الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

رحالة عرب ومسلمون ـ ابن بطوطة، الفضاء الآسيوي، الشرق أفقا [ روّاد الآفاق ]

يضم هذا الكتاب الجزء الأول من أعمال "المؤتمر الدولي لأدب الرحالة العرب
والمسلمين"، المنعقد في الدوحة أيام 6، 7، 8، 9 ديسمبر 2010 تحت عنوان "العرب
بين البحر والصحراء". وهو بمثابة الندوة السنوية للمركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد
الآفاق" في لندن-أبو ظبي، ويقام المؤتمر بالتعاون مع "الحي الثقافي-(كاتارا)" الذي
يفتتح نشاطاته باستضافة هذا المؤتمر ويتطلع إلى لعب دور ثقافي عربي وعالمي.
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام هي "العرب وفضاؤهم الآسيوي"، شمس
الدين الطنجي، أفق شرقي. وترصد الأبحاث المنشورة هنا الأدوار الثقافية والحضارية
للعرب والمسلمين في علاقتهم بجوارهم الشرقي وبالآخر الغربي، من خلال نصوص
أدب الرحلة، ورؤى الرحالة وكتابات الجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين. ويتزامن
انعقاد المؤتمر الذي يقوم على هذه البحوث مع مناسبة مرور عشر سنوات على
تأسيس " المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق"، وسبع سنوات على تأسيس
"جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة".
وتسلط بحوث المؤتمر المنشورة هنا، في هذا الكتاب والكتاب الثاني الذي يليه،
الضوء على مضيق هرمز والشواطئ العربية والآسيوية والإفريقية، والأوروبية، والرحلات
عبرها، إضافة إلى الوجود العثماني في المنطقة، من خلال نصوص السفر، وكذلك
على دور العرب في تاريخ العلوم البحرية والفلكية ورياد تهم في التأسيس لعلم الجغرافية
ولأدب الرحلة، وعلى دور رحلات الحج في نقل العلوم والمعارف والأفكار الجديدة.
ويتمحور عدد مهم من أبحاث الكتاب حول العلاقات الثقافية والسياسية
والاقتصادية بين كل من العرب والصين والهند وإيران والترك، قديماً ووسيطا، والعلاقة
بأجزاء من إفريقيا من جهة، وبين العرب وأوروبا، حديثاً، من جهة أخرى.
- 10 -
من ناحية ثانية تضم أبحاث الكتاب كلمات ومراجعات لعدد من مترجمي
رحلة ابن بطوطة إلى لغات أوروبية وآسيوية مختلفة، ممن شاركوا في المؤتمر وقدموا
شهادات حول تجار بهم في نقل هذه الرحلة الفريدة إلى لغا تهم، ونخص منهم بالذكر،
هنا، اثنين من العلماء الذين يتمتعون بحضور ثقافي كبير في بلادهم ويحتلون مواقع
بارزة في الحياة الثقافية والأكاديمية في بلدا نهم كالدكتور محمد علي موحد الذي ترجم
رحلة ابن بطوطة قبل ربع قرن من اليوم وصدرت منها في طهران طبعات أنيقة من
مجلدين، مرات عدة. أما المترجم الثاني فهو الصيني البروفيسور لي قوانغبين (فريد)
ويعتبر أحدث من ترجم الرحلة التي نشرت قبل بضع سنوات فقط في بكين استنادا
إلى النص المحقق من قبل د. عبد الهادي التازي وينضم إلى هذا الطراز من المترجمين
الأدباء الأديب التركي سعيد آيقوت الذي قدم ترجمة ممتازة للرحلة إلى اللغة التركية،
احتفت بها الأوساط الأدبية.

في هذا الموضع من اﻟﻤﺠلد تيمم البحوث شطر الفضاء الآسيوي، وتحاول
الموضوعات رسم صور متعاقبة لحركة الرحالة ورؤى الجغرافيين وحكايات مغامرات
البحارة، وتقييدات المندوبين والباحثين عن المعرفة في هذا الفضاء الجغرافي الرحب
الممتد، فضلا عن مدونات الساعين إلى الحج في رحلات روحية شكلت باستمرار
المعين الأساسي الذي رفد أدب الرحلة ببعض أهم نصوصها ومغامرا تها الروحية
والمعرفية.
بداية أنوه، هنا، بالبحث القيم الذي قدمه الشاعر شاكر لعيبي، تحت عنوان
"مسار رحلة أبي دلف الأولى: محاولة تفسيرٍ جديدٍ لرحلة الصين"، والنص بمثابة
مدخل من مداخل الدراسة الشاملة والممتازة التي أجراها لعيبي والبحث الشيق الذي
قام به من حول نص أبي دلف، في سياق عملة معقدة لإعادة تحقيق نصين رحليين
لهذا الشاعر والجغرافي المغامر الحامل إلينا أنفاس القرن العاشر الميلادي. وقد تتبع
الباحث كل كلمة وجملة وفقرة، ولم يهمل شاردة ولا واردة إلا وفركها كما يفرك
الصائغ الحجر الكريم، أو المعدن النفيس. ولم يمر على اسم إلا وتحقق من موضعه في
الأمكنة المعاصرة. وقد خلص إلى نتائج طيبة، لم يسبقه إليها أحد. فضرب بذلك
- 11 -
المثل على قوة عمل الخيال في ميدان البحث العلمي والتاريخي، فالفجوات التي تتركها
الأزمنة في النصوص، والأمكنة، وفي الوقائع ومدونا تها، على حد سواء، لا يمكن
ردمها مرات إلا بطرائق مبتكرة في البحث، وبإعمال الخيال في قراءة الظواهر
والدلائل. وهو ما يميز شاكر لعيبي في عمله على نصوص الرحلة التي تنتمي غالبا إلى
القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي. فقد كانت له جولات من البحث المبتكر
والشيق مع رحالة وجغرافيين من أمثال ابن فضلان والمقدسي البشاري، وابن بطلان.
وأشير هنا في هذا القسم من الكتاب أيضا إلى بحث د. حاتم الطحاوي حول
مدينة بغداد في كتابات الجغرافيين الصينيين في العصور الوسطى، وإلى الجهد الخاص
الذي بذله د. بشار الجعفري ليفتتح معنا أفقا مهما في أدب السفر، وهو تأثير
التجار والرحالة والعلماء المسلمين القادمين من اليمن والحجاز والشام في مجتمعات
الملايو، ويتجلى هذا في بحثه الذي ي درج على اسم كتاب له نشره في دمشق قبل
سنوات إثر عودته من جنوب شرقي آسيا بعد أن أمضى في ماليزيا بضع سنوات
سفيراً لبلاده. والواقع أن "أولياء الشرق البعيد، أساطير مجهولة في أقاصي المعمورة"
هو عنوان كتاب شيق على غير مستوى، وفيه قصص وأخبار عن ذلك الجزء من
آسيا لم يسبق للقارئ العربي أن اطلع عليها.
وفي هذا القسم أيضا بحثان يتصلان بحكايات البحارة انطلاقا من أخبار
سليمان التاجر وأبي زيد السيرافي، وبالتالي وقفة من باحثين هما عبد الرحيم مودن،
وقاسم وهب مع كتاب مهم هو "أخبار الصين والهند" لمؤلف مجهول. ومحاولة لرصد
الدور الريادي للملاّحين والتجار العرب في التعريف ببلدان الشرق الأقصى من
خلال الكتاب الذي حققه في الأربعينات من القرن الماضي المستشرق الفرنسي
سوفاجيه.
ويختتم هذا القسم بلمحة مكثقفة حول الجغرافيا البحرية العربية بين الوصف
والنظرية قدمها الحائز على جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي في حقل الدراسات د.
عبد الحفيظ بورايو من الجزائر.

خصص هذا القسم من الكتاب لشيخ الرحالين العرب والمسلمين شمس الدين
الطنجي، ابن بطوطة وهو يدرس هذه الشخصية على غير مستوى، والبداية مع
مترجم رحلته إلى اللغة الصينية البروفيسور لي قوانغبين (فريد). في هذه الورقة يقدم
المستعرب الصيني خلاصة تجربته مع نص ابن بطوطة، ويتركز البحث في هذه الورقة
على الجغرافية الصينية في الرحلة، ويلي هذه الورقة بحث حول ابن بطوطة وعصره
يلقي ضوءا على ابن بطوطة وزمانه، وضعها د. محمد علي موحد مترجم رحلة شمس
الدين الطنجي إلى الفارسية.
وفي هذا القسم من الكتاب بحث مبتكر تحت عنوان "بلاغة المحو في رحلة ابن
بطوطة" وضعه د. عبد النبي ذاكر. وبحث يتقصى الرحالة المغربي في بلاد ظفار لمحمد
بن مستهيل الشحري في حين يتناول د. الطائع الحداوي من موقع السيميولوجي
موقع ابن جزي السارد في الفضاء النصي، وذلك في بحث يتقصى الخبر والخطاب في
رحلة ابن بطوطة.
وبدوره يقدم د. نواف عبد العزيز الجحمة بحثا تأريخيا اجتماعيا يرصد من
خلاله المنطقة الجغرافية الممتدة من ظفار إلى البصرة في مطلع القرن 8ه/ 14 م، وذلك
من خلال مشاهدات وأخبار رحلة الرحالة الطنجي. في حين يرصد د. فؤاد آل عواد
النظرة الألمانية إلى شمس الدين الطنجي، ويتوقف عند فرضية الألماني أ. د. رالف
إلغَر حول رحلة ابن بطوطة، وهي فرضية لها مزالقها. ومن بين الكلمات اللطيفة
والمؤثرة في هذا الملف تلك الكلمة التي كتبها د. عبد السعيد آيقوت مترجم رحلة
ابن بطوطة إلى اللغة التركية حول تجربته مع النص. وقد اختتم هذا القسم سليمان
القرشي ببحث استقصائي وثبت شامل بالمؤلفات والكتابات التي وضعت حول ابن
بطوطة ورحلته.

"الحاكم الشرقي سائحاً وأديباً ومولعاً بالغرب" تحت هذا العنوان استعرض
الباحث المغربي رشيد اركيلة رحلة ناصر الدين شاه إلى أوروبا في محاولة لاستكناه
تلك التجربة التي خاضها الشاه القاجاري الشاب، والذي عبر عن دهشته بالتقدم
العلمي والثورة الصناعية التي أفضت بالغرب إلى السبق الحضاري. لا تحمل ورقة
الباحث الإشارة إلى أن ناصر الدين شاه ربما كان قد قضى اغتيالا بسبب من
حماسته للغرب ونزعته التحديثية .
د. عبدالرحيم بنحادة يحاول قراءة الإعجاب الآسيوي بالتجربة اليابانية في
ورقته: محاولات في فهم السر الياباني: من خلال رحلة عبد الرشيد إبراهيم إلى
اليابان. ود. محمد حرب الباحث في العثمانيات يدرس رحلة عالي بك إلى العراق
العثماني والهند، وفي الفضاء نفسه تدرس د. تسنيم حرب صفة بلاد الخليج والجزيرة
العربية في رحلات الموظفين العثمانيين الرسمية في القرن 19 .
وفي ختام هذا القسم مقالة طريفة بمثابة مقدمة ومختارات تعطي فكرة أولى عن
اثنين من الرحالة الإيرانيين المغامرين هما الأخوين أميدوار اللذين طافا العالم على
دراجة نارية خلال عقد من الزمن ما بين 1954 - 1965 وقد كتب هذه المقدمة
الشاعر والمترجم الإيراني موسى بيدج.
ذا اﻟﻤﺠلد وهذه البحوث نتقدم خطوات في حقل قراءة الرحلة وتفكيك
أعمال الرحالة بوصفهم مرايا أزمنة الثقافة العربية ومجتمعا تها، في رحلة المعرفة
والتعارف، وفي سعي ثقافة وحضارة لمعانقة ثقافات وحضارات.
ولعل الأمثولة التي يقدمها نص ابن بطوطة إلى قراء العصر الحديث، إلى أي
لغة وثقافة انتموا، هي البعد الإنساني في شخصيته وخبراته واهتماماته وملاحظاته
وحكاياته، فهو كما عبر لي، في غير مناسبة الكاتب والرحالة البريطاني تيم ماكنتوش
سميث، نزيل صنعاء، والمولع ولعا استثنائيا بابن بط وطة ورحلته، "قدم تجربة معرفية
مهمة لكونه ملأ برحلته المسافات بين الأمكنة". نعم، لقد كانت الرحلة بالنسبة إليه
ليس فقط عبور المسافة بين أقصيين أحدهما عالمه، وإنما تلك الخبرة بالإنسان، والتي
- 14 -
تقوم على انتماء مفتوح إلى عالم رآه الرحالة متصلا، فلم تكن علامات الط ريق
حدودا، وإنما محطات لمواصلة الرحلة ليس في الجغرافيا وحسب وإنما في الناس، ففي
الناس بالنسبة إلى ابن بطوطة كانت المسرة، والناس هم موضوعته الأثيرة، ومحط
اهتمامه، أكانوا مسلمين أو هندوسا أو مسيحيين أو عبدة نار أو أشجار. فلم
تظهر على سلوك الرحالة أو تفكيره أي شائبة عنصرية أو تطرف أو تمركز على
الذات، بل كان ذلك الإنسان الذي ينتمي إلى العالم ويعتبر "البسيطة" كلها وطنه.
لذلك امتدت رحلته لثلاثين عاما، وعاش بين شعوب وأمم تدين بشتى الأديان، رغم
اعتزازه بدينه وورعه كفقيه مسلم. لم ينتم ابن بطوطة في خطابه الرحلي إلى ذات
مريضة بعالمها الخاص وثقافتها الخاص، ومن يقرأ مجلد الحكايات التي رواها ابن
بطوطة لابن جزي، والتي جمعها وحررها وقدم لها الشاعر علي كنعان سوف
يستضيء هناك بالروح الإنسانية الشاسعة لهذا الرحالة، ويتأكد من أن شمس الدين
الطنجي، إنما آمن مع ابن سينا بأن الكائن أيا يكن ومهما صغر شأنه، فهو حياة
عظيمة الشأن: "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر". من هنا فإن
الجغرافيا في رحلة ابن بطوطة هي صورة من صور الإنسان نفسه، وهو ما يعلل
احتفاءه بالمغامرة الإنسانية. ولعل كلمات صديقي الشاعر علي كنعان تفي بما أريد
أن أضيف، عندما كتب إن "عالم ابن بطوطة يثير فيضا من الأسئلة والرؤى
والتساؤلات، وكأنه أراد - بغير قصد منه - أن يدفع القارئ إلى مشاركته في
استكشاف هذا العالم، والتأمل في صحاراه وبحاره وحواضره، والتفكر في غرائبه
وآياته، والحوار مع شخوصه وتضاريسه وأحواله الطبيعية والعمرانية والبشرية".
إن إفراد ملف متكامل لهذه الأبحاث عن شمس الدين الطنجي إن هو إلا عتبة
وتمهيد ودعوة من جانبنا نحن القائمين على مش روع "ارتياد الآفاق" للتعامل مع هذا
النص الخالد على غير مستوى من مستويات البحث والكتابة وإعادة التقديم إن
لعامة القراء أو للأطفال والناشئة العرب وغيرهم، فضلا عن أنه تأكيد على الحاجة
إلى تقديم اعتراف أكبر من الثقافة العربية هذا الرحالة وأثر رحلته في ذائقة قرائها في
اللغات الأخرى وقد اعترف به العالم أجمع بوصفه رحالة إنساني اً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق