مع ليانا حفيدة أختي |
أشياء كثيرة بسيطة لا نستوعبها، ولا نستوعب مفعولها. منها مثلا: #طالبة في الرابعة من العمر، وهي قريبة لي. كنت أقرأ في كتاب، فأحبّت أن تظهر لي براعتها اللغوية، فأحضرت قلما وكتبت لي اسمها بالفرنسيّة، فقلت لها: والان اكتبيه بالعربيّ، فردّت علي: ما بعرف.فاستغربت، وقررت ان اعلمها كتابة اسمها بالعربيّ، وصرت أفكفك لها الحروف، وقلت على سبيل اللعب، استخرج اسمها العربيّ من الحروف الفرنسية ما دامت تعرفها، وبقيت معها ، أدربّها على كتابة اسمها بالحرف العربيّ. وهكذا جعلت من حرف E بعد أن قلبته على ظهره يشبه المقطع الأوّل من اسمها، وهو ليا بعد مطّ طرفي ال E، ووضعت تحت حرف الE النائم على ظهره نقطتي ماء. وقلت لها: الحرف بعد ان انقلب عطش، فشربته نقطتي ماء! وهكذا. لا اتخيل طفلا عربيا في مدرسة في الوطن العربي يعرف ان يكتب اسمه بالفرنسية او الانكليزية ولا يعرف ان يكتبه بالعربي. لا ننتبه الى هذه الأمور البسيطة التي نرتكبها ليس بحقّ لغتنا فقط، وانما أيضا بحقّ أفكارنا ، وأدمغتنا. ولا ننتبه الى الأعطاب الروحية والنفسية، ولا نأخذ خطورة الأمر على محمل الجدّ. الا تشبه علاقتنا بلغتنا ولغات الاخرين علاقتنا مع الاشياء المستوردة التي لا نحسن استخدام وظائفها؟ الخلاص البشريّ هو خلاص لغويّ. حين تكون علاقة الانسان مع لغته مزعزعة، متوترة، مكسورة، معطوبة تعطبه وهو لا يدري. #اللغة الاجنبية ضرورة، بل اراها اليوم فرض عين، ولكن ليس على حساب اللغة الأمّ. حتّى يوم كنت في فرنسا، وكنت أحضر محاضرات نخبة من المستعربين من أمثال اندري ميكيل، كانت محاضراته تحليل نصوص شعرية لشعراء عرب قدامى من امثال ابي العتاهية وابي نواس، كان يحلل النصّ بلغته الام، بالفرنسية، ولم يكن يحلله بالعربية. تخيّل مثلا في #الجامعة اللبنانية استاذ ادب فرنسي يحلل قصيدة لفكتور هيجو مثلا بالعربية، ويتكلم على جماليات هذا الفعل وهذا التركيب بالعربية، سيقولون عنه : مهرطق لغوي. هل كان اندريه ميكيل مهرطقا؟ لا قيمة لمن لا قيمة للغته في نظره. ومن اسباب افتقادنا للقيمة ، اليوم، هو هذه النظرة الدونية للغتنا، وتاريخنا، وحضارتنا. هل #التطرّف الا عدم فهم للغة؟ هل هذه الهستيريا الدينية غير صورة للهستيريا اللغوية. اللغة، ولا شيء غير اللغة، منصة اقلاع الى العالم الأرحب. ومن ضيق الأفق ، ايضا، الاكتفاء باللغة الأم. علينا أن نحبّ ، كرمى لعيني العربية، لغات الآخرين. الانغلاق على #اللغة الأمّ خانق للغة الأم. ومن يحبّ العربية حقّا عليه أن يحبّ لغة ثانية وثالثة على ضفاف محبته الأمّ وليس على حساب لغته الأمّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق