السبت، 28 أكتوبر 2017

الملتقى اللّبناني – الصيني الأوّل للترجمة بين العرية والصينية



كاتب المقالة: محرر الموقع
الترجمة، بالمفهوم الثقافي والحضاري، هي فعل مُثاقفة حيّة لتحويل طاقات المجتمع الإبداعية إلى قوى مُحرِّكة للعمل والإنتاج، وتحويل الكلمة المنقولة عبر الترجمة إلى ديناميّة قويّة لتغيير المجتمع، بعدما بات العالم كلّه يخضع لثقافة متفاعلة في عصر العولمة.

الصين دولة رائدة في مجال تعزيز التفاعل الثقافي بين القوميّات الصينيّة، من طريق احترام لغاتها، وتشجيع الترجمة المُتبادَلة بين اللغات العالمية الحيّة واللغة الصينيّة، بصفتها الإطار الجامع لثقافة ستّ وخمسين قوميّة صينيّة عبر مختلف الحقب التاريخية.

وبعدما تبنّت سياسة الانفتاح والإصلاح منذ العام 1978، دخلت الصين بقوّة إلى منطقة الشرق الأوسط والقارّة الأفريقية من خلال المشروعات الإنمائية، والاستثمارات الكبيرة، والجاليات الصينيّة المتزايدة عدداً. وعلى الرّغم من الأوضاع الدمويّة التي تعصف بهذه المنطقة منذ العام2011، أقامت الصين علاقات ودّية مع جميع دول الشرق الأوسط، على أساس المنفعة المُتبادَلة، وضمان المصالح المشتركة.

بالتنسيق مع "جمعية الصداقة الصينيّة مع الشعوب الأجنبيّة"، عملت "الرابطة اللبنانيّة- الصينيّة للصداقة والتعاون" على تعزيز التبادل الثقافي والأكاديمي والشبابي والسياحي مع الصين. وفي العام 2013 عَقدت الجامعة اللبنانية اتّفاقيات أكاديميّة مع أربع جامعات صينيّة. فتزايد حضور الأساتذة الزائرين وبعثات الطلبة في لبنان والصين. واعتُمِدت اللغتان الصينية والعربية في الحوار بين الجانبَين. ونجحت الجهود مؤخّراً في استقدام أساتذة صينيّين لتدريس اللغة الصينية في مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية. وبدأ إرسال المتفوّقين من طلّاب اللغة الصينية في دورات تدريبية إلى معهد كونفوشيوس في الصين.

في هذا السياق، وبالتعاون بين مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية وجمعية الصداقة الصينيّة مع الشعوب الأجنبيّة وجامعات صينيّة، زار وفد أكاديمي لبناني رفيع المستوى الصين في الفترة ما بين 30 أيار (مايو) و4 حزيران (يونيو) 2016 لعقْد الملتقى اللبناني – الصيني الأول  للترجمة بين العربيّة والصينيّة. ضمّ الوفد عشرة أساتذة ممّن لديهم خبرة واسعة في تدريس الترجمة في الجامعة اللبنانية، ومنهم مَن تَرجم عدداً كبيراً من الروائع الأدبية العالمية والدراسات الصينيّة المتميّزة  والمُترجَمة إلى لغاتٍ عالمية.

عَقد الملتقى الصيني- اللبناني الأوّل للترجمة بين العربية والصينية أولى جلساته في "كليّة الدراسات العربية" في "جامعة الدراسات الأجنبية" في بكين بتاريخ 31 أيار(مايو) 2016؛ وضمّ الجانب الصيني مجموعة متميّزة من كبار الاختصاصيّين الذين قدّموا أبحاثاً معمّقة أبرزها: "أحبّ الشعر العربي فأترجمه"، و"تجربتي في ترجمة التراث الصيني إلى العربية"، و"الأدب الصيني في مصر"، و"ترجمة الأدب العربي في الصين"، و"حكاياتي مع الأدب العربي"، و"محمود درويش في الصين".

بدوره، قدّم الجانب اللبناني خمسة أبحاث معمّقة حملت العناوين التالية: "اللغة الصينيّة في أدب الرحّالة الأوروبيّين"، و"لماذا لم يترجم العرب الفكر الصيني؟"، و"دور الترجمة وتعلّم اللغات في التبادل الثقافي"، و"ترسيخ العلاقة بين الصين ولبنان"، و"على طريق الحرير: لغات وثقافات".

ثمّ استكمل الملتقى جلساته في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية عبر المشاركة في مؤتمر"التبادلات الثقافية والإنسانية بين الجانبين الصيني والعربي"، وذلك بالتعاون مع "جمعية الصداقة الصينيّة مع الشعوب الأجنبية"، و"المنظّمة العربية للترجمة"، و"اتّحاد المترجمين العرب". وعُقد المؤتمر خلال يومَي 4 و 5 حزيران (يونيو) 2016 "إحياءً لذكرى مرور ستّين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية".

قدّم الجانب اللبناني خمسة أبحاث جديدة حملت العناوين التالية: "الترجمة وآفاق التفاعل الثقافي بين العرب والصينيّين"، و"دور الترجمة في المثاقفة بين الحضارتَيْن العربيّة والصينيّة"، و"ترجمة العلوم ودورها في التبادل المعرفي بين الصين والدول العربية"، و"واقع الترجمة من الصينيّة إلى العربيّة"، و"ترجمة قصص الأطفال ودورها في التواصل الثقافي بين لبنان والصين".

أمّا الجانب الصيني،  فحشد كمّاً هائلاً من المترجمين الصينيّين. وإلى جانب كلمات الافتتاح الغنيّة بدلالاتها الثقافية، ومعرض الكُتب المترجَمة من وإلى اللغة الصينيّة، توزّع الباحثون الصينيّون على محاور ثلاثة: "أبحاث الأساتذة والخبراء والدبلوماسيّين الصينيّين المشهود لهم في مجال الترجمة بين العربيّة والصينيّة"، و"منتدى المترجمين الصينيّين لطلبة الدكتوراه"، و"منتدى المترجمين الصينيّين لطلبة الماجستير".

قُدِّمت إلى المؤتمر أبحاث متنوّعة تكرّرت في كثيرٍ من عناوينها ومضامينها. وذلك يتطلّب دراسة مطوّلة لأبحاث هذا المؤتمر الذي شكّل نقلة نوعيّة في تاريخ الترجمة المتبادَلة بين العربيّة والصينيّة. وبدا واضحاً أنّ الحضور الكثيف للباحثين والمترجمين الصينيّين في رحاب المؤتمر، قابله حضور ضعيف جداً للجانب العربي، نظراً لغياب مؤسّسة ثقافية عربية ترعى شؤون الترجمة والمترجمين العرب عن اللغة الصينية.

ركّزت أبحاث الصينيّين على دور الترجمة في تطوير العلاقات العربيّة – الصينيّة، واكتساب مهارات الترجمة الأساسية عبر مواد التدريس، وأثر الترجمة في التواصل الحضاري بين الأمم ذات الحضارات العريقة، وتطوير قدرات الترجمة التحريرية، وأنواع الترجمة ومعاييرها، ومناهج تعليم الترجمة في أقسام  اللغة العربية وطُرق تدريسها، ودور الترجمة في إعداد الكفاءات الدولية المتميّزة والمختصّة، والتي تجيد لغات دولية عدّة، والخصائص التعليمية في فنّ الترجمة في مجال العلوم التجارية والصناعية، وتطبيق نظرية التحويل اللغوي في الترجمة العربية – الصينية، وكيفية تنمية قدرات الطلّاب الجامعيّين على ترجمة النصوص التطبيقية العربية، وعلى الترجمة التحريرية، ومشكلات ترجمة المصطلحات النحوية من العربية إلى الصينية، وكثير غيرها.

وشدّد مترجمون صينيّون آخرون على التثاقف وتفعيل التبادلات الثقافية والإنسانية بين الجانبَيْن الصيني والعربي، والأعمال السينمائية والتلفزيونية المُدبلَجة، التي تضفي حيوية على التبادل الثقافي الصيني العربي، ودور الترجمة في إثراء الصلات الثقافية بين الشعوب، وترجمة أمّهات التراث الثقافي الصيني والمؤلّفات الكلاسيكية الصينية، والترجمة الصينية لتفاسير معاني القرآن الكريم وخصائصها، ومشكلات الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، تنظيراً وتطبيقاً، وترجمة كتب الفكر السياسي الإسلامي، والترجمة التواصلية كوسيلة محورية للتبادلات الثقافية بين الصينيّة والعربيّة، ودراسة في ترجمة بعض المصطلحات الفلسفية للكونفوشيوسية والطاوية، ومفهوم العامل النحوي وترجمته في الأبحاث العلمية الصينية، وكثير غيرها.
وقُدّمت أبحاث عدّة في محور الترجمة وطريق الحرير، ودور الترجمة في عملية بناء طريق الحرير، والتبادل الثقافي وأهمّية دوره لتعزيز طريق الحرير وتوثيق العلاقات العربيّة – الصينيّة، وتوسيع قنوات استقدام الطلّاب الوافدين من الدول المَعنيّة بمشروع "الحزام والطريق"، وطريق الحرير والتعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، ودور قطاع النشر في التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي، وظاهرة الصورة السلبية المتبادلة في الترجمة الإعلامية، ودور خبراء الدراسات الصينية المصريّين في التبادلات الثقافية الصينية – العربية، والكتب العربية المُتاحة في المكتبة الوطنية الصينية، ودراسة في ترجمة الأعمال الصينية والعربية في ظلّ مبادرة "الحزام والطريق"، ومشكلات نشر الكتب الصينية في العالم العربي،  وأثر الأعمال الكلاسيكية الصينية المُترجَمة إلى العربية على انتشار الثقافة الصينية في الدول العربية، وكثير غيرها.

وخصّص المؤتمر محوراً لمنتدى الترجمة لطلبة الدكتوراه، قُدِّمت فيه أبحاث عدّة أبرزها: الترجمة التحريرية في السياسة والدبلوماسية، ودراسة في آلية الترجمة للجائزة العالمية للرواية العربية، وفكر كونفوشيوس والعرب: دراسة مقارنة، ودراسة في تكتيكات الترجمة بين الصينيّة والعربيّة من منظور الاختلاف الثقافي، وتنمية الوعي المبكّر بأهمّية الترجمة في تعليم اللغة العربية وغيرها.

كما خُصِّص محورٌ آخر لمنتدى الترجمة لطلبة الماجستير قُدِّمت فيه أبحاث متنوّعة أبرزها: ترجمة الفكر العربي المعاصر في الصين: محمد عابد الجابري وفكره  أنموذجاً، وترجمة المعلومات الثقافية في رواية "الذرّة الرفيعة الحمراء"  للكاتب الصيني مو يان، والفرص الجديدة أمام الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية في ظلّ مبادرة "الحزام والطريق"، ودراسة في ترجمة القصائد العربية الكلاسيكية إلى اللغة الصينية: معلّقة امرىء القيس أنموذجاً، ودراسة في الصعوبات التي يواجهها الوافدون العرب في الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، ودراسة في إعلام المسلسلات الصينية في العالم العربي من منظور الترجمة، ودراسة في نقاط الاختلاف بين الثقافتَيْن الصينيّة والعربية: الأمثال الصينية والعربية أنموذجاً، وترجمة "البلاغة المحلّية" الصينيّة إلى اللغة العربية وقبولها في الدول العربية، والترجمة الأدبية في إطار التبادلات بين الحضارتَيْن الصينية والعربية من منظور القوّة الناعمة، وغيرها.

دلّت أبحاث الملتقى اللبناني – الصيني الأوّل، والمناقاشات التي رافقته، على حرص الجانبَين على تعزيز العلاقات الثقافية بين لبنان والصين، والعمل المُمنهَج لتوليد جيل جديد من المترجمين اللبنانيّين المتضلّعين من العربيّة والصينيّة وينقلون عبرهما الكثير من الدراسات العلمية الرصينة في مختلف مجالات التراث والثقافة والتاريخ والعلوم والفنون والآداب وغيرها. ويعمل الجانبان اللبناني والصيني على تفعيل الاتّفاقيات المُبرَمة بين الجامعة اللبنانية والجامعات الصينية لتطوير مناهج الترجمة المتبادَلة بين العربيّة والصينيّة عبر تذليل العقبات أمام تبادل الأساتذة والطلبة الجامعيّين. ويجري العمل حالياً على إنشاء قسم اللغة الصينية وآدابها في "مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية"، كي يُعَدّ طلّابه للترجمة الفورية والأدبية والعلمية، تمهيداً لمرحلة الماجستير والدكتوراه في اللغة الصينية وآدابها.

ختاماً، شكّل "الملتقى  اللبناني – الصيني الأول للترجمة المُتبادَلة بين العربية والصينية" نقلة نوعية في مجال تعزيز التبادل الأكاديمي والطلاّبي بين الجامعة اللبنانية والجامعات الصينية. وذلك يتطلّب تنفيذ مشروعات مشتركة بين المترجمين اللبنانيّين والصينيّين، وترجمة أفضل ما يُكتَب بالعربيّة والصينيّة ونشره، وتقديم  الدعم المالي لدور النشر اللبنانيّة والصينيّة، التي تتحمّل نفقات الترجمة، ومَنْح جوائز رفيعة المستوى لأفضل المترجمين والناشرين بين هاتين الثقافتَين.

بعد النجاح الذي حقّقه الملتقى في الصين هذا العام، بدأ التحضير لعقد الملتقى الثاني للترجمة  المُتبادَلة في رحاب الجامعة اللبنانية في العام 2017. وتُبدي الجامعة اللبنانية اهتماماً متزايداً بتدريس اللغة الصينيّة وآدابها في لبنان، والعمل على توليد جيلٍ من المترجمين اللبنانيّين الشباب المتضلّعين من العربيّة والصينيّة، وتقديم الدعم الكافي لهم من خلال المُنح البحثية، والمساعدات المالية لنشر ترجماتهم عن الصينيّة إلى العربيّة.

http://ofoq.arabthought.org/?p=2515

المصدر: مؤسسة الفكر العربي ( افق )
موضوع المقالة: الأخبار الثقافية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق