الأحد، 5 أبريل 2015

إيران بين «الدومينو» و«الشطرنج»




بقلم سوسن الأبطح

أظرف الاتفاقات هو الذي تخرج منه كل الأطراف معلنة انتصارها، ويتسابق بعده المتفاوضون إلى تعداد مكاسبهم في العلن، بينما، في السر، يعض كل منهم على الجرح. ومع أن الاتفاق الإيراني - الأميركي لا يزال بحاجة لتفنيد خطواته التنفيذية، وثلاثة أشهر مقبلة لإتمامه، فإن الجانبين الرئيسيين، أي أميركا وإيران، يصران على «الترويج» لـ«الإنجاز الكبير» الذي تحقق. أوباما في خطابه الذي أعقب جلسات لوزان قرن ثلاث مرات «الاتفاق» بلفظة «التاريخ»، لتأكيد اعتباره إياه مفصليا، وهو ربما محق. فهي المرة الأولى منذ 36 عاما التي يتقارب فيها، فعليا، وإلى هذا الحد «الشيطان الأكبر» مع «العدو الأشرس»، كما تطلّب الأمر 12 سنة منذ المحادثات الأولى، وما لا يحصى من المناورات والمفاجآت، للوصول إلى إعلان لوزان.
الجانب الإيراني يهلل بدوره، ويرقص احتفاء، ويرى في الاتفاق انتصارا لأن العالم، بحسب الرئيس حسن روحاني، اعترف أخيرا بحق إيران «في تخصيب اليورانيوم على أرضها لأغراض سلمية، دون أن يعتبر ذلك تهديدا لأحد»، على اعتبار أن إيران رفضت باستمرار الاعتراف بأنها تخصب اليورانيوم بغاية الوصول إلى صناعة أسلحة نووية.
لكن رغم هذه الاحتفاءات، ومع أن أوباما مدعوم بغالبية شعبية تصل إلى 49 في المائة من الأميركيين، تؤيد خطواته الدبلوماسية مع إيران مقابل 40 في المائة ضدها، تبقى هناك عقبات وعثرات قد تؤخر إنجاز الاتفاق النهائي. ففي الكونغرس الأميركي غالبية جمهورية تعارضه، وهناك محاولات التعطيل الإسرائيلية، مع تهديد بعمل عسكري ضد إيران، وإن كان البعض يستبعد أي قفزة مجنونة من نتنياهو، ويرى الأمر مجرد تهويل.
أوباما يرهن نجاح الاتفاق بالتزام إيران بالشروط، وبخضوعها لرقابة دورية صارمة وغير مسبوقة، وهي على الأرجح ستقبل وتلتزم. فمن ناحية باتت إيران تدرك أنها بحاجة إلى كسر الحصار الاقتصادي والدبلوماسي المفروض عليها لحل أزماتها الاقتصادية المتفاقمة، كما أنها تريد أن تكون جزءا من الاتفاقات المقبلة في المنطقة، وهي لن تؤمن هذا دون تنازلات موجعة.
مؤكد أن ما أنجز لغاية اللحظة بين إيران والدول الكبرى ليس بقليل، وأن أوباما يرى في اختراق السد الإيراني العصي منذ قيام الجمهورية الإيرانية إنجازا، بعد أن فشلت محاولاته لتحقيق تقدم في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، كما أنه بحاجة لتأمين رصيد للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أوباما يراهن أيضا على المزيد، وهو يحلم بأن يبدأ لعبة الدومينو بالحجر الإيراني، لتكر سبحة التفاهمات في المنطقة الغارقة بدمائها. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير آملا «أن يسهم الاتفاق في تخفيف التوتر بين إيران والدول العربية». بينما قال روحاني إن «صفحة جديدة في التعاون سوف تفتح مع العالم»، وإن «التقنية النووية لم ولن تتخذ ضد أي بلد في المنطقة».
إيران رفضت وهي تفاوض على برنامجها النووي مناقشة أي قضية إقليمية، أي أن النفوذ الإيراني في الدول العربية لم يكن مطروحا، وبالتالي فهو متروك لمرحلة مقبلة، ومفاوضات جديدة، من نوع آخر، من المفترض أن تبدأ بعد الانتهاء من النووي أو ربما أخذت تباشيرها في الظهور. 
هذا لا يعني أن الحلول ستكون غدا، بل على العكس، فإيران التي يتقن سياسيوها جيدا تحريك أحجار الشطرنج، واحتاجت أكثر من عقد للقبول بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم، إلى حد يرضي المجتمع الدولي، رغم أنها كانت تحت وطأة عقوبات قاسية وغير شعبية للنظام، وتسببت في أزمات داخلية عدة، تلجأ باستمرار إلى لعبة «عض الأصابع».
ثمة تغييرات جذرية ستحدث. أبواب جديدة ستفتح، وأخرى ستغلق. ربما أن الشهور القليلة المقبلة ستكون شرسة ودموية جدا، من أجل تحقيق مكاسب على الأرض، تستبق أي محادثات حاسمة تخص اليمن أو سوريا. قد تجد إيران نفسها أقل احتراقا وأكثر صبرا، وهي ترى بترولها يباع ومصانعها تزدهر، وبنوكها تعقد الصفقات دون موانع.
ما حدث في لوزان، وما سيتبعه من تحولات، يستحق من العرب البدء ببلورة رؤية واضحة، ليس حول الوضعين الأمني والعسكري فقط. الحاجة ملحة اليوم إلى التفكير باستراتيجية عربية شاملة متكاملة، حول ما يريده العرب لأنفسهم في السنوات العشر المقبلة على الأقل، تعليما وتحديثا واستثمارا في الأدمغة والمشاريع الجامعة. البرنامج النووي الإيراني الذي تفاوض إيران العالم حوله يعود إلى أيام الشاه، وليس وليدا جديدا. توقف وتعدلت خططه وأهدافه، عبر السنين، تبعا للظروف والاحتياجات. لكن الحلم النووي كان يقظا في إيران منذ عقود طويلة وسيبقى، ولن يكون الاتفاق الحالي سببا في موته بقدر ما هو منفذ لتحديثه وتطويره، في إطار سلمي بما يساير تطبيق الشروط المقبول بها دوليا. لذلك من مصلحة العرب، في هذه اللحظة التاريخية بالذات، أن يغتنموا الفرصة هم أيضا، ليتضامنوا من أجل بلورة مشروعهم الحضاري الخاص وصياغة حلمهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق