذهن
المبتدىء في دراسة هذا العلم الطريف والنبيل والضروري.
وما يزيد شغفي بهذا العلم هو انه يعلم الانسان على
التجرد من وجهة نظره ليرى العالم من وجهات النظر الكثيرة. واعتبره من العلوم التي
تمرّن النظر على النظر في المسلمات والبديهيات التي لا تستحق بـ"نظر" بعض الناس
"اعادة نظر".
ويوري لوتمان Youri Lotman له كتاب في السيمياء بعنوان"
سيمياء الكون" la semiosphere حصلت على نسختة العربية المترجمة بقلم عبد المجيد
نوسي، (المركز الثقافي العربي)، ولوتمان من افذاذ كتاب هذا العصر. يمتاز بسلاسة
التعبير وبساطة التركيب اللغوي على عمق جليّ. لفت نظري عنوان الكتاب، في البداية،
ومعرفتي بمهارة لوتمان دفعتني الى افتناء الكتاب. وحين بدأت في قراءة الكتاب قفز
الى ذهني بيت شعري عربي يقول:
وتحسب
أنّك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
وشعرت وأنا أقرا هذا الكتاب بذلك النسق المذهل الذي
يحكم العالم وينظم شؤونه. فما يتراءى انه عبث او لعب ما هو بعبث او لعب. وما النسق
الا الحكمة التي تحكم مصير الكون. والحكمة الخفية لا تعني غياب الحكمة وانما تعني
قصور العين البشرية عن رؤية الحكمة.
جمال السيمياء انها تدخلك في صلب العالم، وتطلب منك
ان ترى العالم كل العالم كتابا مسطورا يستحقّ القراءة.
ومن الخطا
الكبير ان يعتقد المرء ان القراءة هي فقط قراءة ما في الكتب.
ثمّة أناس لا يفكون الحرف ولكنهم يحسنون قراءة
العالم.
وثمة من
يفك الحرف ولكنه يلحن كثيرا وهو يقرأ العالم.
حتى كلمة "قراءة" تستدعي اعادة
قراءة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق