لا يمكن فصل العلوم عن بعضها البعض، لعلّ الطبّ الصيني هو أقرب إلى طبيعة العلوم. قد لا يجد المرء علاقة بين الإبهام والفم مثلا، وقد يستغرب وجود علاقة متينة بين الإبهام والتأتأة. كنت قد قرأت أن الطفل الذي يعاني من التأتأة يعالج في الصين عبر وخز بعض الإبر في ابهامه!
الأمر غريب!
من حيث الظاهر.
فما نجهله هو أكثر ما يثير الاستغراب. وما نجهله هو ما يقير العجب، الا نقول اذا عرف السبب بطل العجب.
وما أكثر الأسباب التي تغيب عن الأنظار.
كما ان باطن القدم في الطب الصيني أشبه بخارطة للجسد كلّه، ولا انسى كلاما قاله لي صديق طبيب كان ذات يوم في الصين ، وذهب لتدليك قدميه، فسألته المدلكة: هل عندك طلع مكسور؟
استغرب صديقي الطبيب سؤالها ، أهي تضرب بالرمل؟ وكيف تعرف ان له ضلعا كسر منذ اكثر من عشرين عاما. فقالت له: باطن قدميك هو من أخبرني بذلك.
فزادت غرابته غرابة وهو طبيب يفترض ان تتقلص غرابته إلى حدّها الأدنى.
كلامي هنا عن التدليك الصيني والطب الصيني هو لأقول ان هناك علاقة بين النحو والمتاحر وطريقة عرض البضائع. مو خلال ما يسمّى في علم النحو بالتقديم والتأخير. أليس هناك #وجه_شبه بين العرض والطلب والتقديم والتأخير ؟
كيف يمكن ان أحول " القاعدة النحوية" إلى أداة فعالة بيد " مهندس ديكور"، وكيف يمكن تطبيقها في الهندسة الداخلية؟
النص ادناه في التقديم والتأخير في النحو، انظر اليه كقاعدة في عرض بضاعتك في واجهة المحل!
#بلال
التقديم والتأخير في #النحو
التقديم والتأخير:
هو نقل لفظ عن رتبته في نظام الجملة العربية؛ فرتبة الفاعل قبل المفعول، والمبتدأ قبل الخبر، فإذا جاء الكلام على عكس ذلك؛ قيل: إن فيه تقديمًا وتأخيرًا.
وقد امتدح #النحاة العرب هذه الظاهرة، ومن هؤلاء عبد القاهر #الجرجاني الذي يقول عن التقديم والتأخير:
"هو باب كثير الفوائد، جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية، ولا يزال يفتر لك عن بديعه، ويفضي بك إلى لطيفه، ولا تزال ترى شعرًا يروقك مسمعه، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد أن الذي راقك ولطفه عندك أن قدم فيه شيئًا وحول اللفظ عن مكان إلى مكان"[1].
وقد سبقه #سيبويه بقوله عـن العرب: "إنهم يقدمون في كلامهم ما هم ببيانه أعنى؛ وإن كانا جميعًا يهمانهم ويعنيانهم "[2].
وقسم سيبويه التقديم قائلًا:
"إما أن يقدم في الرتبة دون الحكم؛ كتقدم المفعول به على فاعله، وإما أن يقدم في الرتبة والحكم معًا؛ كتقديم رتبة المفعول وحكمه في باب الاشتغال إذا ما ارتفع بالابتداء؛ كما في قولهم: زيد ضربته"[3].
وقد درس النحاة العرب هذه الظاهرة وأوردوا لها الضوابط؛ فمثلًا التقديم والتأخير لا يصلح في كل المواضع؛ لأن الأصل عدم التقديم والتأخير[4]، "وإنما يصلح #التقديم_والتأخير إذا كان الكلام موضحًا"[5]، فمثلًا "عوامل الأفعال لا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تتصرف"[6].
وما يهمنا ههنا أن النحاة قد وجدوا بعض الجمل أو التراكيب التي لا تتوافق مع قواعدهم فوجدناهم يقولون قد وقع فيها تقديم وتأخير.
[1] ينظر: #دلائل_الإعجاز (ص33).
[2] الكتاب (2/ 212).
[3] الكتاب (1/ 65).
[4] ينظر: #مغني_اللبيب (1/ 579)، وهمع الهوامع، للسيوطي، مطبعة السعادة، القاهرة (3/ 113).
[5] ينظر: >الكتاب (1/ 56)، والمقتضب (3/ 95، 118).
[6] ينظر: #المقتضب، للمبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق