تعيش لغتنا العربية حياة بعليّة، على السبحانيّة، كما يقال، إذ ليس هناك همّ لغويّ حقيقيّ لدى الحكومات العربيّة، فالتخطيط اللغويّ ليس من الأمور التي تثير الشهيّة فيما يبدو بخلاف ما هو عليه الحال في كل الدول المتقدّمة في العالم من مغرب الأرض إلى مشرقها. وهنا سأحكي عن نقطة لغويّة من بلاد مشرق الشمس أي اليابان، ومشرق الشمس هو الترجمة الحرفيّة لكلمة يابان. لكل شعب طريقته في التعامل مع لغته، ولليابان علاقة نموذجيّة مع لغتها ودالّة. في منتهى كل عام تحتفل اليابان بكلمة تكون هي الكلمة الملكة، كلمة تكون بمثابة "adn" العام الراحل، ويقوم الخطّاطون بممارسة مهاراتهم الخطية في توليد أشكال لها. والمجلات والصحف اليابانيّة تشارك أيضا في هذا الاهتمام اللغويّ الدال، ولكم أتمنى لو تقوم مجلّة عربيّة بما قامت فيه مجلّة يابانيّة اسمها "شمس". لقد قامت هذه المجلة بإصدار عدد جميل جدا عن مائة كلمة تشكل معرفتُها مفاتيح لمعرفة الحضارة اليابانية. الكلمات ليست مجرّد كلمات، انها مفاهيم وأفكار وأحلام . عمدت المجلة الى تكليف عشرات الكتاب من كلّ الاختصاصات للبحث عن الكلمات المائة التي تشكّل جوهر الحضارة اليابانيّة، وتضعها بترتيب يدلّ على دور كلّ كلمة في تشكيل الشخصيّة اليابانيّة، ولم تعتمد على الأدباء فقط، فالأدباء مهما كان دورهم لا يشكلّون الا شريحة واحدة من شرائح المجتمع، كما ان اللغة ليست ملك الأدباء فقط، فاللغة بنت الناس العاديين أيضا. بعد الحصول على الكلمات المائة الأهمّ، خصّصت لكل كلمة دراسة مكثفة تفكّك دور هذه الكلمة او تلك في حياة الياباني. ما لفت نظري ان الكلمة الأولى كانت كلمة من الصعب أن تخطر ببال، وان كانت تشغل حيّزا كبيرا من وقت الناس، هي كلمة " الأناقة "، بينما كانت الكلمة الأخيرة هي " السومو" اسم لعبة المصارعة اليابانية المشبعة بالرموز والطقوس والدلالات. _#بلال_عبد_الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق