عراق مسلمي الصين.. التأقلم والتمرد إدراك كيفية تطبيق الطريقة الصينية لاستيعاب الإسلام وتنزيل تعاليمه على مفردات واقعهم وتشجيع أطفالهم على أن يصيروا مسلمين صينيين.
خلاصة من بحث: إسحاق ما جيان فو 'الإسلام والشيوعية في الصين التوتر والمواءمة'، ضمن الكتاب 105 (سبتمبر 2015) 'الإسلام والمسلمون في الصين' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
ميدل ايست أونلاين
الذين حملوا اسم الضيوف الأجانب، إسهامات عظيمة للتواصل بين الصين والدول الواقعة على امتداد طريق الحرير، مما نتج عنه ازدهارهم سكانيا ودينيا واقتصاديا. المساجد التي بنيت في المناطق التجارية تقف دليلا واضحا على هذه الحالة. وسع مغول أسرة يوان أراضيهم، واستقطبوا الناس من آسيا الوسطى وغربي آسيا للقدوم إلى الصين والعمل كجنود ومعماريين وعلماء ودعاة وعمال. أتى هؤلاء الناس ووجدوا السبل مهيأة أمامهم لكسب العيش، وكان عملهم مفيدا في بناء المدينة العاصمة دادو (بكين حاليا) والاحتلال الشرعي لأسرة يوان للرقعة التي تسيطر عليها.
تأقلم السكان الأوائل، فقد تأقلموا ووطنوا أنفسهم على العيش في المجتمع الرئيس، واندمجوا في تياره العام وتجاوبوا مع السبل الصينية لكسب العيش، كما تعلموا كيفية تطبيق الطريقة الصينية لاستيعاب الإسلام وتنزيل تعاليمه على مفردات واقعهم وتشجيع أطفالهم على أن يصيروا مسلمين صينيين، لا أن يكونوا "فانكه"، أي الضيوف الأجانب. وإذا أخذنا توطن المسلمين الأوائل على أنه عملية اندماج تدريجي، فإن أسرة يوان كانت الأسرة الإمبراطورية النموذج لانتشار توطن مسلمي هوي، الذين شملوا أناسا من آسيا الوسطى وبلاد الفرس وغربي آسيا.
أول القادمين
بعد انتهاء الحرب، ترجل الجنود المسلمون القادمون من آسيا الوسطى عن صهوات خيولهم وعاشوا مثل الصينيين، أي كحياة الفلاحين. خلال عقود قليلة من السنوات، ومع تحول عدد من الضباط والجنود المغول إلى الإسلام، إضافة إلى زيادة معدل المواليد، صار من الممكن أن يتحول مسلمو هوي إلى مجموعة عرقية. وقد جاء في "منغشي" تاريخ أسرة مينغ بالإنجليزية "هويهوي بيان تيان شيا"، أن مسلمي هوي كانوا يعيشون في كل مكان تقريبا في الصين في فترة أسرة يوان. وقد شجعت الحملات الغربية لجنكيز خان الناس من آسيا الوسطى حتى غربي آسيا، بل في شبه الجزيرة العربية، أن يأتوا إلى الصين، وما لا ينبغي إهماله أن بعضا منهم كانوا أسرى بعد حروب ضارية.
لم يأت هؤلاء الناس إلى الصين بمعية مشاعر الإسلام فحسب، وإنما جلبوا معهم –أيضاً- الحضارة. كان يطلق على المسلمين شعب "سه مو"، بالمقارنة مع الصينيين ذوي العيون السوداء، وبإسهاماتهم في المهارات المعمارية والحضارات العربية التي أدت إلى الارتقاء بوضعهم الاجتماعي في التسلسل الهرمي لسلطة يوان، مما أدى –أيضا- إلى استقطاب أعداد كبيرة من الصينيين للتحول إلى الإسلام. وقد جعل التقبل السياسي المسلمين ينخرطون بهمة ونشاط في التيار العام، ومحاكاة الصينيين في حياتهم، وجعل –أيضا- المسلمين يتحولون إلى الثقافة الصينية والمجتمع الصيني، مع تمسكهم بإسلامهم، كونه عمادهم الروحي. في الحضر والريف، على حد سواء، كان مسلمو هوي يقيمون في مساكن تحيط بالمساجد، وكانوا يمارسون شعائر الإسلام في أماكنهم الخاصة، وتقبلوا اللغة الصينية ونظام التعليم الصيني، وتزوجوا من نساء محليات وشاركوا في الشؤون السياسية، مما أدى إلى ظهور مجموعة عرقية جديدة بمسمى هويهوي، بينما عُرفوا لاحقا بمسمى "هوي مين"، أي أبناء قومية هوي، قبل تطبيق سياسة الحكومة الشيوعية في الصين لتعريف الأقليات العرقية، ثم هوي تسو، أي أقلية هوي العرقية.
مسلمو هوي
إذا اعتبرنا أن أسرة يوان تعد نقطة التحول نحو الازدهار، فإن فترة أسرتي مينغ وتشينغ كانت الصدمة لمسلمي هوي في الصين. إن آلاف السنين من تواصل التقاليد الصينية والتوارث والتطور، جعلت الثقافة الصينية مستقرة وذات قدرة على الاستيعاب والقبول. وقد تم "استيعاب" المسلمين في الصين بسمات هوية عرقية، فهم يتحدثون الصينية، ويتعلمون وفق الحضارة الصينية ويقبلونها، ويتخاطبون مثل الصينيين، كما جاء من تفاعلهم وتواصلهم المتواتر مع الصينين في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة.
الإسلام حضارة فن أيضاً ليس كله دين
فقد دمجوا الثقافتين الإسلامية والصينية، على حد سواء، في حياتهم اليومية. الأداء الثقافي للمسلمين، الذي هيمنت عليه سياسات أسرة مينغ، وخضع للوائح المنبثقة من تلك السياسات، انحصر وتراجع من العام إلى الخاص. كما أن المتطلبات غير المتوازنة المفروضة على المسلمين من قبل الحكومة، اضطرت المسلمين للتخلي عن ممارساتهم الاجتماعية وهويتهم الثقافية، وتقليص عاداتهم الدينية مع التوسع في العادات الصينية، مما أدى إلى تراجع التطور الإسلامي وإرباك الثقافة الإسلامية. لم يكن أمام مسلمي هوي إلا أن يطوروا التعليم المسجدي للأطفال في تجمعاتهم للحفاظ على عقيدتهم الإسلامية.
لم تستطع السياسة الشرسة والظالمة الحد من توسع مسلمي هوي، الذي تمثل في زيادة عددهم وانتشار أماكن إقامتهم والتنافس الاقتصادي، والعيش في حدود كشعب جماعي. وقد أدى اتساع المساحة التي تناثر فيها المسلمون الصينيون إلى إيجاد تنوع داخلي. كان يطلق عليهم قبل عام 1949 اسم "هويجياوتو"، وتعني الصينيين الذين يؤدون الشعائر الإسلامية. إنهم، أولاً وقبل كل شيء، يطلق عليهم "الصينيون"، وهو ما يشير إلى الصينيين من قومية هان. لم يكن هناك اختلاف بين الصينيين الذين يمارسون الإسلام والصينيين باستثناء دينهم. وقد أفضت القيود المفروضة من قبل أسرة مينغ على مسلمي هوي، والحظر المضروب حولهم، إلى تحفيزهم على المزيد من التركيز على حياتهم الخاصة، مثل الشعائر والطقوس اليومية، بالرجوع إلى أيام العطلات والأعياد الإسلامية والذكريات والمناسبات الدينية. وقد تواصلت الحياة الدينية التي انتظمت مسيرة المرء من المهد إلى اللحد، مع الاهتمام بتفاصيل تلك الحياة ومفرداتها على نطاق الطيف الحياتي العام للإنسان المسلم، حيث أصبحت تلك الخصوصيات تحل محل المشاركة الفعالة لمسلمي هوي في مضمار الحياة العامة. وعلى هذه الخلفية تجمع مسلمو هوي في شمال غربي الصين، وما يعرف -حاليا- بمقاطعة قانسو ومنطقة نينغشيا، ومقاطعتي تشينغهاي وشنشي، وتنادوا وتداعوا في تجمعات ذات حدود وتخوم واضحة. وخلال تلك الفترة قام الزعماء المسلمون، من ذوي الجاذبية والكاريزما، بفرض القيود والمحظورات، يدفعهم إلى ذلك خشيتهم من فقدان عقيدتهم الإسلامية، وعدم تمكنهم من ممارسة شعائرهم وشرائعهم الإسلامية. لذا، فقد منعوا زواج النساء المسلمات من الصينيين ما لم يعتنق هؤلاء الرجال الإسلام. أما الرجال المسلمون فقد تم تشجيعهم على الزواج من النساء الصينيات بغية استمالتهن لاعتناق الإسلام.
أسرة مينغ
هيمن نظام أسرة مينغ على تطور الإسلام في الصين، على الرغم من أن مسلمي هوي كانوا قد تغلغلوا بالفعل في كل ركن من أركان المجتمع الصيني. عندما تولى المنشوريون في أسرة تشينغ السلطة، أتى مسلمو هوي بأفكار جديدة للإسلام عندما ذهبوا للحج في مكة. وفي طريق ذهابهم إلى الحج وإيابهم من تلك الرحلة، تلقى هؤلاء الناس أفكارا وسعوا إلى تكوين فروع وجماعات جديدة. كما أن السياسة الإقصائية السائدة لدى الحكومة المنشورية خلقت صراعات داخلية بين مسلمي هوي، ومصادمات خارجية بين الحكومة والمواطنين من هوي. وقد أدت العقوبات الصامتة والصارمة التي فرضتها الحكومة، إلى التمردات المتكررة لمسلمي هوي. وبعد قمعهم وإعدامهم، تعرض مسلمو هوي لمذبحة كارثية.
التفاعل والتواصل طوال العهود الإمبراطورية بين مسلمي هوي الصينيين والصينيين من قومية هان، وفيما بين مسلمي هوي الصينيين، وأيضا مع الحكومات المهيمنة، شكلت الكيان العرقي لمسلمي هوي الصينيين وثقافتهم التي تتميز بأنهم مسلمون صينيون ومن هوي.. وإذا اتخذنا فترة ما قبل عام 1949 مثالاً لمسيرة تكوّن المسلمين الصينيين، وتلاقحهم الثقافي وتوطنهم، فإنه بعد عام 1949 اعتلت حكومة الصين الشيوعية سدة الحكم، بالتزامن مع ظهور أقلية عرقية هي قومية هوي (هوي تسو) في الصين. سوف نتناول في الفقرات التالية بالبحث والنقاش موضوع مسلمي هوي الصينيين، وتفاعلهم مع "الشيوعية" من خلال الإسلام والتقاليد الصينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق