الثلاثاء، 14 أبريل 2015

منسف اردني

المنسف طبق البادية



حسرة تعلق في فم من لا يأكل "المنسف" الطبق الشعبي والرسمي معا. ومن له صديق أردني فإنه ينعم بتذوق الطبق وفق أصول البادية وأصول الضيافة العربية. أصابعك وأنت تزدرد المنسف أشبه  ما تكون الشوكة, وباطن كفك معلقة تلتقم بها الأرز المطيب الغارق في "الجميد".
الأرز يتحول في يد الأردني الماهر إلى ما يشبه الكرة الصغيرة تكرج إلى الحلق. تشده لمهارة الأصابع والأكف وهي تلعب بالأرز. تتعلثم أصابعك في اللقم الأولى, فاتقان تكوير الأرز لا يطاوعك, بيد أن احترامك للصديق والطقوس يجعلك وأنت تشاطره المنسف تكره, نوعا ما, أن تستمد العون من الملعقة. الطبق واحد للكل, كل الأيادي تغمس في صينية المنسف. أرز تعلوه شرائح لحم الغنم المسلوق, اللين كالهليون. ويقال أن المنسف الأصيل يعلوه رأس الخروف, ويخص لسانه لشيخ الضيوف يوزعه وفق مشيئته على الآكلين. حتى هنا لم يكتمل المنسف بعد, فالجميد هو الذي يهب الطبق اسمه الفعلي, ومذاقه الحقيقي.
والجميد عبارة عن لبن ماعز مجمد, مجفف أشبه ما يكون من حيث الشكل بالاكر الكلسية. ينقع الجميد في الماء الى أن يتغلغل إليه ثم تقوم سيدة البيت بفركه بيديها حتى يستعيد سيولته الحليبية فيطبخ ويرش فوق الأرز المزدان بالصنوبر واللوز والبقدونس المفروم واللحم. وتصب إلى جانب المنسف كأس جميد ابيض أو معصفر مخلوط بالسمن البلدي. يشرب الجميد وكأنه هنا في أكلة المنسف, نبيذ المائدة الحلال.
قد يؤكل في المطعم ولكنه اذ ذاك يفقد شيئا من سحره. تأكله أول مرة فتشعر بالحنين لإعادة الكرة, إذ أنه يزرع في حاسة الذوق شيئا شبيها بالإدمان. المنسف الأردني طبق الأفراح والأعراس والتكريم وأكله ذكرى  في المذاق لا يزول طعمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق