الأحد، 29 أكتوبر 2017

الإسلام والمسلمون في الصين المؤلف : مركز المسبار

تقديم
يتناول الكتاب أحوال الإسلام والمسلمين في الصين من زوايا عدة: تاريخية وسياسية ومجتمعية ودينية واقتصادية. قلّما اهتم الباحثون العرب ومراكز الدراسات بهذا الموضوع الحيوي، نظراً لما تتميز به الصين من تعقيد على المستويين الإثني والديني، في بلد يصل عدد القوميات فيه إلى (56) قومية وتبلغ مساحته (9,6) ملايين كيلو متر مربع، أي ما يعادل (15%) من إجمالي مساحة اليابسة في العالم، ويساوي حجم قارة أوروبا.
يسلط «الإسلام والمسلمون في الصين» (الكتاب الخامس بعد المئة، سبتمبر/ أيلول 2015) الضوء على الطوائف الإسلامية في الصين، وأسباب ظهورها، والخلافات المذهبية وتأثيرها في حاضرها ومستقبلها. ولا يمكن دراسة راهن المسلمين الصينيين دون مناقشة العلاقة بين الإسلام والشيوعية المتأرجحة بين التوتر والمواءمة، هذا إلى جانب المؤسسات الإسلامية التقليدية التي تميط اللثام عن دور المسجد والتصوف والتعليم الديني في تشكيل الهوية الدينية. على الضفة الأخرى أثارت السلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية في الصين أسئلة متداخلة، سعت إحدى الأوراق البحثية المدرجة في الكتاب إلى الإجابة عنها، دون إهمال أصولها التاريخية واختراقها الإسلام الصيني.
يعالج الكتاب في دراساته، ثنائية الإثنية والإسلام في الصين وما تفرضه من توتر هوياتي، وحدود التلاقح الثقافي على صعيد الأدب الشعبي، التي واكبها نشاط في حركة الاستعراب فتحت المجال أمام حركة نشطة للترجمة، أدت إلى نقل عدد لا بأس به من الأدب العربي الكلاسيكي والحديث إلى اللغة الصينية، دون أن نغفل عن حضور الإعلام الصيني في المنطقة العربية.
تُعد العلاقة بين الويغور والدولة في الصين من أكثر الملفات تشنجاً في المرحلة الراهنة؛ فهو تشنج يرتبط بجذور تاريخية بدءاً من فترة أسرى تشينغ الكبرى، وصولاً إلى حكم الشيوعيين الصينيين، والتي دفعت –لاحقاً- باتجاه اتخاذ إجراءات لمقاومة التطرف الديني والأنشطة غير القانونية في منطقة شنجيانغ الويغور المستقلة، والتي تبدت بصورتها الأوضح من تهديد الإسلام السياسي.
أفادت الحضارة الصينية من العلوم الإسلامية في الرياضيات والفلك والطب. وانتشرت حكايات شعبية ذات أصول عربية أو إيرانية بين الصينيين، مثل شخصية الأفندي الصيني وجحا العربي، أصبح بعضها جزءاً من الإنتاج التلفزيوني والمسرحي، فراكمت من التبادل الثقافي.
أسس المسلمون الصينيون هوية انبثقت من تفاعل تبادلي بين التقاليد المشتركة للإسلام مع السياقات الاجتماعية والسياسية. وهي هوية متحركة يُعاد تشكيلها حسب التحوّلات في الواقع الصيني بطريقة جعلت من المسلمين الصينيين مكوِّناً رئيساً من النسيج الاجتماعي والسياسي الصيني، مع الحفاظ على هويتهم الدينية الخاصة.
وعلى الرغم من أن الصين دولة متعددة القوميات والأديان (الطاوية، البوذية، الإسلام والمسيحية) وتتمتع بالتمايز الإيجابي في العادات والتقاليد، لكنها ترابطت في ما بينها بأواصر مشتركة بسبب دروس التاريخ والاندماج والانصهار الوطني، والسعي إلى التطور والتقدم بخطى كبيرة نحو المستقبل، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي دفع الصين إلى انتهاج دبلوماسية ناعمة وهادئة تجاه العالم الخارجي والمنطقة العربية.
لعب التنوع الإثني في الصين –عموماً- وبين المسلمين الصينيين –خصوصاً- دوراً في بلورة الهوية الخاصة بالإسلام الصيني. وأثارت ثنائيات: الوطن والدين، الشيوعية والإسلام، إشكاليات معقدة حُسمت لصالح الهوية الوطنية الصينية العابرة للطوائف والأديان، والاتجاه بها عبر التركيز على الحياة الاقتصادية والنشاط العملي وصرف الاهتمام عن الأديان.
تعتبر قضية الويغور القضية الأكثر تعقيداً في علاقة المركز بقوميات الصين المسلمة، نتيجة الطموح التركي للامتداد شرقاً وسط آسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. وقد شجعت تركيا الويغور على الوقوف أمام المركز في بكّين، لدرجة أن أول مجلس وطني ويغوري تشكّل في إسطنبول عام 1992. أدى الصراع بين قومية الويغور والحكومة الصينية -في بعض المراحل- إلى عنف متبادل بين الطرفين، دفع السلطات الرسمية -أحياناً- إلى حظر الأنشطة الدينية العادية، والتشديد على الحرّية الدينية بغرض مكافحة التطرّف الديني، وتحديداً إثر انتشار الإسلام الراديكالي في المحيط المباشر لجمهورية الصين الشعبية، وبعد إعلان تنظيم القاعدة بأنه يعمل على استعادة تركمانستان الشرقية (شنجيانغ) وضمّها إلى الخلافة الإسلامية. هذه العلاقة المتوترة بين الحكومة الصينية ومسلمي غرب الصين انعكست على نظرة بعض العرب والمسلمين للصين.
باتت الصين –اليوم- مرشحة للقيادة العالمية، فتعد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم. كما تشهد الدبلوماسية الصينية تفاعلاً إيجابياً على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يعزز من دورها السياسي، لا سيما في العالم العربي، خصوصاً أنها ليس لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، مما يفتح لها آفاقاً واسعة نتيجة اعتمادها على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. وتخلص دراسات عدة إلى أن الصين تملك المؤهلات اللازمة كي تصبح المُنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2025، عدا عن أنها مرشحة للتمتع بمركز يفوق الاتحاد الأوروبي خلال الخمسين سنة القادمة.
في الختام يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين، ويخص بالذكر الزميلة ريتا فرج التي نسقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدها وفريق العمل.
رئيس التحرير
سبتمبر (أيلول) 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق