الأحد، 29 أكتوبر 2017

جحا العربي والأفندي الصيني.. توظيف الحكاية



نوادر جحا قد انتشرت في العالم وتحوّلت إلى حكايات الأفندي في الصين إنها تساعد على التبادل الصيني من خلال المشترك في الأفندي وجحا بحماقاتهما وحكمتهما.

خلاصة من بحث: لين فنغمين 'جحا والأفندي شخصية من طريق فينجيان'، ضمن الكتاب 105 (سبتمبر 2015) 'الإسلام والمسلمون في الصين' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

بعد انتشار حكايات الأفندي (جحا) في أهالي قومية هان وقوميات أخرى في الصين، امتدت الحكايات إلى كتاب الرسوم القصصية(ومسرحية طيف الخيال ومسرحية دمى والأفلام (تُضم إلى الأفلام الكرتونية) والمسلسلات التلفزيونية، والمسرحيات الموسيقية وغيرها من الفنون المتنوعة.

كتاب الرسوم القصصية كفنّ من الفنون الصينية أعجب القراء الصينيين كثيرا، رجالاً كانوا أم نساء، كبارا أم صغارا، إذ إنّ الرسوم تجسد الأفكار والصور والشخصيات بصورة مباشرة مع شرح الكلمات القليلة، لذلك أعجبت القراء الصغار أكثر. فحاولت كثير من دور النشر أن تنشر كتب الرسوم القصصية المسلسلة المعنية بالأفندي. فقرأ القراء الصينيون (الأفندي) (《阿凡提》) المتنوع، و(الأفندي الشاطر) (聪明的阿凡提》《)، و(قصص الأفندي المختارة) (《阿凡提故事精选》)، و(الأفندي والملك) (《阿凡提和国王》) و(الأفندي يسخر من الملك) (《阿凡提戏国王》) و(الأفندي يشتري ظل الشجرة) (阿凡提买树荫》《)، و(سيرة الأفندي) (阿凡提传奇》《) و(الأفندي الصغير) (小阿凡提》《)، و(الأفندي يصمغ القماش) (《阿凡提染布》)... إلخ.


مسرحية دمى والأفلام

كان الفلم الأول للأفندي في الصين بشكل مسرحية دمى، عندما عرض الفلم الأول عن الأفندي في السينما 1979، لقي ترحيبا حارّا عند جمهور المشاهدين الصينيين، وحصل على جائزة التقدير للأفلام المتفوقة لوزارة الثقافة الصينية ( 文化部优秀影片奖) في السنة نفسها ثم فاز بجائزة أفضل فلم كرتوني لجائزة المائة زهرة للأفلام بالدورة الثالثة (Hundred Flowers Award))第三届电影百花奖最佳美术片奖(في السنة التالية (1980) مما شجع فريق الإبداع لهذا الفلم وأستوديو التصوير السينمائي (Shanghai Animation Film Studio) الذي صنع هذا الفلم الرائع، فواصلوا يصورون الحلقة الثانية للمسرحية دمى.

الأفندي الحقيقي والأفندي المزيف

من عناوين الحلقات، نجد أن الحمار ظهر ثلاث مرات. وفي الحقيقة، كلما ذكر الشعب الصيني الأفندي ظهر في ذهنه الحمار، وهو ليس حمارا عاديا، بل حمار خاص للأفندي.

ونجاح فلم مسرحية دمى (الأفندي) شجع أستوديوهات التصوير السينمائي الأخرى في الصين. فصوّر أستوديو بكين للتصوير السينمائى فلم (الأفندي) بالممثلين الحقيقيين في 1980، وحينئذ بدأ عصر جديد لحكايات الأفندي في الصين.

في هذه الأفلام، الأفندي ذكي، شاطر، نشيط، مجتهد، وشجاع، وعادل، وكذلك رجل ذو شهامة ومروءة، ويجرؤ على أن يحقر الملك وغيره من طبقة الحكم، ويحقر كل الأشياء الفاسدة والمتفسخة. هو مثقف يعرف معلومات كثيرة ومعارف غزيرة في بعض الأحيان، وأصبح جاهلا غافلا في أحيان أخرى. وتارة يكون الوزير القريب من الإمبراطور ورئيس الوزراء، وتارة أخرى يكون فلاحا أو أعزب يتجول في أمكنة كثيرة. فقد اشتغل في وظائف كثيرة مثل العامل والسائق، والحلاق، والطبيب، وبائع العسل... إلخ، ومهما كانت مهنته المختلفة، لم تتغير في الأفلام صفته كمناضل يجرؤ على أن يتحدى طبقة المستغلين ويتحدى السلوكيات السيئة والمكروهة، ولم يتغير الأفندي عن أن يكون المتحدث باسم الشعب العادي الذي يعامل الآخرين بطرافة وود وأنس وفكاهات كثيرة، لكنّه يواجه الملك والوزراء وكبار الموظفين والقضاة والأغنياء والتجار الجشعين مواجهة السن بالسن ويسخر منهم سخرية كبيرة. وفي الوقت نفسه، يعامل الأصدقاء والضيوف والأطفال وزوجاته معاملة الساخر، لكنّه الساخر الذي لا يمس كرامتهم، بل يجيء بالفرح والقهقهات إلى الناس، ويجيء ببعض فلسفات الحياة.


مسرحيات موسيقية

ظهرت في السوق الثقافية الصينية –أيضا- مسرحيات موسيقية في موضوع الأفندي. أبرزها المسرحيتان الموسيقيتان: (نصر الدين الأفندي) و(الأفندي السحري). تروي قصة المسرحية الموسيقية (نصر الدين الأفندي) أن الشاب قيصر أعجبه الأفندي منذ صغره. وفي مناسبة معينة، استُخدم بالسيد البك، فادعى أنه الأفندي للحصول على استئمانية الناس، ثم ساعده شيخ طيب القلب وهو الأفندي الحقيقي، وعلّمه الشيخ أن يساعد الناس بحكمته وعقله. والمسرحية الموسيقية تروي –أيضا- قصتين كلاسيكيتين (بيع ظلّ الشجرة) و(زرع الذهب) لكي يفهم الجمهور المشاهدون أن كل فرد يمكن أن يصبح أفنديا ما دام إنسانا فرحا وشجاعا وعاقلا وطيب القلب. واستخدم المخرج أغاني وموسيقى من الشرق الأوسط، من ضمنها الموسيقى العربية الرائعة. هذه الموسيقى والأغاني المختلفة عما في الصين لقيت ترحيبا حارا عند المشاهدين الصينيين. وكذلك يعرض الممثلون والممثلات رقصات شينجيان والرقصات الشرقية، والرقصات الإسبانية (فلامينغو) والرقصات الإيرانية حيث يتمتع المشاهدون بها ويتذوقون جمالها.


الأفندي السحري

والمسرحية الموسيقية (الأفندي السحري) التي تخرجها مخرجة بارزة، بدأ عرضها الأول في دار الصين الوطنية للأوبرا والرقص (China National Opera & Dance Drama Theater) في مايو (أيار) 2013. وتجولت فرقة الفن في مدن كثيرة، حيث لقيت تصفيقات المشاهدين الحارّة.



الأفندي الجديد

إنّ صورة الأفندي المعروفة لدى القراء وجمهور المشاهدين أنّه رجل حكيم وعاقل وظريف يركب حمارا صغيرا، غير أن المسرحية الموسيقية (الأفندي السحري) غيرت صورته العادية، فأصبح الأفندي في المسرحية الموسيقية فتى وسيما، أحبّ فتاة جميلة لكنها سريعة الغضب، وبعد أن ينتصر الأفندي بحكمته وذكائه على الملك القاسي والبك الجشع، فإنه يعجب الفتاة التي تبيع الزهور في السوق. وعندما طلب الأفندي يدها، وافقت الفتاة. ثم وزع الأفندي والفتاة الجميلة الذهب على الأهالي بفرح ومرح، ويبدو أنّ الحياة الجميلة تنتظرهما في المستقبل القريب، حينئذ قدمت الكارثة والشر إليهما قبل الأيام السعيدة. جاء البازيليسق بزجاجة سحرية، وأخرج الشيطان من الزجاجة (...) وبعد مكافحة شديدة، انتصر الأفندي وخطيبته في اللحظة الأخيرة.


حكايات الأفندي المسموعة

في عصر الإنترنت، تنتشر قصص مسموعة بكثير من اللغات المختلفة، من ضمنها القصص المسموعة باللغة الصينية، ويفاجئني كثيرا أن أجد قصص الأفندي المسموعة في موقع من مواقع القصص المسموعة الصينية "استمع إلى أصوات الصين" (Ting China/听中国的声音)( ). يقرؤها السيد: تسونغ ويوي (仲维维)، وبلغ عدد الحلقات (45). يوجد فن آخر يستخدم في تجسيد شخصية الأفندي، وهو مسرحية خيال الظل، ويعرف أيضاً بـ"طيف الخيال" و"شخوص الخيال" و"خيال الستار" و"ظل الخيال" و"ذي الخيال" هو فن شعبي انتقل إلى العالم الإسلامي من الصين أو الهند عن طريق بلاد فارس واشتهر به العصر المملوكي على وجه الخصوص. وفي كثير من فرق مسرحية خيال الظل في الصين قد عُرضت حكايات الأفندي، وأعجبت الأطفال كثيرا.

أبدع بعض الكتاب الصينيين حكايات جديدة تضيف إلى حكايات الأفندي بأسلوبه وحكمته الجحوية. فلا شك أن أهل الإيغور قد أضافوا أشياء مميزة إلى حكايات الأفندي ليصبح شخصية إيغورية وشخصية صينية.


نقل نوادر جحا

أشار باحث قائلا: "بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب (نوادر جحا) المذكور في (فهرست ابن النديم- 377هـ) هي نفسها لم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية. فجحا العربي عاش في القرن الأول الهجري، واشتهرت حكاياته في القرنين الثاني والثالث، وفي القرون التي تلت ذلك أصبح (جحا) وحكاياته الظريفة على كل لسان. وقد ألّفت مئات الحكايات المضحكة ونُسبت إليه بعد ذلك. ويبدو أن الأمم الأخرى استهوتها فكرة وجود شخصية ظريفة مضحكة في أدبها الشعبي لنقد الحكام والسخرية من الطغاة والظالمين، فنقلت فكرة (جحا العربي) إلى آدابها مباشرة، وهكذا تجد شخصية (نصر الدين خوجة) في تركيا، و(ملا نصر الدين) في إيران، و(غابروفو) جحا بلغاريا المحبوب، و(أرتين) جحا أرمينيا صاحب اللسان السليط، و(آرو) جحا يوغسلافيا المغفل".

فمن البديهي أن نوادر جحا قد انتشرت في العالم وقد تحوّلت إلى حكايات الأفندي في الصين، ويستفيد القراء الصينيون من الحكمة الإسلامية في دول الشرق الأوسط عبر هذه الحكايات للأفندي. وأثق أنها تساعد على التبادل الصيني في المستقبل من خلال الموضوع المشترك في الأفندي وجحا بحماقاتهما وحكمتهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق