صدر الرحالة والصحافي الألماني إيريك فولات كتاب "عبر الحدود" متناولًا أسفار ابن بطوطة في ذكرى 700 عام على وفاة الرحالة العربي المسلم، فوصفه بأنه مراسل بين الشرق والغرب في التاريخ، إذ كتب مشاهداته كما تكتب التقارير الصحافية.
بيروت: في هذه الأيام العصيبة التي يحاول فيها الغرب فهم الإسلام، وفهم العقلية الإرهابية التي تقف وراء تفجيرات باريس وبروكسل، يسلط الباحث الألماني إيريك فولات الضوء على الرحالة إبن بطوطة الذي يرى فيه "المراسل" الصحافي الأول بين الشرق والغرب.
أمير الرحالة
يقول فولات في مقدمة كتابه "عبر الحدود"، الذي صدر بمناسبة مرور 700 عام على وفاة ابن بطوطة، إنه تتبع حركة هذا الرحالة المسلم بين عواصم امبراطوريات الشرق والغرب، وحاول من خلال ما نقله بين العالمين أن يعرف متى بدأ تخلّف العالم الإسلامي عن ركب الحضارة الغربية، ولماذا صارت شمس الحضارة تشرق من الغرب وتغيب في الشرق. وهو يرى أن العالم لم يشهد رحالة جاب البحار والبراري، في النواحي المختلفة في الكرة الأرضية، مثل أبي عبد الله محمد بن عبد الله بين محمد بن ابراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي، الملقب بابن بطوطة.
في عام 1325، انطلق الرحالة ابن بطوطة (1304-1377)، وهو شاعر ومؤرخ وقاض أيضًا، في رحلة استغرقت 29 عامًا، بدأها بالحج إلى مكة المكرمة (بقي فيها ثلاثة أعوام)، ثم جاب العالم وصولًا إلى مينمار اليوم شرقًا، وإلى حدود النمسا غربًا. وبحسب فولات، قطع الطنجي في ترحاله 120 ألف كيلومتر، وكان يعقد الصداقات مع الحكام وينال المكرمات منهم لقاء شعره كي يمول رحلاته، مركزًا في أسفاره على الطرق البرية، وانتقل إلى السفن عند الحاجة، كي يبلغ أهدافه. وقد قطع "أمير الرحالة" هذا ثلاثة أمثال ما قطعه الرحالة الايطالي ماركو بولو، وفاق عدد البلدان والمدن التي زارها كل ما شهده من ترحل من قبله، ولم يضل طريقه إلا في ما ندر.
طريق إلى المعرفة
تزوج ابن بطوطة 10 مرات، وخلف كثيرًا من الأطفال من قوميات مختلفة، تعرف عليها في 40 بلدًا في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وكاد يموت عطشًا في الصحراء، وغرقت سفن عدة كان يرافقها، خسر فيها زوجات وأطفالًا. بحسب المؤلف الألماني، وكان واعيًا أن هدفه تعزيز التلاقح الثقافي بين الشعوب وتبادل الحضارات، لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
حاول الرحالة الشاب، الذي بدأ رحلته الأولى وهو في الحادية والعشرين، أن يُشبع ظمأه إلى المعرفة، فسجل عادات الشعوب وتواريخهم، وعقد الصداقات المتينة مع حكام وملوك وعلماء ذلك الزمن، من مختلف الأديان. ولو عاش ابن بطوطة اليوم لكان خير رسول للسلام والتسامح بين الأديان، ولأثبت أنه يتفوق في ذهنيته - قبل مئات السنين - على ذهنية المتشددين من الأديان والطوائف كافة. فكانت رحلاته طريقًا إلى المعرفة، لما فيه خير المسلمين، يشقه أمام المسلمين إلى الدين الحقيقي.
المراسل الأول
نقل ابن الجوزي عن ابن بطوطه رؤياه، وهو يافع في طريقه إلى مكة، بأنه سيطير على ظهر طائر كبير يأخذه إلى نهاية العالم، وأن حكيمًا هنديًا سينقذ حياته. تحققت هذه الرؤيا، بهذا القدر أو ذاك، لكن على ظهور الجمال ومتون السفن، وليس على ظهر طائر الرخ، وبلغ في خلال رحلاته شيراز وبغداد، وسار على طريق الحرير.
في عام 1356، كتب مؤلفه الشهير "الرحلة"، وتحتفظ المكتبة الوطنية في باريس بمخطوطة كتاب سجل فيه ابن بطوطة معايشاته وحكاياته كلها.
عاد إلى طنجة، قادمًا من غرناطة، في عام 1349 بعد أن هدّت الرحلات صحته، وليبدأ، بعد استراحة صغيرة، توغله في عمق القارة الأفريقية وصولًا إلى جنوبها.
يرى الباحث الألماني في كتاب الرحلة "أم الرحلات"، مقارنة بكتب الرحلات التي يعرفها العالم، ويرى في ابن بطوطة أول مراسل صحافي، و"أبو" المراسلين الصحافيين في الخارج، لأنه أدى واجبه في رحلاته كاتبًا ما شاهده وعايشه، تمامًا كما يكتب المراسل الصحافي اليوم.
ماركو بولو الشرق
يصف فولات الرحالة الطنجي بأنه "ماركو بولو الشرق الإسلامي"، والمواطن العالمي الأول الذي وصف عولمة القرن الرابع عشر. ويربط الكاتب الألماني عالم ابن بطوطة بعالم اليوم كي يحلل أسباب فشل الخريف العربي بأسلوب وصفي جميل. ويرى أن من أوقف عجلات الحضارة الإسلامية كان التخلف عن التنوير.
موّلت مجلة "دير شبيغل" لفولات رحلة حقيقة عبر 12 مدينة من المدن الـ13 التي توسع ابن بطوطة في وصفها، وتحدث مع حكامها ومع الناس العاديين كي يفهم الفرق بين عالم ابن بطوطة وعالم اليوم.
تقفى الكاتب آثار ابن بطوطة ومخوطته كي يعرف لماذا تخلفت القافلة الإسلامية، التي بنت حضارات بغداد والأندلس، عن الركب الحضاري اليوم، فوجد أن الرحالة المغربي حرص في كل فصول كتابه على تنوير المسلمين بما في العالم من تنوع في الأجناس والثقافات والأديان، ولهذا كان فقدان رغبة البلدان الإسلامية في "التنوير" الخطوة الأولى التي بدأت منها مسيرة ألف ميل من التراجع.
بلا تأشيرات دخول
يرى فولات في نفسه ابن بطوطة جديدًا، لأنه عمل مراسلًا صحافيًا لمجلة "دير شبيغل" في اندونيسيا وفييتنام والصين وبعض البلدان العربية وسمرقند وكابول ودلهي وطهران...إلخ. وجمع من الخبرات والمقابلات واللغات التي يعرفها ما يؤهله إلى فهم العالم الإسلامي، ويمنحه الفرصة لتقريب وجهات النظر بين الأديان السماوية.
عند مقارنة رحلته برحلة ابن بطوطة، يقول فولات في كتابه إن الرحالة الطنجي لم يحتج إلى "تأشيرة دخول" إلى أي بلد زاره في ترحاله الذي دام عقودًا عدة، في حين احتاج هو، أي فولات، إلى 12 تأشيرة ليزور 13 مدينة زارها ابن بطوطة.
ويتساءل الكاتب ما إذا كان المسلمون يتعايشون سلميًا اليوم كما كانت الحال في زمن ابن بطوطة، ويستنتج أن مسلمي اليوم يعيشون فرقًا وطوائف متحاربة، وأن الإسلام يقف على مفترق طرق بين الإسلام المتسامح والإسلام المتشدد، وأن التنوير والتسامح هما بديل التطرف.
بيروت: في هذه الأيام العصيبة التي يحاول فيها الغرب فهم الإسلام، وفهم العقلية الإرهابية التي تقف وراء تفجيرات باريس وبروكسل، يسلط الباحث الألماني إيريك فولات الضوء على الرحالة إبن بطوطة الذي يرى فيه "المراسل" الصحافي الأول بين الشرق والغرب.
أمير الرحالة
يقول فولات في مقدمة كتابه "عبر الحدود"، الذي صدر بمناسبة مرور 700 عام على وفاة ابن بطوطة، إنه تتبع حركة هذا الرحالة المسلم بين عواصم امبراطوريات الشرق والغرب، وحاول من خلال ما نقله بين العالمين أن يعرف متى بدأ تخلّف العالم الإسلامي عن ركب الحضارة الغربية، ولماذا صارت شمس الحضارة تشرق من الغرب وتغيب في الشرق. وهو يرى أن العالم لم يشهد رحالة جاب البحار والبراري، في النواحي المختلفة في الكرة الأرضية، مثل أبي عبد الله محمد بن عبد الله بين محمد بن ابراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي، الملقب بابن بطوطة.
في عام 1325، انطلق الرحالة ابن بطوطة (1304-1377)، وهو شاعر ومؤرخ وقاض أيضًا، في رحلة استغرقت 29 عامًا، بدأها بالحج إلى مكة المكرمة (بقي فيها ثلاثة أعوام)، ثم جاب العالم وصولًا إلى مينمار اليوم شرقًا، وإلى حدود النمسا غربًا. وبحسب فولات، قطع الطنجي في ترحاله 120 ألف كيلومتر، وكان يعقد الصداقات مع الحكام وينال المكرمات منهم لقاء شعره كي يمول رحلاته، مركزًا في أسفاره على الطرق البرية، وانتقل إلى السفن عند الحاجة، كي يبلغ أهدافه. وقد قطع "أمير الرحالة" هذا ثلاثة أمثال ما قطعه الرحالة الايطالي ماركو بولو، وفاق عدد البلدان والمدن التي زارها كل ما شهده من ترحل من قبله، ولم يضل طريقه إلا في ما ندر.
طريق إلى المعرفة
تزوج ابن بطوطة 10 مرات، وخلف كثيرًا من الأطفال من قوميات مختلفة، تعرف عليها في 40 بلدًا في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وكاد يموت عطشًا في الصحراء، وغرقت سفن عدة كان يرافقها، خسر فيها زوجات وأطفالًا. بحسب المؤلف الألماني، وكان واعيًا أن هدفه تعزيز التلاقح الثقافي بين الشعوب وتبادل الحضارات، لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
حاول الرحالة الشاب، الذي بدأ رحلته الأولى وهو في الحادية والعشرين، أن يُشبع ظمأه إلى المعرفة، فسجل عادات الشعوب وتواريخهم، وعقد الصداقات المتينة مع حكام وملوك وعلماء ذلك الزمن، من مختلف الأديان. ولو عاش ابن بطوطة اليوم لكان خير رسول للسلام والتسامح بين الأديان، ولأثبت أنه يتفوق في ذهنيته - قبل مئات السنين - على ذهنية المتشددين من الأديان والطوائف كافة. فكانت رحلاته طريقًا إلى المعرفة، لما فيه خير المسلمين، يشقه أمام المسلمين إلى الدين الحقيقي.
المراسل الأول
نقل ابن الجوزي عن ابن بطوطه رؤياه، وهو يافع في طريقه إلى مكة، بأنه سيطير على ظهر طائر كبير يأخذه إلى نهاية العالم، وأن حكيمًا هنديًا سينقذ حياته. تحققت هذه الرؤيا، بهذا القدر أو ذاك، لكن على ظهور الجمال ومتون السفن، وليس على ظهر طائر الرخ، وبلغ في خلال رحلاته شيراز وبغداد، وسار على طريق الحرير.
في عام 1356، كتب مؤلفه الشهير "الرحلة"، وتحتفظ المكتبة الوطنية في باريس بمخطوطة كتاب سجل فيه ابن بطوطة معايشاته وحكاياته كلها.
عاد إلى طنجة، قادمًا من غرناطة، في عام 1349 بعد أن هدّت الرحلات صحته، وليبدأ، بعد استراحة صغيرة، توغله في عمق القارة الأفريقية وصولًا إلى جنوبها.
يرى الباحث الألماني في كتاب الرحلة "أم الرحلات"، مقارنة بكتب الرحلات التي يعرفها العالم، ويرى في ابن بطوطة أول مراسل صحافي، و"أبو" المراسلين الصحافيين في الخارج، لأنه أدى واجبه في رحلاته كاتبًا ما شاهده وعايشه، تمامًا كما يكتب المراسل الصحافي اليوم.
ماركو بولو الشرق
يصف فولات الرحالة الطنجي بأنه "ماركو بولو الشرق الإسلامي"، والمواطن العالمي الأول الذي وصف عولمة القرن الرابع عشر. ويربط الكاتب الألماني عالم ابن بطوطة بعالم اليوم كي يحلل أسباب فشل الخريف العربي بأسلوب وصفي جميل. ويرى أن من أوقف عجلات الحضارة الإسلامية كان التخلف عن التنوير.
موّلت مجلة "دير شبيغل" لفولات رحلة حقيقة عبر 12 مدينة من المدن الـ13 التي توسع ابن بطوطة في وصفها، وتحدث مع حكامها ومع الناس العاديين كي يفهم الفرق بين عالم ابن بطوطة وعالم اليوم.
تقفى الكاتب آثار ابن بطوطة ومخوطته كي يعرف لماذا تخلفت القافلة الإسلامية، التي بنت حضارات بغداد والأندلس، عن الركب الحضاري اليوم، فوجد أن الرحالة المغربي حرص في كل فصول كتابه على تنوير المسلمين بما في العالم من تنوع في الأجناس والثقافات والأديان، ولهذا كان فقدان رغبة البلدان الإسلامية في "التنوير" الخطوة الأولى التي بدأت منها مسيرة ألف ميل من التراجع.
بلا تأشيرات دخول
يرى فولات في نفسه ابن بطوطة جديدًا، لأنه عمل مراسلًا صحافيًا لمجلة "دير شبيغل" في اندونيسيا وفييتنام والصين وبعض البلدان العربية وسمرقند وكابول ودلهي وطهران...إلخ. وجمع من الخبرات والمقابلات واللغات التي يعرفها ما يؤهله إلى فهم العالم الإسلامي، ويمنحه الفرصة لتقريب وجهات النظر بين الأديان السماوية.
عند مقارنة رحلته برحلة ابن بطوطة، يقول فولات في كتابه إن الرحالة الطنجي لم يحتج إلى "تأشيرة دخول" إلى أي بلد زاره في ترحاله الذي دام عقودًا عدة، في حين احتاج هو، أي فولات، إلى 12 تأشيرة ليزور 13 مدينة زارها ابن بطوطة.
ويتساءل الكاتب ما إذا كان المسلمون يتعايشون سلميًا اليوم كما كانت الحال في زمن ابن بطوطة، ويستنتج أن مسلمي اليوم يعيشون فرقًا وطوائف متحاربة، وأن الإسلام يقف على مفترق طرق بين الإسلام المتسامح والإسلام المتشدد، وأن التنوير والتسامح هما بديل التطرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق