الأحد، 29 أكتوبر 2017

مسلمو الصين.. تعليم العربية في المساجد التعليم المسجدي لعب دوراً في نشر العربية بين الصينيين المسلمين ويرجع الفضل في هذا النوع من التعليم إلى نظام يشبه الكتاتيب في مصر.



خلاصة من بحث: حسين إسماعيل 'الإعلام الصيني باللغة العربية'، ضمن الكتاب 105 (سبتمبر 2015) 'الإسلام والمسلمون في الصين' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

تميز الصينيون عبر العصور بحُسن مخاطبة الآخر، وقد استمر هذا النهج في الإعلام الصيني الموجه للخارج، فيما يمكن تسميته بالإعلام المهذب، كونه جزءاً من منظومة ثقافة الأمة الصينية، ويعمل في إطارها ويتفاعل معها مؤديا دوره الإيجابي البناء. وتذكر كتب التاريخ أنه عندما وصل قتيبة بن مسلم الباهلي إلى مشارف الصين سنة 714م (96هـ) وبعث بوفد يفاوض الإمبراطور الصيني، قال الوفد للإمبراطور: إن قائدهم أقسم أنه "لن ينصرف حتى يطأ أرض الصين"، فبعث الإمبراطور شيوان تسونغ للقائد المسلم بصحاف من ذهب فيها تراب من أرض الصين فوطئه الباهلي وأبرَّ يمينه وانصرف!

الصين والإسلام
بعد أن دخل الإسلام الصين، وصار من مكونات ثقافتها، أصبح الصينيون المسلمون إحدى أدوات الدبلوماسية الصينية للتواصل مع الشعوب الإسلامية، ومنها العرب. وكان قائد أعظم أسطول صيني في البحار الغربية، أي الواقعة غرب الصين، مسلما اسمه تشنغ خه. في الحادي عشر من يوليو (تموز) عام 1405، انطلقت، بتكليف من الإمبراطور تشنغ تسو، أولى رحلات تشنغ خه. وفي رحلته السابعة التي قام بها بداية عام 1431، بتكليف من الإمبراطور شيوان تسونغ، حفيد تشنغ تسو، زار أسطول تشنغ خه نحو عشرين بلدا ووصل إلى البحر الأحمر، وبعث من معه لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة.

وقد لعب ما يُسمى بالتعليم المسجدي دورا في نشر اللغة العربية بين الصينيين المسلمين في عصور ما قبل التعليم النظامي. ويرجع الفضل في هذا النوع من التعليم، الذي يشبه "الكتاتيب" في مصر، إلى الشيخ هو دنغ تشو (1522-1597)، الذي عاش في زمن الإمبراطور جيا جينغ (1522-1566) والإمبراطور وان لي (1573-1620) لأسرة مينغ. أسس الشيخ هو دنغ تشو أول مدرسة مسجدية في الصين، بمقاطعة شنشي، ثم أقيمت مدارس مشابهة في مناطق أخرى غير شنشي، مثل شاندونغ وهونان وهوبي ويوننان وقوانغتشي. وقد ظل التعليم الإسلامي على هذا النحو حتى أوائل القرن العشرين.


تعليم اللغة العربية في الصين

يعتبر تعليم اللغة العربية في الصين الأساس المهم للإعلام الصيني باللغة العربية. بداية القرن العشرين، أدرك المثقفون الصينيون المسلمون أن التعليم المسجدي لم يعد يواكب عصرا شهدت فيه الصين تحولات كبيرة، فطفقوا يفكرون في أسلوب تعليمي جديد. وشهدت فترة ثلاثينيات القرن العشرين انتشارا للمدارس الإسلامية الابتدائية والإعدادية والثانوية على نطاق واسع، فخلال عشر سنوات، أسس المسلمون ما يقرب من ألف وخمسمائة مدرسة ابتدائية وإعدادية، وحوالي ثلاثمائة مدرسة ثانوية، وكان نظام هذه المدارس كنظام المدارس الحكومية، لذا خضعت لإشراف المديريات التعليمية التابعة للحكومات المحلية إلى جانب الجمعيات الإسلامية.

وكان عام 1931 علامة فارقة في مسيرة تعليم العربية بالصين، عندما أرسلت جمهورية الصين أول بعثة تعليمية للدراسة بالأزهر في مصر، ضمت آباء التعليم النظامي للغة العربية في الصين، والتي ضمت إضافة إلى ما جيان ونا تشونغ، كلا من: ما تينغ بينغ، وشي تشيان، وتشانغ بينغ دوه، وما جين بنغ، وليو لين روي. وعندما رجع ما جين إلى الصين أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، بعد دراسته في الأزهر، بدأ برنامج الصين الرسمي لتعليم العربية بجامعة بكين. كما ترجم ما جيان عديد النصوص الثقافية الصينية والوثائق السياسية الخاصة بالعلاقات الصينية- العربية، وكان مترجما لقادة الصين خلال لقاءاتهم مع القادة العرب. ودرس على يد ما جيان عديد من رواد المستعربين الصينيين، ومنهم البروفيسور تشو وي ليه، مؤسس مجلة "العالم العربي" التي تصدر في الصين منذ عام 1980، والأستاذ في جامعة اللغات الأجنبية بشانغهاي.

دور المثقفين المسلمين
يلخص الباحث الصيني ما هاي يوان الدور الإعلامي الذي لعبه المثقفون الصينيون المسلمون في تواصل الصين مع المنطقة العربية قبل تأسيس الصين الجديدة بالقول: "في الواقع، كان المثقفون الصينيون المسلمون والطلاب والعلماء هم الذين سهلوا منح وضع (الدولة الأولى بالرعاية) بين كل من جمهورية الصين ومصر عام 1930 (ثم إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين عام 1942). وقد أرسلت حكومة جمهورية الصين مجموعات من الطلاب المسلمين الصينيين إلى جامعة الأزهر العريقة في القاهرة عام 1931 عندما واجهت الصين الغزو الياباني في منشوريا وشانغهاي. وقد تعهد الصينيون المسلمون بغرس الصداقة مع الدول العربية والإسلامية والدعاية لحرب المقاومة الصينية للغزو الياباني. وخلال دراستهم في الأزهر، اغتنم الطلاب المسلمون الصينيون فرصة الذهاب إلى الحج لكسب تعاطف العرب المسلمين مع الصين".

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، أنشأت الحكومة الصينية تخصص اللغة العربية في جامعات ومعاهد عديدة، منها: معهد الشؤون الدبلوماسية (انضم قسم اللغة العربية بالمعهد إلى جامعة الدراسات الأجنبية ببكين لاحقا)، وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، والمعهد العسكري للغات الأجنبية في لويانغ، والمعهد الصيني للعلوم الإسلامية، وجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، ومعهد اللغات ببكين (جامعة اللغات والثقافة حاليا)، والمعهد الثاني للغات الأجنبية ببكين (جامعة الدراسات الدولية حاليا). وتُدَرّس اللغة العربية حاليا في ثلاث عشرة جامعة ومعهدا عاليا بالصين، إضافة إلى معاهد العلوم الإسلامية في بعض المناطق الصينية التي تتبع –إداريا- فروع الجمعية الإسلامية في المقاطعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق