الجمعة، 24 أبريل 2015

ماذا يقول اسمك؟



دراسة الأسماء مسألة فاتنة، ومع هذا لا أحد يفكّر في دراستها دراسة معمّقة ورصينة من وجهة نظر سياسية واجتماعية ونفسيّة ودينية. فالمكتبة العربية فقيرة في كتب الأسماء كما هي فقيرة في مواضيع كثيرة. وقد يقول لي قائل: كيف تتّهم المكتبة العربيّة بالفقر في كتب الاسماء وهي كثيرة؟ أقول: معاجم الأسماء كثيرة ربّما، ولكن ليس الى المعاجم الاسمية قصدت، وانّما الى دراستها. وأكثر معاجم الاسماء منسوخ بعضه من بعض. حين يستشيرني طالب ما في موضوع لغويّ يختاره لرسالة الماجستير أقول له: عليك بدراسة الأسماء، ولا أقصد الضلع الأوّل من مثلّث الكلمات، أي "الاسم، والفعل، والحرف"، وإنّما إلى اسم العلم، أن يدرسها دراسة إحصائيّة، وتحويل القراءة إلى خطّ بيانيّ دالّ عن الأوضاع السياسيّة والايديولوجية والنفسيّة فالأسماء أرشيف نمّام. ولا اعرف لماذا نستسخف دراسة أشياء كثيرة بخلاف ما هو عليه الحال في الدول الراقية التي لا تعترف بسخف فكرة وانما بسخف معالجة فكرة. الاستخفاف والاستسخاف هو ما يجعلنا نعيش، في أيّ حال، على هامش الفعل الحضاريّ. هنا سأحكي عن بعض النقاط ذات الصلة بالأسماء، اول نقطة أتناولها تلخصها العبارة التالية:"طريقة وصول اسمك اليك ليست واحدة".

لنفترض، على سبيل المثال، أنّ والدك قرر تسميتك بـ"زياد". هنا بطريقة لا شعوريّة قد يكون والدك قرر عنك تسمية ولدك الأوّل من غير ان تدري، أي ضرب كما يقال، عصفورين بحجر واحد. فاسمك غيّر مصير ابنك الذي لم يأت بعد، ان اسمك يضمر اسماً آخر، اسمك ليس اسما مقطوعا من شجرة، وحين تكبر تقرّر أن يكون ابنك حاملاً لاسمه المضمر والمتواري في اسمك. ومن الطريف أن يقوم المرء برصد أسماء الآباء والأبناء وأسماء الأجداد والأحفاد، أي شبكة القرابة الاسمية، ولا بدّ من أن يخرج، بعد الرصد، بمجموعة من الملاحظات، وان لم يكن لهذه الملاحظات دقّة الساعات السويسرية.

لا يمكن محو التاريخ من ذاكرة الناس، وأقصد الذاكرة الجماعيّة والتاريخيّة. سأترجم الآن مقطعاً ممّا قلته عن كيفيّة اختيار الأهل تسمية الحفيد من طريق تسمية الابن. حين يكون اسمي زياد مثلاً فهذا يعني أمورا كثيراً: فقد يكون اسمي " زياد" لأنّ جدّي اسمه زياد، واراد والدي تكريم أبيه من خلال إلباسي هويّته الاسمية، الأسماء تحيي الموتى إسميّاً. قد يكون مجرّد تكريم، ولكن قد يكون أيضاً بسبب ّإعجاب مفرط بأبي إلى حدّ أنّي أردت من خلال لصق اسمه بجلد ابني تذكير ولدي بضرورة السير على خطى جدّه. وثمّة احتمال أن يكون الأمر اعتباطاً في اعتباط، من دون خلفيات معينة، المصادفة الماكرة اوقعتني في فخ الاسم. وقد يكون التاريخ  هو الذي دفعني الى اختيار اسم ولدي، وقد يكون اللاتاريخ بحكم اني اجهل التاريخ ولكن ولدي حين يكبر يكتشف ربّما انّ لاسمه رونقا تاريخيا. سوف يكتشف ان الفردوس المفقود أي الأندلس جزء غير معلن من اسمه، من خلال اطلاعه على سيرة طارق بن زياد. شخصية تاريخية تقرر ان يكون ولدي الاوّل ( وفق شروط معينة) يحمل اسم طارق. على أمل أن يكون " طارق بن زياد" تفاؤلاً بمستقبل مشرق على غرار ماضٍ لا يزال يشرق من كتب التاريخ. هل قررت، هنا، ان يكون اسم ولدي طارق ام ان اسمي هو الذي قرّر عني اسم ولدي؟ هل انا اسمي؟ هل للاسماء مقدرة على اللعب بقراراتي؟ انتبه الى انني لم اختر اسمي ، فالانسان محكوم باسمه الذي ينزل عليه كالقدر المرسوم أو الموسوم، ولكنّه، أيضاً، محكوم باختيارات لم يخترها في تسمية فلذات أكباده.

ظروف تسمية الولد الأوّل تختلف عن ظروف اختيار اسم الولد الثاني. وقد تقرر الاقدار تسمية ولدي الثاني، لنفترض ان شخصا ما ينتظر مولودا جديدا، وقد جهّز له اسمه ، واتفق مع شريكة حياته على اسم الولد، الجنين الذكر التي يحتضنه رحمها، وشاءت الاقدار ان يموت أخ ذلك الشخص في حادث سير مروّع، وشقيقه أعزب، اي ان اسمه مات معه. ما الحلّ؟ كيف يعيش اسمه بعده؟ يتخلّى ذلك الشخص عن الاسم المقترح لابنه ويسميه باسم اخيه الراحل، ارضاء لمشاعر الاخوة، ومحاولة تخفيف حرقة قلب أمّه على شقيقه الذي انقطع نسله على حين غرّة.

من قرّر، هنا، اسم ذلك الوليد الجديد؟ هل هو الأب؟ هل هي الأمّ؟ ام تلك السيارة المجنونة التي غيّرت مصير عائلة ومصير اسم؟

أمور كثيرة تلعب ادوارا في حياة الناس وحياة أسمائهم، قد لا ينتبه لها الناس لأنّها عادية فمن الضروريّ ان يكون لكلّ شخص اسم، واسم عادي اغلب الاحيان. ولكن حتّى الاسم العادي هل هو اسم عاديّ؟ أليس وراء كثير من الأسماء دموع ودماء ورغبات مكسورة واحلام وليدة؟

قد يكون الاسم بسيطاً جدّاً، ولأقل انه سمير. هل اعرف ما الأسرار التي يحملها اسم ذلك الشخص ان لم اكن اعرف الاسباب التي حدت بالاهل الى اختياره؟ اليس من الممكن ان يكون السبب هو ان والده تعرف على زوجته ذات سبت؟ هل للسبت دور في اختيار اسم سمير مثلاً؟

قد تقول لي: وما علاقة الأيام هنا؟ وما علاقة اسم السبت بسمير؟ يحقّ لكلّ  احد ان يسأل، ولكن كلامي ليس من عندي وانما اخذته من أفواه الناس. انتبه الرجل الى ان نهار السبت غيّر حياته بعد ان اكتمل بنصفه الثاني، فانبنت علاقة ودّ حميم مع يوم السبت، بسينه وبائه وتائه. وقرّر احتفاء بيوم السبت أن يكون حرف السين فاتحة أسماء بنيه وبناته.

قد لا يخطر ببال من يسمع هذه الأسماء صلتها النفسية والخفية بيوم السبت.
فكّ شبكة الأسماء خيطاً خيطاً يدخلنا في صلب آلية أذهان الناس وفي دهاليز المجتمعات. وأنهي بإجابة امبرتو ايكو العالم السيميائيّ والروائيّ الإيطاليّ عن سؤال كلاسيكيّ وهو أيّ كتاب تختار أن تأخذه معك الى جزيرة مهجورة ليس فيها إلاّ أنت؟ لم يختر كتابا من تلك الكتب التي يفكّر المرء، عادةً، في حال كان قارئاً، أخذها معه، وإنّما قال مفاجئاً أذنَي سائله: آخذ معي دليل الهاتف، والسبب انّ دليل الهاتف عبارة عن صفحات تعجّ بالأسماء، ولم تكن إجابته مجرّد لعب روائيّ، فهو ينتصر بالأسماء على عزلته في تلك الجزيرة الملعونة، ولحكمة ما علّم الله – سبحانه- آدم الأسماء كلّها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق