يقوم الرسّام الماهر والماكر Rene Magritte باللعب على مسألة لا تفلت منها عين. يرسم غليونا لا يختلف عن اي غليون. لدرجة ان الناظر لا يعرف هل هو امام رسم زيتي ام امام رسم فوتوغرافي ؟ وقيمة الرسم ليست في الرسم وانما في عنوانه. انه يرسم لك غليونا ثم يضع له عنوانا صادقا وصادما وهو "هذا ليس غليونا". قد لا تصدقه ، هذا رسام يريد ان يلعب بعقلي، تقول بينك وبين نفسك. ولكن الرسام صادق. فحتى يكون الغليون غليونا عن حقّ وحقيق عليه ان يقوم بوظيفته على اكمل وجه. هل بامكان الرسم ان يقوم بهذه المهمة؟ بالتاكيد لا. لانّه لا يمكنك وضع التبغ في فمه ولا يمكنك ان تشعل تبغه لتطفىء ادمانك التبغيّ او تتنشّق رائحته المميّزة. انه صورة. صورة عاجزة عن تحمل الاعباء التي تقوم بها الاشياء المصورة. الصورة ليست الشيء.الرمز ليس المرموز اليه الا في الحضارات البدائية. ولكن هل تخلّص الانسان المعاصر من فتات البدائية؟ وهل بإمكان الانسان الراهن ان يتقبل مسألة عدم وجود رابط عضوي بين الدال والمدلول؟ هل يمكنه فصم عرى العلاقة بين وجهي العلامة؟
الأمر صعب، احتاج لسنوات من الدرس السيميائي واللغوي لفكّ الوهم اللذيذ الذي كان يريح الانسان في خداره.
صورتك ليست انت. تتخيّل انّها انت، ولكن عمليا وموضوعيا، اذا كنت جائعا ومعدتك خاوية لن تشبع اذا ما سقطت صورتك في طبق طعام!
ما تقوله الصورة يقوله الكلام. كلمة "نار" لا تحرق فم الناطق. وصورة الكلب لا يمكن ان تعضّ يد حاملها أو تعوي في وجهه حتى ولو كان الكلب فاتحا شدقيه في الصورة!.
صورة الغليون بسيطة ولكن العنوان نقلة نوعية في رؤية الاشياء وفي علاقتنا مع الاشياء.
ان الصورة نظرة جديدة على "الأيقونة"، نظرة تسعى الى زعزعة غباء البديهة!
سرعة البديهة ذكاء، الايمان بالبديهة غباءّ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق